إلى التطور التاريخي الذي شهدته كلمة " ثقافة "  ، وفي هذا الفصل سيكون الحديث عن " اختراع المفهوم العلمي للثقافة " .
س1/ دخل مفهوم الثقافة بشكل لا مثيل له في مختلف البلدان [ أي أن الأمر لم يعد قاصرا ً على فرنسا وألمانيا كما في الفصل الأول ] ، فما الذي يفسر ذلك ؟ .
ج/ إن ما يفسر ذلك هو ولادة علم الإتنولوجيا [1] ودخوله إلى العديد من البلدان ، ذلك العلم الذي أولى اهتماما ً كبيرا ً لدراسة الوحدة والتنوع في الجنس البشري ، ما يجدر ذكره هنا ، أن علماء الإتنولوجيا أرادوا تفسير هذه الوحدة والتنوع من الجانب الثقافي للشعوب ، وهذا ما جعل مفهوم الثقافة يدخل إلى العديد من البلدان بمجرد دخول الإتنولوجيا .
تايلور والمفهوم العالمي
س2/ في إطار جهود علماء الإنسان ، ظهر تعريف عالمي للثقافة اعتبر – في حينه- أحد أهم التعريفات ، فما هو ذلكم التعريف ؟.
ج/ لا شك أنه تعريف العالم البريطاني " إدوارد تايلور " الذي عرفها بأنها : " ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع " ، ومما يلاحظ على هذا التعريف ما يلي :
·       أنه تعريف وصفي وموضوعي وليس تعريفاً معيارياً ، وهذا ما كان يسعى إليه علماء الإنسان بشكل عام .
·       يعبر عن نظرة شمولية للحياة الاجتماعية للإنسان .
·       أن الثقافة وفق هذا التعريف تكتسب بعدا ً جماعيا ً ( باعتباره عضوا ً في مجتمع ) .
·       أن الثقافة في نهاية مكتسبة، وبالتالي فهي لا تنشأ عن الوراثة البيولوجية [2]
ما يجدر ذكره أن تايلور كان مترددا ً في تعريفه بين كلمة ثقافة وحضارة ، وهذا التردد كان هو الطابع العام في تلك الفترة ، وإن كان في النهاية فضل استخدام كلمة " ثقافة " لأنه كان يرى أن استخدام كلمة " حضارة " بما تشير إليه من منجزات مادية لا يمكن في إطار دراسة المجتمعات البدائية .
وبالمناسبة ، فإن تايور تطوري النزعة ، أي من المتأثرين بالنظرية التطورية التي تقول بالتطور من البسيط إلى الصعب ومن الأسفل إلى الأعلى ،ومن اللا معقول إلى المعقول ، ومن المعقد إلى الأشد تعقيدا  ً وهكذا ... ، بل حتى فكرة وجود الإله يرى أنها متطورة في مراحل عديدة كانت بدايتها الأحلام والرؤى التي أوحت للإنسان بوجود عالم الأرواح ، وإلى جانب ذلك فالتطور لديه ولدى غيره من دعاة التطورية حتمي لا قبيل لنا برده ، وهذه النظرية تحتاج من المسلم الفطن يقف أمامها موقفا ً طويلا ً للتأمل ! .
س3/ ما مدى تأثير تلك النزعة التطورية لدى تايلور على نتاجه الثقافي ؟ .
أما عن تأثير ذلك على نتاجه الثقافي فقد كان يحاول الربط بين الثقافة البدائية والأكثر تطورا ً – بالطبع سيلجأ إلى المنهج المقارن – باعتبار الثانية متطورة من الأولى ، كذلك كان يحاول الربط بين البدائيين والمتحضرين ، وأنه لا فارق بينهما من حيث الطبيعة ، وغنما الفارق هو من حيث ترتيب كلاً منهما على سلم التطور الثقافي ، وناضل في إطار ذلك ضد النظرية القائلة بانحطاط البدائيين .
س4/ وضع تايلور في بعض الحالات فرضية انتشارية ، فما معنى هذه الفرضية وما الذي حمل تايلور على وضعها ؟.
لقد بات من السهل الآن تفسير النظرية الانتشارية التي تعني : انتقال السمات الثقافية بطريق مباشر أو غير مباشر ، عن طريق عدة عوامل ، منها : الهجرة أو الإيحاء أو الاستعارة أة غيرها . [انظر قاموس علم الاجتماع د.محمد عاطف غيث – مصطلح انتشار Diffusion - ] .
وكثيرا ً ما كان تايلور يشبه الثقافة بالنباتات التي تتصف بالنتشار أكثر من كونها تتطور ، ويرى بأن الناس قد أخذوا من جيرانهم أكثر مما اخترعوا أو اكتشفوا بأنفسهم .

 
في الواقع إن تايلور لم كن مقتنعا ً باطّراد التطور الثقافي في جميع الأحوال ، فقد اعترف بوجود حالات من الركود والارتداد الثقافي ، وقد لاحظ أن مجرد تشابه سمات ثقافية[3] بين ثقافتين مختلفتين لا يكفي وحده لإثبات أن هاتين الثقافتين كانتا تحتلان نفس النقطة في سلم التطور الثقافي وقد انتقلتا على نقطة أعلى ! ، بل قد تكون هناك عملية " انتشار للسمات الثقافية " من إحدى هاتين الثقافتين نحو الأخرى ، بمعنى أنهما لم تسيرا في مسار متوازي من حيث التطور الثقافي .
ثقافة أ
 
 









Flèche gauche: انتشار

Zone de Texte: حالة ركود



Zone de Texte: حالة تطور






ثقافة ب
 


ثقافة أ
 




 







خلاصة ما سبق : يعد تايلور مخترع المفهوم العالمي للثقافة .


[1] Ethnology : فرع من الأنثروبولوجيا Anthropology  يهتم بالدراسة التحليلية للثقافات الفردية وطريقة الحياة في مجتمع معين ويهتم بالتحليل والتفسير أكثر من مجرد الوصف ، للاستزاده انظر :قاموس علم الاجتماع د.محمد عاطف غيث .
أما الأنثروبولوجيا Anthropology –علم الإنسان - فهي : علم يعنى بدراسة الإنسان من جميع جوانبه الطبيعية والسيكولوجية والاجتماعية ، وهو يحمل معنى الدراسة المقارنة للجنس البشري ، وقد تفرع في العصر الحاضر إلى فروع عديدة ولكنها في الواقع يصعب التمييز بينها بحدود واضحة . للاستزاده انظر : المرجع السابق .
[2] البيولوجيا Biology : علم الأحياء .
[3] السمة الثقافية : هي أصغر وحدة ثقافية ، وقد تكون مادية مثل الزي وطريقة الأكل و ... وقد تكون معنوية مقل القيمة والمعتقد .

Post a Comment

أحدث أقدم