أسباب ارتفاع معدلات التضخم
     يمثَّل التضخُّم الخطِر في الانخفاض السريع والكبير في القوَّة الشرائيَّة للدرهم لسنوات متتاليــة، وهذا ما حصل خلال السنوات الثلاث الأخــيرة في دولة الإمارات، تزايد مؤشر التضخّـُم التي قدَّرته وزارة الاقتصاد لأسعار المستهـــلك بأسعــار عام 2000 من 5 % عام 2004 إلى 6.2 % عام 2005 إلى نحو 9.3% عام 2006 ؛ إلى نحو 14% سنة 2007 حسب توقعات تروث للاستشارات الاقتصادية.                                          
  ترى تروث للاستشارات الاقتصادية أن هناك عدة أسباب وراء ارتفاع معدلات التضخم ومنها :          
1- ارتفاع إيجارات السكن .
    يشكل بند السكن جزءا هاما من الإنفاق الأسرى الشهري حيث يبلغ %35 من ميزانية الأسرة وترى تروث أن تلك النسبة ارتفعت لتصل إلى %45 من الدخل الشهري للأسرة في عام 2007 وبالطبع فإن ارتفاع الطلب على السكن نتيجة معدلات نمو السكان  مع عدم مواكبة العرض لهذه الزيادة يؤدى إلى ارتفاع مستويات الإيجارات مما ينعكس بالضرورة في معدلات التضخم ونظرا لأن بند السكن يمثل جزءا هاما من ميزانية الأسرة لذا زيادة القيمة الإيجارية ستنعكس بدرجة واضحة في معدلات التضخم،إلا أن ارتفاع القيمة الإيجارية قد تتأثر بعده عوامل أخرى بجانب زيادة الطلب ومنها نقص العرض من مواد البناء وارتفاع   تكاليف استيرادها بسبب ارتفاع قيمتها في بلد المنشأ نتيجة لانخفاض قيمة الدولار وارتفاع تكاليف العمالة وارتفاع أسعار المواد الأولية اللازمة لعملية البناء والتشييد مما أدى إلى ارتفاع الإيجارات وبالتالي أدى إلى ارتفاع  معدل ألتضخم بالدولة                                                                                        
    ويلاحظ أن مخصصات السكن من جملة موازنة وإنفاق الأسرة في دولة الإمارات هو واحد من أعلى المعدلات في العالم وتدعم تروث هذا الرأي بالإشارة إلى أن معدلات التضخم لم ترتفع بشكل كبير في الدول الخليجية التي لم تواجه ارتفاعات كبيرة في الإيجارات .                                                         
                                  
2- الانتعاش الاقتصادي وزيادة قوة الطلب المحلى .
     لقد شهدت دولة الإمارات خلال الخمس سنوات الماضية نموا اقتصاديا كبيرا ساعد على حدوثه الارتفاع الكبير في سعر النفط الخام وتدفق رأس المال الأجنبي من الخارج للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة ،والانتعاش الكبير في أسواق العقارات والذي ولد دخولا نقدية لدى قطاع كبير من الشعب، واستمرار نمو السكان بمعدلات تقارب %7 ،وقد أدى ذلك إلى حدوث تطورات واضحة في مؤشرات الاقتصاد الكلى فقد أرتفع الاستهلاك في دولة الإمارات خلال الفترة من (2000-2006) بمقدار %121وقد كانت الزيادة ملحوظة بشكل كبير في الاستهلاك الخاص والذي ارتفع بأكثر من %170، وخلال الفترة ذاتها زاد الاستثمار بحوالي %95 من 58 مليار درهم عام 2000 إلى 120 مليار درهم عام 2006 وقد كانت الزيادة في هذا الاستثمار كبيرة في كل من جانبيه العام والخاص، ولقد ساهم ارتفاع أسعار النفط في تعزيز الموازنة العامة للدولة وإزالة العجز الذي عانت منه لفترة طويلة واعتماد برامج إنفاق استثمارية جديدة.
وترى تروث أنه في خلال السنوات (2000-2006) ازدادت الإيرادات الكلية للموازنة المجمعة بمقدار يزيد عن %170 من (75 مليار درهم عام 2000 إلى 200 مليار درهم عام 2006)، وقد ساهم توفر السيولة الكبيرة لدى القطاع المصرفي وانخفاض أسعار الفائدة وحاجة البنوك ولجوئها إلى التنافس على توفير القروض الاستهلاكية للمواطنين والوافدين، في زيادة عرض النقود في القطاع المالي، وفى زيادة الطلب الإجمالي على السلع والخدمات في الأسواق المحلية ومن ثم زيادة التضخم.

3- زيادة عرض النقود .
    يعتبر العامل النقدي من أهم العوامل التي ساعدت على خلق ظاهرة التضخم في العقود السابقة وهذا التضخم يظهر عندما يكون هناك كمية كبيرة من النقود تواجه كمية قليلة من السلع والخدمات ، وإذا لم تتوفر طريقة لسحب السيولة النقدية الزائدة (مثل العرض الكبير من العقارات أو الإنتاج الكبير من السلع والخدمات) فإن السيولة الزائدة ستترجم إلى ارتفاع معدلات التضخم وتستقطب الدولة عموما سيولة نقدية كبيرة نتيجة لارتفاع الفوائض النفطية ونتيجة لانتقال أموال بعض فئات المستثمرين العرب والأجانب من الدول الغربية إلى المنطقة،  وترى تروث أنة في عامي 2002،2003 ارتفعت معدلات نمو السيولة المحلية إلى ما يقارب %18، و%25 عام 2004 و%34 عام 2005 و %37 عام 2006 وقد ساهم نمو السيولة المحلية في زيادة الطلب على السلع والخدمات وبوتيرة اكبر مما تسمح به قنوات العرض مما انعكس أيضا في ارتفاع الأسعار.
    وهناك ارتباط واضح جدا بين التضخم والنمو في عرض النقود في الدولة منذ مطلع الثمانينات فلقد كان هناك ارتباط  واضح وقوى بين المتغيرين وبلغ معامل الارتباط خلاله 68, أما في الفترة اللاحقة وخاصة منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي قد كان معدل نمو النقود يقود معدل التضخم، وعندما حدثت قفزة كبيرة في معدل نمو النقود منذ عام 2003 فإن ذلك قد ترجم في ارتفاع واضح في المستوى العام للأسعار والخدمات.

4- رفع أسعار الطاقة .
   لقد لجأت الحكومة في دولة الإمارات إلى رفع أسعار الطاقة بشكل متتالي وذلك لتعكس تلك الأسعار الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة العالمية وكذلك أدى رفع أسعار الوقود والمحروقات بنسبة %33 في عام 2005 إلى ارتفاع مباشر في إنفاق المستهلكين وزيادة تكاليف الإنتاج على المؤسسات الإنتاجية ، مما أدى إلى زيادة في أسعار السلع والخدمات. وترى تروث للاستشارات الاقتصادية أن أسعار الوقود المحلية الرئيسية تشكل في معظم الحالات ضعف الأسعار السائدة في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
    وبالرغم من أن الصرف على النقل والمواصلات لا يأخذ إلا أقل من 20% من جملة ألإنفاق ألأسرى ، فإن الوقود وخاصة وقود النقل يعتبر سلعة إستراتيجية تؤثر أسعارها في تكاليف الإنتاج في العديد من القطاعات, وارتفاع أسعار وقود النقل أثر في ارتفاع تكاليف الإنتاج في القطاع ذاته ومن المؤكد أن ارتفاع أسعار الوقود قد ساهم في ارتفاع معدلات التضخم في الدولة.

5- التضخم المستورد .
    هناك جزء كبير من احتياجات المستهلك يتم تلبياتها عن طريق الاستيراد من الخارج، ودولة الإمارات تعتمد في مقابلة جزء مهم من الطلب المحلى على الواردات من كافة أنحاء العالم وفى عام 2004 كانت قيمة الواردات لدولة الإمارات تفوق 289 مليار درهم وهى بذلك تشكل %74 من الناتج المحلى الإجمالي، وفى عام بلغت قيمتها 394 مليار درهم وهى تشكل %66 من الناتج المحلى الإجمالي.
والآلية التي تؤثر بها أسعار الواردات في معدلات التضخم المحلى هي من خلال سعر صرف الدرهم، ومنذ إنشائها تتبع الإمارات سياسة ربط قيمة الدرهم بالدولار ا، والتقلبات في قيمة صرف الدولار مقابل العملات العالمية الرئيسية تنعكس إيجابا وسلبا على القوة الشرائية للدرهم، وخلال الفترة (2000-2006) شهد الدولار انخفاضا كبيرا مقابل العملات الرئيسية وأهمها اليورو والين والجنيه الإسترليني.
وتشير تروث إلى أن سعر الدرهم يعتبر  أقل من قيمته الحقيقة بالنسبة إلى الدولار بنسبة تبلغ %10 وهذا يعنى أنه في حال استمرار انخفاض أسعار الدولار مقابل العملات الرئيسية مثل الين واليورو الأوروبي سيزيد هذا الأمر من التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الواردات إلى الإمارات، ويتخذ موضوع ربط سعر الدرهم بالدولار الأمريكي أهمية متزايدة لدى دراسة نمط الإدارة الخارجية لدولة الإمارات، وتتخذ الواردات على وجه الخصوص أهمية كبيرة في مجال دراسة أسباب التضخم، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تحديد مدى تأثير التضخم المستورد والناجم عن تراجع قيمة الدولار تجاه العملات الرئيسية على التضخم الحاصل في الإمارات.
ويأتي تأثير سعر صرف الدرهم مقابل العملات الأخرى على التضخم من عدة قنوات أهمها:
    يؤدى انخفاض سعر صرف الدرهم إلى رفع فاتورة الواردات مقومه بالدرهم مما يؤدى لزيادة التضخم بشكل مباشر نتيجة استهلاك أفراد المجتمع لسلع أجنبية بأسعار أعلى، ومع الوقت يرتفع الطلب على بعض السلع المحلية التي يتم التوجيه إليها بدلا من السلع الأجنبية التي زادت أسعارها وبالتالي تزيد أسعار السلع المحلية وتصب في التضخم، وكذلك يؤدى انخفاض سعر صرف الدرهم إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة زيادة أسعار السلع ومدخلان الإنتاج، ، وهذا بالتالي يزيد من أسعار السلع والخدمات بالدولة.
وبعد الانتهاء من سرد الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع معدل التضخم يتم طرح مدى ارتباط المتغيرات السابقة بالتضخم:
1.    على المدى الطويل وخلال فترة الدراسة يبدو أن النمو في عرض النقود هو العامل الأهم في خلق التضخم بين العوامل الاقتصادية الكلية المؤثرة في التضخم.
2.    الزيادة في تكلفة الإيجارات و أيضا في تكاليف الغذاء والشراب هي العاملان الجزئيان الأهم في خلق التضخم في الإمارات على المدى البعيد.
3.    تأثير النمو في تكلفة النقل والمواصلات والاتصالات على التضخم هو أضعف مقارنة مع الإيجارات أو الغذاء.
4.    قد لا يكون إسهام بعض المتغيرات في خلق التضخم ملحوظا بشكل مباشر ولكنها ربما تكون أساسية في خلق التقلبات في معدل التضخم وذلك من خلال التأثير على عوامل أخرى من شأنها زيادة التضخم، فعلى سبيل المثال فإن زيادة أسعار الإيجارات تصب بشكل مباشر في التضخم وذلك لأنها تمثل زيادة في أنفاق الأسر. وبشكل غير مباشر عن طريق الضغط على القطاعين العام والخاص لزيادة الأجور وذلك يؤدى إلى زيادة أسعار السلع والخدمات المختلفة وكذلك فإن التضخم المستورد يؤثر بشكل مباشر على التضخم المحلى عن طريق زيادة تكاليف  السلع الاستهلاكية المستوردة وبشكل غير مباشر عن طريق زيادة الطلب على السلع المحلية البديلة وكذلك عن طريق زيادة تكاليف الإنتاج المحلية التي تعتمد على سلع مستوردة في الإنتاج، وبحساب حصة كل من عوامل الاقتصاد الكلى في خلق تقلبات التضخم في دبي نجد أن النمو في عرض النقود يعد المساهم الأكبر في تقلبات التضخم، حيث سيساهم بحوالي %7.3 من تقلبات التضخم، أما التغير في التضخم المستورد فإنه ساهم بحوالي %5,5  من تقلبات التضخم، بينما ساهم النمو الحقيقي في الناتج المحلى بحوالي %2.4 من هذه التقلبات .
5. تعد الزيادة في تكلفة الإيجارات المساهم الأكبر في تقلبات التضخم من بين المتغيرات الجزئية يتبعها النمو في تكلفة الغذاء والدواء، ويساهم النمو في تكلفة الإيجارات بحوالي %15.1 من التقلبات في التضخم كما يساهم النمو في تكلفة الغذاء والشراب بحوالي %10.2 أما بالنسبة للنمو في تكلفة النقل والمواصلات والاتصالات فإن مساهمتها في هذه التقلبات ضعيفة جدا ولا تتجاوز %1.
وتشير تروث إلى أن الزيادة في معدل التضخم بذاته يؤدى إلى تقلبات في معدل التضخم نتيجة زيادة درجة المخاطرة في التعاملات الاقتصادية وتوقعات المستهلكين والمستثمرين لتضخم أكبر في المستقبل ويبدو أن التضخم بذاته مسئول عن حوالي %74 إلى %85 من التقلبات في معدل التضخم في الإمارة.
    ومن خلال النتائج السابقة معا يمكن التوصل إلى خلاصة مفادها أن التوسع النقدي إضافة لارتفاع الإيجارات وتكاليف الغذاء تعد المسبب الرئيسي للتضخم كما تلعب دورا هاما في تقلباته وذلك على كلا من المدى القريب والبعيد، وترتبط جميع هذه العوامل معا بزيادة الطلب المحلى على السلع والخدمات ولذلك لابد من التعامل مع ارتفاع هذا الطلب على المدى الطويل والتعامل مع الإيجارات وارتفاع تكاليف الغذاء على المدى القصير بشكل يضمن استقرارها.

Post a Comment

Previous Post Next Post