الدفاع الاجتماعي الجديد (مارك أنسل)
     لم تلقى أفكار جراماتيكا (الدفاع الاجتماعي التقليدي) تأييد من بعض أنصار حركة الدفاع الاجتماعي ، خاصة في فرنسا ، الأمر الذي دعا هؤلاء إلى المنادة بوجوب تصحيح مسار هذه المدرسة. ويعود الفضل إلى المستشار مارك أنسل (المستشار بمحكمة النقض الفرنسية) في وضع أسس الدفاع الاجتماعي الجديد ، أو ما يمكن أن نسميه الاتجاه المعتدل للدفاع الاجتماعي. فلقد وضع هذا الفقيه في عام 1940 كتابة "الدفاع الاجتماعي الجديد ، حركة لسياسة جنائية إنسانية" والذي توالت طبعاته كان أخرها عام 1981[1].
وسوف نستعرض أهم ما جاء من أفكار في هذا المؤلف ، من خلال بيان الدعائم الفلسفية للدفاع الاجتماعي الجديد ، قبل بيان تقديرنا لهذه الحركة.

أ : الدعائم الفلسفية للدفاع الاجتماعي الجديد :
     تتنوع الدعائم الفلسفية للدفاع الاجتماعي الجديد ، فمنها ما يرتبط بمفاهيم القانون الجنائي التقليدية خاصة المسئولية ، ومنها ما يتصل بشخصية المجرم ، وأخيراً ما يتصل بهدف الجزاء الجنائي وطابعه الإنساني.

1-                  الإبقاء على المفاهيم التقليدية للقانون الجنائي :
     يضع مارك أنسل سياسة للدفاع الاجتماعي لا تنكر قواعد القانون الجنائي التقليدية ، فهو لا ينكر مبدأ الشرعية ولا يذهب إلى حد إلغاء المسئولية ولا الجزاء. ولديه أن المسئولية الجنائية ينبغي أن يكون مبناها الخطأ القائم على حرية الإرادة. فهو لا يؤمن بالوضعية المادية التي تؤمن بالحتمية ولا تعترف بالخطأ. كما أن محرك هذه المسئولية هو الجريمة وليس الفعل المناهض للمجتمع أو العصيان الاجتماعي كما كان يسميه جراماتيكا.

ويؤكد أنسل على أن المسئولية الجنائية هى الغاية والهدف من النظام الجنائي القائم ، بحيث تؤدى المعاملة العقابية بإنماء روح المسئولية لدى المجرم  نحو المجتمع ، فينصرف عن سلوك سبيل الجريمة في المستقبل. وبالجملة فإن الدفاع الاجتماعي الجديد يقوم على ذات الأسس التي قامت عليها المدرسة التقليدية ولكن مع تطوير هذه الأسس في ضوء ما أظهرته الدراسات الحديثة حول السلوك الإنساني[2].

2-                  تدعيم الاهتمام بشخص المجرم :
     إن أخذ شخصية المجرم في الاعتبار وإعطائها وزناً في الدعوى الجنائية ، من خلال دراسة مختلف العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية المتصلة بهذه الشخصية والمؤثرة فيها كعوامل دافعة لارتكاب الجريمة ، يمثل أول سمة لحركة الدفاع الاجتماعي الجديد. فعن طريق الاهتمام بتلك الشخصية وتدعيم الدراسات المتصلة بها يمكن تحديد أنسب طرق المعاملة العقابية ، ويمكن للقاضي تبعا لحالة كل مجرم أن يتخير الجزاء المناسب (عقوبة أو تدبير) ، بما يعين المجرم على التأهيل الاجتماعي والاندماج مرة أخرى في البيئة المحيطة[3].

وهذه الدراسة لشخصية المجرم هى دراسة علمية. فالدفاع الاجتماعي الجديد يدعو إلى إعداد ما يعرف بملف الشخصية Dossier de personnalité ، الذي يحوى كل ما يتصل بالجوانب الشخصية للمجرم ، والمعد من قبل الخبراء المتخصصين بدراسة السلوك الإنساني ، كالأطباء وعلماء الاجتماع وعلماء النفس والإجرام والدراسات الجنائية ، كي يكون تحت يد السلطات الجنائية في كافة مراحل الدعوى ، بما فيها مرحلة التنفيذ العقابي ذاتها باعتبارها – عند هذا الاتجاه - مرحلة من مراحل الخصومة الجنائية. لذا فإن مارك أنسل يرى أن الاهتمام بالفحص العلمي للشخصية ، للاستعانة به في مراحل الدعوى ، لا يمكن أن يتحقق إلا بعد إجراء التعديلات الضرورية على النظام الإجرائي ذاته الذي يحكم الدعوى الجنائية[4].

ويمكن هذا الملف القاضي من التعرف على كل ما يتصل بالمتهم. ولا يعنى هذا مجرد التعرف على الظروف الخارجية للفعل الإجرامي والسوابق القانونية للمتهم ، ولا حتى بياناته الشخصية المحفوظة في دوائر الشرطة ، ولكن يمتد هذا إلى تكوينه البيولوجي وردود فعله النفسية ، وتاريخه الشخصي وحالته وبيئته الاجتماعيةالخ[5].

3-                  الطابع الإنساني للجزاء الجنائي :
     يبقي الدفاع الاجتماعي على فكرة الجزاء الجنائي بشقيه العقوبة والتدابير. إلا أن هذا الاتجاه  يطالب بتوحيد صور الجزاء الجنائي في نظام واحد يكون في مجموعة نموذج لرد الفعل الاجتماعي تجاه الجريمة ، بحيث يكون الجزاء الجنائي عملاً اجتماعياً يهدف إلى حماية المجتمع عن طريق التدابير الاجتماعية والعلاجية والتربوية لشخص الجاني ، بما يحول بينه وبين وقوع الجريمة في المستقبل وبما يكفل إعادة تأهيل الجاني ،كل ذلك في إطار مفاهيم القانون الجنائي التقليدية. فالجزاء الجنائي يطبق لتحقيق هذا الهدف الإنساني ، ألا وهو تأهيل المجرم وعدم تركه يهوى في دروب الجريمة ، بعيداً عن الأفكار الفلسفية المتصلة بعدالة الجزاء أو نفعيته.

والجزاء الجنائي عند فكر هذا الاتجاه له طابع إنساني ، يقوم على احترام وضمان الحرية الفردية. ويظهر ذلك جليا في رفض مارك أنسل وأنصاره للتدابير غير محددة المدة ورفضه للتدابير السابقة على الجريمة أو التدابير الوقائية ، كذلك إعلانة الرفض التام لعقوبة الإعدام لتنافيها - حسب زعمهم - مع القيم الإنسانية واحترام حقوق الإنسان[6].

4-                  ب : تقدير حركة الدفاع الاجتماعي الجديد :
     لا يمكننا أن ننكر ما لحركة الدفاع الاجتماعي من مزايا ، ومن قبيل ذلك تأكيدها على ضرورة تخليص القانون الجنائي من الأفكار المجردة والافتراضات الميتافيزيقية التي لا تراعي جوانب الملاحظة والتجريب على مستوى الواقع ، ودعوتها إلى تفعيل دور المؤسسات المتصلة بالجريمة والمجرم سواء على المستوى التشريعي أو القضائي أو العلمي ومحاولة علاج هذه المؤسسات من حالة "تصلب الشرايين" على حد قول مارك أنسل[7].
ولهذه الحركة الفضل في تأكيد احترام حقوق الإنسان ووجوب إحاطة الجزاء الجنائي بكافة الضمانات ، والدعوة إلى الإشراف القضائي على التنفيذ والتمسك بمبادئ الشرعية الجنائية والمساواة وشخصية العقوبة وتناسب هذه الأخيرة مع الفعل الإجرامي. فلا يستعبد الدفاع الاجتماعي الجديد القانون الجنائي ومفاهيمه التقليدية كما سبق القول[8]. كما كان لهذه الحركة الفضل في تصحيح التناقض الذي وقع فيه جراماتيكا عندما ارتكن إلى نظام وقاية تحكمى أو نظام ردع تقديري ، يكون الفاعل فيه مجرماً من حيث الإثم الذي أتاه ومريضا غير مسئول يستوجب فقط العلاج دون أن يكون للعقاب معنى الجزاء.

على أن أعظم ما قدمته حركة الدفاع الاجتماعي الجديد هو تركيزها على شخصية المجرم من خلال وجوب إعداد ما سمته ملف الشخصية للاستعانة به في مراحل الدعوى المختلفة[9]. وهو الأمر الذي أخذ به المشرع الفرنسي في قانون الإجراءات الجنائية عندما عدل المادة 81/6 بالقانون رقم 466-83 الصادر في 10 يونيه 1983 ملزما قاضى التحقيق Juge d’instruction في الجنايات ببحث الظروف الشخصية للمتهم من حيث مركزه المادي والأسرى والاجتماعي ، والترخيص له بذلك في مواد الجنح. والإجازة له في كافة المواد بإجراء فحص طبي ونفسي لشخصية المتهم (م81/7)[10].

كما كان لهذه الفكرة - "ملف الشخصية" - أثرها الإجرائي عند بعض الفقهاء عندما اقترحوا تقسيم مراحل المحاكمة إلى مرحلتين ، في الأولى يقرر القاضي الإدانة من الناحية الموضوعية ، أي من حيث ثبوت ونسبة الواقعة الإجرامية إلى المتهم ، وفى الثانية يقرر القاضي الحكم. وهذه المرحة الأخيرة شخصية ينظر فيها القاضي للظروف المتصلة بشخص المتهم "المدان" من حيث وضعه المالي والعائلي والاجتماعيالخ ، كي يقدر الجزاء المناسب لحالته.

هذا الاقتراح كرسته - إلى حد ما - بعض التشريعات ، منها قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي بالقانون رقم 624-75 الصادر في 11 يوليو 1975 (م 469/3 و 539/1) عندما أجاز للمحكمة بعد أن تقرر الإدانة أن تحكم بتأجيل النطق بالعقوبة L’ajournement  ، عندما يثبت لديها أن الضرر الناشئ عن الجريمة قد زال أو على وشك الزوال وأن الجاني في سبيله للتكيف الاجتماعي مرة أخرى[11].

إلا أنه رغم هذا الانتشار لمفاهيم الدفاع الاجتماعي الجديد ، فإنها قد تعرضت للكثير من أوجه النقد[12] ، نوجزها في الآتي :
*- عيب على هذه الحركة افتقارها إلى المنهج الموحد الذي يجعل منها مدرسة أو حركة مذهبية متكاملة ، وليس مجرد شتات أفكار. وقد يبدو أن هذا الأمر كان مقصوداً عند مارك أنسل إذ أنه في رده على هذا النقد قد أوضح أن الدفاع الاجتماعي الجديد  ليس اتجاهاً عقائدياً ولا يرتبط بأي دين ولا لأية عقيدة سياسية. فهو مجرد حركة أو تيار مستقل من الناحية الفكرية ويهدف إلى إرساء مبادئ عامة تحكم رد الفعل الاجتماعي تجاه الجريمة ، من أجل أن تصبح السياسة الجنائية الحديثة معبرة عن جانب من جوانب إدخال الطابع الاجتماعي إلي القانون المعاصر وخاصة القانون الجنائي[13].
*- كما عيب على هذه الحركة أنها بتوجيهها الاهتمام نحو شخصية المجرم قد ألزمها بالاستناد إلى النتائج التي توصلت إليها علوم إنسانية أخرى ، رغم أن تلك العلوم مازالت في مرحلة التكوين ولم تتأكد بعد ، كعلم الإجرام مثلا. غير أنه مما يخفف من غلواء هذا النقد - وحسب ما يرى مارك أنسل نفسه - أن تلك الحركة استطاعت التقريب بين علماء القانون وعلماء السلوك الإجرامي في فروع العلوم الإنسانية الأخرى ، دون أن يكون رجل القانون تابعاً لعالم الإجرام. فالهدف هو أن يدرك رجل القانون من أنه ليس وحده المختص بمحاربة الجريمة ولكن يشاركه في ذلك أفرع أخرى ، بحيث ينظر للجريمة على أنها حقيقة قانونية ذات طابع اجتماعي دون تغليب لجانب على جانب أخر.

فقانون العقوبات يجب أن يخرج – وهو لحسن الحظ يخرج أخيراً – من عزلته الفخيمة والنظر إليه كعلم اجتماعي يرتبط بالشخصية الإنسانية وبالعلوم المتصلة بها[14]. وكما يقول مارك أنسل : إن إقامة الفرصة للقاضي لفهم الإنسان الذي أمامه من حيث شخصيته ودوافعه ووسطه لا يؤدى إلى دعوة ذلك القاضي إلى الإقلاع عن مهمته الحقيقية (أي النظر للجريمة كحقيقة قانونية تقاس بمعايير قانونية موضوعية لجسامة الفعل) وإنما الهدف من كل ذلك هو التقدم نحو إقامة نوع من العدل الإنساني مما يوجب التخفيف من غلواء النظرة القانونية المجردة للجريمة وإصباغها ببعض السمات الشخصية النابعة من التمايز الفردي والاجتماعي لكل مجرم[15].

*- كما عيب على هذه الحركة مغالاتها في الهدف التأهيلي للجزاء الجنائي مما يقلل من الهدف والمضمون الأخلاقي لهذا الأخير المتمثل في الردع العام ، ويضعف بالتالي الإحساس بالمسئولية لدى الأفراد ولدى الجماعة. على أن مارك أنسل يرد على هذا النقد بقوله أنه يمكن الوصول لتحقيق الهدف الأخلاقي للجزاء وكذلك الهدف التأهيلي عن طريق الجمع بين كل من العقوبة والتدابير في نظام موحد لرد الفعل العقابي. ولا يعيب ذلك كون كلا النوعين من الجزاءات يستند إلى أسس مختلفة. فبالعقوبة يمكن للقاضي أن يواجه الجريمة على أساس القمع أو الردع العام بالنسبة لبقية أفراد المجتمع (الهدف الأخلاقي) ، وبالتدابير يمكن أن يحقق الهدف الاجتماعي الخاص بتأهيل وإصلاح المجرم عن طريق البرامج العلاجية والتربوية ، بحيث يرتفع التعارض بين العقوبة والتدابير ، ويرتفع التعارض بين الهدف الأخلاقي والتأهيلي للجزاء الجنائي[16].

وربما الذي جعل هذا الاتجاه يغالي في الهدف التأهيلي للجزاء الجنائي - كما يقول مارك أنسل - هو أن تحقيق الردع العام كهدف للعقوبة أمر يظل غير مؤكد إلى حين تمام تنفيذ العقوبة بالفعل داخل المؤسسة العقابية. فليس حكم القاضي نفسه هو الذي يحقق الأثر الرادع للعقوبة ، فالتفريد العقابي الذي يحدث داخل السجن وأساليب المعاملة المطبقة كثيراً ما تغير في هذا الحكم. فضلاً عن أن الأثر الرادع للعقوبة لا ينبع في الحقيقة من العقوبة ذاتها التي يطبقها القاضي وإنما يحدث نتيجة عوامل أخرى أهم منها ، كسرعة تحقيق العدالة الجنائية وفاعليه دور الشرطة والنيابة العامة والقاضي الجنائي[17].



[1] M. Ancel, La défense sociale nouvelle, un mouvement de politique criminelle humaniste, 3ème éd., Cujas, 1981.
وراجع الترجمة العربية د. حسن علام ، الدفاع الاجتماعي الجديد ، سياسة جنائية إنسانية ، 1991 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية.
[2] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص163 وما بعدها. Schmelck et G. Picca, op. cit., p. 59 ; R. Merle et A. Vitu, op. cit., p. 36.
[3] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص189 وما بعدها.
[4] راجع د. نور الدين هنداوي ، ملف الشخصية : نحو مفهوم علمي لحسن سير العدالة الجنائية ، دار النهضة العربية ، 1992.
[5] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص 191 وما بعدها.
[6] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص241 وما بعدها.
[7] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص 304
[8] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص 269.
[9] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص 189 وما بعدها.
[10] R. Merle et A vite , Traité de droit criminel , T. II, procédure pénale, 1989, Paris, p. 407.
[11] A. Vitu, La division du procès pénal en deux phases, RID. com., 1969, p. 485 et s.
[12] راجع حول الانتقادات التي وجهت للدفاع الاجتماعي الجديد ورد مارك أنسل عليها ، د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص267 وما بعدها.
[13] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص 271. ويؤكد مارك أنسل من هذا المنطلق على "أنه لا يمتنع أن يكون الدفاع الاجتماعي متبنى من قبل البلاد الإسلامية الأكثر تطوراً وأنه يضم مناصرين متحمسين في الشرق الأقصى ومتعاطفين جدداً في البلاد الاشتراكية ، ذلك ان هؤلاء إن كانوا حساسين لما يؤكدونه من الإنسانية الاشتراكية التي ينتمون إليها ، فإن الروابط الإنجيلية للدفاع الاجتماعي في أصوله العميقة ليس من شأنها ان تقلقهم ما داموا لا يجهلون أ ن الفكر الأوروبي قد تشكل تاريخياً في جانب كبير منه تحت تأثير التراث المسيحي".
[14] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص 278.
[15] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص279.
[16] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص 198 وما بعدها.
[17] د. حسن علام ، الترجمة العربية للدفاع الاجتماعي الجديد ، المرجع السابق ، ص 274-275.س

Post a Comment

أحدث أقدم