إرفاق السند التنفيذي المذيل بالصيغة التنفيذية
إن معظم النظم الوضعية تشترط للبدء في إجراءات التنفيذ ، وجود
الصورة التنفيذية -في غير الأحوال المستثناة ([1]) -
وهى عبارة عن ورقة رسمية يوقعها موظف مختص ( كاتب المحكمة بالنسبة للأحكام
والأوامر ومحاضر الصلح، والموثِّق بالنسبة للمحرَّرات الموثَّقة ) . ويُثبت في هذه
الورقة مضمون السند التنفيذي . ( أي أنها تتضمن صورةً كاملةً من الحكم أو الأمر أو
محضر الصلح أو المحرَّر الموثَّق ) ، وتُذيَّل هذه الصورة بألفاظ معينة تُعرف باسم
الصيغة التنفيذية ، ويتم التوقيع عليها وختمها من الجهة التي أصدرتها ، وهي تتضمن
أمراً لرجال التنفيذ بإجراء التنفيذ . والمقصود من اشتراط هذه الصورة تسهيل مهمة
رجال التنفيذ في التحقق من حق الطالب في التنفيذ ، وأنه لم يستوفِ حقه بعد بموجب
تنفيذٍ سابق . وفي هذا مصلحة لجميع الأطراف ([2]).
انظر : ( المــادتين 167 ، 196 مـرافـعـات ســعــودي ) و ( المــادتـيــن
132 ، 225 إجــراءات إمـــاراتــي ) و ( المادة 261 مرافعات بحريني ) و ( المادتين
128، 362 مرافعات قطري ) و ( المادتين 118 ، 190 مرافـعات كـويـتي ) و ( المادتين
181 ، 280 مرافعات مصري ) .
فقد نصت ( المادة 167 مرافعات سعودي ) - مثلاً- عـلى ما يلي :
" إعلام الحكم الذي يكون التنفيذ بموجبه يجب أن يختم بخاتم المحكمة بعد أن
يذيل بالصيغة التنفيذية ، ولا يُسلَّم إلا للخصم الذي له مصلحة في تنفيذه ، ومع
ذلك يجوز إعطاء نسخ من الحكم مجردةٍ من الصيغة التنفيذية لكل ذي مصلحة " .
كما نصت ( المادة 196 مرافعات
سعودي ) - مثلاً - على ما يلي :
" يتم التنفيذ بموجب نسخة
الحكم الموضوع عليها صيغة التنفيذ . وصيـغة التنفيـذ هي: ( يُطلب من كافة الدوائر
والجهات الحكومية المختصة العمل على تنفيذ هذا الحكم بجميع الوسائل النظامية
المتبعة ولو أدى إلى استعمال القوة الجبرية عن طريق الشرطة "
موقف الشريعة الإسلامية من
اشتراط إرفاق السند التنفيذي المذيل بالصيغة التنفيذية
:
حيث أن في اشتراط ذلك المصلحة – التي تمت الإشارة إليها أعلاه –
لجميع أطراف التنفيذ ، وحيث أن من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية جلب المصالح
ودرء المفاسد ؛ فإنـي أرى جواز اشتراط هذا الشرط ، والله أعلم .
الكفالة
المـقـصود بالكفالة هنا هو : ما
يقدمه طالب التنفيذ -عند تنفيذ الحكم تنفيذاً مُعجَّلاً - من ضمانات ؛ لإعادة
الحالة إلى ما كانت عليها ،
ولتعويض الضرر الناجم عن التنفيذ إن ألغي الحكم عند
الطعن فيه .
والحكمة من اشتراط الكفالة : الموازنة بين مصلحة المحكوم له في
النفاذ المعجل للحكم الابتدائي ومصـلحة المحكـوم عليه في ضمان إزالة آثار هذا
النفاذ عند إلغاء الحكم .
ومعظم النظم الوضعية تشترط غالباً الكفـالة في حـالة النفاذ
المعجل للحكم ( أي قبل حيازة الحكم لقوة الشيء المقضي ، أو بمعنى آخر قبل اكتسابه
للصفة القطعية ) ؛ لأن الحكم الابتدائي ذو حجية قلقة ، معرضٌ للإلغاء من المحكمة
الاستئنافية ( أي ما يُسمَّى محكمة التمييز ). ([3])
وقد نصت ( المادة 199 مرافعات
سعودي) على ما يلي :
" يجب شمول الحكم بالتنفيذ
المعجل بكفالة أو بدونها حسب تقدير القاضي وذلك في الأحوال الآتية :
أ - الأحكام الصادرة في الأمور المستعجلة .
ب – إذا كان الحكم صادراً بتقدير
نفقةٍ أو أجرة رضاعٍ أو سكنٍ أو رؤية صغير أو تسليمه لحاضنه أو امرأةٍ إلى محرمها
أو تفريقٍ بين زوجين .
جـ – إذا كان الحكم صادراً بأداء
أجرة خـادم أو صـانع أو عامـل أو مرضعة أو حاضنة " .أ هـ .
موقف الشريعة الإسلامية من
الكفالة وطرقها :
أرى اشتراط الكفالة في حالة طلب صاحب الحق تنفيذ
الحكم مؤقتاً ؛ لما في ذلك من مصلحة لــطــرفي الدعوى , فهو يتفق مع المقاصد
العامة للشريعة الإسلامية وهي ( جلب المصالح ودرء المفاسد ) و ( رفع الحرج عن
الأمة ) .
إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء
تشترط معظم النظم الوضعية - بصفة عامة - أن يسبق إجراء التنفيذ
إعلان السند التــنــفــيــذي للمدين وتكليفه بالوفاء ( المادة 239 إجراءات إماراتـي) و ( المادة 264
مرافعات بحريني ) و ( المادة 369 مـرافعات قطري ) و ( المادة 204 مرافعات كويتي
)و( المادة 281 مرافعات مصري ).
فقد نصت ( المادة 369 مرافعات
قطري ) - مـثلاً - عـلى ما يلي: " يجب أن يسبق التنفيذ إعلان السند التنفيذي
لشخص المدين أو في موطنه ، وإلا كان بـاطلاً .
ويجب أن يشتمل هذا الإعلان على بيان المطلوب ، وتكليف المدين
بالوفاء ، وتعيين موطن مختار لطالب التنفيذ بدولة قطر – إن لم يكن له موطن بها –
وميعاد الجلسة المحدد لنظر التنفيذ أمام قاضي التنفيذ .
ولا يجوز إجـراء التنفيـذ إلا بعد مضي يوم على الأقل من إعلان
السند التنفيذي ". أ هـ .
ولم يتعرض تنظيم الأعمال
الإدارية في الدوائر الشرعية السعودي ، ولا نظام المرافعات السعودي لهذا الشرط .
والحكمة من إعلان المدين بالسند التنفيذي وتكليفه بالوفاء قبل
التنفيذ – عند القائلين به – هي : مراعاة مصلحة المدين بحيث تتاح له الفرصة
لتجنُّب إجراءات التنفيذ الجبري وذلك عن طريق الوفاء الاختياري ، كما يُتاح له
الاطلاع على السند التنفيذي للتأكد من حق طالب الإعلان في التنفيذ ومراقبة مدى
استيفاء السند لشروطه الموضوعية والشكلية ، والمنازعة في ذلك إن كان لها وجه.
إضافةً إلى أن الدائن بهذا الإعلان الذي تضمن تكليف المدين
بالوفاء إنما يسجل عليه امتناعه إلى ذلك الحين عن الوفاء بالتزامه المقرر بالسند ،
وهو ما يبرر حمايته التنفيذية ([4]) .
موقف الشريعة الإسلامية من
اشتراط إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء :
مع أن معظم النظم الوضعية تشترط
هذا الشرط إلا أنني أرى أنه لا بُد في هذه المسألة من التفريق بين أربع حالات :
الحالة الأولى
– أن يكون الدائن قد طالب أثناء المرافعة بإلزام المدين بتسليم الحق فوراً، وصدر
الحكم وِفْقَ ذلك ، ولم يكن الحكم على غائب مجهول المكان، ففي هذه الحالة لا أرى
اشتراط إعلان السند التنفيذي للمدين ولا تكليفه بالوفاء ؛ لأنه حينئذٍ يلزمه
الاستعداد لحصول التنفيذ في أي وقت بعد صدور الحكم ، سواءً كان المحكوم عليه
حاضراً أو متوارياً أو هارباً أو غائباً معلوم المكان ؛ لأن الحاضر والغائب معلوم
المكان الذي تم تبليغه بالحكم كلاهما يعلمان ما صدر بشأنهما ، أما المتواري
والهارب فهما قد خالفا الشريعة الإسلامية بفعلهما ذلك، وبالتالي لا يستحقان
إعلانهما بموعد التنفيذ بل يُلزمان بوفاء الحق أو يتم استيفاؤه منهما فوراً .
الحالة الثانية
– أن يكون الدائن قد طالب أثناء المرافعة بإلزام المدين بتسليم الحق فوراً ، وصدر
الحكم وفق ذلك ، وكان الحكم غيابياً وكان الغائب مجهول المكان ، ففي هذه الحالة
أرى اشتراط إعلان السند التنفيذي للمدين وتكليفه بالوفاء ؛ لأنه ربما يكون لم يعلم
بالحكم فعليّاً ، حتى ولو تم إعلانه به بشكل نظـامي .
الحالة الثالثة
– أن يكون الدائن قد طالب أثناء المرافعة بإلزام المدين بتسليم الحق ، ولكنه لم
يطلب الفورية في ذلك ، وإنما تمّ الصلح بين الطرفين على تأجيل التسديد إلى أجلٍ أو
تقسيط الحق على دفعاتٍ محددٍ وقتُها ، وصدر الحكم وفق ما تمَّ الصلح عليه ، ففي
هذه الحالة لا أرى اشتراط إعلان السند التنفيذي للمدين ، ولا تكليفه بالوفاء ؛
لأنه حينئذٍ يلزمه الاستعداد لحصول التنفيذ عند حلول الأجل أو القسط المتفق عليه .
الحالة الرابعة – إذا توفي المدين أو فقد أهليته أو زالت صفة
من كان يباشر إجراءات الخصومة نيابة عنه فأرى اشتراط إعلان السند التنفيذي
والتكليف بالوفاء للورثة في حالة وفاة المدين ، أو لمن أصبح يقوم مقام المدين في
حالة فقده لأهليته ، أو للمدين نفسه ،أو من ينوب منابه في حالة زوال صفة من كان
يباشر إجراءات الخصومة نيابةً عنه ؛ لأن من يتم التنفيذ في مواجهته -حينئذٍ -ليس
من تم الحكمُ في مواجهته .
علماً بأن ما رأيته من اشتراط الإعلان في الحالات المذكورة لا
يعني عدم إيقاع الحجز التحفظي على أموال المدين ، بل لابد من ذلك حتى لا يتمكَّن
من التصرف فيها قبل انقضاء ميعاد التنفيذ ، وبالتالي يضيع الحق من صاحبه .
الشرط الرابع
انقضاء ميعاد التنفيذ
إن النظم الوضعية التي تشترط
إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء تشترط كذلك انقضاء ميعاد التنفيذ .
وإذا كان ميعاد التنفيذ يبدأ من تاريخ إعلان السند التنفيذي
والتكليف بالوفاء ، فإن النظم الوضعية قد اختلفت في تحديد مدة هذا الميعاد بالنسبة
للمديـن .
موقف الشريعة الإسلامية من
اشتراط انقضاء ميعاد إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء
:
مما لا شك فيه أنه على القول باشتراط إعلان السند التنفيذي
والتكليف بالوفاء فإنه لا بد من اشتراط انقضاء ميعاد هذا الإعلان .
أما بالنسبة لمدة هذا الإعلان فإنـي أرى
أن النظم الوضعية قد أحسنت صنعاً بالتفريق بين حالة الإعلان للمدين وحالة الإعلان
لورثته ونحوهم ؛ لأنهم قد لا يكون لديهم علم بالدين ولا بالحكم أصلاً ، ولعل تحديد
المدة بسبعة أيام بالنسبة للمدين عند من يرى إعلانه ، وبثلاثة أشهر بالنسبة للغائب
مجهول المكان وكذلك للورثة ونحوهم يكون مناسباً ، وتحديد مدة لانقضاء ميعاد
الإعلان يتمشَّى – هذا التحديد – مع مقصد من المقاصد العامة للشريعة وهـو ( رفع
الحرج عن الأمة) . والله أعلم .
طلب التنفيذ
تشترط اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات السعودي للبدء في التنفيذ
أن يتقدم صاحب الحق بطلب تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ( المادة 202/2 لوائح مرافعات
سعودي )ويتم تقديم هذا الطلب إلى المحكمة المختصة ( المادة 218/3 لوائح مرافعات
سعودي ) .
ولم ينص نظام المرافعات السعودي على ميعاد مُعيَّن لهذا الطلب ،
فيجوز تقديمه قبل إعلان السند أو بعده. وميعاد التنفيذ يبدأ من تاريخ إعلان السند
ـــ عند من يشترطه ـــ لا من تاريخ الطلب .
ويتم قيد طلب التنفيذ في جدول
خاص يُعدُّ في محكمة التنفيذ لهذا الغرض .
كما يتم إنشاء ملف له تودع به
جميع الأوراق المتعلقة بهذا الطلب .
ولابد أن يكون الطلب مصحوباً
بالصورة التنفيذية ، كما يجب أن يكون مصحوباً بما يثبت تقديم الكفالة إذا كانت
مشروطةً للتنفيذ ([5]) .
وحكمة اشتراط طلب التنفيذ تتركز
في الاعتبارات التالية :
1 - أن سياسة الرعية تقتضي عدم إرغام صاحب الحق على
اقتضائه جبراً عنه.
2 - في معظم النظم يتمّ التنفيذ عن طريق القضاء ،
ومن مظاهر نزاهة القضاء أن يكون النشاط القضائي مطلوباً وليس طالباً من تلقاء نفسه
.
3 - أن الدائن هو الذي يتحمل مخاطر التنفيذ الفاشل
فلا يمكن البدء بالتنفيذ إلا بمبادرة منـه .
4 - أن الملاءمة تقتضي أن يُترك للدائن اختيار
الوقت المناسب للتنفيذ ، بعد أن يدرس موقف مدينه المالي ، ويحدد الأموال التي يرغب
في التنفيذ عليها .([6])
موقف الشريعة الإسلامية من
اشتراط طلب التنفيذ :
أرى اشتراط هذا الشرط لما في ذلك
من المصالح الواردة في الحكمة آنفاً , وقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ المصالح
ودرء المفاسد .
طـــرق التنفيــــذ
لــقــد أشــارت النظم الوضعية إلى عدة طرق للتنفيذ ، وتتنوع
هذه الطرق تبعاً لخمسة اعتبارات :
الاعتبار الأول: محل التنفيذ .
الاعتبار الثانـي: مدى استجابة المنفَّذ عليه .
الاعتبار الثالث: مدى إمكانية أداء عين الحق المطلوب .
الاعتبار الرابع: الحجز على الأموال .
الاعتبار الخامس: مصدر الحكم المراد تنفيذه .
وقد عقدت لكل اعتبار منها فصلاً
وبيانها فيما يلي :
محل التنفيذ
تنقسم طرق التنفيذ باعتبار محل
التنفيذ إلى قسمين :
أحدهما : التنفيـذ على الأموال .
والآخر : التنفيذ على الأشخاص .
وبيـان ذلك في المبحثين التاليين .
([1]) هذه الأحوال هي التي نصت عليها ( المادة 226 إجراءات إماراتـي )،
و ( المادة 265 مرافعات بحريني )، و (
المادة 191 مرافعات كويتي ) ، و ( المادة 286 مرافعات مصري ) فقد نصـت ( المادة
226 إجراءات إماراتـي ) على ما يلي :"يجوز للمحكمة في المواد المستعجلة أو في
الأحوال التي يكون فيها التأخير ضاراً أن تأمر – بناءً على طلب صاحب الشأن –
بتنفيذ الحكم بموجب مسودته بغير إعلان وبغير وضع صيغة تنفيذية عليه ، وفي هذه
الحالة يُسلِّم الكاتب المسودة لمندوب التنفيذ الذي يردها بعد الانتهاء من التنفيذ
"
([3]) أنظر : النظرية العامة للتنفيذ القضائي - وجدي راغب ص100، وقواعد
تنفيذ الأحكام - رمزي سيف ص 27 ، وطرق التنفيذ والتحفظ - عبد الحميد أبو هيف ص 82
، وإجراءات التنفيذ - أحمد أبو الوفا ص 42 ، 43 ، وقواعد التنفيذ القضائي- محمود
هاشم ص 159 ، والتنفيذ الجبري - فتحي والي ص 76 ، والتنفيذ الجبري أمينة النمر ص
133 ، والتنفيذ الجبري في القانون الكويتي - فتحي والي ص 46
.
إرسال تعليق