تطور كلمة ثقافة
كلمة ثقافة هي كلمة قديمة في
المفردات الفرنسية ، وهي كلمة تعود في أصلها إلى اللغة اللاتينية
( (Cultura التي تعني رعاية الحقول أو قطعان الماشية .
ما قبل بداية القرن السادس عشر : كانت
الكلمة تدل على حالة ، أي حالة الشئ المزروع .
بداية القرن السادس عشر : لم
تعد هذه الكلمة تدل على حالة ، بل على فعل ، أي فعل زراعة الأرض . وما سبق يمثل
المعنى الحقيقي لهذه الكلمة في تلك الحقبة .
منتصف القرن السادس عشر : أما
المعنى المجازي لهذه الكلمة فلم يظهر إلا في منتصف القرن السادس عشر ، حيث أصبح
يدل على تثقيف الملكة وتطوير الكفاءة ، لكن هذا المعنى المجازي بقي قليل الشيوع ،
ولم يتم الاعتراف به أكاديميا مطلقا ولم يظهر في غالبية معاجم تلك الفترة .
القرن السابع عشر : ظلت
كلمة ثقافة بمعناها المجازي قليلة الشيوع ولم تفرض نفسها مجازيا إلا في القرن الذي
يليه .
القرن الثامن عشر : هنا
بدأت الكلمة بفرض نفسها مجازيا ، ودخلت بمعناها هذا معجم الأكاديمية الفرنسية ومنذ
ذلك الوقت أُلحق بها المضاف وصار يقال : " ثقافة الفنون " و "
ثقافة الأدب " و " ثقافة العلوم " ، كما لو كان تحديد الشئ
المُهَذَّب ضروريا .
وبالتالي فقد ترسخت كلمة "
ثقافة " في أيديولوجية
[1]
عصرالأنوار [2] واقترنت
بأفكار التقدم والتطور والتربية والعقل التي كانت تحتل مكان الصدارة في تلك الفترة
.
ومما يقال في هذه الفترة أيضا أنها
هي فترة انتقال الكلمة بمعناها المجازي إلى اللغة الألمانية لا سيما وأن اللغة
الفرنسية كانت علامة مميزة للطبقات العليا في ألمانيا ، كما أن تأثير عصر الأنوار
كان له أكبر الأثر في هذا النقل .
نهاية القرن الثامن عشر : وشيئا
فشيئا تحررت كلمة ثقافة من مضافاتها ، وانتهى بها الأمر إلى أن استعملت للدلالة
على " تكوين " و " تربية " العقل المثقف عن طريق التعلم
" . وبهذا اقتربت كلمة ثقافة كثيرا من كلمة حضارة ، والتي تُعرّف بأنها
" عملية تحسين المؤسسات والتشريع والتربية " ، فالكلمتان تنتميان للحقل
الدلالي نفسه وإن كانتا غير متكافئتين من حيث أن كلمة ثقافة أكثر دلالة على
التطورات الفردية ، أما كلمة حضارة فتدل على التطورات الجماعية .
القرن التاسع عشر : اختلف
تطور الكلمة في هذا العصر اختلافا كثيرا ، فقد ساد نوع من الانبهار والافتتان إزاء
الفلسفة والآداب الألمانية التي كانت في عز ألقها ، مما ساهم في توسيع فهم الكلمة
، وأكسبها " بعدا جماعيا " ، فهي لم تعد تنسب إلى التطور الفكري للفرد
فحسب ، بل أصبحت تنسب إلى التطور الفكري لجماعة بشرية معينة ، فظهرت تعبيرات من
مثل " ثقافة فرنسية " و " ثقافة ألمانية " و ... وهنا تقترب
كلمة " ثقافة " من كلمة " حضارة " كثيرا ، ولطالما استخدمت
إحداهما للدلالة على الأخرى .
القرن العشرين : شهد
هذا القرن مواجهات سياسية وحروب دامية بين فرنسا وألمانيا ، ولم تكتف الحرب بالوجه
العسكري لها بل ظهرت بوجه ثقافي أيضا ، أو ما نعبر عنه بـ"حرب مصطلحات "
، فأخذ كل من الشعبين يزعم الدفاع عن الثقافة بالمعنى الذي يفهمه ، فالفرنسيون
يزعمون أنهم أبطال الدفاع عن الحضارة [ أوضحنا سابقا التقارب الكبير بين مصطلحي
"ثقافة " و"حضارة " عند الفرنسيين ] ، مما يفسر الانحدار
النسبي الذي أصاب فرنسا في بداية هذا القرن عبر استخدامها لمصطلح " ثقافة
" .
[1]الأيديولوجيا : مجموعة الآراء التي يعتنقها الشخص
وتؤثر على صياغة مواقفه .
[2]
"عصر الأنوار" أو "الحركة
التنويرية " : هي بمثابة ردة فعل عنيفة سددها رجال النهضة ورجال البحث العلمي
للكنيسة التي وقفت موقف العداء السافر من العلم ، ولما قامت به محاكم التفتيش من
مطاردة وحرق وشنق لهؤلاء العلماء . ولم يتبلور هذا المفهوم إلى ما يشبه القاعدة أو
الشعار إلإ بعد منتصف القرن الثامن عشر . وهكذا فقد انطوى هذا المصطلح على نقد
الفكر الديني ، أو الكفر به في أحيان أخرى ، أو الاكتفاء بتحييده عن سياسة الحياة
، باعتبار أن أنوار العقل وحده – هكذا زعموا – كفيلة بقيادة الإنسان إلى كمال
العلم والحكمة .
Post a Comment