دور الأمن والتنمية في المجتمع.
إذا كانت التنمية تستهدف تطوير المجتمع من النواحي الاقتصادية والاجتماعية وغيرها،فان الأمن بمفهومه الشامل يعبر عن قدرة المجتمع على الاحتفاظ بذاته ومصالحه وقيمه الجوهرية في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية،وهنا نلاحظ أن جوهر الأمن والتنمية لا يختلفان،إذ أن هدف كل منهما هو تلبية حاجات المجتمع أو الدولة،والتكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية بما يحقق التوازن من جانب والاستقرار من جانب أخر،ثم السعي نحو التطور والازدهار.
لذلك تتعرض العملية المكونة من الأمن والتنمية داخل المجتمع بصورة دائمة لمتغيرات داخلية وخارجية،ومما لاشك فيه أن تحقيق الأمن والتنمية على المستوى الوطني يعد الأساس الأول الذي يبنى على دائم قدرات المجتمع الوطنية والذي لا يمكن الانطلاق منه إلى تحقيق الأمن والتنمية على المستويين الإقليمي والدولي،فتراكم الثروة مطلب أساسي لتحقيق كل من التنمية والأمن،وتراكم الثروة ذاته يعتمد على قدرة المجتمع على تلبية الحاجات الأساسية للإنسان من مأكل ومشرب ومأوى وتعليم ورعاية صحية.
ولما كانت الحرب – التي هي حالة انعدام الأمن ولو مؤقتا – عقبة أساسية في تلبية هذه الحاجات وعقبة تحول دون تراكم الثروة في البلاد الفقيرة،فان ذلك يعني أن انعدام الأمن أو تهديده يعوق عملية بناء التنمية في ابسط تعريفاتها المتعلقة بتلبية الحاجات الإنسانية الأساسية.
صحيح أن الأمن يقتضي قدرات عسكرية تمكن الدولة من ردع العدوان،لكن هذه القدرات العسكرية لا توجد في فراغ بل لابد لها من قدرات اقتصادية وتكنولوجية عند مستوى معين،وإذا غابت أو تدهورت،وهي بالطبع نتاج عملية التنمية،يتهدد الأمن بل ربما يتهدد بقاء المجتمع الذي هو جوهر الأمن الوطني،والواقع انه لا توجد دولة قوية عسكريا دون أن تكون كذلك اقتصاديا وتكنولوجيا،والعكس صحيح.
وكذلك ربما يؤدي التخلف التكنولوجي والسياسي إلى إهدار المساهمة الممكنة للتنمية الاقتصادية في بناء الأمن،بل قد تهدر حالة التخلف تلك كلا من الأمن والتنمية معا،فالعراق على سبيل المثال ،تحققت له أفضل مستويات التنمية ومعدلات النمو الاقتصادي في الوطن العربي في السبعينيات من القرن الماضي،لكنه أهدر كل ذلك من خلال حربين اقليميتن كبيرتين،بل وأهدر معهما الأمن العراقي فغاب الأمن وانهارت التنمية،رغم ثروات العراق الهائلة والتي كان بالإمكان أن تحقق الأمن والتنمية معا.
إذا كان رشد القيادة السياسية من عناصر التنمية السياسية فان الديمقراطية وعمليات التحول الديمقراطية هي عنصر مهم في هذا السياق،والفكر الغربي يربط بين الديمقراطية من ناحية وكل من التنمية والأمن والتنمية من ناحية أخرى.

Post a Comment

Previous Post Next Post