أصل العثمانيين:
ينتمي العثمانيون إلى الأتراك الغز، ويجمعهم هذا الانتماء بالسلاجقة، وعلى الرغم من أن الأصل التركي يجمع أقوامًا وشعوبًا عديدة؛ فإن عددًا من المؤرخين الروس والغربيين أطلق هذا الأصل على السلاجقة والعثمانيين، ولعل السبب في هذا يعود إلى بروز هذين الشعبين في زعامة مناطق مهمة وكبيرة من العالَم الإسلامي في فترات تاريخية متعاقِبة

على أنَّ العرب المسلمين قد أطلقوا لقب الترك على أقوام كثيرة، احتك بهم المسلمون سلمًا أو حربًا، وبعضهم لا ينتمي للأصل التركي - كالمغول مثلاً - فكان بعض من العرب المسلمين يعتقد أن كل شعب قدم من شرق آسيا أو وسطها فهو تركي، ويبدو أن لعامل التشابُه في اللغة والعادات أثرًا في هذا الاعتقاد، والواقع أن هذين الرأيين خاطئان، فالأصل التركي لا يقتصر على السلاجقة والعثمانيين، ولكنه لا يشمل كل أقوام شرق آسيا ووسطها[11].

وتُجمع المصادر على أن العثمانيين ينتمون إلى قبيلة من قبائل الغز هي قبيلة "قايي"، التي كانت - هي وغيرها من القبائل التركية - تنزح على أزمنة متباعدة حينًا من مناطق شرق آسيا ووسطها؛ بحثًا عن المراعي الجيدة إلى غرب آسيا، نحو بلاد الأناضول، في هجرة جماعية على شكل أُسَر أو أفخاذ، وربما قبائل، فإذا أمحلت مناطق الترك الأصلية في شرق آسيا ووسطها، اندفع قسم منهم إلى المناطق الخصبة غربًا، تمامًا كما كانت هجرة القبائل العربية بحثًا عن المراعي الجيدة من جنوبي شبه الجزيرة العربية إلى وسطها، ثم إلى شمالها إلى بلاد الرافدين وغيرها من البلاد البارزة.

ومن الملاحَظ في هجرة القبائل التركية: أن زيادة نسبة الترك في بعض الأقوام المجاورة للترك في شرق آسيا ووسطها تسير جنبًا إلى جنب مع تحضر التُّرك في اتجاه طبيعي من الشرق إلى الغرب[12].

وإذا كان بعض المؤرخين يقول: إن قبيلة "قايي" تنتمي إلى المغول، فإن هذا الرأي - كما يقول بارتولد[13] - قد جرح بالدِّراسات التركية الحديثة، وبالمعلومات التي أوردها المؤرخ اللغوي محمود الكشغري، صاحب "ديوان لغات الترك"، الذي فرق بين قبيلة قايي التي ليست تركية خالصة، وبين قبيلة قايي أو قيخ الغزية، التي ينتمي إليها العثمانيون؛ بدليل أن الغز لم يحفظ في تاريخهم أنهم كوَّنوا حكومة في منغوليا الموطن الأصلي للمغول، ثم إن الملامح الجسمية المغولية تختلف اختلافًا بينًا عن الملامح الجسمية التركية[14].

كانت قبيلة قايي من أهم القبائل الغزية التركية، وقد هاجرت من الشرق إلى الغرب، وأرطغرل وابنه عثمان ينتميان إلى عشيرة صغيرة من هذه القبيلة، التي توزعت بُطُونها وعشائرها في مناطق مهمة من وسط آسيا وغربها، وامتزجت بقبائل تركية أخرى؛ بل إن الأقسام التي وصلت إلى الأناضول توزعت في مناطق مختلفة منه، ومن هنا يمكن القول بأن قبيلة قايي وفدت إلى الأناضول في فترات مختلفة من العهد السلجوقي[15].

ولقد أصبح أرطغرل ثم ابنه عثمان رئيسين لتلك العشيرة التي تنتمي إلى قبيلة قايي، وكان ذلك في أواخر القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، وكان موطن هذه العشيرة هو منطقة إسكي شهر، الواقعة شمال غرب الأناضول وكانت هذه العشيرة تخضع نظريًّا للسلاجقة الروم، وكان على الحدود السلجوقية البيزنطية على طول الساحل الغربي للأناضول إمارات سلجوقية أخرى كان مِن أبرز أعمالِها: الإغارة بين الحقبة والأخرى على حدود بيزنطة، ومن هنا يمكن القول بأن وجود هذه العشيرة في هذه المنطقة نتيجة إيجاد السلاجقة تشكيلات تركية على الحدود البيزنطية؛ تمامًا كما كان الأمويون والعباسيون يفعلون ذلك، ولقد أصبحت هذه التشكيلات الحدودية نواة للإمارات السلجوقية على الحدود البيزنطية، وأهمها الإمارة العثمانية التي كانت تغير على تلك الحدود باسم السلطان السلجوقي في فترة قوة الدولة السلجوقية، ولحسابها الخاص بعد ضعف تلك الدولة وسقوطها

Post a Comment

أحدث أقدم