المقاربة الواحدية للوقائع الثقافية
ينبغي أن نعلم أن دوركايم كان
عالم اجتماع أكثر من كونه عالم أعراق ،
ولم يكن يصرح باستخدامه لمفهوم " الثقافة " ليس لأنه لم يكن مهتما ً
بالقضايا الثقافية ، بل لأنه كان يرى أن القضايا الاجتماعية تنطوي بالضرورة على
بعد ثقافي ، حيث كان عمله منصبا ً على فهم
الرابط أو العامل الاجتماعي في كل
ابعاده ومظاهره بما في ذلك البعد الثقافي . إلى جانب ذلك كان يهوديا ً علمانيا ً ،
لذا فقد تأثر بالنظرة المادية للوجود – والتي قال بها علماء سابقون – أو ما يعرف
بـ " وحدة الوجود " [1]
، والتي قادته على أن يلغي الإله – تعالى الله عما يقولون – ويخلع صفاته وقدراته
وحقه في التشريع على المجتمع ، فأصبح لديه ما يعرف بـ " العقل الجمعي "
، والذي يعني جعب المجتمع بمثابة السلطة العليا التي توجه سلوك الأفراد وتجبرهم
على ذلك ، وكان يرى أنه – أي العقل الجمعي – هو الكفيل بتحقيق وحدة المجتمع
وتجانسه . وقد كان ممن تأثر بالنظرية التطورية ، فلذلك وبناء على علمانيته فقدد
طبق فكرة " العقل الجمعي " على الدين ،
فجعل الدين مجرد ظاهرة اجتماعية ، فإذا ما قال العقل الجمعي يوما ما بأنه
يجب ألا يكون هنالك دين ، فإن الأفراد لا يملكون إلا الانصياع لذلك .
أما عن علاقة كل ذلك بنتاجه الثقافي
، فلا شك أن فرضيات العقل الجمعي مارست تأثيرا ً كبيرا ًعلى نظرية الثقافة باعتبارها " هيئة عليا
" قادرة على توجيه الأفراد للوجهة المطلوبة .
[1]
مذهب لا ديني جوهره نفي الذات الإلهية عن
طريق القول بأن الله – تعالى عما يقولون
– والمادة شيء واحد ، وهو بلا شك وجه آخر
من وجوه الإلحاد الذي يريد التعبير بشكل ملتوٍ عن القول بوجود المادة فقط .
إرسال تعليق