وضعية المثقف في المجتمعات العربية
     يجمع العديد من الكتاب أن المثقف العربي يعاني من أزمة متعددة الأبعاد تعكس حالة التفكك الموجودة في المجتمع العربي لكونه أصبح يفتقد للفاعلية و لم يعد يتميز بخصوصيته و هي إنتاج المعرفة و قد أمس في مؤخرة المجتمع و في عزلة تامة عنه.
و هناك من يرى بأنه لم يعد وفيا لأصول الشعب و لمنطلقاته الفكرية فهو خرج من الشعب و لم يعد إليه ...  ما جعل علاقات فئات المجتمع مع المثقف يطبعها دائما الحذر و الشك نتيجة لعدم فهم القيم و الأفكار و الآراء التي تناصرها فئة المثقفين مثل الديمقراطية ، العولمة ، الحداثة...الخر ، لاعتقادهم بأنها أفكار لا تعبر على قيم متأصلة في الوسط التاريخي و الثقافي  لمجتمعاتهم. و هناك من يصف موقف المثقف بالمتعالي لأنه يريد فقط المحافظة على سلطته الثقافية و الفكرية و الرمزية... و هذا ما عبر عنه الكاتب برهان غليون في مقاله اغتيال العقل  : عند ما رأى انه من الصعب إزالة هذا التمايز الموجود بين الثقافة الشعبية و الثقافة العليا ، أو جعل الثقافة الشعب اليومية ثقافة علمية أو عقلية خاضعة لنفس القواعد و الأطر و المعايير التي تخضع لها الثقافة العليا لأن من الصعب أن تتحول الثقافة الشعبية كما يحلم آخرون إلى ثقافة قائدة.
   وقد ذهب البعض إلى حد وصفه بالشخص المثالي لأنه يعتمد في طرح مشاريعه على الخطاب الثقافي المجرد و البعيد عن ثقافة الشعب ، و ليس ذلك الشخص المؤثر في حياتها العامة و في القضايا الكبرى التي تخصها و موجها لأفكارها و رمزا لتطلعاتها المستقبلية.
و هناك من يرى المثقف اليوم بأنه الشخص الذي لا يزال يعيش في الأوهام (وهم الثورة، وهم الحقيقة، وهم الاستقرار وهم الفردية، وهم الذاتية، وهم الحرية ... ).
 و قد لخص د. جلال فاروق الشريف, (في كتابه: بعض قضايا الفكر العربي المعاصر)  هذه مشكلة المثقف العربي في المقام الأول مع نفسه وأفكاره, مع رؤيته للعالم ومفهومه للحقيقة, إذ تكمن مشكلته في نخبويته بالذات. فالمثقف بقدر ما تعامل مع نفسه بوصفه ينتمي إلى النخبة الممتازة, أو الصفوة المختارة, صار في عزلة عن الناس والمجتمع, وانتهى به المآل إلى فقدان المصداقية والفاعلية. ومشكلته ثانياً تكمن في طريقة تعامله مع أفكاره, فالمثقف تعامل مع مقولاته على نحو دوغمائي أو أحادي, تبسيطي. لقد غلبت عنده إرادة العقيدة على إرادة المعرفة. وتكمن مشكلته ثالثاً في رؤيته الماورائية للحقيقة, أي في تعامله مع الواقع كموضوع يمكن القبض عليه عن طريق التصورات, فحسب.
و الخلاصة هو أن المثقف قد أصبح لدى عامة الناس في المجتمعات العربية مجرد شخص يكتب لذاته و يعيش على مخلفات كتابات و أفكار غيره من المثقفين الذين سبقه مستعملا احيان لغة عنيفة و لهجة حادة قائمة على التجريح و الرفض نتيجة تحول الصراع فيما بين المثقفين من صراع قائم على الأفكار إلى صراع عقيم  قائم على الانتماء  فقط .

Post a Comment

Previous Post Next Post