المسئولية
الجماعية :
كما
أن على الفرد مسئولية خاصة تجاه
نفسه ومجتمعه ، فكذلك الجماعة عليها مسئولية منوطة
بها لا بد من أدائها .
والمسئولية
الجماعية تعني سيادة روح الجماعة في تحمل التزاماتها , ومسئولية كل مسلم تجاه غيره
من أهله وجيرانه وأمته كل على حسب ولايته.
وجاءت
نصوص قرآنية ونبوية متعددة تؤكد وجوب قيام الجماعة متضامنة بمسئوليتها مثل قوله
تعالى {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }[التحريم/6] .
وحتى
الجماعة المجتمع من تسلل الفساد إليه تُلزم أن تقف في وجه الشر والانحراف ، وتُحذر
من عاقبة التقاعس والتهاون عن منابع الفساد.
إن
على الجماعة أن تقوم بما يجب عليها حتى لا يطالها العذاب العاجل والآجل{وَاتَّقُواْ
فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ
أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }[الأنفال/25].
يقول
الحافظ أبن كثير عند تفسيرها ما ملخصه :
"
يحذر الله – تعالى – عباده المؤمنين فتنة أي اختباراً ومحنة يعم بها المسيء وغيره
, لا يخص بها أهل المعاصي ومن باشر الذنب بل يعمهما حيث لم تدفع وترفع .
وعن
أبن عباس – رضي الله عنها – قال في تفسير هذه الآية أمر الله المؤمنين أن لا يقروا
المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب . والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة
وغيرهم , وإن كان الخطاب معهم هو الصحيح والأحاديث في ذلك كثيرة منها :
ما
رواه الإمام عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : 0(
والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم
عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجب لكم " (المصباح المنير في تهذيب تفسير
ابن كثير 532)
.
ومن
السنة ما روي عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه
وسلم – قال : ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها , كمثل قوم أستهموا على
سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها , فكان الذين في أسفلهم أذا استقوا من
الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم تؤذ من فوقنا
, فان تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جمعياً وأن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا
جميعاً).
وروى
الشيخان عن أم المؤمنين زينب بن جحش – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه
وسلم – دخل علينا منزعجاً يقول : ( لا إله إلا الله , ويل للعرب من شر قد أقترب ,
فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه , وحلق بين أصبعيه الإبهام والتي تليها ,
فقلت يا رسول الله : أنهلك وفينا الصالحون ؟
قال
: نعم إذا كثر الخبث (( الفسوق والمنكر )).
وإن
من وظيفة الأمة الإسلامية الاجتماعية والعقدية حراسة الرأي العام الذي يتمثل في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , على مجموع الأمة على اختلاف أصنافها و
أنواعها , دون أن يكون بينها تفريق أو تميز , فرض الله ذلك على الحكام والعلماء وعلى الخاصة والعامة وعلى الرجال والنساء , والصغار والكبار , ولم يعف منها أي إنسان , كل حسب طاقته وحاله وإيمانه.
أنواعها , دون أن يكون بينها تفريق أو تميز , فرض الله ذلك على الحكام والعلماء وعلى الخاصة والعامة وعلى الرجال والنساء , والصغار والكبار , ولم يعف منها أي إنسان , كل حسب طاقته وحاله وإيمانه.
والأصل
في هذا قوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}[آل عمران/110].
وقوله
سبحانه :{ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[التوبة/71].
فهذه
النصوص الشريفة وغيرها كثير تؤكد المسئولية الجماعية ووجوب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر, وأن ذلكـ من أهم خصائص وأسس قيام المجتمع المسلم , فيكون كل فرد – بعد
الله – رقيباً على إخوانه ومن يحيي معه في المجتمع الصغير والكبير المحلي والعالمي
, وهذه الرقابة رقابة توجيه وتواصي وتواصل وتعاون , وفي بعض الأحوال زجر وردع وهجر
ومقاطعه ومحاسبه وتأنيب كل ذلك من أجل شيوع الصلاح والخير بالمجتمع , وإضعاف
وإماتة الشر والفحش بالمجتمع , حتى لا يطغى الفساد ولا يجد من ينكره ويبتره فيعم
الجميع عقاب الله تعالى .
ولا
تعارض بين المسئولية الشخصية والمسئولية الجماعية حيث إن الإنسان – والمسلم على
وجه الخصوص- اجتماعي بطبيعته مدني بفطرته لا يمكن أن يعيش وحده بل يحتاج إلى بني
جنسه يحبهم ويكره منهم , ويعطي ويأخذ , والناس مختلفون في طباعهم وتفكيرهم وسلوكهم
، فيوجد من يخرج على نظام الجماعة وقوانينها , فيجب على الجماعة التي تريد السلامة
والصلاح والتقدم أن تأخذ على يد العابثين والمخالفين لهذه الأنظمة , فالصالح لا
يتم صلاحه إلا بدعوة الآخرين إلى الصلاح والكف عن الفساد،وحيث إن الفساد إذا عم
منعه من صلاحه وعكر عليه صفو حياته , ولا يصح أن يكون أثر صلاحه موقوفاً عليه ,
وإلا لما تحرك الإسلام من مكة أو على الأكثر الجزيرة العربية , ولكن لما أيقن المسلمون
الأيمان واستشعروا المسئولية تجاه إخوانهم في الإنسانية ورغبوا في أن ينعم الله
عليهم
بالهداية
في الدين العظيم مثلما أنعم عليهم حملوا المسئولية وأدوا الأمانة وبلغوا نور
الرسالة إلى آفاق الدنيا الواسعة.
Post a Comment