أداء الحقوق إلى أصحابها

        الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على رسولنا محمد وآله وصحبه أما بعد : فـلا يـخفى أن الشريعة الإسلامية قد أمرت بأداء الحقوق إلى أصحابها قال تعالى : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) ([1]) .
والأصل في أداء الأمانات والحقوق أن يكون اختيارياً كما في قول النبي صلى الله عليه وسلـم : (( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك )) ([2]) , إلا أن هذا الأداء يـكون جبرياً عند الامتناع عنه بعد صدور الحكم القضائي به ؛  إذ  (( لا ينفع تكلـم بحق لا نفاذ له )) ([3]) كما جاء في خطاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما .
        وانطلاقاً من ذلك وحيث إن التنفيذ الجبري هو ثمرة الحكم القضائي فإن المملكة العربية السعودية حينما أصدرت نظام المرافعات الشرعية في عام 1421هـ ولوائحه التنفيذية في عام 1423هـ أفردت الباب الثاني عشر منه للحجز والتنفيذ , وقد احتوى هذا الباب على خمسة فصول تشتمل على (37) سبع وثلاثين مادة نظامية و (109) مائة وتسع من مواد اللائحة .
        كما أن مشروع نظام ( قانون ) الإجراءات المدنية الموحد في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي قرر مجلس الوزراء السعودي في بداية عام 1424هـ تطبيقـه كنظام استرشادي لمدة أربع سنوات قد تم تخصيص قرابة نصف صحائفه للتنفيذ .


        ولأن هذين النظامين لا يتعارضان مع الكتاب والسنة وإصدارهما من باب السياسة الشرعية القائمـة على المصلحة لذا فإن المحاكم الشرعية في المملكة العربيـة السعودية تسير على نظام المرافعات الشرعية السعودية وتسترشد بمشروع نظام ( قانون ) الإجراءات المدنية الخليجي .
        هذا ومع كثرة الشواغل القضائية والإدارية والشخصية ومع ضعف الهمة إلا أني قـمــت بـإعـداد هــذا البحث استجابةً لدعوة كريمة من فضيلة الشيخ/ إبراهيم ابن عبدالعزيز البشر رئيس اللجنة العلمية بوزارة العدل صدرت لي برقم 64061/26 في 30/7/1426هـ وذلك للمشاركة في الندوة العدلية القضائية المقامة بالمنطقة الشرقية خلال يومي الثلاثاء والأربعاء 18 , 19 /11/1426هـ الموافــق 20, 21/12/2005م . وأصل هــذا الــبــحــث جزء من رسالة الدكتوراه التي بعنوان ( حضور الخصوم وغيابهم بين الفقه الإسلامي والنظم الوضعية ) المقدمة لقسم السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , ولكني اختصرت هذا الجزء كثيراً بناءً على طلب اللجنة العملية بالوزارة حتى يتناسب مع وضع الندوة المذكورة وأجريت عليه تعديلات كثيرة وزيادة وحذف وأضفت عليه الإشارة إلى اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية حيث لم تكن قد صدرت وقت إعدادي الرسالة .


(1) الآية رقم (58) من سورة النساء .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الإجارة باب في الرجل يأخذ حقه رقم 79 الحديث رقم 3534 سنن أبي داود 3/ 290 ، وأخرجه الترمذي في أبواب البيوع رقم 12 باب أدّ الأمانة إلى من ائتمنك رقم 38 الحديث رقم 1264 وقال : هذا حديث حسن غريب . سنن الترمذي 3/ 564 ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 53، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وأخرج في سنن الدارمي 2/ 343 ، ومسند أحمد 3/ 414 ، وسنن البيهقي 10/ 271، ومجمع الزوائد 4/ 144،وسبل السلام 3/ 68. وقال عنه ابن حـجـر: تفرد به طلق بن غنام عن شـريك، واستشهد له الحاكم بحديث أبي التياح عن أنس وفيه أيوب بن سويد مختلف فيه …، وقال الشافعـي : هـذا  الحديث ليـس بثابـت ، وقال ابن الجوزي : لا يصح من جميع طرقه ،ونقل عن الإمام أحمد أنه قال هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح. تلخيص الحبير 3/97.
(3) العهد الذي كتبه عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ـــ رضي الله عنهما ـــ أخرجه الدارقطني في سننه 4/206، و البيهقي في السنن الكبرى 10/119 ونقله كثير من الأئمة ، وقال عنه ابن القيم : وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول . أعلام الموقعين 1/86 0

Post a Comment

أحدث أقدم