قضايا
مشتركة بين الأمن والتنمية.
يتقاطع
الأمن مع التنمية في مجموعة من القضايا المشتركة،من أبرزها الإرهاب،وانتشار
الأمراض المعدية الفتاكة،وتجارة المخدرات،وانتشار أسلحة الدمار الشامل،وقضايا
الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات
ودور المرأة في المجتمع،وعمالة الأطفال وغيرها من القضايا التي يبدو فيها
البعدان الأمني والتنمية بشكل واضح.
وهنا
أربع قضايا نعرض لها:
1-الإرهاب.
الإرهاب
ظاهرة دولية لا تنتمي إلى دين أو جنسية،وقد وجدت في كل مكان وعانت منها كل الدول
بدرجات مختلف،وقد مرت هذه الظاهرة بثلاث مراحل:
الأولى:بدأ
الإرهاب بالموجات ذات الطابع القومي المتطرف في أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر
وحتى الثلاثينات من القرن العشرين،وقامت به مجموعة من الوطنيين المتطرفين اعتمدوا
في عملياتهم على أسلحة خفيفة.
الثانية:موجة
الإرهاب ذات الطابع الإيديولوجي التي ارتبطت بالحرب الباردة بين الشرق والغرب حيث
نشأت جماعات إرهابية مثل بادرماينهوف الألمانية والألوية الحمراء الايطالية
واعتمدت على الأسلحة الخفيفة والمتفجرات.
الثالثة:موجة
الإرهاب العابر للقوميات،الذي يستهدف إيقاع اكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية
للفت الأنظار إلى مطالب سياسية وعقائدية،ويستخدم منظموها تسليحية أكثر تطورا
وتعقيدا.
ولا
شك أن أحداث 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية قد مثلت نقلة
نوعية ضخمة في تطور الظاهرة الإرهابية،ليس على مستوى أمريكا فحسب بل على مستوى
العالم كله.
وقد
استدعت هذه الأحداث تغييرات قانونية وتشريعية على مستوى الولايات المتحدة
الأمريكية والعالم،وبناء استراتيجيات أمنية جديدة لمواجهة موجة الإرهاب،وتطلبت
تحالفات ومعاهدات أمنية،انعكست من دون شك على الجانب التنموي.
2-المخدرات:
كانت
العلاقة بين الأمن والمخدرات اقل وضوحا بعد الحرب العالمية الثانية،لكن اتساع
مفهوم الأمن ازداد وضوح تأثير المخدرات على الأمن،حيث تلعب الأبعاد الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية للأمن دورا اكبر مما كانت تلعبه قبل خمسين عام،وبمثل
تأثيرها على الأمن بمفهومه الشامل فإنها تؤثر أيضا سلبا على التنمية بمفهومها
الشامل في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إن
تعاطي المخدرات وإدمانها ذو كلفة اقتصادية مرتفعة،وهي لا تقتصر على تكلفة التعاطي
والإدمان فقط،وإنما تمتد لتشمل أيضا برامج مكافحة المخدرات،وهي متعددة ومكلفة يمكن
استبدال الإنفاق عليها بالإنفاق على برامج التنمية.
وتتأثر
البلدان الفقيرة بمشكلة المخدرات أكثر من البلدان الغنية،فدول العالم الثالث التي
تعاني أصلا من مشكلة عجز الموازنة وتضطر
إلى تدبير الفرق بين الموارد والحاجات أو سد الفجوة بين النفقات والموارد
بالاقتراض المحلي أو الدولي،مما يفاقم من مشكلة الديون لدى تلك الدول،فيصبح اثر
تكاليف مشكلة المخدرات مدمرا.
وفي
مجال الأمن الاجتماعي تشير الدراسات إلى أن ثمة ارتباطا عكسيا بين معدلات الجريمة
وبين حالة الأمن الاجتماعي في المجتمع،فزيادة معدلات الجريمة تعني انخفاض أو تدهور
حالة الأمن الاجتماعي،والمعروف في ضوء التجربة العملية ، أن ثمة تناسبا طرديا بين
معدلات التعاطي والإدمان للمواد المخدرة وبين معدلات الجريمة.
وفي
مشكلة المخدرات يتم التضحية بالأمن الغذائي لصالح مكاسب تجارة المخدرات،حيث أضحى
مستحيلا إقناع المزارعين في أفغانستان مثلا بتبني برنامج لزراعات بديلة لزراعة
الأفيون،فالعائد المالي للأفيون 40 ضعفا العائد المالي للقمح،ومن ثم فان الزراع
الذي اعتادوا على ذلك العائد الكبير لا يقبلون التحول عن زراعة الأفيون،فيتم
التضحية بالأمن الغذائي للمجتمع كله من اجل مصالح أنانية لقلة من الناس في ذلك
المجتمع.
3/الإنفاق
العسكري وضبط التسلح.
يؤدي
الإنفاق العسكري في محصلته النهائية إلى خفض النمو الاقتصادي ومن ثم يؤثر على كافة
برامج التنمية،كما أن خفض الإنفاق العسكري في الأجل الطويل يتجه إلى تحرير الموارد
الاقتصادية وتوفيرها لأغراض أكثر إنتاجية ،ومن ثم يقوي النمو الاقتصادي،بافتراض أن
الموارد التي تتحول عن الإنفاق العسكري توجه إلى الإنتاج الاقتصادي المدني.
لكن
الآثار القصيرة الأجل لزيادة الإنفاق العسكري أو تخفيضه تجري على عكس الآثار
الطويلة الأجل،فتخفيض حاد في الإنفاق العسكري يرتب أثرا فوريا يتمثل في زيادة
البطالة وتخريب النمو الاقتصادي،كما أن زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري وفي وقت
قصير،تحسن أداء اقتصاد يعمل دون طاقته وتشجع النمو،وان كان يهدم النمو في الأجل
الطويل بزيادته للتضخم والدين.
على
أن الآثار البعيدة للإنفاق العسكري على الاقتصاد تتضخم في حالة حدوث حرب
فعلية،فالحرب تؤدي ليس فقط إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري،بل إلى تدمير رأس
المال في المدن والمزارع والمصانع والمرافق والناس في مناطق الحرب،وتسبب التضخم
بتخفيض إمدادات البضائع،بينما تتزايد حاجة الناس إليها،وتتجه الحكومات للاقتراض
ومن ثم زيادة الدين الحكومي،ومزيد من طباعة العملة،وفرض الضرائب،وهو الأمر الذي
يؤدي إلى خفض كل من الإنفاق والاستثمار،فتكون له المردودات السلبية على كل من
التنمية والأمن.
4-
الأمراض المعدية الفتاكة.
لعل
اخطر الأمراض التي شهدها العالم ،مرض نقص المناعة الايدز،حيث انه حتى 2001 قد قضى
على ما يزيد على 20 مليون إنسان،وتعد قارة أفريقيا مركزا لوباء الايدز في
العالم،فمن بين 25 دولة هي الأكثر إصابة بالمرض الفتاك توجد 24 دولة في قارة
أفريقيا،ومن تلك الدول ثمة 7 دول تزيد الإصابة فيها على 20% من عدد السكان.
وعن
علاقة الايدز بالأمن أجمعت الدراسات على وجود علاقة وطيدة بين الحروب وانتشار
الايدز،فجرائم الاغتصاب التي تكثر في الحروب تؤدي إلى نقل سريع للايدز،بل أن هناك
استهداف في الحروب لنقل الايدز للجهة المعدية عبر الاغتصاب،وهذا ما حدث في عدد من
الحروب.
ونظرا
إلى وعيها بمخاطر انتشار الايدز بين الجنود في مناطق القتال،فقد تبنت الأمم
المتحدة في قرارها رقم 1308 الصادر في 2000 ضرورة التوعية بسلوك الوقاية من الايدز
لجنودها ضمن تدريباتهم للمشاركة في عمليات حفظ السلام.
وليس
الايدز هو المرض الفتاك الوحيد،فهناك السارس وجنون الأبقار وأنفلونزا الطيور
وأنفلونزا الخنازير،كلها أثرت بشكل كبير على موارد اقتصادية مهمة في الدول التي
اكتشفت فيها تلك الأمراض.
5/الخلاصة.
والخلاصة
مما سبق أن مستويات الأمن والتنمية الثلاثة،الوطني والإقليمي والدولي قد تداخلت
بشكل كبير،كما أن قضاياهما تلاقت في الكثير من الاهتمامات ،ويعود السبب في ذلك إلى
اتفاقهما(بالمعنى الشامل)في الجوهر وهو الحرص على تحقيق مطالب الفرد والمجتمع
والدولة من الاستقرار والنمو والتطور على المستويات الثلاثة،كما أن طبيعة النظام
الدولي الراهن بما يشهده من ظاهرة العولمة وما تحتويه من سرعة الاتصال
والانتقال وتدفق المعلومات،قد ساهم في
تداخل المستويات الثلاثة للأمن والتنمية،كما ساهم في اتساع المفهومين معا بشكل
كبير زاد من تقاربهما.
*ملاحظة:المحاضرة تلخيص
لدراسة للدكتور مصطفى علوي سيف،تحت عنوان :الأمن والتنمية تعدد الأبعاد وتداخل
القضايا،وهي دراسة منشورة في المجلد الأول من الموسوعة العربية للمعرفة من اجل
التنمية المستدامة،الأكاديمية العربية للعلوم،الدار العربية للعلوم-
ناشرون،بيروت،2006م.
إرسال تعليق