صور رد الفعل العقابي  انواع أنماط الجزاء الجنائي

     تحديد صور رد الفعل العقابي ، هو بيان لأنماط الجزاء الجنائي واجبة التطبيق كأثر قانوني لازم عند وقوع الفعل الإجرامي وثبوت الإدانة من قبل القاضي الجنائي حال أداءه لدوره في مرحلة المحاكمة. وكما سبق وأن أوضحنا في الصفحات السابقة أن تطور الفكر الجنائي قد كشف عن ظهور نوعين من الجزاءات الجنائية ، هما العقوبة والتدابير الاحترازية. والأولى أسبق في الظهور من الثانية ، هذه الأخيرة التي ظهرت على يد المدرسة الوضعية ومع ابتداع فكرة الخطورة الإجرامية. وعلى هذا فليس صحيحا الربط بين الجزاء الجنائي - رد الفعل العقابي - وبين العقوبة. فالعقوبة وإن كانت جزاء جنائياً ظل لحقبة طويلة بمثابة الأثر القانوني المباشر للجريمة ، إلا أن كل جزاء ليس بالضرورة يشكل عقوبة جنائية ، فهناك التدابير كصورة أخرى لرد الفعل العقابي. وبذا أصبح مبدأ ازدواج العقوبات والتدابير هو السمة المميزة للسياسة الجنائية المعاصرة.

ولما كانت العقوبة الجنائية هى أخطر الجزاءات وهى الأثر الحتمي والمباشر للجريمة - فلا جريمة بدون عقوبة - فإننا سوف نشرع في دراستها من خلال الفصل الأول ، قبل أن ننتقل بالدراسة إلى التدابير الاحترازية في الفصل الثاني.



العقوبة الجنائية والجزاء التأديبي :
     تتفق العقوبة الجنائية مع الجزاء التأديبي (كاللوم – والتنبيه – والخصم من المرتب – والفصل عن الخدمة … الخ) في أن كلاهما يرتبط بمبدأ شخصية الجزاء ، فلا يوقعان إلا على المسئول عن الجريمة الجنائية أو الجريمة التأديبية. كما يتفقان في أن كلاهما يرمي إلى تحقيق الردع عن نوع معين من المخالفات (الخروج على أوامر ونواهي القانون الجنائي والقانون الإداري). كما قد يوقع الجزاء التأديبي كأثر ملازم للعقوبة الجنائية ، كما هو الحال في عزل الموظف المحكوم عليه بعقوبة جناية وجوباً (م25 عقوبات).

وفى غير ذلك يختلف كلا الجزاءين بعضهما عن الأخر على النحو التالي :
*- تخضع العقوبة الجنائية لمبدأ الشرعية الجنائية الذي يوجب الحصر المسبق للأفعال الغير مشروعه أو المجرمة والتي يستحق عنها العقاب. هذا الحصر لابد وأن يكون محدداً بوضوح لا لبس فيه وبألفاظ لا تعوزها الدقة. أما الجزاء التأديبي فهو وإن كان محدد في اللوائح والقوانين إلا أن الأفعال التي يطبق بشأنها هذا الجزاء تبقى غير محددة. إذ يغلب على المخالفات التأديبية أن تتحدد وفق معيار عام مرن وفضفاض مثل الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضيات المهنة …الخ[1].
*- لا ينال الإيلام الناشئ عن الجزاء التأديبي إلا من المركز الوظيفي للشخص شاغل هذا المركز (كتوقيع التنبيه أو الإنذار أو الخصم من المرتب أو تأخير أو الحرمان من العلاوة أو تأخير الترقية أو الحرمان منها أو الوقف عن العمل أو الفصل من الخدمة…الخ). بينما تنال العقوبة الجنائية من حقوق متنوعة كما سبق وأن أسلفنا ، كالحق في الحياة ، أو في الحرية ، أو الحق في التملك ، أو الحق في الشرف والاعتبار…الخ.
*- إذا كانت العقوبة الجنائية تتقيد بمبدأ القضائية ، أي عدم جواز توقيعها إلا بحكم قضائي ، فإن الجزاء التأديبي لا يتقيد بهذا الأمر. فقد يصدر هذا الجزاء عن محكمة وقد يصدر بقرار من سلطة تأديبية رئاسية.
*- وأخيراً فإن العقوبة الجنائية - بحسب الأصل - ذات تطبيق عام على كافة المواطنين المتواجدين على إقليم الدولة ، متى قام أحدهم بانتهاك قاعدة من قواعد قانون العقوبات. بينما لا يتعلق الجزاء التأديبي ولا يثبت إلا بشأن فئة معينة من الأفراد يخضعون لنظام تأديبي معين ، كما هو الحال بشأن الموظفين العموميين. فالجزاء التأديبي محدود من حيث نطاق تطبيقه الشخصي.


[1] في ذات المعنى ، د. عبد العظيم مرسي وزير ، المرجع السابق ، ص14.

Post a Comment

Previous Post Next Post