الشروط الخاصة بالنساء
الشرط الأول: خلو الحاضنة من زوج أجنبي عن المحضون
و هذا الشرط سواء كانت الحاضنة أماً أو غيرها، فإذا تزوجت الحاضنة بأجنبي عن المحضون فلا حق لها في الحضانة، و يجد هذا الشرط أساسه في حديث الرسول- صلى الله عليه و سلم-، فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده( أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه و سلم- أنت أحق به ما لم تنكحي) [1].
لقد اختلف الفقهاء في سقوط الحضانة بسبب زواج الأم أو الحاضنة بغير والد المحضون، و اختلفوا في الوقت الذي يسقط فيه الحق، و هذا ما سنتناوله في المسألتين التاليتين:

المسألة الأولى:آراء الفقهاء في سقوط الحضانة بزواج الحاضنة من غير أب المحضون:
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول:أنه تسقط حضانة المرأة بزواجها من أجنبي عن المحضون، لكن إن تزوجت بذي رحم محرم أو ذا نسب من المحضون فإن الحضانة لا تسقط.
وبهذا قال جمهور الفقهاء من الحنفية [2] و المالكية [3]و الشافعية [4]و هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد - رجحها بعض فقهاء المذهب[5]- و هو ما عليه العمل في المذهب، و هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية[6].

القول الثاني:أنه لا تسقط حضانة الحاضنة بزواجها مطلقاً،سواء كان من أجنبي أو غير أجنبي، متى كانت الأم مأمونة و كان الذي تزوجها مأموناً.
و هو ما ذهب إليه الحسن البصري [7]و الظاهرية[8].

القول الثالث:أن زواج الحاضنة من الأجنبي يسقط الحضانة عن الحاضنة إذا كان المحضون ذكراً لا أنثى، أما الأنثى فتبقى مع أمها إلى أن تتم سبع سنين.
و هذا القول رواية عن الإمام أحمد نقلها عنه منها[9].

الرأي الراجح: هو قول جمهور الفقهاء، القائلون بأن زواج الأم من الأجنبي يسقط حضانة الحاضنة أو الأم ، و أن زواجها من القريب أو النسيب لا يسقط حقها في الحضانة، و الواجب على القاضي أن يتحرى مصلحة المحضون ،فقد تكون زوجة أبيه تعامله معالمة سيئة، بينما زوج الأم يكون أرفق به، فهنا تكون مصلحة الولد العيش مع أمه.
يقول ابن عابدين - رحمه الله-:( و أنت علمت أن سقوط الحضانة بذلك- أي بالزواج بأجنبي عن المحضون- لدفع الضرر عن الصغير، فينبغي أن يكون ذا بصيرة ليراعي الأصلح للولد، فإنه قد يكون له قريب مبغض له يتمنى موته، و يكون زوج أمه مشفقاً عليه يعزُ عليه فراقه، فيريد قريبه أخذه منها ليؤذيه و يؤذيها، أو ليأكل من نفقته أو نحو ذلك، و قد يكون له أولاد يخشى على البنت منهم الفتنة لسكناها معهم، فإذا علم المفتي أو القاضي شيئاً من ذلك لا يحل له نزعه من أمه، لأن مدار الحضانة على نفع الولد) [10].

-متى يبقى المحضون مع أمه زعم زواجها من أجنبي؟
ذكر المالكية ست حالات لا تسقط فيها الحضانة رغم زواج الأم من الأجنبي و هي:
1.      أن يكون الزوج محرماً للمحضون سواء أكانت له الحضانة كالعم، أم لم تكن له الحضانة كالخال.
2.      أن يعلم من تنتقل إليه الحضانة بتزوجها، و دخول الزوج بها، و يعلم أن ذلك مسقط لحضانتها، ثم يسكت لمدة عام.
3.      أن يكون الزوج ممن يستحق الحضانة، و إن لم يكن محرماً، كأن يكون الزوج ابن عم للمحضون.
4.      أن لا يقبل الولد غير أمه أو حاضنته. فإذا تزوجت الحاضنة برجل أجنبي عن المحضون و لم يقبل الولد غيرها، فإنها تبقى على حضاتنها، و لا تسقط سواء كان المحضون رضيعاً أو غيره، و قيل: إذا كان رضيعاً فقط.
5.      إذا قبل الولد غير أمه و كان رضيعاً، و لكن رفضت أن ترضعه، و رفضت المرضعةأن ترضعه في بيت من قبلها الطفل، فإن الحضانة لا تسقط عن الأم، فترضعه هي أو غيرها في بيتها.
6.      إذا لم يكن هناك حاضن للطفل غيرها، أو كان هناك حاضن و لكن قام به مانع من عجز أو غيبة أو كان غير مأمون[11].
المسألة الثانية:الوقت الذي يسقط فيه حق الحاضنة بالزواج من أجنبي:
اختلف الفقهاء على قولين:
القول الأول:إن الحضانة تسقط بمجرد إبرام عقد النكاح  ، حتى و لو لم يتم الدخول بها. و عليه فالحضانة تسقط بمجرد العقد سوء دخل بها أو لا.
و هذا ما ذهب إليه الحنفية و الشافعية و الحنابلة[12].
أدله أصحاب القول الأول:
أولاً:استدلوا بقول النبي - صلى الله عليه و سلم- (أنت أحق به ما لم تنكحي)[13].
و وجه الدلالة أن الرسول قيد حق الأم بالحضانة و سقوطه بالنكاح، و قد جاء لفظ النكاح مطلقاً، و الأصل أن يبقى المطلق على إطلاقه، حيث لا يوجد دليل يقيده.
و لأنه النكاح  يطلق على العقد و هو موجود قبل الدخول ، وقد علق سقوط الحق عليه، فإذا وجد المعلق عليه  وجد المعلق [14].
ثانياً:و لأن الزوج بالعقد عليها يملك منافعها، و يستحق الزوج منعها من حضانته، فزال حقها كما لو دخل بها[15].

القول الثاني:إن الحضانة لا تسقط إلا بالدخول: فلا يكفي مجرد العقد، بل لابد من الدخول الحقيقي به.
و بهذا قال المالكية[16].
ووجهتهم في ذلك:
أولاً:لقد ذكر لفظ (النكاح) مطلقاً في الحديث السابق، و قد فسر المالكية لفظ النكاح بأنه العقد مع الوطء أي الدخول، و من ثم يحمل (النكاح) في الحديث على هذا المعنى.
ثانياً: إن السبب في سقوط الحضانة بالزواج هو انشغال الأم عن رعاية الطفل بحق الزوج، و هذا لا يكون إلا بعد الدخول بها فعلاً، أما قبل الدخول فهي لم تنشغل عن المحضون بحق الزوج بعد[17] .
الراجح: وهي قول المالكية، لأن السبب في سقوط الحضانة عن الأم هو انشغالها بالزوج عن مصلحة الطفل، و ذلك لا يكون إلا بعد الدخول، أما قبل الدخول فيبقى الصغير مع حاضنته.

- موقف قانون الأحوال الشخصية الإماراتي:
لقد نصت  المادة 144/1/أ من قانون الأحوال الشخصية على أنه:( يشترط في الحاضن زيادة على الشروط المذكورة في المادة السابقة:
1- إذا كانت امرأة:
أ- أن تكون خالية من زوج أجنبي عن المحضون دخل بها إلا إذا قدرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون ...).
فدل النص على أن القانون:
1.      اشترط  لاستحقاق الحضانة خلو الحاضنة من زوج أجنبي عن المحضون
2.      سقوط حضانة الأم بالزواج من أجنبي لا يكون إلا بعد الدخول
3.      تقييد سقوط حق الحاضنة المتزوجة من الأجنبي بالمصلحة التي ينظر فيها القاضي
                      
الشرط الثاني:اشتراط الدين بين الحاضن و المحضون
و هذا الشرط يتناوله الفقهاء عادة تحت اشتراط إسلام الحاضن إذا كان المحضون مسلماً.
وقبل توضيح هذا الشرط و ما يتعلق به من الأحكام، لابد من تحدث عن مفهوم اتحاد الدين

أولاً: المقصود باتحاد الدين:
يقصد باتحاد الدين أن يكون كل من الحاضن و المحضون على دين واحد، فمثلاً إن كان المحضون مسلماً فيجب أن يكون الحاضن مسلماً حتى يتحقق اتحاد الدين، و هذا القدر اتفق عليه الفقهاء.
أما إن كان المحضون غير مسلماً، فقد اختلف الفقهاء في كون الكفر هل يعتبركله ملة واحدة أم تتعدد الأديان بتعدد الملل:
اختلف الفقهاء على ثلاثة أقوال:

القول الأول:إن غير المسلمين جميعاً يعتبرون ديانة واحدة، فالكفركله ملة واحدة مهما اختلفت الديانات.
و هذا ما ذهب إليه الحنفية و الشافعية و هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد[18] .
و دليلهم: قول الله تعالى:( و الذين كفروا بعضهم أولياء بعض) [19].
وفقاً لهذا القول لو كان المحضون نصرانياً، فلا مانع أن يكون الحاضن يهودياً أو نصرانياً أو غير ذلك.

القول الثاني:إنه تعدد الديانات بتعدد الملل، فالكفر ملل مختلفة، فاليهودية ملة، و النصرانية ملة، و المجوسية ملة ، و الوثنية ملة.
و هو ما ذهب إليه المالكية في ظاهر المدونة، و هو المشهور في المذهب، و هو رواية عن الإمام أحمد [20].
دليلهم : قوله تعالى: ( إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة)[21]
فقد ذكرهم القرآن معطوفاً بعضهم على بعض و العطف يقتضي المغايرة.
و وفقاً لهذا القول يشترط أن يكون المحضون و الحاضن على نفس الديانة. فلو كان المحضون نصرانياً، فلابد أن يكون
الحاضن نصرانياً و هكذا.

القول الثالث:إن غير المسلمين ثلاث ملل، اليهودية، و النصرانية، و غيرهم من المجوس و المشركين و الوثنيين حيث أنهم ليسوا من أهل الكتاب.
و هذا القول رواية المدنيين عن الإمام مالك و صوبه ابن يونس، و به قال من الحنابلة القاضي أبو يعلى، و هو قول شريح و عطاء و عمر بن عبد العزيز و الضحاك و غيرهم [22].

القول الراجح: أرى أن القول الثاني هو الراجح و خاصة فيما يتعلق بأمر الحضانة، حيث أن أهل كل ديانة هم الأحق برعاية صغيرهم على ذلك الدين.



ثانيا: مدى اشتراط إسلام الحاضن أو الحاضنة إذا كان المحضون مسلماً:
 اختلف الفقهاء في على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إنه يفرّق بين حضانة النساء و حضانة الرجال.
فإذا كان الحاضن رجلاً فإنه يشترط اتحاد الدين أي إسلام الحاضن. أما إذا كانت الحاضنة امرأة أًّما أو غيرها، فلا يشترط اتحاد الدين، أي لا يشترط إسلام الحاضنة، و تستمر في حضانتها إلى أن يعقل الصغير الكفر ،أو يخاف عليه منه.
فإذا خيف عليه أن يألف الكفر ، فإنه ينزع منها و إن لم يعقل بعد، و يضم إلى المسلمين.
و هذا القول ذهب إليه الحنفية [23]و الظاهرية [24].

القول الثاني:إنه لا حضانة للكافر على المسلم، فيشترط إسلام الحاضن، سواء كان رجلاً أو امرأة ، أما أو غيرها.
و هو ما ذهب إليه الشافعية و الحنابلة و هو رواية ابن وهب عن الإمام مالك[25].
و وفقاً لهذا القول فإن الكافرة لا حضانة لها على المسلم بحال، و تثبت حضانة الكافرة للكافرة، و المسلم أو المسلمة على الكافرة [26].

القول الثالث: إنه تجوز حضانة الكافرة للمسلم إذا توافرت فيها شروط الحضانة الأخرى، و تستمر حضانتها إلى حين انتهائها شرعاً. إلا أن يخاف على الطفل أن يألف الكفر، أو إذا خيف على المحضون الفساد كأن تغذيه لحم خنزير أو تسقيه خمراً، فإنه ينتزع منها، و لكن تضم الحاضنة و محضونتها لمسلمين يكونون قرباء عليها.
و هذا سواء كان الحاضن ذكراً أو أنثى، أما أو غير أم ، ذمية كانت أو مجوسية.
و هذا ما ذهب إليه المالكية و أبو ثورو أبو سعيد الاصطخري من الشافعية [27].

الرأي الراجح: إنني أميل إلى القول الثاني وهو القائل باشتراط اسلام الحاضن سواء كان رجلاً أو امرأة ، أما أو غيرها. تحقيقاً لمصلحة الصغير و حتي ينشأ على الإسلام و لا يألف الكفر.

- ما الحكم إذا كان الحاضن مرتداً؟
اشترط الحنفية في الحاضنة عدم الردة، حتى و لو ارتدت عن الإسلام بطل حقها في الحضانة، لأن المرتدة تحبس فيتضرر به الصبي، و لو تابت و أسلمت يعود حقها لزوال المانع [28].

- موقف قانون الأحوال الشخصية الإماراتي:
نصت المادة 144 في كل من البند (ب)من الفقرة الأولى، و البند (ج) من القثرة الثانية، على أنه: ( يشترط في الحاضن زيادة على الشروط المذكورة في المادة السابقة: 1- إذا كانت المرأة: أ-...
ب- أن تتحد مع المحضون في الدين مع مراعاة حكم المادة 145 من هذا القانون.
2- إذا كان رجلاً: أ- ...،ب-...،ج- أن يتحد مع المحضون في الدين)
و تنص المادة 145 على أنه:( إذا كانت الحاضنة أما و هي على غير دين المحضون سقطت حضانتها إلا إذا قدر القاضي خلاف ذلك لمصلحة المحضون على ألا تزيد مدة حضانتها له على إتمامه خمس سنوات نكراً كان أو أنثى)
القانون لم يفسر المقصود باتحاد الدين ، فيرجع لتفسيره إلى المذهب المالكي لأنه الأصل العام لهذا القانون، حيث أن المالكية يرون أن كل ملة تعد ديناً مستقلاً، فاتحاد الدين يعني اتحاد الديانة بين الحاضن و المحضون مطلقاً.
فلو كان الصغير يهودياً فلا يحضنه إلا يهودياً مثله، و كذلك النصراني و المسلم.


[1] الحديث تم تخريجه
[2] فتح القدير4/370
[3] الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي2/529،530
[4]  نهاية المحتاج 7/230
[5] كشاف القناع 5/499
[6] الفتاوى لابن تيمية
[7] البناية شرح الهداية 5/647
[8] المجموع شرح المهذب 18/329
[9] المغني لابن قدامة 9/306
[10] حاشية ابن عابدين 3/565
[11] الشرح الكبير للشيخ الدردير و حاشية الدسوقي 2/350
[12] حاشية ابن عابدين 3/565، روضة الطالبين9/100، المغني لابن قدامة 9/307
[13] سبق تخريجه
[14] المغني لابن قدامة9/307
[15] المرجع السابق، زاد المعاد 5/406
[16] الشرح الكبير للشيخ الدردير و حاشية الدسوقي 2/529
[17] المرجع السابق، زاد المعاد 5/406
[18] المبسوط للسرخسي30/30، مجمع الأنهرفي شرح ملتقى الأبحر2/748، مغني المحتاج3/25، المغني لابن قدامة7/167
[19] سورة الأنفال من الآية 3
[20] الشرح الكبير و حاشية الدسوقي4/486، المغني لابن قدامة 7/167
[21] سورة الحج الآية 17
[22] الشرح الكبير و حاشية الدسوقي4/486، المغني لابن قدامة7/167
[23] بدائع  الصنائع4/42، حاشية ابن عابدين3/556، مجمع الأنهر1/483
[24] المحلى لابن حزم11/352
[25] نهاية المحتاج7/229، كشاف القناع5/498، الروض المربع 1/629
[26] نهاية المحتاج 7/229
[27] الشرح الكبير و حاشية الدسوقي 2/529
[28] بدائع الصنائع 4/42

Post a Comment

أحدث أقدم