الإدارة
بالأزمات
management by Crisis
المقدمة
:
الأزمات
– باستثناء أزمات الطبيعة – مثل الزلازل والعواصف، والبراكين، وحرائق الغابات
الناجمة عن الصواعق.. الخ، هي فعل أو رد فعل إنساني؛ فعل يهدف إلى توقف، أو انقطاع
نشاط من الأنشطة، أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع، بهدف إحداث تغيير في هذا
النشاط، أو الوضع لصالح مدبره، وهو ما يعرف " بالإدارة بالأزمات".
ومن قبيل ذلك سعي العاملين في مشروع اقتصادي ما إلى الإضراب عن العمل، من أجل
زيادة أجورهم، أو المشاركة بنسبة في الأرباح، أو تكوين نقابة خاصة بهم، أو خفض
ساعات العمل أو الحصول على غير ذلك من مزايا عينية وتسهيلات، أو محاولة رب العمل
من جانبه طرد بعض المحرضين على الإضراب، بهدف تحقيق الانضباط.
وقد تفلح محاولة أي من هذين الفريقين ( العمال
أو أرباب الأعمال )، وهنا يقال إن تسبب أيهما في خلق " الأزمة " قد أفلح
في تحقيق مراده، ونجحت محاولته للإدارة بالأزمات" management
by Crisis "،
وقد تفشل مثل هذه المحاولة، فيجد مدبر الأزمة نفسه وقد أصبح في مأزق حقيقي. وتمثل
محاولاته للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة إدارة للأزمة Crisis
Management""
، فإذا فشل الإضراب مثلاً في تحقيق أهدافه، ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع
صاحب العمل بمجازاتهم في تحقيق أهدافه، ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع صاحب
العمل بمجازاتهم بخصم بضعة أيام من أجورهم بدلاً من فصلهم، فإن ذلك في حد ذاته يمثل
إنجازاً لهم في تحجيم خسائرهم ، أو نجاحاً في إدارتهم للأزمة.
بيد
انه وإن كان المثال السابق يمثل نموذجا خاصاً بالجمع بين " الإدارة
بالأزمات"، و "إدارة الأزمات" من قبل طرف واحد من أطراف الأزمة،
فإن الحياة العلمية لا تفترض حتمية الربط بين هذين الأسلوبين من قبل جانب واحد،
والمثال الأكثر شيوعاً هو قيام أحد أطراف الأزمة باستخدام " الإدارة
بالأزمات"، يقابله لجوء الطرف الآخر المدبرة الأزمة ضده إلى أسلوب "
إدارة الأزمات".
كما
أنه على الرغم من أن النتيجة المفترضة نظرياً لتقاطع هذين الأسلوبين، أو للتفاعل
القائم بينهما، هو أن يحقق أحدهما قدراً من المكاسب يعادل ما يتكبده الطرف الآخر
من خسائر، أو ما يعرف" بالمباراة ذات
الحصيلة الصفرية " Zero-Sum- game إلا أن الواقع العملي لا يحتمل دائماً مكسباً
كلياً مقابل خسارة تامة، وإنما يحقق كل من الطرفين قدراً من المكاسب والخسائر
المزدوجة. وفي المثال الذي سقناه آنفاً، فإن نجاح صاحب العمل في فصل العمال
المضربين قد يؤدي إلى نقص في الإنتاج، أو إلى تكرار الإضرابات من جانب باقي العمال
تعاطفاً مع زملائهم المفصولين، مما يهدد بتوقف نشاط المشروع الاقتصادي، كما أن
نجاح العمال المضربين في الحصول على زيادة في أجورهم قد يدفع صاحب العمل إلى
التنكيل ببعض متزعمي الإضراب، أو تشديد الجزاءات الموقعة على من يخطئ منهم.
وهناك
بعض الأزمات التي قد تسفر عن فائدة مشتركة للطرفين، ولا يزال المثال السابق الرائد
في التمثيل لهذا النوع من الأزمات، وذلك في حالة ما إذا ترتب على هذا الإضراب نجاح
العمال في الحصول على زيادة
في أجورهم، في مقابل العمل ساعات إضافية لزيادة
إنتاجية المشروع.[1]
3/1-
مفهوم الإدارة بالأزمات:
الإدارة
بالأزمات تقوم على افتعال الأزمات، وإيجادها من عدم كوسيلة للتغطية والتمويه على
المشاكل القائمة التي تواجه الكيان الإداري، فنسيان مشكلة ما، يتم فقط عندما تحدث
مشكلة أكبر وأشد تأثيراً، بحيث تطغى على المشكلة القائمة، وهكذا يظل الكيان
الإداري المهترئ يتعرض لأزمة تلو أزمة، وتتعاقب عليه الأزمات متلاحقة حتى يتم
تدميره بالكامل. أو يهدي الله إليه من يأخذ بيده إلى بر النجاة.
ومن
هنا يطلق البعض على الإدارة بالأزمات علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على
الآخرين. والأزمة المصنوعة المخلقة، لها مواصفات حتى تبدو حقيقية، وحتى تؤتي
ثمارها، وأهم مواصفاتها هي الإعداد المبكر، وتهيئة المسرح الأزموي، وتوزيع الأدوار
على قوى صنع الأزمة، واختيار التوقيت المناسب لتفجيرها، وإيجاد المبرر والذريعة
لهذا التفجير.[2]
وللأزمة
المصنوعة إيقاع سريع متدفق الأحداث، ومتلاحق التتابع، ومتراكم الإفرازات والنتائج،
وكل منها تصب في سبيل تحقيق الهدف المراد الوصول إليه، فلكل أزمة مصنوعة هدف يتعين
أن تصل إليه، وبدون تحقيق هذا الهدف لن يتلاشى الضغط الأزموي، أو يخف التأثير
العنيف الصاخب لإفرازات الأزمة، وكذا لن تهدأ قوى صنع الأزمة أو تتراجع حتى تحقيق
هذا الهدف.
ومن
ثم وللتعامل مع الأزمات المفتعلة أو المصنوعة يتعين أن تحصل على إجابات سريعة
ووافية عن الأسئلة التالية:
·
كيف
ظهرت الأزمة وتطورت أحداثها؟
·
من هم
الأطراف الصانعة للأزمة سواء العلنيون أو الذين يعملون في الخفاء؟
·
لماذا
تم صنع الأزمة في الوقت الراهن؟
·
ما
الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه قوى صنع الأزمة؟
·
ما
المدى الذي لا يتعين أن تتجاوزه قوى الضغط الأزموي؟ وما هي المحاذير الموضوعة لكل
منها؟ والحدود المتفق عليها بينها؟[3]
وتقوم
عملية الإدارة بالأزمات على خلق أزمة وهمية يتم من خلالها توجيه قوى الفعل السلوكي
والاقتصادي إلى تكريس الأزمة، أو إلى سلوك معين بشأنها.
وخير مثال على ذلك ما يعمد إليه بعض التجار من
أصحاب الموقع الاحتكاري من خلق أزمات في بعض السلع من خلال تخزين هذه السلع وعدم
عرضها بالسوق لتعطيش المستهلك لها، وإشاعة أن هناك أزمة شديدة في إنتاج هذه السلع،
مما يدفع المستهلكين إلى البحث عنها بأكثر من احتياجاتهم، وهنا يقوم هذا التاجر
بعرضها سرا لتحقيق أرباح طائلة.
ومثل
هذا الأسلوب في الحقيقة يكون مدمراً للتاجر وللمنتج لهذه السلع، حيث يعمد المستهلك
إلى البحث عن بديل متوفر، وقد يكون أفضل، كما يدفع هذا الوضع بعض المنتجين الجدد
إلى الدخول إلى ميدان إنتاج هذه السلعة وتقديمها بشروط أفضل للمستهلكين... وهكذا.
وتستخدم
الدول الكبرى الإدارة بالأزمات كأسلوب لتنفيذ إستراتيجيتها الكبرى في الهيمنة
والسيطرة على العالم Globalization، ولتأكيد قوتها، وفرض
إرادتها وبسط النفوذ وبشكل لا يفقدها أصدقائها ولتحييد أعدائها وتدمير مصالحهم،
وفي الوقت ذاته لتقوية تحالفاتها القديمة.
بل ولتحقيق أهدافها الخفية طويلة المدى التي لا
تستطيع الإعلان عنها أو حتى مجرد التنويه عنها، وهو ما استخدمه أدولف هتلر
عند اشتعال الحرب العالمية الثانية، تلك الحرب المدمرة التي كلفت البشرية 50 مليون
إنسان قتلى حرب، فضلاً عن تكاليفها المادية الباهظة، وقد استخدم هتلر الإدارة
بالأزمات ببراعة ودهاء شديدين، دون اعتبار لأي قيم أو مثل، لإيجاد المبرر، ولكسب
التأييد الشعبي لغزو بولندا، وتحييد دول العالم أمام هذا الغزو، حيث بدأت الحرب من
سبتمبر عام 1939 باجتياح القوات الألمانية حدود بولندا.
ولكن
قبل الاجتياح تم افتعال أزمة ببراعة وحنكة، محورها تصوير الغزو الألماني على انه
مجرد دفاع عن النفس ومرحلة تأديب لبولندا التي خانت المعاهدات وعلاقات حسن الجوار،
وفي الوقت ذاته الوصول بالموقف العالمي إلى أزمة حافة الحرب.
وقد
بدأت صناعة الأزمة في الليلة السابقة لقيام الحرب، حيث أخذت قوات العاصفة الألمانية
النازية 12 سجيناً بولندياً من معسكر اعتقال بالقرب من برلين، وألبستهم ملابس
الجيش البولندي، ثم أطلقت عليهم الرصاص وألقت بجثثهم في غابة على الحدود الألمانية
البولندية، مع إضافة بعض المؤثرات لتصوير الموقف على أنه عملية قذرة عسكرية قامت
بها بولندا ضد ألمانيا، ليتم عرضهم على مراسلي الصحافة الأجنبية، وتصويره على انه
بداية غزو بولندي لألمانيا، وأن الحرس الألماني استطاع إحباط المحاولة وقضى على
عدد كبير من الغزاة، وفي الوقت نفسه قامت قوات العاصفة بمهاجمة محطة إذاعية
ألمانية على الحدود البولندية الألمانية وهي ترتدي ملابس الجيش البولندي، وتصطحب
سجيناً بولندياً آخر، ثم قامت القوات بإطلاق الرصاص في كافة الاتجاهات، وقتل عدد
من العاملين الألمان بالمحطة، وإجبار السجين البولندي على إذاعة بيان بقيام القوات
البولندية بغزو ألمانيا، ثم هربوا تاركين الأسير البولندي جثة هامدة بعد أن أطلقوا
عليه الرصاص، وأحد العاملين الألمان بمحطة الإذاعة مصاباً إصابة بسيطة ومغمى عليه
من هول الصدمة، ليحكي عما شاهده من قيام الجيش النظامي البولندي بمهاجمة المحطة
وقتل من فيها من الألمان أمام ممثلي الصحافة العالمية، وأمام جهات التحقيق الألمانية.
وبعد
إتمام صنع الموقف الأزموي بنجاح، قام هتلر في الساعة العاشرة من صباح اليوم
التالي، أول سبتمبر، مرتديا
"
المعطف المقدس"، بزيارة الرايخستاخ "البرلمان الألماني " وإلقاء
كلمة قصيرة، قال فيها:
"
لأول مرة يجرؤ الجنود البولنديون النظاميون على مهاجمة وطننا، فقمنا منذ الساعة
السادسة إلا ربعاً صباحاً بالرد على النيران. ومنذ الآن فصاعداً سنرد بالقنابل على
القنابل".
وهكذا
بدأت الحرب العالمية الثانية بأزمة مدبرة مفتعلة.[4]
وصناعة الأزمة هي في حقيقتها عملية جراحية جذرية
في الكيان الإداري الذي صنعت فيه، وبهدف تأكيد وضمان استمرار المصالح الحيوية
القائمة، وتدعيم قوى الاستقرار والتوازن المتواجدة، أو إيجاد قوى استقرار وتوازن
جديدة. ومن ثم فقد تؤدي عملية صناعة الأزمة على المستوى الدولي إلى ابتلاع دول،
وتفتيت إمبراطوريات، وتفكيك تحالفات وإقامة أحلاف جديدة، وضم أجزاء لدول أخرى،
وإعادة رسم الخرائط السياسية، وإعادة ترتيب الأوضاع والقوى، وذلك كله من خلال
عملية صنع الأزمة.[5]
فعملية
الإدارة بالأزمات أسلوب تتبعه المنظمات والشركات والدول والحكومات والعصابات،
ويتسع مداه ويستخدمه الأفراد أيضاً، وهو أسلوب أدى إلى إسقاط حكومات، وإشعال حروب،
وحصد آلاف من أرواح البشر، وتدمير آلاف الملايين من الدولارات.
وأوضح
مثال على صناعة الأزمات ما تعرضت له السلطة الفلسطينية بعد فوز حركة المقاومة
الإسلامية حماس في 25 / 1 / 2006م وتشكيلها الحكومة...
هذه
الأزمة التي لما تنته بعد والتي أخذت أوجهاً متعددة ستتضح للقارئ جيداً بعد
الانتهاء من قراءة الصفحات التالية.
إرسال تعليق