في دولة قطر نجد اليوم مبدأ استقلال القضاء وقد أخذ مكانه بين نصوص الدستور الدائم كما هو آت : ـ 
ـ العنوان الذي اختاره المشرع للفصل الخامس من الباب الرابع من الدستور الدائم للدولة وهو ( السلطة القضائية ) وما حدده هذا الفصل من أحكام عبّرت عن ثوابت يقوم عليها العمل القضائي .
إذ نصت المادة (130) منه على أن " السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون " .
ونصت المادة (131) منه على أن " القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية جهة التدخل في القضايا أو في سير العدالة " وبذلك ضمن الدستور الاستقلال للقضاء كسلطة وللقضاة كأفراد يمثلون هذه السلطة وينهضون بواجباتها .

      ـ ثم جاء صدور قانون السلطة القضائية رقم (10) لسنة 2003 الذي تضمن رؤية موضوعية لمتطلبات مجتمع العدل والمساواة المنشود منطلقاً من تراث أمتنا الخالدة منسجماً مع روح العصر والحياة الجديدة .
إذ نصت المادة (2 ) من ذات القانون على أن " القضاة مستقلون وغير قابلين للعزل إلا وفقاً لأحكام هذا القانون ولا يجوز المساس باستقلال القضاة أو التدخل في شئون العدالة .




كما حظرت المادة (42 ) منه على القاضي إبداء الآراء السياسية أو الاشتغال بالعمل السياسي وحظرت عليه أيضاً الترشيح لانتخابات المجالس التشريعية أو البلدية خلال عمله بالقضاء لما للعمل السياسي والنيابي من تأثير على استقلال القاضي .

كما يجدر بنا في هذا المقام إلقاء الضوء في عجالة على ضمانات استقلال القضاء .

أولاً : ـ تعيين القاضي : ـ
أولى المشرع القطري تعيين القاضي أهمية تفوق من يشغل الوظائف المختلفة في الدولة وجسد نص المادة (30) من قانون السلطة القضائية اهتمام المشرع القطري بخصوصية هذا التعيين وارتباطه بسير العدالة حيث قضى بأن يكون تعيين القضاة بمرسوم بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء وللأهمية الخاصة لمنصب رئيس محكمة التمييز في المادة ذاتها بأن يصدر بتعيين رئيس محكمة التمييز أمر أميري وأن يكون بدرجة وزير .

وحسن اختيار من يعتلي منصة القضاء ضمانه هامة لاستقلال القضاء ولذا فأولت دولة قطر اهتمامها لاختيار القاضي المقتدر الذي يصــون




استقلال القضاء فاشترطت المادة (27) من قانون السلطة القضائية فيمن يتولى القضاء شروطاً يتميز من توافرت في شأنه ذي الشخصية القوية الذي يتميز بالحياد والتحرر من التأثيرات الخارجية ومن عوامل الخوف والتردد وأهمية مؤهلاته وصفاته وتكون السلطة القضائية هي القادرة على التأكد من هذه الشروط والصفات . فيكون الاقتراح منها بتعيين من تتوسم فيهم بالأهلية واكتمال توافر شروط التعيين ليكون التعيين بعد ذلك بمرسوم أميري تعبيراً عن التقدير لمكانة القضاء .


ثانياً : ـ عدم جواز عزل القاضي : ـ
وفّر المشرع القطري هذه الضمانة حيث وصفت المادة الثانية من قانون السلطة القضائية القضاة بأنهم " غير قابلين للعزل إلا وفقاً لأحكام هذا القانون وهكذا لم يجز المشرع القطري إبعاد القاضي عن القضاء سواء بالعزل أو النقل إلى وظيفة أخرى إلا بموجب أحكام هذا القانون الذي ينظم شئون القضاة وهو قانون السلطة القضائية .
واستثناء من هذه القاعدة ولكون القضاة غير معصومون من الخطأ لذلك حدد المشرع في المادة (50) من قانون السلطة القضائية الحالات التي يجوز فيها مساءلة القاضي تأديبياً وهي :





      1 ـ إذا أخل بواجبات وظيفته أو خرج على مقتضياتها .
      2 ـ إذا وقع منه ما يحط من شرف القضاء وهيبته .
      3 ـ إذا وضع نفسه موضع الشبهات والريب .
وقضت المادة (51) منه على أن يكون تأديب القضاة من اختصاص مجلس تأديب برئاسة رئيس المجلس الأعلى للقضاء وعضوية أقدم اثنين من أعضائه .
كما أوجبت المادة (52) عدم إقامة الدعوى التأديبية إلا بإذن من رئيس المجلس .
وتضمنت المادة (57) العقوبات التأديبية حيث جعلت العزل أقصاها وأوردت عقوبتين أخرتين هما التنبيه واللوم .

ثالثاً : ـ النظام المالي والإداري الخاص بالقضاة :
       ـ  النظام المالــي
حرصت تشريعات مختلف الدول على تقرير معاملة مالية خاصة لرجال السلطة القضائية تتفق مع طبيعة عملهم القضائي وتوفر لهم الحياة الكريمة التي عن الانشغال بأمور الدنيا لينصرف كلياً إلى ممارسة عمله القضائي ويظل هدفه طوال عمله إيصال الحق إلى صاحبه .






وسيراً على هذا المنهج السليم وضع سمو أمير البلاد المفدى حفظه الله القضاة في المنزلة اللائقة بهم لينصرفوا إلى العمل القضائي الخطير وهم راضوا النفس هادئوا البال .

وكان آخر تحديد لرواتب القضاة والعلاوات الدورية وبدلات السكن والعلاوة الاجتماعية وعلاوة بدل التنقل بموجب القرار الأميري رقم (88) لسنة 2007 وضمن هذا المبدأ الذي سارت عليه الدولة .
نص قانون السلطة القضائية على أن للمحاكم موازنة تلحق بالموازنة العامة للدولة

ـ النظام الإداري
يشكل وجود نظام إداري مستقل للقضاء ضمانة هامة لاستقلال القضاة وهو ما يعني بشكل خاص قواعد نقل وندب وإعارة القضاة ويوفر بذلك حماية لهذا الاستقلال .


ولذا جاء قانون السلطة القضائية رقم (10) لسنة 2003 بقواعد وضوابط تنظيم حالات النقل والندب والإعارة والترقية .





ـ فورد في نص الفقرة الثانية من المادة (23) منه التي جعلت المجلس الأعلى للقضاء هو المختص بإبداء الرأي في تعيين القضاة وترقيتهم ونقلهم وندبهم وإعارتهم . وهذه من الضمانات الكافية للقضاة .

رابعاً : ـ تجريم أفعال التأثير على القضاء
سارت معظم التشريعات القضائية على ضمان الحماية الجنائية لاستقلال القضاء ولما لهذه الحماية من أثر كبير في ثقة المواطن في القضاء .
وذلك باعتبار أن الفعل المؤدي إلى التأثير في عمل القضاء من جرائم الحق العام وها هو قانون العقوبات القطري رقم (11) لسنة 2004 خصص الفصل السابع من الباب الرابع منه لجرائم التأثير في القضاء والإساءة إلى سمعته .

      تلك هي الضمانات التي خص المشرع القطري السلطة القضائية بها فضلاً عن ذلك فإن هناك واجبات تفرض على القاضي أثناء عمله وخارجه ويعتبر الخروج عليها مساساً بمكانة القاضي نفسه وينعكس بالسلب على القضاء برمته مما يفقد ثقة المواطن به ويقلل من هيبته وينال من قدسيته وتوجز أهمها في : ـ






       1ـ المساواة بين الخصوم
ـ المساواة بين الخصوم مبدأ أساسي لضمان العدالة وإشاعة الثقة في القضاء بين الناس .
ـ والمساواة المطلوبة من القاضي بين الخصوم تشمل كل صور التعامل تبدأ منذ دخول الخصوم إلى مجلس القضاء وحتى الفصل في الخلاف بينهم
وهو ما استقر في العرف القضائي لأن المساواة ترتبط بعدالة القضاء ولا بد من الإشارة إلى التأثير الذي يتركه مبدأ المساواة في جمهور الحاضرين في قاعة المرافعة حيث تتيح علنية المرافعة فرصة الحضور للجميع ويكون كل ما يصدره القاضي من قول أو فعل تحت الأنظار .

ـ ولم تفت المشرع القطري أهمية النص على كل ما يخل لحياد القاضي ومنه عدم المساواة بين الخصوم فجاء بنص يغطي ذلك في قانون السلطة القضائية الذي أوجب في المادة (41) منه على القضاة توقي كل ما يمس أماناتهم أو يشكك في نزاهتهم .







2 ـ المحافظة على هيبة القضاء
ـ من أولى مقومات هيبة القضاء محافظة القاضي على وقاره الذي يبدأ من مظهره الذي يسبق كلامه .
ومن لوازم هيبة القضاء محافظة القاضي على تعامل معتدل مع الخصوم باحترام دون محاباة ودون زجر وقسوة .
ـ وعلى القاضي أن ينتبه إلى كل ما يخل بهيبة القضاء ويوصي بمجاملة خصم على حساب آخر .
ويلزم القاضي الابتعاد عن ممارسة الأفعال التي لا تأتلف مع استقلال القضاء وفي مقدمتها التجارة . إذ أن سلوك التاجر يتطلب مآلفة الخصوم .
وتوسيع العلاقة الاجتماعية وتقديم تنازلات تؤدي إلى الإخلال بهيبة القضاء وحياد القاضي .
ـ وهو ما سار عليه قانون السلطة القضائية في قطر إذ قضى في المادة (41) منه ... أنه لا يجوز للقضاء مزاولة الأعمال التجارية أو أي عمل لا يتفق مع استقلال القضاء وكرامته سـواء بأجــر أو بغير أجر .


Post a Comment

Previous Post Next Post