تطور دراسة الإدارة العامة :
الإدارة العامة كميدان للدراسة ذات تاريخ طويل يعود إلى العصور القديمة عندما قامت محاولات فى مصر الفرعونية وفى الصين القديمة لتلقين المبادئ الصحيحة للإدارة ولكن بوادر دراسة الإدارة العامة بصورتها الحالية نشأت خلال العصور الوسطى .‏
وتعتبر نشأة العلوم الكاميرالية Cameral Sciences فى بروسيا ،‏ والتي سبقت العلوم الإدارية Administrative ،‏ بداية التطور الحقيقي في دراسة الإدارة العامة وذلك حين شعر أمراء الإقطاع باحتياجهم للأموال وظهرت لهم أهميه الإدارة السليمة والحاجة إلى دراسة الأسس للممارسة مهنة الإدارة ، ‏ أى العمل الحكومي ،‏ وكان ينظر إلى الإدارة العامة في ذلك الوقت على إنها الوقوف على بعض أسرار المهنة وحيلها .‏
وتتابعت التطورات وزاد الاهتمام بالإدارة حتى وصل ذروته عندما انشأ فردريك وليم الأول إمبراطور بروسيا أول كرسي للدراسات الإدارية عام ‏1727 م ،‏ واستمرت التطورات في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وأسبانيا وإيطاليا ويوغوسلافيا وتركيا والبرازيل والولايات المتحدة ،‏ ومصر منذ عهد محمد على ،‏ إلى إن وصلت الإدارة العامة – كميدان للدراسة والبحث – إلى ما نعرفه اليوم .‏
وأصبح التخصص العلمي للإدارة العامة موجودا فى كل الجامعات الغربية الكبرى وكافة الجامعات العربية ،‏ ولعل إنشاء قسم للإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة يمثل تطورا طبيعيا في مجال الإرتقاء بمستوى الاهتمام بالعلوم الإدارية إذ تمثل الكلية الوعاء الأكبر الذي يغذى تخصص الإدارة وينميه وهذا هو الاتجاه السائد في معظم النظم الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية .‏
     وتجدر الإشارة هنا إلى إن الإدارة العامة كحقل دراسي دخلت حديثا " المنطقة العربية " ، فكان أول مقرر دراسي هو الذي قدمه الدكتور / محمد توفيق رمزي عام 1954 ودخلت فى برامج كليات الحقوق عام 1955 ولكن من منظور القانون الإداري ، ثم أدرك بعض فقهاء القانون الإداري تميزها عنه بعد ذلك بقليل ، ثم أدخلت في برامج كليات التجارة في أواخر الخمسينات وبعدها في برامج أقسام العلوم السياسية ، وتفرد لها اليوم بعض الجامعات العربية أقساما" متخصصة ويدخلها البعض الآخر فى برامج أقسام إدارة الأعمال وأقسام العلوم السياسية .
وقد توسعت الإدارة العامة – كعلم وميدان للدراسة – وتطورت حتى أصبحت تضم فروعا"‏ مختلفة أهمها :‏ أصول ومبادئ الإدارة العامة ،‏ التنظيم ،‏ أساليب العمل ،‏ إدارة الموارد البشرية وتنميتها ،‏ تخطيط وإدارة الموارد المالية ،‏ الدراسات السلوكية ،‏ إدارة المدن والبلديات ،‏ الإدارة العامة المقارنة ،‏ مناهج البحث في الإدارة العامة ،‏ التخطيط الإقليمي ،‏ إدارة الأزمات والكوارث،‏ تحليل السياسات العامة … وغيرها .‏
ولا تخلو جامعة الآن من وجود تخصص الإدارة العامة وتصبح القضية المثارة هي هل يصبح مدرسة مستقلة ؟‏ أو يكون مدرسة للدراسات العليا فقط ؟‏ أو يتمثل في قسم ضمن أقسام مدرسة ؟‏ وفى الحالة الأخيرة جرى العرف أن يكون ضمن مدرسة اكبر للشئون العامة وهي في مفهومنا الاقتصاد والعلوم السياسة والإحصاء وعلوم الحاسب ،‏ وهى أهم الحقول المرتبطة بالإدارة العامة .‏ وفي كل الأحوال فإن  الإدارة العامة  تدرس اليوم فى الجامعات بإحدى الآليات التالية :
1        ضمنا خلال الدراسات التي لها صله بالإدارة العامة ،‏ مثل إدارة الأعمال أو القانون الإداري أو العلوم السياسية ،‏ ولعل هذه هي أولى صور دراسة وتدريس الإدارة العامة .‏
2       - مادة مستقلة ولكن في إطار برامج وكليات أو معاهد غير كليات ومعاهد للإدارة العامة مثل تدريس الإدارة العامة فى كليات الحقوق أو التجارة أو الاقتصاد والعلوم السياسية أو الاقتصاد والعلوم الإدارية .‏
3       - في كليات للإدارة على المستوى الجامعي بحيث تكون الإدارة هي مجال الدراسة العام وموضوعاتها وفروعها المختلفة مجالات التخصص .‏
4       - في مدارس أو كليات للإدارة العامة فى نطاق الدراسات العليا بالجامعات وهى تقبل خريجي بعض الكليات المختلفة وتمنح درجه الماجستير والدكتوراة في الإدارة العامة .‏
5       - في مدارس متخصصة في الإدارة العامة خارج نطاق الجامعات الهدف منها تخريج العاملين بالأجهزة الحكومية ،‏ ويلتحق بها الدارسون بعد تخرجهم من الجامعة .‏
6       - في معاهد للإدارة العامة تجمع بين الدراسة والتدريب كما تقوم بأبحاث في مجال الإدارة ،‏ مثل معهد الإدارة العامة فى مصر ،‏ معهد الإدارة العامة فى السعودية ،‏ المعهد الدولي للإدارة العامة بفرنسا .‏
7       – ضمن  برامج تنمية إدارية للقادة الإداريين على المستويات العليا Development Programs Executive ومن ابرز أمثلها برامج القادة الإداريين التي بدأت في مصر عام ‏1963 ،‏ وبرامج المنظمة العربية للتنمية الإدارية التي بدأت عام ‏1969 وهى – وان كانت تنصب أساسا"‏ على التدريب – لها انعكاسات واضحة على إثارة الاهتمام بدراسة الإدارة وعلى تدعيم البحث الإداري .‏
وهكذا يمكن القول بان دراسة الإدارة العامة قد تطورت من تدريب ميداني في الواقع أثناء العمل إلى دراسة مرتبطة بالقانون ثم إلى دراسة مرتبطة فى إطار العلوم السياسية حتى استقلت وأصبحت ميدانا متخصصا فى الدراسة .‏

Post a Comment

أحدث أقدم