مجالات علم البيئة Enviromental Scopes:
يتخذ علم البيئة مجالات عمل متعددة، نذكر منها:
أ- مجال البيئة الطبيعية:
ويشمل النشاط الطبيعي للكرة الأرضية برمتها في علاقاتها
المتنوعة مع الأشعة الكونية وأشعة الشمس،
وما يحيط بها في هذا الكون الشاسع
المترامي الأطراف، ابتداءً من تربتها السطحية حتى أعمق أعماقها، الصلبة منها
والسائلة والغازية، فضلاً عن الغلاف المائي للأرض، المياه السطحية والجوفية،
الحارة منها والباردة، والغلاف الحيوي Biosphere
على سطح الأرض الذي يضم الإنسان والحيوان والنبات، وأيضاً الغلاف الجوي الذي يحيط
بالكرة الأرضية، بطبقاته المتتالية.
الطبقة الأولى من الغلاف الحيوي وهي التروبوسفير Troposphere، وتمتد إلى ارتفاع 10 – 12 كيلومتراً بعيداً عن سطح البحر، وهي
الطبقة التي تحدث فيها التقلبات الجوية في العالم، ثم تليها طبقة الأوزون الكثيفة بارتفاع
نحو عشرين كيلو متراً، والتي تقع ضمن طبقة الستراتوسفير Stratosphere الممتدة إلى ارتفاع يمتد نحو 50 – 80 كيلو متراً عن سطح الأرض.
وتحلـّـق الطائرات النفاثة في العادة عند ارتفاع عشرة
كيلو مترات تقريباً، أي أدنى من طبقة الأوزون الكثيفة، علماً بأن ارتفاع جبل إفرست
يبلغ حوالى تسعة كيلو مترات فوق سطح البحر. ويمكن تخيل حجم التلوث الذي تطلقه الطائرات
النفاثة في تلك الطبقة أيضاً والذي يصعب معالجته، نتيجة احتراق الوقود لعشرات
الآلاف من الطائرات النفاثة التي تحلق على مدار الساعة في تلك الأجواء حول الكرة
الأرضية في أيامنا هذه، وهذه الأعداد مرشحة للزيادة في المستقبل. إذ يظل بعض هذه
الملوثات عالقاً في الجو فيما يهبط الثقيل منها إلى مستويات أدنى ويساهم في التلوث
والانحباس الحراري معاً.
ثم تلي طبقة الستراتوسفير طبقة أخرى تتميز بانتشار قليل
للغازات الخفيفة خلالها، كالهيدروجين والهيليوم، وتسمى الأيونوسفير Ionosphere، وتمتد هذه الطبقة لتلامس الفضاء الخارجي عند نحو أربعمئة كيلو
متر بعيداً عن سطح الأرض.
تتكون طبقة الأوزون من غاز O3،
وتمتص من 97 – 99% من الأشعة فوق البنفسجية الضارة بالحياة على الأرض. ويؤدي انخفاض 1% من طبقة الأوزون
إلى زيادة نفاذ الأشعة فوق البنفسجية بنسبة قريبة من 2%، وأغلبها يؤثر على المناطق
الريفية، بعيداً عن المدن الملوثة، ويضر بالمحاصيل الزراعية ويزيد من الإصابة
بسرطان الجلد والتحولات الجينية.
كما يشمل مجال البيئة الطبيعية العوامل المناخية التي
تؤثر على الكرة الأرضية، كالنشاط النووي للشمس ومسار الأرض حول الشمس، وما نجم عن
ذلك من ارتفاع في درجة حرارة الأرض وتواتر عصور جليدية في الماضي. ويشمل مجال
البيئة الطبيعية هذه التغيرات الطبيعية في درجات الحرارة، فضلاً عن أثر الرياح
والأمطار وتأثير الليل والنهار وقوة الجاذبية وجاذبية القمر وحدوث الزلازل
والبراكين والانهيارات الأرضية ونحو ذلك.
ب- مجال البيئة الاصطناعية:
الذي هو من صنع الإنسان وآثاره، من حيث التغييرات التي
أحدثها الإنسان، عبر تاريخه القديم
والحديث على سطح الأرض منذ ألوف السنين؛ حين
اتخذ المستوطنات الدائمة مقراً له وأقام السدود والمشاريع الزراعية والمائية. ولكن
التغيّرات الأهم بدأت منذ الثورة العلمية الكبرى في القرن السابع عشر؛ عندما بدأ
الإنسان يكتشف قوانين الطبيعة ويحلم بالسيطرة على الطبيعة وتسخيرها لخدمته
ورفاهيته.
وقد هيّأت الاكتشافات العلمية في النصف الثاني من القرن
الثامن عشر كي يصبح عصر الثورة الصناعية الأولى؛ التي قامت على الفحم الحجري
والمحرك البخاري، اللذين سمحا للإنسان بالتجول في العالم واكتشافه ونهب موارده
الطبيعية، على نحو أعظم وأشد شراسة من النهب الذي حدث عند اكتشاف القارة الأمريكية
في نهاية القرن الخامس عشر، ونهب خيراتها من الذهب والفضة وتسخير سكانها لخدمة
النهضة الأوروبية آنذاك.
لقد أحدث الإنسان الحديث منذ ذلك العهد الصناعي تغييرات
هائلة في باطن الأرض وعلى سطحها، وفي غطائها النباتي وثروتها الحيوانية وفي مياهها
وهوائها وتربتها ، فأقام المشاريع الزراعية والمائية والإنشائية والبنى التحتية،
من طرق وسدود وخدمات متنوعة، ومشاريع صرف صحي وأماكن تجميع للنفايات، كما قام بقطع
الأشجار وتجريف التربة واستنزاف الموارد الطبيعية، الأمر الذي أدى إلى تغيير معالم
البيئة الطبيعية وتلويثها، وتهديد الموائل الطبيعية التي كانت مأهولة بالتنوع
البيولوجي الهائل في الطبيعة، والمستقر فيها منذ مليارات السنين.
وقد نجم عن ذلك كله مختلف أنواع التلوث والظواهر
الاصطناعية، مثل: التلوث الضوضائي، التلوث الإشعاعي، تلوث الماء، تلوث الهواء
بالغازات والمواد العالقة، ويتمظهر التلوث باضمحلال طبقة الأوزون، وتطوير الغذاء
المعدل جينياً وتحويل بعض غذاء الإنسان إلى وقود Bio-fuel
للمركبات، وظاهرة الانحباس الحراري وما إلى ذلك.
والمعلوم اليوم أن معدل درجة حرارة الأرض قد ازداد
بمقدار Cْ
0.2 في القرن التاسع عشر عن القرن الذي سبقه، كما زاد بمقدار Cْ 0.6 خلال القرن
العشرين، ومن المتوقع نحو نهاية عام 2100 أن تتراوح معدلات ارتفاع درجة الحرارة من
1.4 – 5.8 درجة مئوية، وهو تغير لم تشهده الأرض منذ 10000 سنة، ومن شأنه إحداث
تغييرات بيئية هائلة على الأصعدة كافة(1) إذ أن زيادة درجة الحرارة بمقدار
درجتين؛ من شأنه أن يؤثر تأثيراً عظيماً على نمو المرجان في البحار وعلى تقليل
نسبة الأكسجين المنطلق في مياه البحر، وعلى غرق مساحات شاسعة من السواحل بفعل
ذوبان الثلوج في القطبين مما يهدد الحياة بشكلها المعروف والمستقر منذ آلاف السنين.
ج- مجال البيئة الاقتصادية
يرتبط مجال البيئة الاقتصادية بنشاطات الإنسان ونمط
الإنتاج السائد؛ المتمثل في طبيعة العلاقة القائمة بين رأس المال وقوى الإنتاج
وعلاقات الإنتاج، ومرتبط بحجم الاستثمارات اللامحدودة في الموارد الطبيعية
واستغلال الأيدي العاملة الذي يحدد مستوى الدخل والعناية الصحية، فضلاً عن استخدام
التكنولوجيا في الأنشطة الزراعية والصناعية والاجتماعية والخدماتية المختلفة،
والتي أدت إلى تقلص مساحة الغابات وساهمت في زيادة التصحر وانجراف التربة، وزيادة
التلوث بفعل تعظم النشاط الصناعي والخدماتي ونحو ذلك.
وتقوم النظرة الاقتصادية المعاصرة على فكرة الربحية في
معزل عن احترام البيئة وعناصرها المتنوعة، فقد غدت البيئة وعناصرها مسخـّرة لخدمة
الإنسان القوي الذي يمتلك ناصية العلم، وبالتالي أصبح بمقدوره إخضاع باقي الأمم
وفرض هيمنته وشروطه على العالم بأسره، فانفتحت الأسواق العالمية لسلعه المتنوعة
بفعل اتفاقيات تجارة وتعاون دولي يقوم القوي بفرض شروطه وإملائها على الآخرين.
وتتضح هذه الفكرة أكثر لدى قراءة هيمنة الولايات المتحدة
والصين، مثلاً، وهما من أكبر الدول الملوثة للعالم، فقد رفضت الأولى التوقيع على
اتفاقية كيوتو للحد من الغازات الملوثة للكرة الأرضية؛ فيما أُعطيت الثانية فترة
سماح بسبب النمو الاقتصادي الهائل المصاحب لنهضتها الأخيرة، بل ذهبت بعض الدول إلى
السماح بزيادة نسب التلويث في بعض الصناعات الأساسية بحجة مجابهة الأزمة
الاقتصادية التي تعاني منها.
د- مجال البيئة الاجتماعية:
ينظر مجال البيئة الاجتماعية إلى المسألة البيئية من حيث
النشاطات التي تقوم بها التجمعات السكانية والخدمات الاجتماعية التي تقدمها
الدولة، كالخدمات التعليمية والترفيهية، ومن حيث طبيعة العلاقات الاجتماعية
والدينية التي تقوم بين أفراد المجتمع من جهة، وأثر هذه العلاقات والآيديولوجيا
التابعة لها على البيئة من جهة أخرى.
ويمكن أن يساهم الإعلام والتربية والتعليم في تطوير رؤى بيئية
مناسبة بدءَاً من البيت فالمدرسة فالجامعة فمجال العمل، وهو واجب وطني بدأنا نراه
يتحقق بالتدرج في منهاج المدارس، وقد أصبحت الجامعات تـُدرِّس مواد البيئة، ولكننا
نطمح أن تكون هذه المواد إلزامية حتى تتمكن التخصصات كلها من دمج مواد البيئة في
مناهجها. فما الذي يمنع أن تدرس كلية الحقوق قوانين البيئة، وأن تبحث كلية الصيدلة
في الأمراض الناجمة عن التلوث، وأن تسعى كلية التربية إلى إيجاد طرائق جديدة
لتدريس علم البيئة. حيث أن لعلم البيئة علاقة عضوية بالطب والحقوق والصيدلة
والهندسة والتربية والشريعة .... إلخ.
هـ- مجال البيئة الصحية:
ينظر مجال البيئة الصحية إلى المسألة البيئة الصحية من
حيث دراسة أثر التغيرات البيئية على صحة الإنسان البيولوجية والنفسية في الأمدين
القريب والبعيد؛ المرتبطين بتغيّر نسب الغازات الموجودة في الغلاف الجوي. فإذا
علمنا أن هواء الأرض يحتوي على حوالى 78% نيتروجين يتم تحويله في الجو إلى نترات
باتحاده مع الأكسجين تحت تأثير الصواعق، فيسقط مع المطر ليجعل التربة أكثر خصوبة.
كما يحتوي هواء الأرض على نحو 20% أكسجين، وحوالى 1% آرغون، ونسبة 0,013% من ثاني
أكسيد الكربون، ونسب ضئيلة جداً من غازات أخرى، وارتفاع نسب بخار الماء وثاني
أكسيد الكربون وغاز الميثان وغيرها من الغازات يسبب ظاهرة ارتفاع درجة حرارة
الأرض.
وتقوم طبقة الأوزون بوظيفة امتصاص معظم الأشعة فوق
البنفسجية، ولكن الأشعة فوق البنفسجية ذات الطاقة العالية أخذت تنفذ إلى سطح الأرض
وغدت تشكل خطراً على صحة الإنسان والحيوان والنبات والكائنات الحية والدقيقة
الأخرى.
إن ما ينفذ من هذه الأشعة له تأثير إيجابي على الإنسان
من حيث تكوين فيتامين د، ولكن التعرض إليها لفترة طويلة يؤدي إلى حروق جلدية وترهل
فيها وعمى البلح وسرطان في الجلد ونحو ذلك. كما تؤثر الأشعة فوق البنفسجية في مواد
البناء، كالدهانات والمواد العازلة للحرارة كالبولستيرين وغيره، كما تؤثر الأشعة
فوق البنفسجية على نظام المناعة في جسم الإنسان وتؤثر على النباتات وتحد من إنتاج
الغذاء في البحار، فتشكل مصدراً للضرر بالهوائم النباتية والحيوانية التي تشكل الغذاء
الضروري للثروة السمكية ولتوليد الأكسجين.
إن الذي يساهم في تآكل واضمحلال طبقة الأوزون هي مركبات
الكلوروفلوروكربون CFCs تحديداً، كما تساهم هذه المركبات في امتصاص
الأشعة تحت الحمراء فترفع درجة حرارة الأرض لتساهم في ظاهرة الانحباس الحراري، إلى
جانب المساهمة في تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الغازات في الجو.
و- مجال البيئة الجمالية:
وهو المجال الذي ينظر إلى المسألة البيئية من حيث الرؤية
الجمالية للطبيعة بعامة والمحافظة عليها بوصفها مصدر جمال وطمأنينة ومتعة للإنسان،
ومن حيث النظر إلى الطرز المعمارية للمنشآت وانسجامها مع الطبيعة وملاءَمتها
لحاجات الإنسان والبيئة معاً، ومن حيث جمال الآثار التاريخية والعمرانية والدينية
المرتبطة بطبيعة المنطقة وإرثها الحضاري، ومن حيث الانسجام والتوافق بين هذه
العناصر الجديدة والطبيعة بمجملها.
إن أي تدمير في البيئة الجمالية يؤدي إلى آثار سلبية على
الإنسان من حيث الصدمة النفسية، الواعية وغير الواعية، ومن حيث تردي نوعية الهواء
المرتبط بالخلل الذي يصيب البيئة الطبيعية، ومن حيث الأمراض العصبية والصحية
المرتبطة بهدم البناء الجمالي للطبيعة الذي يولد متعة للإنسان هو في حاجة ماسة إليها
ولا تقل أهمية عن المتع المتعددة التي يحصّـلها من المصادر الأخرى والضرورية للبقاء
بشقيه المادي (الوظيفي) والمعنوي (النفسي).
Post a Comment