نظام الجهة وسؤال التنمية الجهوية.
نظرا لتطوير
الطبيعي والمجتمعي الموازي لتطورات السائدة والمتشبة بالحريات الفردية والجماعية
والدفاع عن حقوق الإنسان وتوفير المناخ الملائم لصون كرامته يعتبر هذا تحولا
محوريا في السياسات المنتهجة من قبل متخذي القرار وصناعة.
ولطالما ارتبطت
السياسة الجهوية في المغرب بعامل التنمية إلا أن هذه التنمية اقتصرت بداية في
بداية المسلسل الجهوي المغربي على الجانب الاقتصادي دون غيره لتتجاوزه مع مرور
الوقت وتراكم الخبرة، وتضم بعد ذلك جوانب أخرى كامنة خلف المقترب الأمني الذي كان
طاغيا في بدايات الجهوية.
فالجهة لم تعد
وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي بل إن التراكم الذي اختزنته الممارسة الجهوية على مر
العقود من الزمن ساهم في تحويل هذه المؤسسة التي قنطرة نحو تحقيق مغرب أكثر
استيعابا لتحولات، التي طالت جميع القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل
بساطة تحولت الجهة إلى قنطرة نحو التنمية المحلية والجهوية.
مبحث الأول:
مقومات وأبعاد التنمية الجهوية.
إن مواجهة قضايا التنمية يتطلب تمكين الفرد من
المشاركة الجادة والفعالة في أمور حياته وتقريب المواطن من مراكز اتخاذ القرار،
وهو الشيء الذي تحققه بشكل بارز مؤسسة الجهة باعتبارها حلقة الوصل بين المركز
والمحيط الذي تلتقي فيها القرارات القادمة من قمة وتلك نابعة من القاعدة لتلتحم
بشكل أفقي.
المطلب
الأول: البعد السياسي لتنمية الجهوية.
من غير الممكن
الحديث عن التنمية جهوية حقيقية وفاعلة بعيدا عن الجانب السياسي على اعتبار أن
التسيس المجتمع ومأسسة تطلعاته في تنظيمات كالمؤسسة الجهوية هو في حد ذاته مصدر
لتمساكه وهذا هو المطلوب مستقبلا، من أجل احتواء المشاكل الوطنية ومشاكل المجتمع المحلية
والحد من الفوارق الاجتماعية وتجنب أي انتكاسه وطنية وذلك من خلال إدماج السكان
المحيين وبمشاركتهم في الحكم وتعميق الوعي والثقافة الديمقراطية لديهم.([1])
ومن بين أهم
الأبعاد السياسية لتنمية الجهوية والبعد الديمقراطي الذي دأب المغرب على تبنيه مع
تزايد مسؤولية الجهات في كافة المستويات وذلك بهدف إرساء جهوية صلة (أولا) والحفاظ
على الوطنية والترابية للبلاد (ثانيا).
(أ)
تكريس الديمقراطية المحلية.
تتجلى أهمية
الديمقراطية المحلية على إشراك كل الفاعلين على صعيد المحلي من إدارات ومجتمع مدني
ومواطنين في تسيير الشأن العام المحلي، وقد ساهمت اللغوي الفاعلة بدعم والاهتمام
بهذه الفكرة على اعتبار أن الديمقراطية تشكل الأساس لسير نحو تحقيقها.
-
إذ أصبحت الجهة كعامل أساسي لتشييد المشهد السياسي عن طريق السماح
للمواطنين بشكل أكثر في تسيير شؤون جهتهم وتأسيس دق الساكنة المحلية في المبادرة
والابداع والحرية واختيار من يتحمل المسؤولية ومراقبتهم. وهذا كله يتوخى منه إعطاء
الجماعات المحلية دورا مهما للمساهمة في التنمية وتجاوز البنية المركزية.([2])
ويمكن القول على أن
الديمقراطية الجهوية كتجربة فهي بحاجة إلى:
-
مؤسسة محلية تختص بتمثيل الساكنة وتتصل مع المركز.
-
ضرورة وجود لنخبة مؤهلة من جميع الأموراتيتتطلبها المهام الجهوية كما يجب
على الدولة الحفاظ على الجانب التعددي من خلال احتوائها لرغبات مختلف الفاعلين
سواء الاجتماعيين أو الاقتصاديين أو السياسيين أو المثقفين ونظر لتعدد الثقافة
السياسية فإن عملية التدبير الديمقراطي للجماعات المحلية ولاسيما الجهة التي تعد
محور بحثنا الأمل الكبير للقيام بالاصلاح وتطوير الجماعات المحلية بشكل كامل
والابتعاد بشكل كبير من تجربة الجماعة البيوقراطية التي تشكل حاجزا مانعا لتقدم
التنمية المحلية.([3])
وإذا كانت
البيوقراطية عالية لتدبير فإنها أدت إلى النتائج التالية وهي تكريسا التفاوت
الحاصل بين متطلبات النمو الاقتصادي ووضع تجهيزات لبعض المناطق أما فيما يخص
المشاركة السياسية فهيتسعى عكس ما تطمح إليه ما يسمى بالتدبير البيوقراطي وتأكيدا
لهذه النقطة أكد الملك محمد السادس في أحد خطاباته أن "المجالس الجهوية هي
مؤسسات ديمقراطية تنموية وليست مطية لأغراض شخصية أوفئوية.
«وأنه... مهما
يكن تقدمنا في مجال ترسيخ النظام اللامركزي فإنه يظل ناقصا ما لم يدعمه إصلاح
الجهات وبناء أقطاب جهوية متجانسة».([4])
ومن خلال
قرائتنا للخطاب الملكي فإنه يشير بصراحة إلى كون المجالس الجهوية تعتبر فعلا مؤسسة
ديمقراطية مفتوحة أمام جميع المواطنين ولا تمثل فئة معينة وتهدف إلى إنعاش
الديمقراطية المحلية وإعادة الثقة لدى المواطنين في تسيير الشأن العام المحلي.
ولتعزيز هذا المبدأ،
أي الديمقراطية المحلية. واستنادا إلى الخطاب الملكي لـ 3 يناير 2010 الذي أعلن
فيه جلالة الملك تنصيب اللجنة الاستشارية الجهوية فإن لهذه اللجنة قدمت وحسب
الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في9 مارس2011 تقريرها حول الجهوية
المتقدمة ومن أهم مضامنيه وهي:
-
الديمقراطية التشاركية:
إذ تضع المجالس
الجهوية آليات استشارية وفق ما يحدده القانون من أجل تسيير المشاركة المنظمة
والمسؤولية لدى المواطنين في إعداد المخططات الجهوية للتنمية والمشاريع الكبيرة.
-ينظم قانون
طرق تعبير المواطنين عن حاجياتهم وتطلعاتهم فيما يمس حياتهم اليومية أي جهتهم
ويدخل في ذلك حق رفع العرائض المقننة.
- توضع في كل
جهة آلية للحوار والتشاور مع الجمعيات المؤهلة وفق معايير موضوعية.
- كما يضع وفق
مقاربة تشاركية إطار مرجعي يحدد المبادئ والشروط والأساليب التي تقوم عليها
الشراكة مع الجمعيات المؤهلة مع مراعاة كافة مواقع وأدوار كافة الأطراف المعنية.
- يحرص المجلس
الجهوي على الإصفاء للقطاع الخاص وإشراك الفاعلين فيهمع وضع التصورات وتنفيذ
المخططات والبرامج والمشاريع التنموية وتوفير المناخ الأمثل للاستثمار وخلق مناصب
للشغل ورواج الأعمال.([5])
إن مضامين
إقرار مبدأ الديمقراطية التشاركية في تسيير المجالس الجهوية وذلك بوضع آليات
استشارية وفق ما يحدده القانون من أجل تسيير المشاركة المنظمة والمسؤولية
للمواطنين في إعداد المخططات الجهوية للتنمية المشاريع الكبرى ووضع آليات للحوار
والتشاور مع الجمعيات المؤهلة ولتطوير مشاركتها في عملية التصور ونتبع والتقييم.
-
وبهذا الشكل ستكرس وتقوى هذه الديمقراطية كثافة وسلوك وتنعش الفعل المحلي
وتزداد فاعلية السياسات العمومية المتخذة على المستوى الجهوي الشيء الذي من شأنه
أن يؤثر بشكل أو بآخر تأثيرا إيجابيا على تحصين الوحدة الوطنية وترابية.
[1] "أحمد الدرداري" الأبعاد السياسية والاجتماعية لنظام
الجهة بالمغرب أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام جامعة محمد الخامس كلية
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –أكدال–الرباطالسنة الجامعية2001-2002،
ص 15.
[2] "قطيعة القرقوري" الجهوية بين تدعيم اللامركزية ورهانات
التنمية، دراسة مقارنة بين دهة طنجة تطوان وجهة الأندلس رسالة لنيل ديبلوم الدراسات العليا المعمقة جامعة عبد المالك
السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة السنة الجامعية
2007/2008، ص 64.
[3] الخطاب الملكي الافتتاحي لسنة التشريعية أكتوبر 2000.
[4] الخطاب الملكي الموجه للمشاركينا في الملتقى الوطني للجماعات
المحلية بأكادير بتاريخ12-13 دجنبر2006.
[5] منشور المجلة المغربية بالادارة المحلية والتنمية سلسلة نصوص
ووثائق عدد 241، 2011 ص 42 - 43
إرسال تعليق