يدعي عدد من المفكرين الغربيين أن لا صلة بين الأخلاق والدين، وينفون بذلك المصدر الديني للأخلاق.
ويزعمون أن الأخلاق منبعها مصالح الإنسان وحاجاته، وهو ما يسمى في الفكر الغربي بالأخلاق النفعية وهي ما يسمونه بـ (البراجماتية)
وقد ادعى رواد المذهب النفعي أن الطبيعة الإنسانية طبيعة أنانية تعمل لتحقيق المصالح الذاتية،([327])ويدعون أن الإنسان إن أحسن إلى الآخرين وحسن خلقه فإنما هو اضطرار ولتحقيق مكاسب خاصة، فالسلوك الإنساني لديهم مفطور على مبدأ المنفعةً كما يزعمونً وأن الإنسان خلق عبداً لسيدين هما: اللذة والألم وهما اللذان يتحكمان في كل فعل أو قول أو سلوك يصدر عن الإنسان([328]).
فالخير - على حد زعمهم- ما يجلب اللذة وما يحقق المنفعة الشخصية، والشر ما يجلب الألم ويفوت منفعة شخصية وهذه الأصول المادية منافية للحكمة من خلق الخلق، ومناقضة لما فطر الناس عليه من حب الخير للآخرين وما ندبت إليه نصوص الكتاب والسنة من مكارم الأخلاق والإيثار وحب الخير للآخرين قال ^: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([329]).
وقال ^: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم»([330]).
وقد ادعى رائد المذهب النفعي في الغرب (توماس هوبز) أن الأخلاق مسألة نسبية اعتبارية تـختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر، ومن مجتمع إلى مجتمع آخر فما يكون خلقاً حسناً في مجتمع لا يلزم أن يكون حسناً في مجتمع آخر، وما يكون قبيحاً في زمن قد يكون خلقاً حسناً في زمن آخر.
فالأخلاق عندهم مفاهيم اعتبارية نسبية تتواضع عليها الأمم والشعوب وليس لها ثبات في حقيقتها.
بل تتغير وتتبدل من مجتمع إلى آخر، وأن المجتمع هو مصدر تلك القيم وأن العقل الجمعي هو الحاكم على مسألة التحسين أو القدح في تلك القيم والأخلاق.
إن الزعم بأن الأخلاق نسبية مزلق خطير وخطة مسمومة لأصحاب هذا الفكر المادي ومن تابعهم لهدم أصول الأخلاق الحميدة، وحرباً على أصول الشرائع الإلهية الداعية إلى كل خلق حسن في كل زمان ومكان، وهذه المقولة – نسبية الأخلاق- تتردد على ألسنة من يسعون في الأرض فساداً في كل زمان ومكان وذلك لتكون هذه المقولة وهذا الأصل عندهم ذريعة لمن أراد أن يتمرد على أصول الأخلاق الحميدة زاعماً بان ما كان يصلح في زمان مضى لا يصلح تطبيقه في هذا الزمن، أو أن هذا الخلق يصلح لقوم دون غيرهم إلى غير ذلك من الأساليب الشيطانية للتنصل عن أصول الأخلاق الحميدة.
ومن المغالطات المصطنعة لأرباب الهوى في هذا الباب اعتمادهم على مفاهيم بعض الناس السقيمة للأخلاق، مع أن مفاهيم الناس قد تصدق وقد تكذب فهي لا تمثل جزءاً من حقيقة الشيء، وإنما تمثل مقدار إدراك أصحابها لحقيقة هذا الشيء فقد يكون هذا الإدراك مطابقاً وقد يكون مخالفاً، وقد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً ([331]).
وهكذا قد يُدخل بعض الناس في الأخلاق ما ليس منها كتقاليد وعادات وأحكام وضعية منحرفة ففساد مفاهيم الناس حول أصل من أصول الأخلاق لا يغير من واقع هذه الحقيقة شيئاً.
وقد روج لهذا الفكر عدد من النظريات الغربية في مختلف العلوم الإنسانية ساقت تلك المجتمعات إلى انحلال خلقي كبير، ومن أبرز تلك النظريات:
نظرية ميكافيلي، وسارتر، ودوركايم، وفرويد، ودافيد هيوم، ونيتشه، وغيرها من النظريات التي كان لها دور جلي فيما حدث من انهيار أخلاقي في المجتمعات الغربية، ونعطي نبذة مختصرة لأصول تلك النظريات ومفاسدها في الآتي:
مكيافيلي وفكرة الغاية تبرر الوسيلة:
نيقولا مكيافيلي (1469-1527م) إيطالي، كان من أبرز كتبه كتاب: «الأمير»([332]) وهو عبارة عن توصيات للقادة والحكام أنكر فيه بصراحة تامة الأخلاق المعترف بصحتها فيما يختص بسلوك الحكام، فالحاكم يهلك إذا كان سلوكه متقيداً بالأخلاق الفاضلة لذلك يجب أن يكون ماكراً مكر الذئب ضارياً ضراوة الأسد.
واستنتج أن لا يلزم الأمير أن يكون متحلياً بفضائل الأخلاق المتعارف عليها ولكن يجب عليه أن يتظاهر بأنه يتصف بها.
وتعتمد فلسفته على دراسة النجاحات البشرية في وصول الناس إلى غاياتهم ولو كانت هذه النجاحات هي من قبيل نجاحات الأشرار، فالغاية تبرر الوسائل المنافية لفضائل الأخلاق من أجل تحقيق النجاح المطلوب ومن أجل الوصول إلى الغاية المقصودة وهي الظفر بالحكم والاستئثار به.
وتدعي النظريات المادية ومنها نظرية (ميكافيلي) أن الناس لن تستقيم حياتهم ولن يحققوا التقدم العلمي والنجاح بالنسبة للولاة والحكام إلا إذا نزعوا هذه العواطف الإنسانية من أنفسهم، وأن هذه القيم مجرد دجل وخرافات تهدف إلى رعاية الغوغاء. هؤلاء الفقراء والضعفاء الذين يعوقون التطور الإنساني – كما يزعمون – وأن على الأقوياء تحقيق أهدافهم بأي طريقة كانت ولو كان ثمن ذلك القضاء على هؤلاء الضعفاء والذين يشكلون وصمة ضعف وعار في المجتمع القوي بأكمله  ــ كما يزعمون ــ.
وخليفة مكيافلي في انجلترا فيلسوف يدعى هوبس (1588-1679) وهو صاحب نظرية تنازع البقاء. يرى أن القوة إن لم تكن روحاً للحق فهي على الأقل مقياس للحق. ونظرية كهذه لا تقيم وزناً لما هو عادل أو غير عادل بل تجعل القوة والحيلة أس الفضائل كما تجعل الحق تابعاً للقوة. ومن الذين لهم يد طولى في تثبيت فلسفة القوة الفيلسوف الألماني هيجل (1770-1831) فهو يرى أن القوة صورة الحق وأن انتصار القوة معناه انتصار الحق ويرى أن الدولة تمثل القوة وأن على الدولة استعمال القوة للدفاع عن نفسها أو للتسلط على الغير من دون عدل ولا رأفة([333]).
نقد النظرية:
1- وقد جاء الإسلام بتشريع حقوق الراعي والرعية ووردت النصوص المتكاثرة من الكتاب والسنة التي تحذر من التفريط في حقوق الرعية وإضاعة حقوقهم ووجوب إقامة العدل، والسعي إلى تحقيق مصالحهم
وقال عليه الصلاة والسلام: «...ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة».
وأخبر النبي ^ أن من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: «ملك كذاب».أما الإمام العادل فهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
2- من القواعد المقررة في أصول الفقه أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد وهذا بخلاف قاعدة (مكيافيلي). أن الغاية تبرر الوسيلة.
وفي باب الرد على قاعدة أو نظرية: «الغاية تبرر الوسيلة» عند مكيافيلي فإن الإسلام قد وضع ضوابط للغايات والوسائل فمن ذلك:
‌أ- أنه يجب أولاً أن تكون غايات الإنسان في حياته مقيدة بما أذن الله به في شريعته لعباده.
‌ب) يجب أن يكون سعي الإنسان إلى غايته المأذون بها شرعاً ضمن الوسائل التي ليس فيها إهدار لحق أو عدل أو فضيلة أو واجب وليس فيها ارتكاب لمحرم من المحرمات الشرعية وليس فيها إسراف ولا تبذير.
وغيرها من الضوابط التي تدخل تحت مقاصد الشريعة الإسلامية في درء المفاسد وجلب المصالح.
3- يتضح الخطأ في الفكرة الباطلة التي انتهى إليها مكيا فيلي في السياسة، إلى اعتبار النسبة الغالبة من السلوك الإنساني هي المقياس الذي يبرر به السلوك، وإلى إهمال جانب الحق والعدل والخير، وإغضاء النظر عن الشر الذي يشتمل عليه السلوك، وإلى اعتبار السلوك مع الناس ذوي المشاعر والآلام..والحقوق المساوية لحقوق صاحب السلوك..، كالسلوك مع الأشياء غير ذات الحياة.
مع أنّ الواجب يقضي بأن تراعى حقوق الناس ومشاعرهم الإنسانية، ومنها آلامهم.
4- إن اعتبار تفوق المستهينين بفضائل الأخلاق، والمرتكبين لرذائلها، في الوصول إلى الحكم وفي تثبيته، على الملتزمين بفضائل الأخلاق المجتنبين لرذائلها، هو المبرر العلمي لاتـخاذ وسائل غير أخلاقية من أجل الوصول إلى الحكم وتثبيته، مطابق تمامًا لاعتبار وسائل الغش، والخديعة، وأكل أموال الناس بالباطل، هي الوسائل المفضلة للوصول إلى الثراء الفاحش، والاستمتاع بلذات الحياة، وتدعيم الرأسمالية المفرطة.
5- يتساءل كل من له عقل، بل كل من لديه مقدار يسير منه، عن التفسير المنطقي لهذا الرأي المنحرف الذي يعبر عنه بأن الغاية تبرر الوسيلة، والذي لا يستطيع إنسان في الدنيا أن يقبله على إطلاقه، مهما بلغت به الجريمة، ومهما بلغ به الشذوذ الفكري والنفسي.
فرويد ومدرسته في علم النفس:
ومن النظريات التي روجت للفساد الخلقي في الغرب ولم تسلم البلاد الإسلامية من آثارها نظرية فرويد في علم النفس ما تسمى: بمدرسة التحليل النفسي رائدها سيجموند فرويد (1856-1939م) يهودي نمساوي مؤسس مدرسة التحليل النفسي([334]).
أسس نظريته:
1)            الإلحاد بالله وإنكار الغيبيات، وإنكار الخالق والدين والأخلاق.
2)            الإباحة الجنسية، وأن سلوك الإنسان أساسه الدافع الجنسي كما يزعم.
3)     الكبت في مرحلة الطفولة وأثر كبت الغرائز الجنسية في الإصابة بالأمراض والاضطرابات العصبية والتي قد تؤدي إلى نشأة العقد النفسية – كما يدعي –.
من الآثار السلبية لهذه النظرية:
(1)     كثرة الإيماءات الداعية إلى الانحلال والتي أوردها في كتبه، ومن تلك الكتب: (تفسير الأحلام)، (مدخل إلى التحليل النفسي)، (ثلاث رسائل في نظرية الجنس)، (الذات والغرائز)، (القلق).
(2)           تبرير عشق المحارم والزنا بهن.
(3)           محاربة الدين.
(4)           إيهام أصحاب الأفعال الشاذة المحرمة أن ما يقومون به عمل طبيعي مشروع لا غبار عليه([335]).
(5)           خدمته للصهيونية في محاربة الدين والأخلاق ونشر الإلحاد وإشاعة الفساد في الأرض.
نقد النظرية:
جاءت دعوة فرويد إلى الانحلال الأخلاقي والإباحية الجنسية منافية للفطرة السليمة وللشرائع الربانية والأوامر الإلهية الداعية إلى العفة وحفظ النسل، والمحذرة من الوقوع في الفواحش والفساد، وشرعت محاربة الأسباب المفضية للوقوع في هذه الجريمة قال تعالى: ?ژ  ژ  ڑڑ  ک     ک      ک  ک   گ? [الإسراء: 32].
ولقد أثبت بطلان هذه النظرية وما تدعو إليه من فساد وانحلال أخلاقي ما وصلت إليه المجتمعات الغربية من فساد وانتشار للجريمة وللأمراض الفتاكة الناتجة عن تلك الدعوات الإباحية.
وكان من نتاج دعوة فرويد إلى الرذيلة ما أحدثته من مضار اجتماعية خطيرة في المجتمعات الغربية كاختلاط الأنساب وفقدان الرابطة الأسرية الحقيقية وما جلبته تلك الفوضى الجنسية من اضطرابات نفسية وجرائم أخلاقية.
ولقد سبقت الأديان الإلهية في الاهتمام بالنفس البشرية ودراستها وتزكيتها، وقد جاءت الآيات القرآنية والسنة النبوية بالدعوة إلى تزكية النفس وإصلاحها قال تعالى: ?ٹ  ٹ  ?  ?  ?  ?  ?? [الشمس: 7-8].
ودعا الله تعالى إلى توجيه النظر إلى خلق الله تعالى للنفس الإنسانية ودراستها قال تعالى: ??  ??  ?  ہ? [الذاريات: 21].
ولقد تعرضت نظرية فرويد إلى النقد العلمي من علماء مسلمين وغير مسلمين وتولى علماء الدين والنفس تفنيد دعاواه في زعمه انحصار دوافع الإنسان بالدافع الجنسي.
لقد جاء الإسلام في الاعتراف بالدوافع الفطرية، وتنظيف مكانها في الفكر والشعور فيجمع في هذه الآية شهوات الأرض ويقرر أنها أمر واقع مزين للناس، لا اعتراض عليه في ذاته، ولا إنكار على من يحس بهذه الشهوات.
وطريقة الإسلام في معاملة النفس الإنسانية هي الاعتراف بالدوافع الفطرية كلها من حيث المبدأ وعدم كبتها في اللاشعور، ثم إباحة التنفيذ العملي لها في الحدود الشرعية.
وفي هذه الحدود - التي تمنع الضرر - يبيح الإسلام الاستمتاع بطيبات الحياة، بل يدعو إليه دعوة صريحة
وفي الحديث يقول ^: «حُبِّبَ إليَّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة».
ويتحقق ذلك بالطرق الشرعية بالزواج الشرعي.
إميل دور كايم ونظرية العقل الجمعي:
ومن النظريات ذات الأثر الكبير في انحراف الفكر الغربي في تأصيل مفهوم الأخلاق.
نظرية العقل عند دور كايم، ومؤسسها يهودي فرنسي تـخصص في علم الاجتماع (1858-1917م) بل ويعتبر المؤسس الثاني لهذا العلم بعد أستاذه الفرنسي (أوجيست كونت).
من مؤلفاته: (تقسيم العمل في المجتمع)، و(قواعد المنهج الاجتماعي)، (الانتحار)، و(الأشكال الأولية للحياة الدينية)([336]).
أراد هدم الدين والأخلاق، إذ زعم في فلسفته العقل الجمعي أن العقل المشترك للجماعة الواحدة هو مصدر الدين والأخلاق والموجه لكل فرد والمكون لأفكار الأفراد ومذاهبهم([337])، وبناء على ذلك يتم تفسير الظواهر الاجتماعية تفسيراً مادياً لا يعترف بالله مع إنكار الغيب، وأن الإنسان يكون أسيراً لأحكام العقل الجمعي مسلوب الإرادة والحرية الفردية.
وأن العقل الجمعي دائم التغيير يُحل اليوم ما كان حرمه بالأمس والعكس كذلك دون ضابط ولا منطق ولا معقول؛ فلا يمكن بمقتضى سلطان العقل الجمعي المتغير تصور ثبات شيء من القيم إطلاقاً، فلا الدين ولا الأخلاق ولا سائر القيم لها ثبات بل هي متغيرات بسلطان العقل الجمعي – كم يزعم –.
وتدعي هذه النظريات المادية وغيرها أن الدعوة إلى الفضائل أمراض اجتماعية وأنها من مزاعم رجال الدين.
ولهذا تنكر المادية على الديانات جميعها هذه المشاعر الإنسانية التي يعمل الدين على غرسها وتنميتها في نفوس المتدينين من الرحمة والمودة والإيثار والعطـف والإحسان والتكافل وكل ما يشيع في كيان الإنسان من عواطف إنسانية نحو أهله وقرابته ومجتمعه والإنسانية كلها بل عالم الحيوان أيضاً.
من الآثار الهدامة لهذه النظرية:
1- الترويج للإلحاد ومحاربة الدين وقداسته.
2- سلب الإرادة الفردية والمسئولية الفردية مما يؤدي إلى تبرير التصرفات والسلوكيات الفردية الخاطئة وتحرير الأفراد من تبعية أفعالهم.
3- بدعواه أن المجتمع هو الذي يخلق الأديان والعقائد والقيم فيه حط من قيمتها ومن مكانتها وأهميتها فبذلك يدعو إلى الزعم بأن الإلحاد والانحلال الخلقي أمر حتمي في كل مجتمع وقابل للتغيير من مجتمع إلى آخر.
4- انتقال الآثار الهدامة لهذه النظرية إلى طائفة من علماء الاجتماع المسلمين في تفسيرهم للظواهر الاجتماعية واعتبار الدين أحد هذه الظواهر الاجتماعية كما يزعمون، لذا تصبح النصوص الإلهية والثوابت الدينية قابلة للنقد والاعتراض.
نقد النظرية:
والقول بسلب الإرادة الفردية والمسئولية الفردية، زعم يبطله ما جاءت به الشرائع الإلهية من إقرار حرية الإرادة الإنسانية ومسئولية الفرد عن أعماله، ففي باب حرية الإرادة الإنسانية تقرر الآيات تلك الحقيقة
ومنهج أهل السنة منهج الوسط والحق في باب أفعال العباد بين المرجئة الذين سلبوا الإنسان حرية الإرادة وبين المعتزلة الذي زعموا أن الإنسان خالق لأفعاله.
موقف نيتشه من الأخلاق:
يدعي الفيلسوف الألماني (نيتشه) أن الرحمة والتعاون والحب وكافة الفضائل التي تنادي بها الأديان هي مجموعة من الدجل والخرافات تستهدف رعاية الغوغاء والدهماء والقطعان – وهؤلاء جميعاً هم فقراء ومرضى وضعفاء يعوقون التطور الإنساني – في حين أنه يجب أن نخلص لنوعنا البشري بأن نبقى على الأقوياء في الذهن والجسـم والروح ونعمل على إفناء الآخرين([338]).
وبالملاحظ بأن هذه النظريات الغربية في مجال الأخلاق وتباينها الظاهري إلا أنها تنطلق جميعها من منطلقات مادية نفعية، فسواء كانت النفعية المكيافيلية التي تحمل شعار الغاية تبرر الوسيلة كما أشرنا إليها، أو نفعية (جون ديوي)، أو النظرية الفردية عند (هوبز) ومن سلك مسلكه والذي ادعى أن الطبيعة الإنسانية طبيعة أنانية تعمل لمصلحة الذات وأن الإنسان كما يزعم اخترع المبادئ الأخلاقية ليتـخذها وسيلة تحقق منفعته الشخصية، أو المذهب (الأبيقوري) وأن الأخلاق نفعية لتحقيق مبدأ اللذة أو غيرها من النظريات الغربية التي تنحو كل منها منحى في تفسير منشأ المبادئ الأخلاقية فإن كل هذه النظريات وغيرها من النظريات الغربية تنطلق من منطلقات مادية تنكر الأصل الديني للأخلاق وتدعو إلى تحقيق المصالح الشخصية بأي وسيلة كانت وأن السعادة الحقة – على حد زعمهم – هي التي يشعر بها الإنسان نتيجة الإشباع ودوافعه الطبيعية وغرائزه الحسية دون التقيد بدين أو خلق قويم.
ومع ما نراه من التزام الغربيين ببعض القيم في بعض الأحوال كالصدق والأمانة، واحترام الأنظمة، والانضباط في المواعيد، ومع إقرارنا بوجود مثل هذه القيم عند طائفة منهم حتى أصبح يضرب بهم المثل في الالتزام بها إلا أنها تبقى في الغالب لتحقيق مصالح ومنافع شخصية أو لدفع مضار قد تلحق بهم إن لم يلتزموا بمثل هذه الآداب في تعاملاتهم فيما بينهم، وقد يكون الالتزام الظاهري بمثل هذه الآداب لخوف عقوبة القانون والسلطان البشري، وتنعدم بانعدام ذلك الرقيب البشري، أو لخشية النقد والاستهجان المجتمعي الذي تربى على احترام مثل تلك الآداب، ومع ما للتربية من دور في التزامهم بهذه الآداب إلا أنها تبقى ظاهرية وباقية ببقاء الرقيب البشري وتـختفي وتـختل هذه المعايير عند كثير منهم إذا غاب ذلك الرقيب فليست أصيلة في نفوسهم تنبع من دافع ديني طاعة لله تعالى ورجاء ثوابه وخوفاً من عقابه كأصول الأخلاق الإسلامية، والتي تـخلى عنها وللأسف الكثير من المسلمين.
هذه بعض مزاعم وأصول الفكر الغربي الأخلاقية وما تمثله من انتكاسة في الفطرة ومحاربة للدين ومنافاة للعقول السليمة،

Post a Comment

Previous Post Next Post