أنواع التكامل الاقتصادي
يمكن
النظر إلى التكامل الاقتصادي من حيث طبيعته والمستوى الذي يأخذه، لاسيما
ما يتعلق بنوعية العلاقة التي تقوم بين الدول المتكاملة وطبيعة توزيع منافع
التكامل وآثاره بين هذه الأطراف، ويُلمس في هذا المجال نوعان من العلاقات:
آ ـ علاقات التكامل الرأسي: ظهرت هذه العلاقات، في مرحلة الاستعمار، بين الدول المستعمرةِ (بالكسر) والدول المستعمرةَ (بفتح الميم).
فقد
فُرض على المستعمرات أن تتخصص بإنتاج المواد الأولية في حين كانت الدول
المستعمرة تقوم بتصنيع هذه المواد. إن هذا النوع من التكامل المفروض من
الدول الرأسمالية المستعمرة. يؤدي إلى تقسيم عمل غير متكافئ يجري لمصلحة الدول المتطورة، على حساب المجموعة الأخرى، ومن ثم تتسع الفجوة بينها.
ومثل هذا التكامل المفروض لا يندرج في مفهوم التكامل الاقتصادي الإرادي لمصلحة الأطراف المتكاملة.
ب ـ علاقات التكامل الأفقي:
وقد بدأت هذه العلاقات بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة الشروط الموضوعية
الجديدة، ولاسيما الثورة العلمية ـ التقنية، وظهور دول المنظومة
الاشتراكية واتساع حركة التحرر في العالم. وتقوم هذه العلاقة مبدئياُ بين
أطراف متجانسة في طبيعة أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية أو ذات انتماء قومي
أو جغرافي واحد. إضافة إلى تقارب مستوى تطورها الاقتصادي إذ تتكامل
العملية الإنتاجية على أسس جديدة من التخصص وتقسيم العمل بإقامة علاقات
متكافئة لتحقيق مصالح مشتركة بين الدول الأعضاء كما يمكن النظر إلى التكامل
الاقتصادي من حيث طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي للدول أطراف التكامل
إذ يكون التكامل الرأسمالي الذي يقوم بين الدول الرأسمالية والتكامل
الاشتراكي الذي يقوم بين الدول الاشتراكية وكذلك التكامل بين الدول
النامية.
ويتخذ التكامل الاقتصادي صوراً تتدرج من التعاون الاقتصادي البسيط حتى الاندماج الاقتصادي الكامل ومن هذه الصور:
1ـ منطقة التجارة الحرة Free Trade Area
وفيها
تتفق الدول الأعضاء على تخفيض القيود المفروضة على التبادل التجاري فيما
بينها حتى تزول هذه القيود كلياً، وفي الوقت نفسه لا يكون للمنطقة تعرفة
جمركية موحدة تطبقها على الواردات من البلاد الأخرى غير الأعضاء ومعنى هذا
أن كل دولة من الدول المنضمة إلى المنطقة تحتفظ بتعرفتها الجمركية الخاصة
بها، إزاء الدول الأخرى غير الأعضاء.
2ـ الاتحاد الجمركي Customs union
إن
قيام اتحاد جمركي بين بعض البلدان، يعني إلغاء الرسوم الجمركية والقيود
الكمية بينها مع التزام هذه البلدان تعرفة جمركية موحدة على السلع
المستوردة من بلاد خارج الاتحاد.
3ـ السوق المشتركة Common Market
وتختفي
هنا القيود الكمية والرسوم الجمركية على التبادل السلعي بين الأعضاء.
وإضافة إلى ذلك تختفي أيضاً القيود على انتقال عناصر الإنتاج المختلفة.
وتطبق تعرفة جمركية موحدة على السلع الواردة من العالم الخارجي للبلدان
المنضمة إلى السوق.
4ـ الوحدة الاقتصادية Economic union
وهي
خطوة أكثر تقدماً تلي السوق المشتركة على طريق التكامل الاقتصادي. وفي
ظلها لا تلغى القيود على انتقال السلع وعناصر الإنتاج، مع تطبيق تعرفة
جمركية موحدة إزاء العالم الخارجي فحسب، بل يتم أيضاً، التنسيق بين
السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الخاصة بالدول الأعضاء.
5ـ التكامل الاقتصادي الكامل Total Economic Integration
وتقضي
هذه المرحلة بتوحيد السياسات النقدية والضريبية والاجتماعية للدول
الأعضاء، فتصبح اقتصادياتها كأنها اقتصاد واحد تسيطر عليه سلطة عليا فوق
قومية Supra national في يدها اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية للدول المندمجة كلها، ويكون لهذه القرارات صفة الإلزام.
مشاريع التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية
تعاني البلدان العربية، بعد حصولها على استقلالها السياسي، من مشكلتي التخلف والتبعية، مع ارتباط ذلك بالتجزئة.
إن هاتين المشكلتين تعنيان:
ـ ضعف الترابط الاقتصادي بين البلدان العربية.
ـ ارتباط المصالح القطرية بالاقتصاد الرأسمالي على نحو أوثق من ارتباطها فيما بينها ومن ثم بالمصلحة القومية.
ـ اتساع الفجوة بين المصلحة القطرية والمصلحة القومية.
وينصب
مفهوم التكامل الاقتصادي العربي على هذا الأساس على إيجاد وحدة اقتصادية
كبيرة بدمج الوحدات القائمة قطرياً وقومياً، مقابل إنهاء تبعيتها للاقتصاد
الرأسمالي بهدف بناء القاعدة المادية للوحدة السياسية، وذلك بالتزام
التنمية المشتركة عن طريق الاستغلال الجماعي للموارد الاقتصادية لصالح
الوطن العربي بكامله. وهكذا فإن التكامل الاقتصادي العربي إنما هو عملية
سياسية واقتصادية طويلة الأجل تقترن بالتزام التنمية المشتركة لتحقيق هدفين
مترابطين هما إنهاء التبعية، وإنهاء التجزئة بما يحقق المصلحة الاقتصادية
المشتركة للدول العربية ويحمي حقوقها في تعاملها مع العالم الخارجي، ومنذ
إحداث الجامعة العربية (1945) بدأت البلدان العربية تعاوناً اقتصادياً
متعدد الجوانب.
وفي
عام 1950 أحدث المجلس الاقتصادي العربي بموجب اتفاقية الدفاع المشترك
والتعاون الاقتصادي ونجح هذا المجلس في إقرار عدد من الاتفاقيات، لاسيما
اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتسديد المدفوعات (1953) إضافة إلى اتفاقية
الوحدة الاقتصادية العربية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1964، وتعد هذه
الاتفاقية المحاولة الأولى في إطار الجامعة التي نصت صراحة على الوحدة
الاقتصادية. كما تم إنشاء مجلس الوحدة الاقتصادية العربية للإشراف على
تنفيذ الاتفاقية. التي تأثرت باتفاقية السوق الأوربية المشتركة. في مجال
اختيار وسيلة التكامل.
ونجح المجلس في إقرار اتفاقية السوق العربية المشتركة التي دخلت حيز التنفيذ عام 1964 بعد تصديقها من قبل كل من سورية ومصر والأردن والعراق.
اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية
وتهدف
إلى قيام وحدة اقتصادية كاملة بين الأقطار العربية. وقد حددت هذه
الاتفاقية مهام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية من الناحيتين التنظيمية
والتشريعية وهي وضع التعرفات والأنظمة والتشريعات الهادفة إلى قيام منطقة
عربية جمركية موحدة، وتنسيق سياسات التجارة الخارجية والإنماء الاقتصادي
والزراعة والصناعة والتجارة الداخلية وكذلك السياسات المالية والنقدية
وأنظمة النقل الموحدة وأنظمة العبور (الترانزيت) وتشريعات العمل والضمان
الاجتماعي. إلى جانب تنسيق التشريعات الضريبية والرسوم. كما نصت الاتفاقية
على ضرورة تحقيق انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال وحرية تبادل البضائع
والمنتجات الوطنية وحرية الإقامة والعمل والاستخدام وممارسة النشاط
الاقتصادي وحرية النقل والعبور واستعمال وسائل النقل والمرافئ والمطارات
المدنية.
Post a Comment