كيف كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس أداءً للصلاة، وكان يحرص عليها الحرص كل الحرص ويحبب فيها ويرغب، ومن ترغيبه صلوات الله عليه في الصلاة قال صلى الله عليه وسلم : " ما افترض الله على العباد بعد التوحيد شيئا أحب إليه من الصلاة، ولو كان شيء أحب إليه من الصلاة لتعبد بها الملائكة فمنهم راكع وساجد وقائم وقاعد".
وكان صلى الله عليه وسلم أعرف الناس بقدر الصلاة.
قالت عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله يكلمنا ونكلمه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه " .
والأذان من السنن التي تسبق الصلاة وهي بمثابة الإعلان والإعلام بوجوب الصلاة، فإذا اجتمع الناس في المسجد أقيمت الصلاة، وكما للأذان صيغته المعروفة فإن للإقامة صيغتها المألوفة، وبعد إقامة الصلاة يسر المصلي في نفسه بما ينوي إقامته من الصلاة ثم يرفع المصلي يديه إلى منكبيه أو إلى أذنيه ثم يجهر بقوله الله أكبر، وهذه تكبيرة الإحرام .
فإذا قالها المصلي فقد دخل في الصلاة مقبلا على الله مدبرا عن كل ما عداه بعيدا عن كل ما يشغله في دنياه.
وبعد تكبيرة الإحرام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاته بقوله:{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام : 161-163)
وهذا بعض ما يقوله رسولنا صلى الله عليه وسلم فىدعاء الاستفتاح  وما ورد في ذلك : " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من الخطايا بالماء والثلج والبرد"
أو كان يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك"
وربما قال : " اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت  لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت، أنا بك وإليك لا منجا إلا إليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك"
هذا ما ورد عن رسولنا في أدعية الاستفتاح.
ثم بعد دعاء الاستفتاح يستعيذ المصلي من الشيطان الرجيم  يسر بها ويجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان رسولنا يجهر بها تارة ويخفيها تارة وكان إذا قرأ الفاتحة يمد بها صوته فإذا فرغ من الفاتحة وكان جاهراً بها جهر بآمين ورفع بها صوته وجهر بها من خلفه وكان له سكتة التكبيرة وسكتة بعد الفاتحة ثم يأخذ في قراءة سورة يطيلها أحياناً ويقصرها أحياناً لعارض من سفر أو غيره ويتوسط فيها غالباً، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " ما من المفصل سورة قصيرة ولا طويلة إلا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة، وكان يطيل الركعة الأولى عن الثانية وكان إذا فرغ من القراءة سكت بمقدار ما يتراد إليه نفسه " .
ولقد تناولنا آداب التلاوة وأصولها عندما سار بنا الحديث عن تنظيم التنفس وأثره من الناحية النفسية، وأن التلاوة الصحيحة المرتلة هي تنظيم حقيقي لعملية التنفس، ولهذا كان رسولنا (ص) يقرأ ترتيلاً ويقطع قراءته حرفاً حرفاً يعطي كل حرف حقه ومستحقه في الأداء ويقف على رؤوس الآيات ولو تعلق المعني بما بعدها .
وفي الركوع كان يرفع يديه قبل أن يركع وإذا ركع وضع كفيه على ركبتيه كالقابض عليهما، ولم ينصب رأسه ولم يخفضه بل يجعله معادلاً .
وكان تسبيحه في الركوع سبحان ربي العظيم يقولها باطمئنان ويكررها إلى عشر تسبيحات، فإن أنقصت فأقلها ثلاث، وكان تارة يقول في التسبيح " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك" .
وكان يقول في رفعه من الركوع : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد  أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .
ثم يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه ويضع ركبتيه قبل يديه ثم يضع جبهته وأنفه .
وكان ينحي يديه عن جنبيه وهو ساجد ويضعهما حذو منكبيه، وفي صحيح مسلم " إذا سجدت فضع يديك وارفع مرفقيك " .
وكان يعتدل في سجوده ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة وكان يبسط كفيه وأصابعه ولا يفرج بينهما ولا يقبضهما .
وفي صحيح ابن حيان كان إذا ركع فرج أصابعه فإذا سجد ضم أصابعه، وكان يقول " سبحان ربي الأعلى – سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم أغفر لي" .
ويقول :" اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " .
ويقول : " اللهم أغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت به أعلم أنت الله لا إله إلا أنت " .
وكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود وكان يرفع رأسه مكبراً ثم يجلس مفترشاً رجله اليسرى ناصباً اليمنى واضعاً يديه على فخذيه جاعلاً مرفقه على فخذه وطرف يديه على ركبتيه .وكان يجلس بين السجدتين بقدر السجود ويقول "اللهم أغفر لي وارحمني وأجرني واهدني وارزقني وارفعني "وكان ينهض على صدر قدميه وركبتيه معتمداً على فخذيه ولا يعتمد على الأرض بيديه، عن أبي هريرة عن النبي ص " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر لك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".
هذه بعض صلاة النبي (ص) وهي في حقيقتها تثبيت لمعالم الاطمئنان في نفس المصلي عندما يعطيها حقها من الأداء، وهي قمة ما تهدف إليه من الناحية النفسية، ولهذا فليست الصلاة التي أمرنا أن نقيمها هي حركات بهلوانية سريعة لا يكاد يتبين من يتابع المصلي حقيقة ما يؤدي وهذا الأداء الذي يتميز بالسرعة والعجلة واللهفة ليس هدياً يأمرنا به بل هو إخلال ينهانا عنه .
ولهذا فقد أمر رسول الله رجلاً  كان يصلي في عجلة وعدم اطمئنان وقال له : صل فإنك لم تصل وأعاده عليه، ولما عجز الرجل قال علمني يا رسول الله فإني لا أحسن غير ما أفعل، فعلّمه رسولنا كيف يطمئن كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ولولا أن الصلاة بهذه العجلة لا فائدة منها ولا تحقق الغرض الذي من أجله شرعت ما أمر الرسول هذا الرجل المسيء صلاته أن يعيدها .
ويصبح العمق في صلاتنا هو الأداء المطمئن والاطمئنان في كل حركات الصلاة، وهذا ما أمرنا به الرسول فقال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " .
فكانت كل صلاته مطمئنة وأسرع ما كان في صلاته هو القعود للتشهد بين الركعتين، فقد كان ص يقعد له وكأنه على الرضف والله تعالى أعلم .

Post a Comment

Previous Post Next Post