الحيــــاء
الحياء: مصدر من
مصادر قولهم حَيِيَ، وهو مأخوذ من مادة (ح ي ي) التي تَدُلُ على الاستحياء الذي هو
ضد الوقاحة
وفي الاصطلاح: خُلقٌ
يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق الله تعالى أو حقوق عباده
ومثل ذلك قال الراغب:
الحياء انقباض النفس عن القبائح وتركُها
والحياء قسمان: غريزي
ومكتسب، والحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان وهو المكلف به دون الغريزي،
وقد ينطبع الشخص بالمكتسب حتى يصير كالغريزي([369]).
والحياء من صفات
المولى عز وجل (الحييُّ) كما ورد في الحديث: «إن ربكم حيِيُّ كريم يستحي من عبده إذا
رفع يديه إليه يدعوه أن يردهما صفراً، ليس فيهما شيءٌ»([370]).
وهو من صفات النبي
^، فقد كان ^ أشد حياءً من العذراء في خدرها، كما يروي تلك الصفة أبو سعيد الخدري رضي
الله عنه قال: «كان النبي ^ أشد حياءً من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه
في وجهه»([371]).
وعندما دخل عليه
عثمان رضي الله عنه وكان كاشفاً عن فخذه غطى فخذه ^، وقال: «ألا أستحي من رجل تستحي
منه الملائكة»([372]).
والحياء شعبة من
شُعب الإيمان، قال ^: «الإيمان بعض وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان»([373]).
والحياء يدعو إلى
كل خير ويباعده من كل شر، قال ^: «الحياء خير كله»([374])، وقال ^: «الحياء لا يأتي
إلا بخير»([375]).
والحياء داع إلى
كل خير صارف عن الشر يمنع المرء من فعل القبيح أو قوله، ويحمل صاحبه على التحلي بكل
جميل ومحبوب، غير مانع من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن المنكر
قال مجاهد: «لا يتعلم
العلمَ مستحي ولا مستكبر»([376]).
وكلما زادت مراقبة
العبد ربه كمل حياؤه، إذ المراقبة تحمل العبد على الاستقامة في الأقوال والأعمال والبعد
عن ما يغضب الخالق وما يقدح في مروءة العبد.
ومن تهاون في الوقوع
في المعاصي نقص حياؤه وقلت مروءته، قال ابن القيم: «من عقوبات المعاصي ذهابُ الحياء
الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابُهُ ذهابُ الخير أجمعه»([377]).
ولا يقع في الفحش
والبذاءة إلا من بَعد عن خلق الحياء، وهذا مصداق لحديث النبي ^، قال ^: «إن مما أدرك
الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»([378]).
و الحياء يكسو المرء
الوقار فلا يفعل ما يُخلِ بالمروءة، وهو دليل دليل على كرم سجية صاحبه وطيب منبته وإيمانه.
والحياء هو الخلق
الحائل بين المرء وبين البذاءة، والمزجورات كلها بقوته يضعف ارتكابُهُ إياها وبضعف
الحياء تقوى مباشرتُهُ إياها، وقد أحسن من قال:
ورُبَّ قَبِيحةٍ
ما حالَ بيني
فكان هُو الدَّواءُ
لها ولكن
وبين رُكُوبِهَا
إلا الحياءُ
إذا ذهَبَ الحياءُ
فلا دواءُ
ومن قل حياؤه وقع
في فحش القول، والقُبح في المنطق، وقال (ص): «إن شَرَّ الناسِ من تركهُ النَّاسُ –
أو ودعهُ الناسُ – اتقاء فُحشِهِ»([379]).
فالبذاءة دليل قلة
الحياء، وتؤدي بصاحبها إلى الهوان على الناس، وأذية المسلمين، ونفرة الناس منه، ومداومة
البذاءة من مخالطة مجالس الفحش والسوء ورفقاء السوء.
علو الهمة:
لغة: مصدر من قولهم:
علا يَعْلُو عُلُوًّا، وهو مأخوذ من مادة (ع ل و) والتي تدلُ على السمو والارتفاع([380]).
وفي الاصطلاح: يدور
معناها حول: استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور([381]).
وفي المصباح: الهمة
بالكسر: العزم، وقد تُطلق على العزم القوي، فيقال له: همة عالية([382]).
وعلو الهمة يشمل
حياة المسلم كلها في عباداته ومعاملاته، وجميع شؤون حياته، ولعل مما يحسن الوقوف عنده
في هذا المقام لاتصاله الوثيق بمجالنا، ولحاجة الدارسين إليه، الهمة في طلب العلم،
والعلمُ أرفع مقام تطمحُ إليه الهمم، وأشرف غاية تتسابق إليها الأمم، فلا يخلصُ إليه
الطالب دون أن يقاسي شدائد ويتحمل متاعب، ولا يستهين بالشدائد إلا كبير الهمة ماضي
العزيمة([383]).
ولقد كان الصحابة
والسلف رضوان الله عليهم المثل الأعلى في علو الهمة في طلب العلم، وكان على رأسهم عمر
بن الخطاب وعبد الله بن عباس، والأئمة الأربعة: أبو حنيفة النعمان، ومالك، والشافعي،
وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتناوب مع جار له من
الأنصار النزول إلى رسول الله ^.
وفي مقابل علو الهمة
والجد والاجتهاد تأتي آفة العجز والكسل والتي استعاذ منها ^، فقد كان من دعائه ^:
«اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، وعذاب القبر»([384]).
والكسل مدخل للشيطان
على المسلم يحول بينه وبين طاعة ربه وعبادته وتحقيق منافع الدنيا والآخرة، وهو دليل
على سقوط الهمة، ويورث الذل والهوان، ويصرف المسلم عن معالي الأمور.
Post a Comment