نماذج من الأخلاق
الفاضلة في الإسلام:
سنستعرض فيما
يلي طائفة من الأخلاق الفاضلة في الإسلام.
الصــــــدق:
مصدر قولهم صَدَقَ
يصْدُقُ صِدْقاً، وهو مأخوذ من مادة (ص د ق)، التي تدلُ على قوة في الشيء قولاً أو
غير قول، ومن ذلك الصدق خلاف الكذب؛ لقوته في نفسه، ولأن الكذب لا قوة له([339]).
وفي الاصطلاح قال
الراغب: «الصدق: مطابقةُ القول الضمير والمخبر عنه معاً»([340]).
وقيل: استواء السر
والعلانية والظاهر والباطن بألاَّ تُكَذِبَ أحوالُ العبدِ أعمالَهُ، ولا أعمَالُهُ
أحوالَه.
والصدق شامل لحياة
الإنسان كلها، وعلاقته مع خالقه ومع الناس، فيدخل في القول والعمل والحال([341]).
والصدق رأس الفضائل
وأساس مكارم الأخلاق، أمر الله به وأثنى على المتصفين به
وحث عليه (ص) وأخبر
أنه الباعث على كل خير والموصل إلى منازل الأبرار، فقال ^: «عليكم بالصدق فإن الصدق
يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب
عند الله صديقاً، وإياك والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار،
وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً»([342]).
وأخبر جل وعلا أن
الصدق نجاة من الدنيا والآخرة،
والصدق سمة الأنبياء
عليهم أفضل الصلاة والسلام،
فالصدق من سمات الأنبياء
والملائكة والصالحين من عباد الله المؤمنين، وقد تمثل الصدق في حياته ^ فكان أفضل مثال
للصدق في حياته ودعوته ^، وكان ذلك فيه بمثابة السجية والطبع، فعُرف بذلك حتى قبل البعثة،
وكان لذلك يُلقب بالصادق الأمين، واشتهر بهذا وعُرف به بين الناس، وعندما جمع قريشاً
فقال لهم: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريدُ أن تُغير عليكم أكنتم مُصَدِّقي؟»،
قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً...».
والصدق دليل استقامة
الإنسان وسلامته، ومتى عرف المرء بالصدق وثق الناس بقوله، والصدق له آثاره العظيمة
في حياة الناس والمجتمع.
فالصدق طمأنينة،
قال ^: «الصدق طمأنينةٌ، والكذب ريبةٌ»([343]).
والصدق سبب للبركة
في البيع والأرزاق، قال ^: «البَيّعَان بالخيار ما لم يتفرقا – أو قال: حتى يتفرقا
– فإن صدَقَا وبيَّنا بورك لهما في بيعهم، وإن كتما وكذبا مُحِقَت بركُة بَيْعِهما»([344]).
وكل ما قيل في محاسن
الصدق يظهر في مقابلة مساوئ الكذب، وهو صفة من صفات المنافقين
وقال ^: «آية المنافق
ثلاث: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا ائتِمنَ خَانَ»([345]).
ولا يجتمع كمال الإيمان
والكذب في قلب مسلم، قال تعالى: ?? ? ?
? ? ?? [النحل: 16].
وأفحش الكذب ما كان
كذباً على الله عز وجل أو رسوله ^، ومن الكذب على الله التكذيب بآيات الله،
وقد أخبر الله تعالى
عن مصير المكذبين بآيات الله تعالى ومآل من كذب برسالة المرسلين عليهم الصلاة والسلام،
ومن الكذب على الله الافتراء على الله الكذب وعلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام،
وأعظم الكذب بعد
الكذب على الله الكذب على نبيه ^، ففي البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:
سمعت النبي ^ يقول: «إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليَّ متعمداً فليتبوَّأ
مقعده من النار»([346]).
والكذب يؤدي بصاحبه
إلى النار، كما أخبر النبي ^ بأن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار،
والكذب يورث فساد الدين والدنيا، والكذاب مهمان بين الناس ذليل محتقر حتى وإن جاملوه،
فالكذب عقوبة في الدنيا قبل الآخرة، إذ يذهب المروءة والبهاء ويورث الذل والمهانة،
وهو دليل على خسة النفس ودناءتها، ومن الناس من يكذب ويصطنع الكذب لإضحاك الناس، وهو
موعود بالعذاب والعياذ بالله، قال ^: «ويلٌ للذي يُحدِّثُ بالحديث ليُضحك به القوم
فَيَكذِبُ ويلٌ له ويلٌ له»([347]).
الحِلْـــمُ:
مصدر حَلُمَ فُلانٌ
أي صار حليماً، وهو مأخوذ من مادة (ح ل م) التي تَدُلُ على ترك العجلة([349]).
والحلم في الاصطلاح
يدور حول معنى ضبط النفس عند شدة الغضب وترك الانتقام مع القدرة عليه([350]).
ويكفي الحِلْمُ منزلة
ومكانة أن وصف الله نفسه به في كتابه في معرض ذكره لفضله ورحمته ومغفرته لعباده، جاءت
صفة الحلم مقرونة بصفات المغفرة والعلم والغنى والشكر
وجعلها الله تعالى
صفة مدح وثناء على أنبيائه
وبَشَّرَ الله نبيه
إبراهيم بإسماعيل، ووصفه بالحلم، وقد تمثل الحلم في سيرته ^ ما لم تنتهك حرمة من حرمات
الله تعالى، فقد كان ^ حليماً في دعوته يتحمل الأذى الذي يلحق به في نفسه، فعن أبي
هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن رجلاً أتى النبي ^ يتقاضاه فأغلظَ، فَهمَّ به أصحابُه،
فقال رسول الله ^: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً»، ثم قال: «أعطُوه سناً مثل سنه»، قالوا:
يا رسول الله، لا نَجِدُ إِلاَّ أمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: «أعْطُوهُ، فإنَّ خَيْرَكُمْ
أحْسَنُكُمْ قَضَاءً»([351]).
ومن حلمه ^ ما ورد
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «كنت أمشي مع رسول الله ^ وعليه بُردُ نجراني
غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول
الله ^ قد أثرت بها حاشيةُ البُرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمدُ مُرْ لي من مال الله
الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ^ ثم ضحك ثم أمر له بعطاء»([352]).
والأمثلة على حلمه
^ من سيرته كثيرة، وقد أخبر عن نبي من أنبياء الله، كما ورد عن عبدالله بن مسعود رضي
الله عنه قال: «كأني أنظر إلى النبي ^ يحكي: نبياً من الأنبياء ضربه قومُهُ فأدموهُ،
فهو يمسحُ الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»([353]).
الحلم من الخصال
التي يحبها الله ورسوله ^، فقد قال ^ لأشجع بن عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يُحبهما
الله: الحِلْمُ والأناةُ»([354]).
وفي مقابل الحلم
الغضب، وهو صفة قبيحة عندما يكون مبدؤها الانتقام للنفس والتشفي من الأقران، ويكون
الغضب محموداً إذا صدر الغضب من الله أو لله، وقد ورد إخبار الله تعالى بغضبه على اليهود
والمنافقين، ومن خالف أمره جل وعلا وانتهك حرماته، من ذلك غضبه جل وعلى على اليهود،
ومع حلمه ^ والذي
ذكرنا جانباً منه فيما مضى إلا أنه كان يغضب لله إذا انتهكت حرمات الله، ففي الحديث
عن عائشة رضي الله عنها قالت: رخَّصَ رسولُ الله ^ في أمر فتنزه عنه ناسٌ من الناسِ،
فبلغ ذلك النبي ^، فغضب حتى بان الغضبُ في وجهه. ثم قال: «ما بال أقوامٍ يرغبون عمَّا
رُخِّصَ لي فيه، فوالله لأنا أعلمُهُم بالله وأشدُهُم له خشية»([355]).
وعن جابر رضي الله
عنهما أنه قال: كان رسولُ الله ^ إذا خطب احمرَّتْ عيناه وعلا صوتُهُ، واشتد غَضَبُهُ
حتى كأنه مُنذِرُ جيش يقول: صبَّحكُم ومسَّاكُم...»([356]).
والغضب إذا كان انتقاماً
للنفس، وتجاوز حدود ما شرع الله تعالى أودى بصاحبه إلى المهالك، وقد حذر منه ^، وأرشد
إلى طرق توقيه، ففي الحديث عن سليمان بن صُرَدٍ رضي الله عنه أنه قال: استب رجُلان
عند النبي ^ ونحن عنده جُلوسٌ وأحدهما يسُبُ صاحبه مغضباً قد احمرَّ وجهُهُ، فقال النبي
^: «إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»([357]).
وقال ^: «إذا غضب
أحدُكُم وهو قائم فليجلس فإذا ذهب عنه الغضبُ وإلا فليضطجع»([358]).
وكان من وصيته الجامعة
^ أن رجلاً أتاه فقال أوصني. قال: «لا تغضب»، فردد مراراً، قال: «لا تغضب»([359]).
والغضب المذموم من
أسباب نشر الأحقاد والضغائن بين الناس ومُورث لغضب الله تعالى، يقول ابن القيم رحمه
الله: «دخل الناسُ النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكاً في دين الله، وباب شهوة
أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وبابُ غضب أورث العُدوان على خلقه»([360]).
العِفَّــة:
العِفة: مصدر قولهم
عفَّ عن الشيء يَعِفُ عِفَّةً وهذا مأخوذ من مادة (ع ف ف) التي تدلُ على الكف عن القبيح([361]).
وفي الاصطلاح: ضبط
النفس عن الشهوات، واجتناب السرف في الملذات وقصد الاعتدال.
والعفة من الأخلاق
الحميدة التي حثت الشريعة الإسلامية عليها ورغبت فيها، وقد أ مر الله بها نبيه ^ والمؤمنين،
والعفة تشمل العفة
عن المحارم بضبط الفرج عن الحرام، وعدم الخوض فيما يثير الشهوات من السماع المحرم أو
النظر المحرم؛ وتكون العفة بحفظ اللسان عن القدح في الأعراض بالسب والقذف وتجنب الغيبة
والنميمة والفحش في القول وكل ما يستقبح قوله، والعفة عن أكل المال الحرام، مع العفة
عن سؤال الناس وحفظ النفس عن التطلع إلى ما لدى الآخرين من متع الحياة الدنيا والرضا
والقناعة بما قدر الله للإنسان من الأرزاق، مع بذل الأسباب الشرعية للكسب الحلال.
ومن العفة التي أمر
الله بها عفة المرأة المسلمة عن التبرج وعن الخضوع بالقول، وعن مخالطة الرجال وكل ما
يوصل إلى معصية الله والوقوع في الفاحشة.
وكان من دعائه ^
أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك الهدى والتُقى والعفاف والغنى»([362]).
ومن طلب العفة وعمل
بأسبابها وفقه الله إلى كل خير، وكان الله له معيناً ومسدداً، كما ورد في الحديث، قال
^: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح
الذي يريد العفاف»([363]).
ومن عف نفسه عن سؤال
الناس عفه الله وأغناه، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: «إن ناساً
من الأنصار سألوا رسول الله ^ فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفذ ما عنده قال:
«ما يكن عندي من خير فلن أدَّخره عنكم، ومن يستعفف يُعِفَّه الله، ومن يصبر يُصبره
الله، وما أُعطي أحدٌ من عطاء خيرٌ وأوسع من الصبر»([364]).
وقد ضرب يوسف عليه
السلام أعظم الأمثلة في العفة عن الوقوع في الفاحشة مع قوة الدوافع المؤدية إليها،
فقد كان شاباً عزباً غريباً والتي دعته ذات منصب وجمال وعدته بالحماية والتمكين وتوعدته
إن لم يفعل بالسجن والعذاب، ومع توافر هذه الدواعي كلها صبر وثبت إيثاراً لما عند الله،
وللعفة آثار عظيمة في حياة الأفراد والمجتمعات، إذ يجني العفيف ثمرة عفته في الدنيا
والآخرة من طمأنينة النفس وراحة البال، ومحبة الله تعالى، والفوز برضوانه، وانظر إلى
الثلاثة الذين آواهم المبيت في ذلك الغار الذي سُد عليهم، وأشرفوا على الهلاك، وعلموا
أن لا ملجأ من الله إلا إليه، فلجأوا إلى الله بصالح أعمالهم، فذكر أحدهم بره بوالديه،
وذكر الآخر حفظه للأمانة وعفته عن أكل المال بالحرام، وقال الآخر: «اللهم إنه كان لي
ابنة عمّ من أحب الناس إليَّ وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار
فطلبتها حتى قدرتُ فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها
قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلمُ أني
فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا»([365]).
وأما إذا شاعت الفاحشة
في بلد اضطرب بناء المجتمع وتفككت الأسر وهدمت البيوت واندثرت الفضيلة وعمت الجريمة،
والعياذ بالله، وكانت مؤذنة بعقوبة عاجلة من الله في الدنيا وسخطه في الآخرة.
الحيــــاء:
الحياء: مصدر من
مصادر قولهم حَيِيَ، وهو مأخوذ من مادة (ح ي ي) التي تَدُلُ على الاستحياء الذي هو
ضد الوقاحة([366]).
وفي الاصطلاح: خُلقٌ
يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق الله تعالى أو حقوق عباده([367]).
ومثل ذلك قال الراغب:
الحياء انقباض النفس عن القبائح وتركُها([368]).
والحياء قسمان: غريزي
ومكتسب، والحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان وهو المكلف به دون الغريزي،
وقد ينطبع الشخص بالمكتسب حتى يصير كالغريزي([369]).
والحياء من صفات
المولى عز وجل (الحييُّ) كما ورد في الحديث: «إن ربكم حيِيُّ كريم يستحي من عبده إذا
رفع يديه إليه يدعوه أن يردهما صفراً، ليس فيهما شيءٌ»([370]).
وهو من صفات النبي
^، فقد كان ^ أشد حياءً من العذراء في خدرها، كما يروي تلك الصفة أبو سعيد الخدري رضي
الله عنه قال: «كان النبي ^ أشد حياءً من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه
في وجهه»([371]).
وعندما دخل عليه
عثمان رضي الله عنه وكان كاشفاً عن فخذه غطى فخذه ^، وقال: «ألا أستحي من رجل تستحي
منه الملائكة»([372]).
والحياء شعبة من
شُعب الإيمان، قال ^: «الإيمان بعض وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان»([373]).
والحياء يدعو إلى
كل خير ويباعده من كل شر، قال ^: «الحياء خير كله»([374])، وقال ^: «الحياء لا يأتي
إلا بخير»([375]).
والحياء داع إلى
كل خير صارف عن الشر يمنع المرء من فعل القبيح أو قوله، ويحمل صاحبه على التحلي بكل
جميل ومحبوب، غير مانع من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن المنكر
قال مجاهد: «لا يتعلم
العلمَ مستحي ولا مستكبر»([376]).
وكلما زادت مراقبة
العبد ربه كمل حياؤه، إذ المراقبة تحمل العبد على الاستقامة في الأقوال والأعمال والبعد
عن ما يغضب الخالق وما يقدح في مروءة العبد.
ومن تهاون في الوقوع
في المعاصي نقص حياؤه وقلت مروءته، قال ابن القيم: «من عقوبات المعاصي ذهابُ الحياء
الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابُهُ ذهابُ الخير أجمعه»([377]).
ولا يقع في الفحش
والبذاءة إلا من بَعد عن خلق الحياء، وهذا مصداق لحديث النبي ^، قال ^: «إن مما أدرك
الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»([378]).
و الحياء يكسو المرء
الوقار فلا يفعل ما يُخلِ بالمروءة، وهو دليل دليل على كرم سجية صاحبه وطيب منبته وإيمانه.
والحياء هو الخلق
الحائل بين المرء وبين البذاءة، والمزجورات كلها بقوته يضعف ارتكابُهُ إياها وبضعف
الحياء تقوى مباشرتُهُ إياها، وقد أحسن من قال:
ورُبَّ قَبِيحةٍ
ما حالَ بيني
فكان هُو الدَّواءُ
لها ولكن
وبين رُكُوبِهَا
إلا الحياءُ
إذا ذهَبَ الحياءُ
فلا دواءُ
ومن قل حياؤه وقع
في فحش القول، والقُبح في المنطق، وقال (ص): «إن شَرَّ الناسِ من تركهُ النَّاسُ –
أو ودعهُ الناسُ – اتقاء فُحشِهِ»([379]).
فالبذاءة دليل قلة
الحياء، وتؤدي بصاحبها إلى الهوان على الناس، وأذية المسلمين، ونفرة الناس منه، ومداومة
البذاءة من مخالطة مجالس الفحش والسوء ورفقاء السوء.
علو الهمة:
لغة: مصدر من قولهم:
علا يَعْلُو عُلُوًّا، وهو مأخوذ من مادة (ع ل و) والتي تدلُ على السمو والارتفاع([380]).
وفي الاصطلاح: يدور
معناها حول: استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور([381]).
وفي المصباح: الهمة
بالكسر: العزم، وقد تُطلق على العزم القوي، فيقال له: همة عالية([382]).
وعلو الهمة يشمل
حياة المسلم كلها في عباداته ومعاملاته، وجميع شؤون حياته، ولعل مما يحسن الوقوف عنده
في هذا المقام لاتصاله الوثيق بمجالنا، ولحاجة الدارسين إليه، الهمة في طلب العلم،
والعلمُ أرفع مقام تطمحُ إليه الهمم، وأشرف غاية تتسابق إليها الأمم، فلا يخلصُ إليه
الطالب دون أن يقاسي شدائد ويتحمل متاعب، ولا يستهين بالشدائد إلا كبير الهمة ماضي
العزيمة([383]).
ولقد كان الصحابة
والسلف رضوان الله عليهم المثل الأعلى في علو الهمة في طلب العلم، وكان على رأسهم عمر
بن الخطاب وعبد الله بن عباس، والأئمة الأربعة: أبو حنيفة النعمان، ومالك، والشافعي،
وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتناوب مع جار له من
الأنصار النزول إلى رسول الله ^.
وفي مقابل علو الهمة
والجد والاجتهاد تأتي آفة العجز والكسل والتي استعاذ منها ^، فقد كان من دعائه ^:
«اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، وعذاب القبر»([384]).
والكسل مدخل للشيطان
على المسلم يحول بينه وبين طاعة ربه وعبادته وتحقيق منافع الدنيا والآخرة، وهو دليل
على سقوط الهمة، ويورث الذل والهوان، ويصرف المسلم عن معالي الأمور.
إرسال تعليق