إدارة الأزمة: Crisis Management
المقدمة:
يعد التعامل مع الأزمات أحد محاور الاهتمام في الإدارة، حيث أنه يقتضي وجود نوع خاص من المديرين الذين يتسمون بالعديد من المهارات منها الشجاعة والثبات والاتزان الانفعالي، والقدرة على التفكير الإبداعي والقدرة على الاتصال والحوار وصياغة ورسم التكتيكات اللازمة للتعامل مع الأزمة. [1]
وفي هذا المبحث سيقوم الباحث بتوضيح مفهوم إدارة الأزمة مع الإشارة إلى أزمة الصواريخ الروسية في كوبا، ومقومات إدارة الأزمة، ومراحلها، و وسائل تحسين قدرة المجتمع أو الكيان الإداري في إدارة الأزمات.
وسيتحدث الباحث أيضاً عن معوقات عمل إدارة الأزمات، وسيقوم بتوضيح نموذج لإدارة الأزمة في المراحل المختلفة لإدارة الأزمة.

2/1 – مفهوم إدارة الأزمة:
مفهوم إدارة الأزمة يشير إلى كيفية التغلب على الأزمة باستخدام الأسلوب الإداري العلمي من أجل تلافي سلبياتها ما أمكن، وتعظيم الإيجابيات.
ويرجع أحد الباحثين أصول" إدارة الأزمة " إلى الإدارة العامة ( وذلك للإشارة إلى دور الدولة في مواجهة الكوارث العامة المفاجئة وظروف الطوارئ، مثل الزلازل، والفيضانات، الأوبئة، والحرائق، والغارات الجوية، والحروب الشاملة).[2]
فإدارة الأزمات هي " نشاط هادف يقوم على البحث والحصول على المعلومات اللازمة التي تمكن الإدارة من التنبؤ بأماكن واتجاهات الأزمة المتوقعة، وتهيئة المناخ المناسب للتعامل معها، عن طريق اتخاذ التدابير للتحكم في الأزمة المتوقعة والقضاء عليها أو تغيير مسارها لصالح المنظمة".[3]
ويرى بعض الباحثين أن إدارة الأزمة:" عملية إدارية متميزة لأنها تتعرض لحدث مفاجئ، ولأنها تحتاج لتصرفات حاسمة سريعة تتفق مع تطورات الأزمة، وبالتالي يكون لإدارة الأزمة زمام المبادأة في قيادة الأحداث والتأثير عليها وتوجيهها وفقاً لمقتضيات الأمور".[4]
كما تعني إدارة الأزمة " التعامل مع الأزمات من أجل تجنب حدوثها من خلال التخطيط للحالات التي يمكن تجنبها، وإجراء التحضيرات للأزمات التي يمكن التنبؤ بحدوثها في إطار نظام يطبق مع هذه الحالات الطارئة عند حدوثها بغرض التحكم في النتائج أو الحد من آثارها التدميرية".[5]
أما عبد الرحمن توفيق فقد عرف إدارة الأزمات بأنها:" فن القضاء على جانب كبير من المخاطرة وعدم التأكد بما يسمح لك بتحقيق تحكم أكبر في مصيرك ومقدراتك ".
وقال أيضا بأنها: " التخطيط لما قد لا يحدث ".[6]

ومن خلال المفاهيم السابقة لإدارة الأزمة يمكن تحديد عناصرها فيما يلي:
عملية إدارية خاصة تتمثل في مجموعة من الإجراءات الاستثنائية التي تتجاوز الوصف الوظيفي المعتاد للمهام الإدارية.
استجابات إستراتيجية لمواقف الأزمات.
تدار الأزمة بواسطة مجموعة من القدرات الإدارية الكفوءة والمدربة تدريباً خاصاً في مواجهة الأزمات.
تهدف إدارة الأزمة إلى تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى.
تستخدم الأسلوب العلمي في اتخاذ القرار.[7]

2/2- أزمة الصواريخ الكوبية وتأصيل إدارة الأزمات:
يقول هنري كيسنجر " إن التاريخ هو ذلك المنجم الزاخر بالحكمة الذي نجد فيه المفاتيح الذهبية لحل مشاكل عصرنا ، شريطة أن نعرف أين نضرب معولنا ".
لقد وجدت إدارة الأزمات في الممارسة منذ عصور موغلة في القدم. وكانت مظهراً من مظاهر التعامل الإنساني مع المواقف الطارئة أو الحرجة، التي واجهها الإنسان منذ أن جوبه بتحدي الطبيعة وغيره من البشر. ولم تكن تعرف آنئذ –  بطبيعة الحال – باسم إدارة الأزمات وإنما تحت مسميات أخرى مثل الحنكة الدبلوماسية، أو براعة القيادة، أو حسن الإدارة ....إلخ.
وكانت هذه الممارسة هي المحك الحقيقي لقدرة الإنسان على مواجهة الأزمات والتعامل مع المواقف الحرجة بما تفجره من طاقات إبداعه، وتستفز قدراته على الإبتكار.
لقد كانت إدارة الأزمات إحدى أساليب إدارة العلاقات الإنسانية على مستوياتها المختلفة منذ فجر التاريخ، وكانت القدرة على النجاح فيها امتيازاً غريزياً خص به الله –  سبحانه وتعالى – البعض من البشر دون البعض الآخر.[8]
وكانت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م، باعتبارها النموذج الناجح" لإدارة الأزمات "، هي إشارة البدء لانطلاق الجهد الأكاديمي نحو تأصيل مبادئ" إدارة الأزمات "، وبها يؤرخ تاريخ دخول هذا المصطلح إلى قاموس العلاقات الدولية، وذلك عندما أطلق " روبرت ماكنمارا " وزير الدفاع الأمريكي في إدارة الرئيس كنيدي جملته الشهيرة " لم يعد هناك – بعد الآن – مجال للحديث عن الإستراتيجية، وإنما عن إدارة الأزمات فقط".
وقد جاء تعقيب ماكنمارا هذا نتيجة حماسه المفرط لنجاح الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة هذه الأزمة، وليبرز أهمية إيلاء " إدارة الأزمات " قدراً أكبر من الاهتمام بحسبان ما كان يمكن للإخفاق في إدارة هذه الأزمة من التسبب في دفع العالم إلى هاوية الدمار النووي، حيث قدرت الخسائر المحتملة في هذه الحالة، وفي الأرواح فقط، ما بين 33 – 50 % من تعداد سكان المعسكرين المتنازعين، كما تراوحت فرص النجاح في إدارة هذه الأزمة بين 27 – 50 %.[9]


[1] أحمد، إبراهيم أحمد: " إدارة الأزمات: الأسباب والعلاج"، القاهرة، دار الفكر العربي، 2002م، ص 35.
[2] عليوة، السيد: " صنع القرار السياسي في منظمات الإدارة العامة"، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997، ص 251.
[3] أحمد، إبراهيم أحمد، 2002م، مرجع سابق ، ص ص ( 32 – 33 ).
[4] عشماوي، سعد الدين: " إدارة الأزمة "، الإمارات، مجلة الفكر الشرطي، م5 ، ع2، 1996م، ص 199.
[5] الأعرجي، عاصم محمد و دقامسة، مأمون محمد: " إدارة الأزمات : دراسة ميدانية لمدى توافر عناصر إدارة الأزمات من وجهة نظر العاملين في الوظائف الإشرافية في أمانة عمان الكبرى"، الرياض، معهد الإدارة العامة ، م39، ع4، 2000م، ص 777 .
[6] توفيق، عبد الرحمن :" إدارة الأزمات: التخطيط لما قد لا يحدث"، القاهرة، مركز الخبرات المهنية للإدارة ( بميك )، 2004م، ص 18.
[7] عبد الرحمن، عبد الرحمن محمد: " إدارة الأزمات "، بحث مقدم إلى الحلقة العلمية السادسة عشر حول إدارة الأزمة، الرياض، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، 1994، ص ص ( 5 – 6 )
[8] العماري، عباس رشدي، 1993، مرجع سابق، ص ص(55-57).
[9] Graham Allison: Essence of Decision, U.S.A., Little Brown and Company, 1971, P.5.

Post a Comment

Previous Post Next Post