دور المثقف العربي
إن التصور المستقبلي
للدور الذي ينبغي أن يكون عليه المثقف العربي لا بد أن يستند على الوظيفة
التاريخية التي عرف بها كضمير للجماعة و ذاكرة الأمة
، و العنصر الموجه لوعي الشعب
عن طريق تفعيل أدوات الفعل لديه اجتماعيا و سياسيا و أخلاقيا حتى يكون بمثابة
الشخص القادر على مواجهة و مقاومة كل أشكال الاختراق الثقافي الداخلية و الخارجية
، و الاستمرار في بناء دعائم المجتمع الحضاري و إثبات نجاعة و دور الفكر في تغيير
القيم اليائسة و المعتقدات البالية التي تميز بعض المجتمعات العربية ، لأن الفكرة
كما يقول (ليبنتز leibentz) قد تستمر ضد القدر الإنساني و تسخر لمصلحة العنصر البشري كما يتصورها (ابيقور
و ماركس).
لذلك فإنه ينبغي على المثقف العربي
أن يكون القدوة كإنسان في قلمه ، و في موقفه و سلوكه قادرا على المواجهة و التغيير
مؤمنا بدوره ، تعتليه فكرة النجاح لا مستقلا عن ما يحدث في مجتمعه يعيش في أحضان
الموتى
و ذكريات الماضي لحل مشاكل الحاضر بل مندمجا في مجتمعه و مشاركا في نقد و
تقييم أنظمته، لأن دوره في الأساس مرتبطا بنواتج النظام التعليمي و الاجتماعي
والثقافي و ما توفره من مناخ ديمقراطي و حر يساهم في إبداع المثقف ، و لذا فإنه
مطالب أكثر من أي وقت مضى بفرض أفكاره و تصوراته التي تخدم مصلحة المجتمع الذي
ينتمي له.
كما أن التغني تارة و التباكي
تارة أخرى على شعارات الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان...الخر و المطالبة
بتجسيدها و حمايتها في المجتمعات العربية لا يكفي ، لان المثقفين أنفسهم مطالبون بالكفاح و المقاومة لتحقيقها
كما فعلوه نظرائهم و لا يزالون يفعلونه في الدول التي عرفت شوطا متقدما في هذا
المجال، و ذلك من خلال الاختراق و الاندماج في كافة الهيئات الاجتماعية و الثقافية
و السياسية دون الانغماس و التموقع فيها .
أما عن المزاوجة بين الثقافات لا يعني تفضيل ثقافة عن أخرى و محاولة فرضها على
الآخرين و إنما المزاوجة تعني التكامل و التجانس دون استعلاء أو استصغار للقيم و
المتقدات المشكلة للثقافة المحلية، لأن المسؤولية الملقاة على الطبقة المثقفة من
أساتذة و جامعيين و صحافيين و كتاب ومحامين ونواب و غيرهم تحتم عليهم أن يكونوا
وسطاء بين الشعب و النظام الحاكم للتعبير عن رغباته و انشغالاته و الدفاع عن
مصالحه عن طريق تقييم السلطة و فضح الممارسات المشبوهة و أشكال الفساد المنتشرة.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه
المثقف في يومنا الحاضر يجعله أمام خيارين إما الخضوع لضغوطات المجتمع التي قد تحد من دوره و فاعليته و تهدد وظيفته ،
و إما أن يقاوم هذه الضغوط و يعمل على تحييدها و إضعافها و إن يؤدي وظيفته دون خوف
أو تردد . و في هذا الإطار فقد أورد
الكاتب أمين هويدي تصوره للمثقف الحقيقي في مقاله ( المثقفون بين
المناصب و المواقف) إن اقتراب المثقف من أصحاب القرار خطوة لا غبار عليها بشرط
ألا يكون ذلك على حساب اعتقاداتهم، و أن يكون ذلك بدافع خدمة القضايا فالولاء يكون
للرئاسة و ليس للرئيس ..على المثقف أن ينزل من برجه العاجي إلى الشارع و الواقع و
يحتك بالجماهير ليعيش قضاياها و يبحث عن علاج
و لا يكتفي بتوصيف المشاكل و الرجوع
على أصولها التاريخية فهو مطالب بأن يقترح حلا.
ما يمكن قوله أن
أزمة الثقافة العربية عامة و أزمة المثقف العربي بالخصوص لا تكمن في البناء
المعرفي للمجتمع
و إن الحديث على ضرورة اللجوء إلى الإصلاحات و التعديلات في برامجنا
التعليمية و إدخال بعض التقنيات الحديثة و إصلاح منظومتنا الإدارية و التسييرية ،
أو الانفتاح و الاحتكاك بالثقافات الأخرى لا يكفي لاسترجاع الحياة الثقافية
لمجتمعاتنا لأن واقع المجتمعات العربية يبين حالة التخلف الاقتصادية و الاجتماعية
و السياسية و الثقافية جعلها تعيش حالة من التشوه و التبعية ، لذا فإن العمل على
تخطي هذا الأزمة يستوجب تحسين الوضعية السياسية و الاقتصادية و الفكرية للمجتمع
العربي للقضاء على التناقضات الموجودة في البناء الاجتماعي و البناء المعرفي و الثقافي.
و من هنا يأتي دور المثقف الذي ينبغي أن يعمل و أن يدعو إلى تكوين ثقافة ذات
مضمون وطني ترتبط بالحياة المعيشية للمجتمع الذي ينتمي إليه بحيث تعكس بصدق و وعي
حاجات الناس و تهيئهم لخدمة قضياهم دون تزييف و تشويه لضمان علاقة صريحة و واقعية
ليست مغتربة مابين المثقف و مجتمعه.
Post a Comment