انتهاء مدة
الحضانة
و يقصد بها انتهاء حضانة النساء و انتقالها إلى
العصبات.
الفرع الأول:
انتهاء مدة الحضانة عند الفقهاء
لقد اختلف الفقهاء في المدة الدة تنتهي عندها
حضانة النساء، لينتقل الطفل بعدها إلى حضانة الرجال
رأي الحنفية:
إذا كان المحضون ذكراً: فيرى الحنفية أن الحضانة
على الذكر تستمر إلى أن يستغني عن خدمة النساء، فيأكل وحده ، و يشرب وحده و يلبس
وحده.
وقد قدّر الإمام الخصاف ذلك بسبع سنين أو ثمان
سنين، و هو المفتى عليه في المذهب، و بعد ذلك يسلم الغلام إلى أبيه أو عصبته.
يقول ابن الهمام( و الخصاف رحمه الله قدّر
الاستغناء بسبع سنين و عليه الفتوى. كذا في الكافي و غيره، لا ما قيل أنه يقدّر
بتسع)[1].
إذا كانت المحضونة أنثى: فيرى الحنفية أن تبقى
الجارية عند الأم و الجدة حتى تحيض أي تبلغ، أما إذا كانت عند غير الأم و الجدة
فحتى تشتهي، و قدر ذلك بتسع سنوات، و بعدها تسلم إلى أبيها أو عصبتها من المحارم.
و وجه الاختخلاف بين الولد و البنت في مدة
الحضانة أن الولد إذا استغنى يحتاج إلى التأدب و التخلق بآداب الرجال و أخلاقهم، و
الأب أقدر على ذلك، بخلاف البنت فتترك في يد الأم لحاجتها إلى تعلم آداب النساء و
التخلق بأخلاقهن، و لا يحصل ذلك إلا بوجودها عند أمها، و بعدها تنتقل إلى الأب
لحاجتها لحمايته. ولا يخير الولد أو البنت بعد بلوغه حد انتهاء الحضانة، بل يتم
تسليم من بلغ منهما إلى عصبته، لأن الطفل لقصور عقله يختار من عنده الدعة لتخليته
بينه و بين اللعب ، فلا تتحقق مصلحة الصبي في الاختيار [2].
رأي المالكية:
حد الحضانة للغلام: حتى يبلغ وهو المشهور في
المذهب، و هناك رواية أخرى عن الإمام مالك أنه حتى يثغر، أي تنبت أسنانه بعد
سقوطها.
و لا تخيير عندهم للغلام بعد البلوغ، فيسلم إلى
عصبته.
حد الحضانة للجارية: حتى تتزوج و يدخل بها زوجها،
و لكن بشرط أن يتوافر لها الحرز و التحصين ، فلو كانت الأم في مكان غير آمن أو لا
حرز للبنت و لا تحصين، فأولياؤها أحق بها
[3].
رأي الشافعية:
لم يفرق المذهب الشافعي بين الذكر و الأنثى ، حيث
يرى أن مدة الحضانة لكلاهما إلى سن التمييز، و هي سبع سنين، و بعدها يخيّر الولد
بين أبويه، فيسلم إلى ما يختار.
و لكن يشترط أن لا يكون الصبي معتوهاً أو مجنوناً
أو معاقاً، و لا يشترط أن يكون التخيير بين الأب و الأم ، بل يخير بين أم و إن علت
، و جد و إن علا عند فقد من هو أقرب منه، و كذا يكون التخيير بينها وبين الحواشي [4].
رأي الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن الأم أحق بالغلام إلى أن
يبلغ سبع سنين، ثم بعد ذلك يخيّر بين أبويه، وهذه أصح الروايات و المشهورة عن
الإمام، و لكن بشرط أن لا يكون الغلام معتوهاً أو مجنوناً.
و الرواية الثانية: أب الأب أحق به من غير تخيير.
أما إذا كان المحضون أنثى فالمشهور من مذهب
الإمام أحمد أن الأم أحق بها إلى سبع سنوات، ثم تنتقل إلى الأب من غير تخيير، لأنه
الأصلح لها، لأنها تحتاج إلى التأديب و الصون و الحفظ، و لأنها بعد ذلك قد تتزوج ،
و إنما تخطب البنت من أبيها، لذا فهي لا تخير[5].
حضانة المعتوه و المجنون:
جمهور الفقهاء على أن المحضون ذكراً أو أنثى إذا
كان معتوهاً أو مجنوناً، فإنه تستمر حضانته عند أمه أو صاحبة الحق في الحضانة، و لا
تخيير له عند من يقول بذلك. و هو ما ذهب إليه جمهور الحنفية و الشافعية و الحنابلة
و بعض المالكية.
رعاية المحضون بعد انتهاء الحضانة:
إذا بلغ الغلام عاقلاً رشيداً فلا حضانة عليه، و
لا يضم لوالديه ، و لا يجبر على السكن معهما، إذا كان مأموناً على نفسه، و إن كان
الأولى له أن لا يفارق والديه.
أما إذا كان غير مأمون على نفسه، فلأبيه أن يضمه
إليه حيث أن الأب هو الولي على ماله، و الأولى حفظ النفس، أو أن يختارالغلام بين
أبويه. أما إذا بلغ مجنوناً فإن حضانته تستمر و لكن عند من يجب عليه النفقة من
العصبات، و لا مانع من استمرار حضانة الأم إذا كان ذلك من مصلحة المحضون، على
اعتبار أن المدار هو نفع المحضون، كما قال الحنفية في المشهور عندهم[7].
أما الأنثى فإن كانت بكراً ضمها الأب إلى نفسه، و
ليس لها حق الانفراد بالسكنى حتى تتزوج، إلا إذا كانت كبيرة في السن، و لا يخشي
عليها الفتنة، فيمكنها أن تنفرد بالسكنى.
أما إذا كانت ثيباً مأمونة على نفسها، لايخشى
عليها من الفتنة فلا يضمها وليها إليه، و لها أن تنفرد بالسكنى، و إن كان من
الأولى لها أن تظل برعاية و الديها، أو المحارم من عصبتها.
و إن كانت غير مأمونة على نفسها، أو يخشى عليها
من الفتنة، فإنه يجب لوليها أن يضمها إليه، و أما إذا كان الولي من غير العصبات،
أو لا عصبة لها، فإنها توضع عند امرأة ثقة أمينة قادرة على الحفظ، و البكر كالثيب
في هذا [8].
الفرع الثاني: انتهاء مدة الحضانة في قانون
الأحوال الشخصية الإماراتي
نصت المادة 156 من القانون على أنه:( 1- تنتهي
صلاحية حضانة النساء ببلوغ الذكر إحدى عشرة سنة، و الأنثى ثلاث عشرة سنة ما لم ترى
المحكمة مد هذه السن لمصلحة المحضون و ذلك إلى أن يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى.
2- تستمر حضانة النساء إذا كان المحضون معتوهاً
أو مريضاً مرضاً مقعداً، ما لم تقتض مصلحة المحضون خلاف ذلك.)
سن انتهاء الحضانة بالنسبة للذكر و الأنثى:
نلاحظ أن القانون جعل حد الحضانة للذكر هو بلوغه
إحدى عشرة سنة بشرط أن يكون عاقلاً و غير عاجزاً ، بينما حد الحضانة للأنثى هو
بلوغها ثلاث عشرة سنة بشرط أن تكون عاقلة و غير عاجزة، و بعد ذلك يذهب الطفل إلى
أبيه أو عصبته.
أما إذا كانت معتوهة أو عاجزة فإن حضانة النساء
تستمر عليها ، ما لم تقتضي المصلحة خلاف ذلك.
لقد ميز القانون بين الذكر و الأنثى ، و ذلك لأن
الولد يحتاج إلى التأدب و التخلق بآداب الرجال، فيلحق بأبيه بعد بلوغه السن
الحادية عشرة .
أما البنت فتبقى عند أمها لمدة أطول ، و ذلك
لأنها تحتاج لتتعلم آداب النساء و التخلق بأخلاقهن، ثم تنتقل بعد ذلك إلى أبيها.
لقد أخذ القانون بعدم تخيير الذكر و الأنثى بين
أبويه أو غيرهما، و بررت ذلك المذكرة الإيضاحية بقولها:( و لا يخفى أنه ليست من
المصلحة اعتماد رأي الطفل، بحيث يغفل حسن تقدير القضاء للواقعات، و تلغي آراء
الآباء، و حجج الحاضنات، ثم نحتكم إلى السن الغضة، لا يتصور منه وزن صحيح لحاضره
أو مستقبله، فتخييره في الإقامة حيث يشاء ينتهي به إلى ما لا خير فيه لنفسه و
لوالديه) [9].
يقول ابن القيم:( إن الصبي ضعيف العقل يؤثر
البطالة و اللعب، فإذا اختار من يسلعده على ذلك لم يلتفت إلى اختياره، و كان عند
من هو أنفع له و أخير)[10].
الخاتمة:
لقد اخترت موضوع الحضانة و ذلك لأهميته في الحفاظ
على الطفل و تربيته و الاهتمام به ، مما يحقق استقرار المجتمع الإسلامي، وفي الفصل
الأول من البحث قمت بذكر تعريف الحضانة لغة، شرعاً ، و في القانون ، وبعد ذلك بينت
حكم الحضانة ، و أدلة مشروعيتها و حكمتها ،و
اتضح لي أن الحق في الحضانة مشترك بين الجميع، فهو حق لله تعالى و حق للمحضون و
الحاضن ،وأيضاً بحثت حول ترتيب أصحاب الحق في الحضانة وفقاً لكل مذهب من المذاهب
الأربعة و القانون، و تطرقت خلال البحث
إلى آراء الفقهاء في مسائل و أحكام الحضانة، و قد اتضح لي الراجح منها، و في نهاية
كل فصل ذكرت موقف قانون الأحوال الشخصية الإماراتي ، أما في الفصل الثاني من
البحث قمت بذكر شروط استحقاق الحضانة ،و
هذه الشروط منها ما هي عامة في الرجال و النساء، و قد ذكرت الشروط المتفق عليها و
الشروط المختلف فيها ، و هناك شروط خاصة بالرجال دون النساء، و شروط خاصة بالنساء
دون الرجال ، و بعد ذلك قمت بتوضيح الأسباب التي تؤدي إلى سقوط الحضانة في الشرع و
القانون، و موقف الفقه الإسلامي و القانون من عودة الحق في الحضانة بعد سقوطها، و
في نهاية البحث تحدثت حول انتهاء مدة الحضانة عند الفقهاء و في القانون.
لقد اتضح من البحث أن القانون بمجله بالمذهب
المالكي عدا بعض الحالات ، حيث تقتضي المصلحة خلاف ذلك، لأن مدار الحضانة هي مصلحة
المحضون، ولأن مصلحته مقدمة على جميع
المصالح الأخرى.
إرسال تعليق