سقوط الحضانة و عودتها
الفرع الأول: أسباب سقوط الحضانة
يسقط حق الحاضن في الحضانة في الحالات التالية:
شروط عامة في الحاضن سواء كان رجلاً أو امرأة، و عليه فمتى اختل أحدها سقط الحق، فمثلاً لو جن الحاضن ، أو تبتت عدم أمانته في حفظ المحضون، أو كان فاسقاً فسقاً مؤثراً على مصلحة الصغير، أو أصبح الحاضن غير قادراً على الحضانة لعجز أو مرض أو كبر في السن ،أو أصيب بمرض معدٍ، أو حكم عليه في جريمة من جرائم العرض، فكل ذلك يسقط حقه في الحضانة.
و أما المادة 144 فقد جاءت بشروط خاصة بالحاضن الذكر، و شروطاً خاصة بالحاضنة الأنثى، فمتى اختل أحد هذه الشروط المذكورة سقط الحق في الحضانة، فمثلاً إذا كان الحاضن  رجلاً، و لم يعد عنده من يصلح للحضانة من النساء فإن حقه في الحضانة يسقط. و كذلك لو تزوجت الحاضنة من أجنبي و دخل بها و لم ير القاضي أن مصلحة الصغير في البقاء معها ،فإن حقها في الحضانة يسقط.
2- إذا استوطن الحاضن بلداً يعسر معه على ولي المحضون القيام بواجباته.
نصت المادة 148 فقرة(1) على أنه:( يجب على الأب أو غيره من أولياء المحضون النظر في شؤونه و تأديبه و توجيهه و تعليمه ) ، فولي النفس ملزم بالنفقة على المحضون و هو ملزم بتوجيهه و تعليمه، لذلك منع القانون انتقال الحاضنة بالمحضون إلى بلد تبعد عن ولي المحضون،لأن الانتقال يمنع الولي من القيام بواجباته، و جاء ذلك في نص المادة 152 فقرة 2 ، أنه من مسقطات الحضانة:( 2- إذا استوطن الحاضن بلداً يعسر معه على ولي المحضون القيام بواجباته.)
- شروط سقوط الحضانة بسبب الانتقال أو السفر وفقاً لقانون الأحوال الشخصية:
1- أن تكون النقلة بقصد الاستقرار أو الاستيطان
2-ألا تكون النقلة أو الاستيطان بقصد الإضرار بالحاضنة أو الأم و انتزاع الولد منها
3-أن تكون النقلة إلى بلد بعيد يعسر معه على ولي المحضون القيام بواجباته
4- أنه إذا كانت الحاضنةهي الأم فإنه يشترط لسقوط حقها في الحضانة بالانتقال أن تكون مبانة من الأب
و هذا الشروط نصت عليها المادة 151 فقرة 3 إذ تقول:(لا يجوز اسقاط حضانة الأم المبانة لمجرد انتقال الأب إلى غير البلد المقيمة فيه الحاضنة إلا إذا كانت النقلة بقصد الاستقرار، و لم تكن مضارة للأم و كانت المسافة بين البلدين تحول دون رؤية المحضون و العودة في اليوم نفسه بوسائل النقل العادية)

- موقف الفقه الإسلامي من هذا المسقط:
اختلف الفقهاء في السفر و الانتقال بالمحضون على قولين:
القول الأول:إنه إذا أراد أحد الأبوين السفر بالولد ثم العودة به - كالسفر للتجارة و الزيارة- و الآخر مقيم، فالمقيم أحق بحضانته، لأن في السفر إضراراً بالولد.
و إن كان السفر للإقامة و الطريق آمن و البلد الذي يريد الانتقال إليه آمن، فالأب أحق به سواء كان هو المسافر أو المقيم، لأن الأب هو من يتولى رعايته و تأديبه و حفظ نسبه، فإن لم يكن الولد في بلد الأب ضاع.
و هذا قول الجمهور من المالكية و الشافعية و الحنابلة [1].
و اشترط الحنابلة في ذلك عدم مضارة الأم و انتزاع الولد منها.
القول الثاني: و هو قول الحنفية[2] ، أنه إذا أراد الأب الانتقال بالمحضون  فالأم أحق، و إن أرادت الأم الانتقال به و كان بعد انتهاء عدتها منه، فإن كان الانتقال إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق به، و إن كان إلى بلد آخر فالأب أحق به، مادام البلد بعيداً، أما إذا كان البلد قريباً بحيث  يمكن للأب رؤية الولد و يمكنه الرجوع قبل الليل، فإنه لا تسقط حضانتها، متى كانت البلد الذي انتقلت إليها ليست أقل حالاً من البلد التي كانت تقيم فيه، حتى لا تتأثر أخلاق الصبي.
لقد حرص الفقهاء في كلا القولين على مصلحة الصغير، لذا فإن القاضي يقرر ما هو مناسب حسب مصلحة الضغير.
يقول ابن القيم:( و هذه أقوال كلها كما ترى لا يقوم عليها دليل يسكن القلب إليه، فالصواب النظر و الاحتياط للطفل في الأصلح له و الأنفع من الإقامة أو النقلة، فأيهما كان أنفع لهو أصون و أحفظ روعي، و لا تأثير لإقامة و لا نقلة، و هذا كله ما لم يرد أحدهما بالنقلة مضارة الآخر، و انتزاع الولد منه، فإن أراد ذلك لم يجب إليه) [3].

3- إذا سكت مستحق الحضانة عن المطالبة بها مدة ستة أشهر من غير عذر.
نصت المادة 152/ 3 من القانون، و التي اعتبرت أن من ضمن المسقطات للحضانة:( إذا سكت مستحق الحضانة عن المطالبة بها مدة ستة أشهر من غير عذر)، فيجب على مستحق الحضانة المبادرة إلى طلبها قبل مضي ستة أشهر من تاريخ علمه بأحقيته في الحضانة، و إلا سقط حقه ، وذلك حفظاً على مصلحة الصغير.
و يشترط لسقوط الحق في الحضانة بسبب سكوت صاحب الحق أو الولي في طلبها ما يلي:
1.      علم مستحق الحضانة بحقه في الحضانة أو علم بالسبب المسقط لحضانة الحاضن السابق و مع ذلك سكت عن المطالبة به.
2.      الاستمرار في السكوت مدة ستة أشهر قمرية تحسب من تاريخ علمه بأحقيته.
3.      انتفاء وجود عذر لسكوته عن المطالبة بحقه في هذه المدة
4.      ألا يعود الحق في الحضانة لمن سقطت عنها قبل طلبه، حتى لو كان ذلك خلال الستة أشهر
5.      كون  المحضون لا يزال في سن حضانة النساء

- موقف الفقه الإسلامي من السكوت عن طلب الحضانة كسبب مسقط لها:
لقد ذكرت كتب المالكية  هذا السبب لسقوط الحضانة  حيث يقول الدردير: (و شرطها للأنثى الحاضنة و لو أماً الخلو عن زوج دخل بها، فإن دخل بها سقطت لاشتغالها بأمر الزوج، فليس الدعاء للدخول كالدخول،...إلا أن يعلم من له الحضانة بعدها بتزوجها و دخولها، مع علمه بأنه مسقط، و يسكت بعد ذلك العام بلا عذر ، فلا تسقط حضانة المتزوجة، فإن لم يعلم بالدخول، أو علم و جهل الحكم أو سكت دون عام، أو عاماً لعذر انتقلت إليه، و سقط حق الدخول بها ما لم تتأيم قبل قيامه عليها) [4].
4- إذا سكنت الحاضنة الجديدة مع من سقطت حضانتها لسبب غير العجز البدني.
لقد اشترط المالكية عدم سكنى الحاضنة الجديدة مع من سقطت حضانتها،يقول الخرشي في سياق كلامه عن ترتيب الحاضنات:(..(ص) ( ثم أمها ثم جدة الأم إن انفردت بالسكنى عن أم سقطت حضانتها) (ش) الضمير في انفردت يعود على جدة الطفل و جدة أمه، و المعني أن كلاً منهما لا تستحق الحضانة إلا بشرط انفرادها بالسكنى بالطفل عن أم سقطت حضانتها بالتزويج أو غيره، و لك أن تقول لا خصوصية لهما بذلك، بل كل من استحق الحضانة يشترط فيه أن ينفرد بالسكنى عن التي سقطت حضانتها) [5].
وقد أخذ القانون الإماراتي بالمذهب المالكي في هذا الخصوص، حيث اشترط عدم سكنى الحاضنة الجديدة مع من سقطت حضانتها ،و قد فرق بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان سقوط حق الحاضنة لسبب غير العجز البدني، كفقدان الأمانة، أو عدم اتحاد الدين ،أو لزواجها من أجنبي عن المحضون و دخل به، ففي هذه الحالات يعد سكن الحاضنة الجديدة مع من سقطت حضانتها مسقطاً لحضانة الجديد أيضاً.
الحالة الثانية: إذا كان سقوط حق الحاضنة لسبب العجز البدني، فإنه لا مانع من سكنى الحاضنة الجديدة معها، مادامت أنها ستقوم على أمر العناية به و رعايته [6].

الفرع الثاني:عودة الحق في الحضانة بعد سقوطه
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول:إن الحق في الحضانة يعود لمن سقط عنها متى زال سبب سقوطه
و هذا قول الجمهور من الحنفية [7]و الشافعية[8] و الحنابلة [9]و بعض المالكية[10].
أدلة أصحاب القول الأول:
1- قول النبي -صلى الله عليه و سلم- :(أنت أحق به ما لم تنكحي).
حيث إن عبارة ما لم تنكحي للتعليل ، فعلة سقوط الحضانة هي التزوج، فمتى حصل الطلاق فقد زالت العلة، و بزوالها يعود الحق، لأن الحكم يدور مع العلة وجوداً و عدماً [11].
و إذا كان هذا في مانع الزواج من الأجنبي فإنه يسري في كل مانع، فلو تابت المرتدة مثلاً و أسلمت، عاد حقها في الحضانة لزوال المانع[12].
2- إن المقتضي للحق في الحضانة هو قرابتها الخاصة، و إنما عارضها مانع كالنكاح لما يوجبه من إضاعة الطفل و اشتغالها بحقوق الزوج الأجنبي منه عن مصالحه، فإذا انقطع النكاح بموت أو فرقة زال المانع، و المقتضى قائم، فترتب عليه أثره، و هكذا كل من قام به من أهل الحضانة مانع منها، ككفر أو فسق أو انتقال، فإنه لا حضانة له، فإذا زالت الموانع عاد حقهم في الحضانة، و ذلك عملاً بالقاعدة الفقهية:( إذا زال المانع عاد الممنوع) [13].
3- إن الحضانة فيها حق للحاضنة و حق للصغير، و أن أقوى الحقين هو حق الصغير، فإذا سقط حق الأم فلا تقدر على اسقاط حق الصغير أبداً، فيظل قائماً، فمتى عاد حقها، عادت لها الحضانة، و ذلك لأن العائد هنا غير الساقط، لأن حقها يثبت في الحضانة شيئاً فشيئاً، فيسقط الكئنفقط و لا يسقط المستقبل، قياساً على إسقاط إحدى الزوجتين حقها في القسم لضرتها[14].
القول الثاني:إنه يجب التفرقة بين أسباب السقوط ، فإذا كان سبب السقوط اضطرارياً كالمرض و السفر و نحوهما، فإنه يعود الحق في الحضانة متى زال العذر، أما إذا كان سبب السقوط اختيارياً كزواج الحاضنة، أو تنازلها عن الحضانة بإرادتها، فإن الحضانة لا تعود إليها إذا زال السبب.
 وهذا ماذهب إليه المالكية في المشهور عندهم[15].
أدلة أصحاب القول الثاني:
قول النبي -صلى الله عليه و سلم- :(أنت أحق به ما لم تنكحي).

حيث إن قوله ما لم تنكحي للتوقيت، أي أن حقك من الحضانة مؤقت إلى حين نكاحك، فإذا نكحت، انقضى وقت الحضانة، فلا تعود بعد انقضاء وقتها، كما لو انقضى وقتها ببلوغ الطفل و استغنائه عنها[16].
أما إذا سقطت الحضانة لعذر اضطراري كالمرض مثلاً ، فيمكن إن يعود لها الحق كما كان عند زوال العذر الاضطراري لأنه ضرورة.
القول الراجح: هو القول الأول ، و ذلك لقوة أدلتهم، و لأن فيه مصلحة للصبي.
- موقف قانون الأحوال الشخصية الإماراتي:
لقد نصت المادة 153 على أنه:( تعود الحضانة لمن سقطت عنه متى زال سبب سقوطها).
نلاحظ أن القانون قد أخذ بقول الجمهور في هذه المسألة و لم يفرق بين المانع الاضطراري و الاختياري، و ذلك مراعاة لمصلحة المحضون.
و تبرر المذكرة الإيضاحية أخذها بمذهب الجمهور في هذه المسألة بقولها: إن ذلك كله داخل في القاعدة الشرعية ( إذا زال المانع عاد الممنوع) و القاعدة المقررة أيضاً( العلة تدور مع المعلول وجوداً و عدماً)[17]


[1] الشرح الكبير وحاشية الدسوقي2/531 ، مغني المحتاج5/210 ، كشاف القناع5/500
[2] بدائع الصنائع 4/44
[3] زاد المعاد5/414
[4] الشرح الكبير للدردير بهامش حاشية الدسوقي 2/529،530
[5]الشرح الكبير و حاشية الدسوقي 2/527
[6] المذكرة الإيضاحية لقانون الأحوال الشخصية الإماراتي ص 263
[7] بدائع الصنائع 4/42
[8] روضة الطالبين9/101
[9] كشاف القناع 5/500، المغني لابن قدامة9/310
[10]  الشرح الكبير و حاشية الدسوقي 2/532
[11] زاد المعاد5/404
[12] بدائع الصنائع4/42
[13] زاد المعاد5/404
[14] حاشية ابن عابدين 3/559
[15] حاشية الدسوقي2/532
[16] زاد المعاد5/405
[17] المذكرة الإيضاحية لقانون الأحوال الشخصية الإماراتي ص 153

Post a Comment

Previous Post Next Post