دور التعليم

رغم أن الدول العربية غنية بالبترول، إلا أن كل المؤشرات تدل إلى فقرها بالمعلومات. تظهر هذه الحقيقة جليا في تقرير التطور الإنساني للعرب، والذي نشر عام 2003 من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. أشار هذا التقرير إلى أن الدول العربية تزحف خلف كل الدول الأخرى في المؤشرات التكنولوجية باستثناء دول جنوب الصحراء الكبرى. هذه المؤشرات تشمل عدد الكتب، الجرائد، محطات الإذاعة والتلفزة، خطوط الهاتف وأجهزة الحاسوب الشخصية والانترنت. اتخذت بعض الدول العربية خطوات حقيقية لتغيير هذا النمط، والإمارات العربية المتحدة هي مثال على ذلك حيث يستخدم 30% من مواطنيها أجهزة حاسوب، وهو رقم يفوق عشرة أضعاف معدل استخدام الحاسوب في مصر.

وبشكل عام، يُظهر العالم العربي ضعفاً وعدم كفاءة في السعي للمعرفة واكتشافها. والمؤشر على ذلك هو قِلة الترجمة. ففي تقرير الأمم المتحدة الإنمائي 2003، كان عدد الكتب التي تمت ترجمتها في 22 دولة عربية في بدايات الثمانينيات يساوي جزءاً من خمسة مما تُرجم إلى اليونانية. أما بالنسبة للمساهمة في اكتشاف المعرفة فليست بحال أحسن حيث يشكل العرب 5% من سكان العالم ولكنهم يُنتجون 0.8% فقط من الأدب والعلم الجديد.

 أما فيما يتعلق بالبحث العلمى فالوضع أكثر سوءا، تُنفق الدول العربية أقل من 0.2% من ميزانيتها على البحث والتطوير في العلوم والتكنولوجيا. هذا الرقم يعتبر أقل بعشر مرات مما تنفقه الدول المتقدمة. تتاكد هذه الأرقام عندما ننظر إلى الأبحاث التي تم نشرها أو المخترعات التي تم تسجيلها. فالدول العربية نادراً ما تتمكن من نشر أبحاثها في مجلات علمية محكمة. وكذلك كان عدد الاختراعات المسجلة من العرب جميعاً ضئيلاً بحيث لا يساوي 2% من ذلك الذي قامت بها كوريا الجنوبية على سبيل المثال.

إن إصلاح التعليم من شأنه أن يلعب دوراً مهماً في التطور الاقتصادي، لأن التعليم يؤدي إلى تطوير عقل الجيل الناشئ ليصبح افراده مواطنون نافعون. هذا الإصلاح يشمل تعليم الصغار التفكير الذاتي والثقة بمعلوماتهم، والجرأة لطرح أفكارهم والمدافعة عنها. من أجل ذلك، يجب أن يتوفر لدينا معلمون يمتلكون العلم والطموح ومتمكنون من التواصل مع الطلبة. ويجب إبقاء المعلمين مطلعين على أحدث الوسائل التكنولوجية في التعليم والاختراعات العلمية والحديث من الأدب. وتُعد سياسة تقديم الجوائز والمحفزات للمعلمين المتميزين من الأساليب الناجحة لإبقائهم مثابرين. وفي الخلاصة، فإن إعداد المعلمين وتدريبهم باستمرار هو جزء لا يتجزأ من الإصلاح  المنشود.

طريق المستقبل

هناك دائماً مجال لإصلاح التعليم ولا يعد الوقت متأخراً خاصة عندما نتكلم عن مستقبل أمة. فالمصنع الذي تصبح أدواته قديمة يتم تجديده، وبالطريقة نفسها فإن هدف التعليم ورسالته في العالم العربي يجب تجديدها، ويجب معالجة المشكلة بدءاً من جذورها. قد تكون البداية هي التعليم في البيت ثم في رياض الأطفال، ثم في المدرسة. فمفهوم الطفل للتعليم وتطوير نظرته للمعرفة يبدأ في سن مبكر. ويمكن زرع مبدأ التفكير التحليلي والبحث عن المعرفة عند الأطفال من خلال الحوار الهادىء معهم. إن تقدير المعرفة واحترام مصادرها يُزرع في الأطفال منذ الصغر. ويتذكر المؤلف في سنوات طفولته الأولى مشهد والده وهو يستخرج الكتاب من مكانه ويحمله بكل تقدير واهتمام ويفتح صفحاته بكل رقة واحترام. لقد كان لهذا المشهد تأثيراً ايجابياً على حياته.

في أغلب البلدان العربية، يتم حشو المعلومات في عقول الأطفال ولا يخصص وقت للمناقشة ومعرفة الأسباب، وهذا يعزز طريقة التلقين والحفظ. صحيح أن هناك معلومات يجب حفظها مثل جدول الضرب والأشعار والقواعد اللغوية، ولكن يجب أن يتعلم الطالب آلية النقاش والتطبيقات المحتملة لهذه النوعية من المعلومات. ويجب خلق موازنة بين تعليم الطلبة وتشجيع الإبداع. فوظيفة المعلمين أن يشجعوا مشاركة الطلبة عبر التفكير الحر والنقدي، وهذا من شأنه أن يثير اهتمام الطلبة واستمتاعهم بالوقت الذي يقضونه في المدرسة.

أما التعليم الجامعي فيتطلب إصلاحاً أكبر بكثير. يجب تعليم الطلاب آلية البحث عن المعرفة، وتحديث معلوماتهم باستمرار وأن يتم تحدي عقول الطلبة للوصول إلى مستويات جديدة من المعرفة كما يجب توجيه طاقاتهم في مجالات نافعة. ولإنجاح ذلك, يجب إعطاء القائمين على التدريس بعض الاستقلالية، مع استعمال نظام تقييم ومتابعة مستمرة وتدريب متواصل. كذلك يجب عدم إهمال أهمية تطوير المكتبات ووسائل التكنولوجيا، والحاسوب، للاستفادة من مصادر المعرفة الضخمة الموجودة فى الإنترنيت.

المساعدات الدولية

يُعد إصلاح التعليم عملية طويلة الأمد تتطلب تحديد الأهداف ومراقبة تطبيقها وأخذ العبرة من تجارب الآخرين والاستناد على ممارسات صحيحة. لا يوجد حرج لأي شخص أو أمة اذا اتبعوا أساليب نجحت عند غيرهم. فلقد قامت الولايات المتحدة بنقل أساليب من اليابان عند حاجتها لتلك الأساليب. وقد جربت الدول العربية وسائل وأنواع مختلفة من المؤسسات التعليمية ويجب عليها جميعا ان  تُناقش وتراجع تجاربها بعقلية متفتحة، ليتم استنباط الأفضل فيما يتعلق بكل منطقة. إن تقدم العرب سيكون له أثر كبير في تطوير التعليم في العالمين العربي والإسلامي.

خلال محاولاتنا لإصلاح التعليم، يجب أن نستفيد من تجارب الدول الأخرى التي أعادت هيكلة القوى العاملة فيها في وقت زمني قياسي، وهذه الدول تشمل كوريا، الهند، الصين، كوستاريكا، ماليزيا وتركيا. ويجب أن لا يكون هدفنا نسخ تجربتهم وإنما تعلم كيفية تنفيذ الإصلاح بطرق فعّالة. وعند الحديث عن مواضيع التعليم، يجب أخذ تجربة الغرب بعين الاعتبار. فبلدان صغيرة مثل فنلندا خطت خطوات عظيمة الشان في تعليم ابنائها العلوم والتكنولوجيا. لقد رفعتهم هذه الخطوة إلى درجة القيادة في الاختراعات والإنتاج، وزيادة دخل الفرد. واليوم تصدر فنلندا بضائع تعادل كل ما تصدره 22 دولة عربية باستثناء النفط والغاز.

على الدول الغربية أن تدعم الدول العربية وتساعدها في اكتساب المعرفة لكي تلحق بالعالم المتطور. هذا من شأنه أن يقلل من ضغوط هجرة الأعداد الكبيرة من الشباب من المناطق العربية إلى الغرب، وكذلك يُقلل من تنامي التمييز الذي بات يهدد العالم كله. ومن شأنه ايضا أن يجعل العالم يستفيد من النهضة العلمية العربية، ومن المتوقع أن تلعب الولايات المتحدة الدور الرئيسي في هذه العملية. والتعليم في الولايات المتحدة يحظى باحترام في العالم العربي. بالإضافة لذلك، تتربع الولايات المتحدة على عرش القمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا منذ نجاح رحلات أبولّو والهبوط على سطح القمر منذ أربعة عقود من الزمان. وبالنسبة للمؤسسات التعليمية الأمريكية، فهي تتمتع بسمعة متميزة في العالم العربي وذلك بسبب وجود فروع للجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة والشارقة. وغيرها، كذلك فالأغلبية العظمى من الأساتذة البارزين والقادة الحكوميين والمفكرين ورجال الأعمال الناجحين هم من خريجي الولايات المتحدة وثمرة أساليبها التدريسية المتقدمة.

وعلى سبيل المثال, للاستفادة من هذه الخاصية في التعليم الأمريكي، قررت دولة قطر أن تنفق جزءاً كبيراً من عائدات البترول على التعليم والصحة. ففي عام 1996 تم افتتاح الأكاديمية القطرية يليها برنامج الجسر الأمريكي لإعداد الطلبة لتعليم جامعي عالي المستوى. ثم قامت قطر بتوجيه دعوة إلى عدد من الجامعات الأمريكية لفتح فروع لها على أراضها مثل كورنل، فيرجينيا كومنولث، تكساس ايه اند ام، وكارينيجى– ميلون. كان الهدف هو الاستفادة من التعليم الأمريكي لتحسين الجامعات الحكومية في قطر. وحديثاً قامت جامعة بوسطن بافتتاح كلية لطب الأسنان في دبي. ومن الجدير ذكره أن مؤسسات التعليم الأمريكية لم تُخفض شروط القبول أو تُقلل من مستوى المنهاج الذي يتم تدريسه.

Post a Comment

أحدث أقدم