أثبتت البحوث و الدراسات أن المنطقة العربية هي من أكثر مناطق العالم تأثراً بأزمة المياه.
وتعرّف الأزمة المائية بأنها خلل في التوازن بين الموارد المائية المتجددة والمتاحة والطلب المتزايد عليها، والذي يتمثل بظهور عجز في الميزان المائي، يتزايد باستمرار ويؤدي إلى إعاقة التنمية، وهذا العجز هو الحالة التي يفوق حجم الاحتياجات المائية فيها كمية الموارد المائية المتجددة والمتاحة .
ويطلق على هذا العجز تسمية ( الفجوة المائية )، وعندما يصل العجز المائي إلى درجة تؤدي إلى أضرار اقتصادية واجتماعية تهدد بنية الدولة فإنه يكون قد وصل إلى ما يسمى بالأزمة المائية.
وتعاني المنطقة العربية من نقص في الموارد المائية، مما يمهد إلى حدوث صراع أو قيام تعاون إقليمي يراعي حاجات هذه الشعوب من المياه، وهناك ثلاثة محددات تفرض نفسها على قضية الأمن المائي العربي، وهي أن غالبية دول المشرق العربي ووسطه تعاني من أزمة مائية متزايدة وبدرجات مختلفة، وغالبية الأنهار العربية (دجلة، الفرات، النيل) تنبع من خارجه، مما يعني بأنها عرضة لتحكم قوى أجنبية، وأخيرا" ارتباط المشروعات الإسرائيلية بالهيمنة على مصادر المياه مع ازدياد أعداد المهاجرين بنسبة لا تتفق مع موارد المياه، وفيما يتعلق بالأبعاد الجيو سياسية للأزمة المائية العربية هناك البعد الجغرافي، حيث تتحكم دول الجوار العربي بنحو 85% من الموارد المائية العربية، أما البعد السياسي فيمكن إجماله في النقاط التالية:
* غياب المعاهدات والاتفاقيات الدولية الناظمة لاستغلال واستخدام المياه بشكل قانون يراعي حقوق الدول المائية وبسبب ضعف إلزامية القانون الدولي.
* نظرا" لطبيعة العلاقات التي تسود بين دول الإقليم فإن العامل المائي وحاجته وندرته أصبح مرتبطا بـ" البعد السياسي"، إذ أضحى يوظف في خدمة الأغراض والأهداف والنفوذ والسيطرة والمنافع والمصالح المختلفة.
* ترتبط دول الجوار الجغرافي مع الدول العربية بعلاقات استعمارية مع (إسرائيل)، ومع رغبة إسرائيل في استغلال هذا العامل كعنصر ضغط سياسي وحرمان للدول العربية، فإسرائيل تعتمد في تأمين مياهها، على سرقة المياه العربية سواء من الأراضي المحتلة (فلسطين والجولان) أو من الأراضي العربية المجاورة، كالعراق وسوريا ولبنان والأردن ومصر، ومنذ أيام الانتداب البريطاني و قبيل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كان زعماء الحركة اليهودية، والساسة البريطانيون يدركون أن مشكلة المياه ستشكل حجر عثرة في أي تسوية سياسية مستقبلية، لذا فإن زعماء اليهود طالبوا بعد صدور وعد بلفور بأن يمتد احتلالهم حتى (جنوب لبنان)، كي يتسنى لهم السيطرة على مياه نهر الليطاني، وسعت إسرائيل إلى الاستيلاء على المياه منذ احتلالها الأراضي العربية، لذلك فهم عملوا على:
* الاستيلاء على مياه نهر الأردن بعد تحويل مجراه في عام 1964م، وضخ حوالي 450 مليون متر مكعب من مياهه إلى صحراء النقب والجزء الجنوبي من الساحل الفلسطيني .
* احتلال هضبة الجولان السورية بهدف السيطرة على المياه والأراضي الخصبة في تلك المنطقة، وتؤمن هذه المياه 22% من الاحتياجات المائية لإسرائيل.
*احتلال الجنوب اللبناني في عام 1982م، بهدف الاستيلاء على المياه اللبنانية التي تغذي مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا، التي تؤمن مياه الشرب والري للعديد من المستوطنات الإسرائيلية.
* منع لبنان من استغلال مياه نهر الحاصباني عام 1965م، الذي تسرق منه إسرائيل حوالي 157 مليون متر مكعب من المياه سنويا، وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف المعدات التي أعدت لذلك، وفي عام 2002م هددت إسرائيل بشن حرب ضد لبنان إذا حاول استغلال مياه نهر الوزاني .
* منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عمدت إلى وضع الموارد المائية تحت إدارتها، وشيدت المستوطنات على الأراضي الكائنة حول المناطق المائية، حيث يغطي الحوض الفلسطيني 25% من الاحتياجات المائية الإسرائيلية.
كذلك فإنها تقوم بتلويث منطقتي الحوض الساحلي الغربي بمواد عضوية ومعادن ثقيلة قادمة من مناطق الصناعات العسكرية الإسرائيلية، مما أفسد أكثر من 85% من آبار مياه الشرب.
وما زالت إسرائيل تعمل المزيد من أجل تحقيق أطماعها في المياه العربية، خاصة للاستفادة من الظروف السائدة التي تمر بها المنطقة العربية منذ احتلال العراق الشقيق، فقد عقد اتفاقاً مع كل من الأردن والسلطة الفلسطينية لحفر قناة تربط البحرين (الميت، والأحمر) على هامش انعقاد منتدى دافوس الاقتصادي بالأردن في شهر يونيو 2003م، وهذه القناة ستعمل على تقطيع الأراضي الفلسطينية وإقامة مستوطنات إسرائيلية جديدة حولها، وستوفر لهذا الكيان حوالي 20% من احتياجاته من الطاقة، كذلك دعا مقترح أمريكي-إسرائيلي في المؤتمر الدولي الثاني للمياه في الدول العربية المنعقد في بيروت مؤخراً، إلى (إيجاد صيغة للتعاون الوثيق بين الدول التي تمتلك فوائض مائية في المنطقة وبين الدول التي تعاني من عجز في مواردها المائية وفي مقدمة تلك الدول إسرائيل)، وهذا المشروع وغيره من المشروعات السابقة سيخدم المخططات الإسرائيلية للاستيلاء على الثروات المائية العربية ووضعها في خدمة أهداف إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة العربية .
إذاً الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية قديمة ومعروفة وتشكل جزءاً من إستراتيجيتها الاستيطانية، ونجد أن المياه شكلت المحور الرئيسي في الفكر اليهودي قبل قيام إسرائيل وبعدها، حيث أولت القوى الإسرائيلية أهمية كبيرة لمسألة المياه، إذ يقول تيودور هرتزل، ( إن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة القديمة هم مهندسوا المياه، فعليهم يعتمد كل شيء من تجفيف المستنقعات إلى ري المساحات المجدبة وإنشاء معامل توليد الطاقة الكهربائية من الماء...)، أما بن غوريون فيقول، (من الضروري أن لا تكون مصادر المياه التي يعتمد مستقبل البلاد عليها خارج حدود الوطن القومي في المستقبل، فسهول حوران هي التي بحق جزء من البلاد يجب ألاّ تنسلخ عنها، إن أنهار إسرائيل هي الأردن والليطاني واليرموك، والبلاد بحاجة إلى هذه المياه) . والصراع بين إسرائيل والفلسطينيين يدور حول التنازع على مياه الحوض المائي الجبلي في الضفة الغربية، حيث تتزود إسرائيل بثلث مياهها منه بينما يحتاج الفلسطينيون إلى 80% من مياهه لاحتياجاتهم، مما يشكل هذا النزاع خلافاً مستمراً بينهما، وبن غوريون لا يكتفي بفلسطين بل يشير إلى أن خريطة بلاده هي من الفرات إلى النيل,ً من أجل السيطرة على المياه والتحكم بالمنطقة العربية, إذ يقول، ( إن هذه الخريطة – خريطة فلسطين – ليست خريطة دولتنا بل لنا خريطة أخرى عليكم أنتم مسؤولية تصميمها خريطة الوطن الإسرائيلي الممتد من النيل إلى الفرات)، وبالعودة إلى قرار التقسيم بتاريخ 29/11/1947، فقد انسجم مع المخططات الصهيونية تجاه المياه في الوطن العربي وخزاناتها الجوفية وتضمنت، مثلث اليرموك، مثلث النقب برؤوسه المائية، وادي غزة, خليج العقبة, البحر الميت, طبريا, الحولة.
وفي عام 1967 سيطرت إسرائيل على هضبة الجولان ذات المصدر الغزير للمياه كما سيطرت على 95% من نهر الأردن من المنبع إلى المصب، واحتلت الضفة الغربية مما زاد مصادر إسرائيل المائية 20%.
وفي عام 1982 غزت إسرائيل جنوب لبنان بهدف السيطرة على مياه نهر الليطاني و استجرارها وقال دافيد كمحي وزير إسرائيلي سابق عام 1983 ( إن انسحاب إسرائيل من لبنان مرتبط بحصولها على حصة من مياه الليطاني، فيما رفع الإعلام الإسرائيلي أثناء مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 شعاراً، موارد مائية بلا استخدام لتنمية تعوزها الموارد)، وهو صيحة تماثل الشعار الذي قامت عليه اليهودية يوم غزت فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، أما نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الحالي، فيؤكد أن الانسحاب من الأراضي المغتصبة سيرجع مصادر المياه للعرب و يعني وقوع إسرائيل تحت رحمتهم فيقول، ( يجب أن نحتفظ بالجولان لأسباب إستراتيجية واقتصادية, إن ربع الثروات المائية لإسرائيل مصدرها الجولان ويمكن أن نعيش بدون نفط لكن لا يمكن أن نحرم أنفسنا من المياه ).
وقد استعمل شارون سياسة العزل ومعاقبة السكان الفلسطينيين بقطع المياه عنهم، مما أدى نقص المياه في خمس دول من دول الشمال الأفريقي، وهي: مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، إلى أن أصبحت هذه الدول تستورد ثلث احتياجاتها من الحبوب من الخارج، بكل ما يمثله من أعباء مالية، وما تتعرض لـه بسبب ذلك من ضغوط سياسية أحياناً.
ولئن كانت العائدات السنوية من النفط ، وهو مادة ناضبة، قد تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات، فإن ميزانية العجز الغذائي المتصاعد باتت لا تقل هي الأخرى عن عشرات المليارات.
كان التصور أنه بالإمكان عن طريق النفط التحكم بعصب صناعة الغرب، فإن واقع العجز الغذائي المتفاقم وهو أن ذلك الغرب نفسه، الذي نتحكم بعصب صناعته، يتحكم الآن بعصب وجودنا بالذات لقمة العيش، "القوت" إن ثغرة الأمن الغذائي الذي يتكامل ويتلازم مع الأمن المائي، لأن أية ثغرة في الأمن المائي سوف تكون ثغرة قد تصيب مقتلاً في أزمة الغذاء أو على الأقل تزيدها تعقيداً وتدهوراً، وبالتالي التهديد الخطر للأمن الغذائي وبالتالي تهديد الوجود بالذات.
وتزداد ثغرة الأمن المائي العربي خطورةً، من منظور النمو السكاني، إن لم نستخدم مصطلح الانفجار السكاني، والاستهلاك الغذائي المتصاعد وتزايد الحاجة إلى استعمال الماء، فمعدل النمو السكاني في الوطن العربي هو واحد من أعلى المعدلات في العالم نحو 3% سنوياً، فإذا كان وحسب الإحصائيات المعروفة اليوم (مطلع سنة 2004) عدد سكان الوطن العربي يتجاوز الـ 310 مليون نسمة، ففي العام 2030 متوقع أن يصل العدد إلى 600 مليون نسمة، وهذا النمو السكاني السريع الإيقاع سيتسبب مستقبلاً في عجز مائي يصل في هذا العام الآنف الذكر إلى 176 مليار م3، وهذا العجز في الموارد المائية سيواكبه وسيتفاقم بسببه بطبيعة الحال عجز غذائي، فمعدل 3% للنمو السكاني سوف يستتبع زيادة في الاستهلاك الغذائي بمعدل 5% سنويا، ً على حين أن الإنتاج الغذائي العربي لا يزداد في واقع الأمر إلا بمعدل 2% سنوياً، وهذا ما سوف يجعل الوطن العربي يعتمد أكثر فأكثر في تغذيته على الاستيراد، وتقدّر الإحصاءات المستقبلية أنّ ما سينفقه الوطن العربي على مستورداته الغذائية، قد يتجاوز مع مطلع القرن الحادي والعشرين ما قيمته 200 مليار دولار.
وعلى مستوى أوسع يقول الخبراء العالميون، أنّ العالم سيشهد في بدايات هذا القرن صراعاً حاداً على المياه يشبه الصراع على النفط، ويقدر أنّ 1,2 مليار نسمة في العالم قد يعانون فعلاً من آثار نقص المياه، ولا يستبعد هؤلاء أن تشهد آسيا وأفريقيا حروباً لن تكون أهدافها سياسية، بل ستندلع من أجل السيطرة على منابع المياه، الأمر الذي قد يؤدي إلى خلق أزمات سياسية وصراعات طويلة، لا تقلّ ضراوة عن الصراع العربي الإسرائيلي.
ففي تقرير صدر في نهاية عام 1989 عن معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن، ركزّ على هذا الجانب الخطر، الذي ينذر باحتمال نشوب حرب من أجل المياه في منطقتنا العربية، تهدد استقرارها، رغم ما فيها من اضطراب في الوقت الراهن، حيث جاء فيه، (إنّ الشرق الأوسط، سيشهد في غضون السنوات العشر حرباً للسيطرة على المياه، نظراً لتصارع الأعداد المتزايدة من السكان على امتلاك أكبر حصص من الإمدادات المتضائلة من المياه، ويمكن أن تبرز هذه الأزمة قبل نهاية القرن الحالي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحطيم الروابط الهشة أصلاً بين دول الإقليم، ويؤدي إلى نشوب نزاع لم يسبق لـه مثيل).

Post a Comment

Previous Post Next Post