اثار خطورة الاتجار بالبشر الإنسانية والاجتماعية؟

يدفع ضحايا الاتجار بالبشر ثمناً مخيفاً يتمثل في الإيذاء الجسدي والنفسي بما في ذلك الاصابة بالأمراض، وإعاقة النمو الذي غالباً ما يترك أثرا دائماً ويتم نبذهم من قبل عائلاتهم ومجتمعاتهم. وغالباً ما يضّيع ضحايا الاتجار بالبشر فرصاً هامة من النمو الاجتماعي والأخلاقي والروحي. ويكون استغلال الضحايا أحيانا مستفحلاً: إذ يتم الاتجار بالأطفال ليعملوا في أعمال معينة ثم يجرى استغلالهم لأشياء أخرى. ففي نيبال، يتم إجبار الفتيات اللواتي تم تجنيدهن للعمل في مصانع السجاد وفي الفنادق وفي المطاعم،على دخول صناعة الجنس في الهند في وقت لاحق.  وفي الفلبين وغيرها من الدول الأخرى، فإن الأطفال الذين هاجروا للعمل في الفنادق ومجال السياحة، غالباً ما  ينتهي المطاف بهم في المواخير.  إن حقيقة تجارة العبودية المعاصرة البشعة تتمثل في أن جميع الضحايا غالباً ما يتم شراؤهم وبيعهم عدة مرات.

إن الضحايا الذين يجبرون على العبودية الجنسية غالباً ما يتم إخضاعهم عن طريق تعاطي المخدرات، كما انهم يعانون من عنف شديد.  يعاني الضحايا الذين تتم المتاجرة بهم للاستغلال الجنسي ضرراً جسدياً ونفسياً جراء ممارسة نشاط جنسي قبل الأوان والإجبار على  تعاطي المخدرات والتعرض للأمراض الجنسية المعدية بما في ذلك فيروس الإيدز (نقص المناعة المكتسبة). ويعاني بعض الضحايا من ضرر دائم لأعضائهم التناسلية. وإضافة إلى ذلك، فإن بعض الضحايا ينقلون إلى مناطق لا يعرفون لغتها، فلا يفهمونها ولا يتكلمونها، مما يزيد من الضرر النفسي نتيجة لاجتماع عنصري الوحدة والهيمنة. ومن المفارقة أن قدرة الإنسان على تحمل الصعاب الشديدة والحرمان تؤدي إلى أن يستمر الضحايا المحتجزون في العمل على أمل الخلاص في النهاية.

الاتجار بالبشر إنتهاك لحقوق الإنسان. إن الاتجار بالبشر في جوهره، يخرق حق الإنسان الشامل في الحياة والحرية والتحرر من العبودية بجميع أشكالها. إن الاتجار بالأطفال يقلل من شأن حاجة الولد الأساسية لينمو في بيئة آمنة، ومن حقه في التحرر من الإيذاء والاستغلال الجنسي.


الاتجار بالبشر يؤدي للتفكك الاجتماعي. يجعل فقدان شبكات الدعم العائلي والاجتماعي ضحية عملية الاتجار بالبشر اكثر ضعفا وقابلية للانصياع لتهديدات التجار وطلباتهم، ويساهم بطرق عدة في تدمير البنى الاجتماعية.  ينزع الاتجار بالبشر الأطفال من أهاليهم وأقاربهم، ويمنعهم من النمو الطبيعي والأخلاقي. يُعيق الاتجار بالبشر انتقال القيم الثقافية والعلم من الأهل إلى الطفل ومن جيل إلى آخر، ما يؤدي إلى إضعاف عمود رئيسي من أعمدة المجتمع. إن الأرباح الناجمة عن عملية الاتجار بالبشر عادة ما تسمح لان تتجذر الممارسة في مجتمع معين ليصبح فيما بعد مصدراً جاهزاً لتوفير الضحايا. إن خطر أن يصبح المرء ضحية الاتجار به أن يؤدي ذلك إلى اختباء الجماعات الضعيفة مثل النساء والأطفال، مع ما ينجم عنه من حرمانهم من التعليم أو من البنية العائلية. الحرمان من التعليم يقلل من فرص الضحايا الاقتصادية في المستقبل ويزيد من قابلية تعرضهم للاتجار بهم مستقبلا. إن الضحايا الذين يعودون إلى مجتمعاتهم يجدون أنفسهم موصومين بالعار ومنبوذين، الأمر الذي يتطلب توفير خدمات اجتماعية متواصلة لهم.  ومن الأرجح أن ينغمسوا في تعاطي المخدرات وممارسة أنشطة إجرامية.
الاتجار بالبشر يدعم الجريمة المنظمة. تمول الأرباح الناجمة عن الاتجار بالبشر نشاطات إجرامية أخرى. وفقاً للأمم المتحدة، يعتبر الاتجار بالبشر ثالث أكبر المشاريع الإجرامية في العالم، حيث تقدر وارداته السنوية بحوالى 9.5  مليار دولار أميركي حسب وكالات الاستخبارات الأميركية.  كما انه يعتبر أحد أكثر المشاريع الإجرامية ربحاً ويتصل بشكل وثيق بعملية غسل الأموال، وتهريب المخدرات، وتزوير الوثائق، وتهريب البشر.  كما أن له روابط موثقة بالإرهاب. وحيثما تزدهر الجريمة المنظمة، تضعف الحكومة وقدرتها على تطبيق القانون.

الاتجار بالبشر يحرم الدول من القوى البشرية. يؤثر الاتجار بالبشر سلبياً على أسواق العمل، ما يؤدي إلى خسارة غير قابلة للاسترجاع في الموارد البشرية. وتشمل بعض آثار الاتجار بالبشر أجوراً ضئيلة، وعدداً أقل من الأفراد المتبقين للعناية بالعدد المتزايد من المسنين، إضافة إلى وجود جيل قليل التعليم. وتؤدي هذه الآثار أيضاً إلى فقدان القدرة على الإنتاج وكسب العيش مستقبلا. كما أن إجبار الأطفال على العمل من عشر إلى ثماني عشرة ساعة يومياً يؤدي إلى حرمانهم من التعليم ويعزز دائرة الفقر والأمية، الأمر الذي يعرقل التنمية الوطنية.

تمت مراجعة قصة هذه الضحية في 20 يونيو/حزيران 2004، (كما قُدمت إلى الكونغرس).

جاءت نوا من مجتمع فقير في إحدى قرى تايلاند. عندما كانت في الخامسة عشرة من العمر حاولت الهرب من الاغتصاب والأذى الجنسي لدى العائلة التي ترعاها، عثرت على وكيل توظيف للعمالة الأجنبية في بانكوك يعلن عن وظائف للعمل كنادلات بأجر جيد في اليابان. سافرت إلى اليابان لتكتشف بعدها أنها دخلت اليابان بموجب تأشيرة سياحية على هوية مزورة. لدى وصولها إلى اليابان تم أخذُها إلى حانة للكاريوكي حيث قام صاحب الحانة باغتصابها، وأجبرها على إجراء فحص للدم، ثم اشتراها. وذكرت أنها شعرت "وكأنها قطعة من اللحم تجري معاينتها".  وقالت لها السيدة صاحبة الماخور بأنه يتعين عليها أن تسدد ديناً مقداره أكثر من عشرة آلاف دولار أميركي لتغطية نفقات سفرها.  كما تم تحذيرها من أن الفتيات اللاتي حاولن الهرب تم إرجاعهن من قبل المافيا اليابانية وقد ضربن ضرباً مبرحاً، وأن قيمة ديونهن قد تضاعفت.  وكانت الطريقة الوحيدة لتسديد الدين هي مقابلة أكبر عدد من الزبائن بأقصى سرعة ممكنة. يقوم بعض الزبائن بضرب الفتيات بالعصي وبالأحزمة وبالسلاسل إلى أن ينزفن. وإذا عادت الضحية باكية، تقوم صاحبة الدار بضربها مجدداً وتقول لها بأنها لا شك استفزت الزبون.  وعادة ما تستخدم العاهرات المخدرات قبل ممارسة الجنس "لكي لا يشعرن بالكثير من الألم".  ولأن معظم الزبائن يرفضون ارتداء الواقي الذكري، يتم إعطاء الضحايا حبوب منع الحمل، كما يتم الانتهاء من أي حمل عن طريق الإجهاض محلياً. أما الضحايا اللواتي يتمكن من تسديد دينهن ويعملن بشكل مستقل، غالباً ما تعتقلهن قوات الشرطة ويتم تغريمهن وسجنهن واغتصابهن قبل ترحيلهن. وتمكنت نوا في النهاية من الهرب بمساعدة منظمة يابانية غير حكومية.



سوء استخدام التأشيرة "الفنية" أو تأشيرة "ممارسة الأعمال الترفيهية"

يتم الحصول في العديد من الدول على تأشيرة فنية أو لممارسة أعمال ترفيهية، وذلك لتسهيل حركة الاتجار بالبشر واستغلال ضحاياه.  ويتم منح آلاف النسوة هذه التأشيرة المؤقتة بهدف الحصول على عمل قانوني في مجالات الترفيه أو الضيافة.  وعادة ما يتم منح مثل هذه التأشيرات لدى تقديم عقد عمل أو عرض بالعمل في ملهى من صاحبه، وإثبات بالموارد المالية، و/أو نتائج فحص طبي. وغالباً ما تلعب وكالات التوظيف المرخص لها بموجب قوانين الدولة الأصلية وتلك التي تتوجه إليها الضحية، دوراً رئيسياً في خداع هؤلاء النسوة وتطويعهن للعمل. ولدى وصول الضحايا إلى الدول التي يقصدن، يتم تجريدهن من وثائق وجوازات سفرهن، ويتم إجبارهن على أوضاع يجري فيها استغلالهن جنسياً أو إجبارهن على الأشغال الشاقة. وإذا تجاوزت إقامة الضحية مدة التأشيرة أو أخلت بأحد بنودها، يتم إجبارها على الطاعة من قبل الذين يستغلونها مع التهديد بالإبلاغ عنها لسلطات الهجرة.  

يتعين على حكومات الدول التي تُصدر مثل هذه التأشيرات بأعداد كبيرة، ونذكر (على سبيل المثال لا الحصر) سويسرا وسلوفانيا وقبرص واليابان، الإقرار بأن المتاجرين بالبشر يستغلون هذه الآلية استغلالا كبيراً. فعلى سبيل المثال، ذكرت تقارير أن اليابان أصدرت العام 2003 نحو 55,000 تأشيرة أعمال ترفيهية لنساء من الفلبين يشتبه بأن العديد منهن أصبحن ضحايا الاتجار بهن. ويتعين على السلطات أن تدقق في شروط منح هذا النوع من التأشيرات وأن تطبق إجراءات رقابة خاصة على مقدمي الطلبات المتكررة ومن يكفلونها. وينبغي إجراء حملات توعية في البلدان الأصلية لتنبيه طالبات تأشيرة الأعمال الترفيهية من الخدع التي يلجأ إليها المتاجرون بالبشر لاغراء النساء على استغلالهن في العمل وإجبارهن على الدعارة.

Post a Comment

أحدث أقدم