صيانة الموارد الوراثية النباتية للأغذية
والزراعة
حماية وصيانة الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة والحد من استنزافها واستدامة الاستفادة منها وتنظيم الحصول عليها
للوطن العربي أهمية خاصة من حيث الموارد
الوراثية النباتية للأغذية والزراعة، حيث تتواجد فيه ثلاثة من الأقاليم الجغرافية
للتنوع الوراثي للمحاصيل الزراعية الرئيسية في العالم وهي إقليم غرب آسيا وإقليم
جنوبي المتوسط وإقليم شرق أفريقيا. كما أن الوطن العربي بأقطاره المتعددة يتواجد
في خضم العديد من الأحداث والتغيرات العالمية على مستويات البيئة والاقتصاد
والسياسة، وهو حتميا يتأثر بها جميعا ويؤثر فيها، وجميعها لها آثار هامة على
الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة من حيث توفرها وصيانتها واستخدامها.
وقد أعدت هذه الدراسة بغرض المساهمة في استعراض حالة هذه الموارد على نطاق الوطن
العربي ، ثم تحليل الوضع الحالي الذي يكتنفها ويحيط بها والخروج بملامح رؤية
وتوصيات للعمل القطري والقومي بهدف الصيانة والاستخدام المستدام للموارد الوراثية
النباتية للأغذية والزراعة في الوطن العربي.
يمتد الوطن العربي ما بين الخليج العربي شرقاً
والمحيط الأطلسي غرباً ، ويحتل مساحة تبلغ في مجملها 14.1 مليون كلم مربع وذلك في
الجزء من الكرة الأرضية الممتد في جنوب غرب آسيا وشمال وشرق أفريقيا . وعلى نطاق
هذا الامتداد الجغرافي يضم الوطن العربي العديد من الأقاليم البيئية ذات المناخات
المتباينة والتي تشمل منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ومنطقة شبه الصحراء ومنطقة
الصحاري العربية إضافة إلى المنطقة الاستوائية التي تحتوي على قسمين هما منطقة السافنا
الغنية ومنطقة السافنا الفقيرة. هذا
التباين البيئي كانت له انعكاساته على الغطاء النباتي من حيث التنوع على مستويات
الأنظمة البيئية والأنواع وعلى المستوى الوراثي من حيث الأصناف والسلالات داخل
النوع الواحد . كما هيأ هذا التباين البيئي لسكان الوطن العربي ممارسة النشاط
الزراعي من خلال أنواع متعددة من المحاصيل الزراعية وأنظمة زراعية مختلفة . ويتوزع
نمط استغلال المساحات المزروعة في الوطن العربي إلى مساحات للزراعات الموسمية
المطرية ، وأخرى للزراعات الموسمية المروية وثالثة للزراعات المستديمة. هذا ويعتبر
القطاع الزراعي المرتكز الرئيسي لاقتصاد العديد من الدول العربية إلا أنه يعتبر
القطاع الأقل نموا . ويعزى ضعف مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الإجمالي إلى
أسباب عدة منها تدهور الموارد الطبيعية وانتشار ظاهرة التصحر وهو ما أدى من ضمن ما
أدى إليه إلى زيادة ملحوظة في حجم الفجوة الغذائية في الوطن العربي نتيجة التدني
في إنتاج المحاصيل الزراعية ، والذي يشكل تحدياً رئيسياً يمكن للموارد الوراثية
النباتية للأغذية والزراعة أن تلعب دوراً بارزاً في مواجهته بسد الفجوة الغذائية
والنهوض بالقطاع الزراعي عموما وذلك إذا أحسنت صيانتها وتم تقييمها والاستفادة
منها.
حالة
التنوع الوراثي :
هناك العديد من المجموعات المحصولية التي تتم
زراعتها ويتمتع الوطن العربي في أنحائه المختلفة بموارد وراثية متباينة منها. وتشمل هذه المجموعات الحبوب والبقوليات والمحاصيل الزيتية والخضروات والأشجار المثمرة
والمحاصيل السكرية والمحاصيل الجذرية النشوية ومحاصيل الألياف والأعلاف بشقيها
النجيلي والبقولي، هذا إضافة إلى نباتات المراعي الطبيعية والغابات . ومن بين
محاصيل الحبوب المعروفة في المنطقة العربية محصول القمح بنوعيه الطري والصلب ،
ومحاصيل الشعير والذرة الرفيعة والدخن والأرز إضافة إلى الذرة الشامية ومحاصيل
أخرى مثل الدخن الأصبعي. ويحتل القمح أهمية خاصة في الوطن العربي من الناحية
الإقتصادية وأيضاً لتواجد موارده الوراثية بشقيها المزروعة والبرية في مراكز نشأته
الأصلية ومراكز تنوعه والتي يقع بعضها داخل الوطن العربي . ويتميز رصيد الموارد
الوراثية للقمح في الوطن العربي بتنوعه والذي يشمل ثلاثة أقسام هي القمح والأنواع
القريبة والمتصاهرة البرية ، وعشائر القمح المحلية المزروعة والمتداولة منذ مئات
السنيين والأصناف المستوردة والمستنبطة محليا . أما محصول الشعير فيعتبر ثاني محصول
من حيث الأهمية في الوطن العربي ، ويعتبر
مركز الشرق الأوسط أو غرب آسيا مركز النشوء الأصلي له ، حيث يوجد عدد من الموارد
الوراثية البرية للشعير في بلدان مثل سوريا والعراق ، كما تنقلت موارده الوراثية
مع موارد القمح نحو شمال أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية. ويعتبر محصولا الذرة
الرفيعة والدخن من محاصيل الغذاء الرئيسية لنسب عالية من سكان بعض الأقطار العربية
مثل السودان والذي يعتبر مركز النشأة لمحصول الذرة الرفيعة وهو امتداد للمركز
الأفريقي لنشأة محصول الدخن . كما توجد أقارب برية من محصول الذرة في أنحاء أخرى
من الوطن العربي مثل سلطنة عمان والإمارات العربية وجمهورية مصر العربية . ومن
محاصيل الحبوب التي توجد منها موارد وراثية في الوطن العربي محصول الأرز والذي لا
يعتبر محصولا زراعيا رئيسيا في الوطن العربي ، إلا أن بعض الأصناف التقليدية
القديمة تتم زراعتها على نطاق محدود في بعض أنحاء السودان ومصر، كما تنمو بعض
الأنماط البرية منه في بعض أنحاء السودان . ومن محاصيل الحبوب الأخرى المعروفة في
الوطن العربي الذرة الشامية التي تعتبر أحد المحاصيل المستجلبة وتوجد منها أصناف
قديمة متأقلمة في بعض الأقطار مثل السودان وعمان ومصر واليمن .
تعتبر البقوليات مجموعة غذائية هامة يزرع منها
في الوطن العربي العديد من الأنواع مثل العدس والحمص والبازلاء والفول والفاصوليا
واللوبيا وغيرها، إذ توجد منها العديد من الأصناف المحلية في أنحاء متباينة من
الوطن العربي، كما توجد منها أصناف برية
كما في حالة محصول العدس بسوريا وسلطنة عمان ومصر.
كذلك عرف الوطن العربي بعض المحاصيل الزيتية
مثل السمسم والفول السوداني وزهرة الشمس وبعض المحاصيل الأخرى مثل الكتان والقرطم
والخروع.
أما المحاصيل البستانية من خضروات وأشجار مثمرة
فتشكل مجموعة هامة بالوطن العربي حيث تتم زراعة العديد منها، وتنمو في أنحاء الوطن
العربي بعض الأقارب البرية لها . ومن الخضروات الهامة في الوطن العربي محاصيل مثل
البصل والفلفلية والشطة والقرعيات كالشمام والبطيخ والبامية والخضروات الجذرية
كالجزر والشمندر الأحمر واللفت . هذا إضافة للخضروات الورقية التي يوجد منها
العديد من السلالات المحلية المستخدمة في الوطن العربي كالملوخية في الأردن ومصر
وسوريا والسودان وفلسطين . ويعتبر الوطن العربي غنيا بالعديد من أشجار الفاكهة
المثمرة مثل الزيتون ونخيل التمر والرمان وكروم العنب والحمضيات المختلفة والتفاح
والإجاص والزعرور والسفرجل والمشمش والخوخ واللوز والفستق الحلبي والجوز وبعض
أنواع الفاكهة الاستوائية مثل المانجو والجوافة والموز . وتوجد موارد وراثية
متنوعة من هذه الأشجار بأنحاء الوطن العربي المختلفة إما في شكل أنماط زراعية
تقليدية ومحلية، أو في شكل أقارب برية . ومن
الأمثلة الواضحة لذلك فإن الأقطار العربية وخصوصا التي تنتمي لمنطقتي الهلال
الخصيب وجنوبي حوض المتوسط تزخر بتنوع وراثي لأنواع الزيتون المزروع والبري. كما أن الوطن العربي يزخر بتنوع وراثي كبير من
أنماط نخيل التمر بنوعيه الطري والجاف . هذا وقد عرفت غراسات الكروم منذ آلاف
السنين قبل ميلاد السيد المسيح بمناطق الشرق الأوسط وجنوبي البحر المتوسط وتوجد
هناك العديد من الأصناف المحلية والبرية ذات الجودة العالية. أما باقي الأشجار
المثمرة فإن الوطن العربي يضم العديد من سلالاتها وأصنافها المحلية القديمة أو
المستقدمة حديثا أو البرية كالتفاح في سوريا والأردن والمشمش في سوريا ولبنان
والأردن والفستق الحلبي الذي يعتبر الجزء الواقع من غرب آسيا في الوطن العربي هو
الموطن الأصلي له وأشجار المانجو التي يوجد منها تنوع وراثي كبير من الأصناف
القديمة والحديثة وصلت إلى 50 صنفا في السودان ومصر . كما أن موارد وراثية من
سلالات محلية وقديمة لمحاصيل بستانية أخرى تتوفر في بعض أنحاء الوطن العربي
كمحاصيل المنبهات مثل التبغ في بعض الأقطار والقات والبن في اليمن وبعض أنحاء
المملكة العربية السعودية، إضافة لمحاصيل
بستانية وطنية هامة تتواجد بكل الأقطار العربية .
ومن المحاصيل الزراعية الهامة في الوطن العربي
المحاصيل السكرية مثل قصب السكر وبنجر السكر ، وتتراوح الموارد الوراثية من قصب
السكر في الوطن العربي ما بين أصناف محسنة وأنماط محلية وبرية .
تعتبر المحاصيل المنتجة للألياف أيضا من مجموعة
المحاصيل ذات الأهمية الاقتصادية في بعض أقطار الوطن العربي ويأتي على رأسها القطن
الذي تتداول زراعته في عدة أقطار عربية مثل السودان وسوريا والصومال والعراق ومصر والمغرب
واليمن . وتتباين الموارد الوراثية للقطن في الوطن العربي ما بين الأصناف التجارية
المحسنة والأصناف المحلية والأقارب البرية والتي توجد بشكل خاص في السودان
والصومال وجميعها تنتمي لأنواع مختلفة من القطن. كذلك هنالك أنواع أخرى من محاصيل
الألياف توجد إما مزروعة أو برية وتستخدم على نطاق محدود في أقطار مختلفة من الوطن
العربي مثل الجوت والسايسل والحلفاء .
ومن المحاصيل الهامة في الوطن العربي هنالك
محاصيل الأعلاف بشقيها النجيليات والبقوليات . ومن الأعلاف النجيلية الهامة هناك
الشوفان والذي نشأ بمركز التنوع جنوبي المتوسط والذي يغطي الأقطار العربية في شمال
أفريقيا، كما توجد منه أنماط برية في تلك
الأنحاء . هذا إضافة لأنواع أخرى من الأعلاف النجيلية مثل بعض أنماط الذرة الرفيعة
والذرة الشامية والتي تستخدم كأعلاف في بعض أقطار الوطن العربي . أما الأعلاف
البقولية التي يعرفها الوطن العربي فتتباين بين أنواع مختلفة منها البرسيم
والجلبان وغيرها ، علما أن مراكز نشوء عدد منها توجد في جنوبي المتوسط من أقطار
شمال أفريقيا العربية، كما توجد منها أنواع متعددة بأقطار شمال أفريقيا وبعض أقطار
إقليم الهلال الخصيب.
يتمتع الوطن العربي في بعض الأقاليم بمراعي
طبيعية غنية إذ تنمو منها أنواع متباينة من النباتات حسب الأقاليم البيئية .
وتتوزع المراعي في الوطن العربي إلى عدة أقاليم جغرافية ونباتية هي إقليم البحر
الأبيض المتوسط والإقليم الإيراني الطوراني والإقليم الصحراوي السندي والإقليم
السوداني الديكاني. كذلك فإن الوطن العربي يتمتع بثروة من أشجار الغابات في مناطق
مختلفة تسود فيها أنواع متباينة من العرعر والبطم الأطلسي والسنديان واللوز
والزيتون والبلوط والصمغ العربي وغيره .
كل هذه الموارد الوراثية النباتية المتنوعة
تتهددها العديد من المهددات . وعلى الرغم من عدم توفر معلومات دقيقة حول حجم
التآكل الوراثي في الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة في الوطن العربي ،
إلا أن المعلومات المتاحة تشير جميعها إلى انحسارها بفعل مهددات مختلفة مثل تغير
طبيعة استخدام الأراضي والتوسع في الزراعة الحديثة بما تشمله من توسع في استخدام
الأصناف المحسنة على حساب الأصناف التقليدية ، وكذلك الضغوط المتزايدة على مناطق
صون الطبيعة والنظم البيئية، والتغيرات البيئية والكوارث الطبيعية مثل موجات
الجفاف، والرعي الجائر والإفراط في استغلال الغابات، وانتشار النباتات الدخيلة على
حساب النباتات الطبيعية إضافة للعوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل الحروب الأهلية
.
المجهودات
الحالية :
تعتبر المجهودات المبذولة حالياً لصيانة
الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة في الوطن العربي قاصرة عن مجابهة حجم
الأخطار التي تتهدد هذه الموارد ، حيث يظهر بوضوح القصور الكبير في ذلك من نواحي
السياسات والخطط والبرامج والمؤسسات والبحوث وحجم القدرات البشرية المؤهلة ومناشط
التوعية وغيرها. ففي مجال السياسات والخطط القطرية فإن الوضع يتراوح ما بين وجود
استراتيجيات وخطط عمل وطنية تعنى بالتنوع الحيوي بشكل عام كما في بعض الأقطار وما
بين الشروع في وضع سياسات وخطط تفصيلية للمحافظة على الموارد الوراثية النباتية في
أقطار أخرى ، تأتي إما منفصلة أو في إطار مخطط وطني للتنمية الزراعية بشكل عام.
أما من حيث البرامج والمؤسسات القائمة على أمر صيانة الموارد الوراثية النباتية
للأغذية والزراعة فقد تبين أن هناك الكثير من البرامج البحثية والمؤسسات والبرامج
التي تعنى بجمع وصيانة وتوصيف وتقييم واستعمال الموارد الوراثية النباتية على
مستوى الوطن العربي. وهذه البرامج تنتمي إما لمؤسسات جامعية أو مراكز بحثية تحت
إشراف وزارات مختلفة مثل وزارة الزراعة أو البيئة أو البحث العلمي أو التعليم
العالي . وهذا التباين في البرامج والمؤسسات التي تهتم بالموارد الوراثية النباتية
يوجد داخل الأقطار كما هو موجود فيما بين الأقطار المختلفة ، مما جعل الجهود
المبذولة مشتتة وربما مكررة في بعض الأحيان دون استفادة قصوى مما هو متاح من
إمكانيات في هذا النطاق . ومن حيث البنيات التحتية فإن بعض الأقطار لديها بنوك
جينات تتمتع ببنيات أساسية عالية المستوى من حيث إمكانيات حفظ البذور في درجات
حرارة تحت الصفر ومعاملة هذه البذور، إضافة لوجود بنوك حقلية لصيانة الموارد
الوراثية لبعض الأشجار المثمرة مثلا . أما من ناحية الكوادر البشرية فعلى الرغم من
وجود أعداد معقولة من الأفراد المؤهلين على مستويات عالية في كافة المؤسسات
والبرامج ذات الصلة وخاصة في المؤسسات البحثية والتعليمية، إلا أن الكوادر البشرية
المتخصصة والمتفرغة للعمل في مجال صيانة واستخدام الموارد الوراثية النباتية
للأغذية والزراعة تظل محدودة . وينحصر التدريب في هذا المجال في البرامج التدريبية
التي قامت ما بين بعض الأقطار العربية وبعض مراكز البحوث الزراعية العالمية مع
الغياب شبه التام للدورات التدريبية القطرية أو القومية. هذا ويبدو أن هناك وعي
متنامي في بعض المستويات في الوطن العربي بأمر الموارد الوراثية النباتية وأهمية
الحفاظ عليها والذي جاء نتيجة بعض الأنشطة التي تقوم بها بعض الجهات ذات الاهتمام
بهذا الموضوع. إلا أن الوعي ظل محدوداً في بعض المجموعات والأفراد ولم يترجم في
شكل برامج توعية واسعة تشمل كافة الأطراف المعنية والمستويات على النطاقين القطري
والقومي في الوطن العربي .
ومن حيث المجموعات التي تتم صيانتها حالياً من
الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة في الوطن العربي ، فإن ذلك يتم إما
على نطاق قطري من خلال البرامج والأنشطة القطرية أو على نطاق دولي من خلال مراكز
البحوث الزراعية العالمية. وتشير الأرقام المتوفرة إلى أن أعداد عينات ومداخيل
الموارد الوراثية النباتية التي يتم حفظها في الأقطار العربية تتراوح ما بين عشرات
الآلاف من المداخيل كما في المغرب وعدة آلاف كما في السودان وتونس ومصر وبضع مئات
كما في سلطنة عمان ، وتتباين جميعها ما بين المحاصيل الحقلية والبستانية والأشجار
المثمرة . إلا أنه من المهم الإشارة هنا إلى الدور الذي لعبته بنوك الجينات
التابعة لمراكز البحوث الزراعية العالمية في الحفاظ على العديد من عينات الموارد
الوراثية النباتية المجمعة من أقطار الوطن العربي المختلفة، إذ يبلغ مجموع هذه العينات حالياً 75500 مدخلاً
من محاصيل مختلفة مثل القمح والشعير والذرة الرفيعة وبعض البقوليات الغذائية
والأعلاف النجيلية والبقولية تتوزع ما بين مراكز البحوث الزراعية العالمية
المختلفة التابعة للمجموعة الاستشارية الدولية للبحوث الزراعية مثل المركز الدولي
للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ICARDA) والمركز الدولى لتحسين الذرة الشامية والقمح (CIMMYT) والمعهد الدولي
لبحوث المحاصيل في المناطق الاستوائية القاحلة (ICRISAT) وغيرها . وعلى نطاق الوطن
العربي فإن المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد(ACSAD قد أنشأ مجمعاً وراثياً للأشجار المثمرة بسوريا وقام بجمع وتقييم 3000
مدخل من موارد القمح الطري والقمح القاسي والشعير.
الأطر
التنظيمية والتشريعية :
هناك العديد من الأطر التنظيمية والتشريعية ذات
الصلة بموضوع الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة على النطاقين العالمي
والإقليمي ، كما توجد بعض الأطر القطرية في الوطن العربي لها صلات بشكل أو بآخر مع
مختلف الأطر العالمية والإقليمية في هذا المجال .
وقد برزت في العقود الأخيرة الماضية العديد من
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة والتي من أبرزها اتفاقية التنوع الحيوي
(1992) والمعاهدة الدولية للموارد
الوراثية النباتية للأغذية والزراعـة (2001) . وقد صادقت عشرون دولة عربية على
اتفاقية التنوع الحيوي، وتفاوتت المصادقات والتوقيعات على باقي الاتفاقيات
والمعاهدات ومنها المعاهدة الدولية للموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة
التي وقع عليها حتى الآن سبعة أقطار عربية فيما لم يصادق عليها سوى ثلاثة أقطار.
كما يشد الانتباه التباطؤ الواضح من قبل الأقطار العربية في التوقيع والمصادقة على
بروتوكول قرطاجنة المتعلق بالسلامة الحيوية للاتفاقية المتعلقة بالتنوع الحيوي،
حيث وقعت فقط خمس دول عربية ولم تصادق إلا دولة واحدة .
وعلى المستوى القطري يبدو أن القاسم المشترك
بين أقطار الوطن العربي هو غياب التشريعات الوطنية التي تتناول بشكل مباشر الموارد
الوراثية النباتية . ولا ينفي هذا وجود منظومة من القوانين الأخرى ذات الصلة في
بعض الأقطار مثل قوانين حماية البيئة أو القوانين المتعلقة بالزراعة والموارد
الطبيعية. هذا وتقوم على الصعيد القطري أجهزة وطنية مختلفة للتعامل مع المنظومات
والاتفاقيات الدولية وذلك مثل وزارات ومجالس البيئة أو أجهزة البحوث المختلفة.
تحليل
الوضع الحالي :
عند النظر الفاحص لحال الموارد الوراثية
النباتية للأغذية والزراعة في الوطن العربي، من حيث أوضاعها على الطبيعة ومدى مجهودات الصيانة
الموجهة إليها ، وحال المؤسسات والبنيات والأطر المختلفة التي تقوم عليها، يبرز
بوضوح أن هناك العديد من نقاط القوة وكذلك نقاط الضعف التي تكتنفها، كما تبدو العديد من الفرص المتاحة التي يلزم
استغلالها وتبرز معها أيضا بعض المهددات التي يتوجب مواجهتها وذلك بغرض تحقيق
الهدف الاسمى وهو الصيانة والاستخدام المستدام للموارد الوراثية النباتية للأغذية
والزراعة في الوطن العربي .
وتتلخص أبرز نقاط القوة في كون الوطن العربي
يضم عددا من مراكز التنوع الوراثي والنشأة لعدد من المحاصيل الرئيسية في العالم ،
وتزخر العديد من أقطار الوطن العربي بكوادر مؤهلة في الجامعات ومراكز البحث العلمي
وذلك في مجالات ذات صلة بالموارد الوراثية النباتية . يتميز الوطن العربي بوجود
نواة وعي على المستوى الشعبي وبين كوادر المختصين في هذا المجال وبعض الإمكانيات
والقدرات التقنية الفنية الأساسية لصيانة الموارد الوراثية النباتية في بعض أقطار
الوطن العربي. إلا أن حال الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة تعتريه
العديد من نقاط الضعف في البناء الداخلي بالوطن العربي. هذه النقاط تتمثل في غياب
التزام الجهات صاحبة القرار تجاه برامج الموارد الوراثية النباتية بسبب عدم
استيعابها في السياسات والخطط القطرية الشاملة، إضافة لتشتت الجهود والإمكانيات
وغياب التمويل الذي يحد حتى من الاستغلال الأمثل للبنيات التحتية المتاحة، وهو ما
يؤدي أحيانا لغياب الاستمرار في إنجاز المشاريع الخاصة بالموارد الوراثية النباتية
لأسباب منها انقطاع الدعم الخارجي . هذا ومن ضمن نقاط الضعف الأساسية ضعف
الإمكانيات المتاحة لنقاط الاتصال القطرية مع الأجهزة والمنظمات والبرامج القطرية
والإقليمية والعالمية مما ينتج عنه غياب النظرة الشمولية الوطنية عند التعامل مع
قضايا الموارد الوراثية النباتية في المنابر الإقليمية والعالمية، وهو الوضع الذي يغذيه غياب الشبكات القطرية
ناهيك عن القومية في مجال المعلومات والبيانات ذات الصلة بالموارد الوراثية
النباتية للأغذية والزراعة .
كذلك فقد تهيأت للوطن العربي بحكم موقعه
وشراكاته في الأسرة الدولية بعض الفرص المتاحة لاستغلالها بما يمكن أن يدفع العمل
في مجال الصيانة والاستخدام المستدام للموارد الوراثية النباتية في الوطن العربي .
ومن أبرز هذه الفرص وجود المقرات الرئيسية لبعض مراكز البحوث الزراعية العالمية
مثل المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ICARDA) وبعض المكاتب الإقليمية لبعض هذه المراكز مثل المعهد الدولي
للموارد الوراثية النباتية ((IPGRI في بعض أقطار
الوطن العربي . كما أن قيام المنظمة العربية للتنمية الزراعية واهتمامها بأمر
الموارد الوراثية النباتية هو في حد ذاته فرصة يتحتم الاستفادة منها . كل ذلك
يقويه ويدعمه هذا التطور الهائل في وسائل الاتصال والمعلومات التي صارت متاحة في
الوطن العربي بقدر مناسب يمكن استغلالها والاستفادة منها في هذا المجال . لكن كل
هذه الفرص ونقاط القوة يحد منها ويهددها بقدر عظيم غياب البرامج التدريبية
والتعليمية المتخصصة التي تمكن من إعداد أجيال جديدة من الكوادر المؤهلة لمواصلة
العمل في مجال صيانة الموارد الوراثية النباتية في الوطن العربي ولحل المعضلات
التي تحد من انطلاقته.
توصيات
ومقترحات :
إزاء الوضع الحالي للموارد الوراثية النباتية
للأغذية والزراعة في الوطن العربي وما يتضمنه ويحيط به من عناصر قوة وضعف وفرص
متاحة ومهددات تقدم الدراسة العديد من التوصيات والمقترحات لتعزيز دور الأقطار
والمنظمات العربية وعلى رأسها المنظمة العربية للتنمية الزراعية في الصيانة
والاستخدام المستدام للموارد الوراثية النباتية في الوطن العربي. فعلى مستوى
الأقطار توصي الدراسة بقيام برامج قطرية قوية وفعالة ومستدامة في مجال الموارد
الوراثية النباتية للأغذية والزراعة وذلك من خلال صياغة خطط قطرية تستجيب لمحاور
النشاطات المختلفة مثل مسح وجرد الموارد الوراثية النباتية وصيانتها وعناصر
استخدامها مثل الإكثار والتجديد والتوصيف والتقييم والتعزيز الوراثي إضافة للتوثيق
السليم والفعال لكافة المعلومات والبيانات حولها . ويتطلب إنجاز الخطة قيام كيان
تنسيقي يجمع الأطراف المختلفة العاملة في هذا المجال في كل قطر ، كما يتطلب العمل
لإنفاذ الخطط والاهتمام بأمر التدريب ورفع القدرات البشرية قطريا مع إيلاء برامج
وأنشطة التوعية أهمية قصوى لضمان تضافر كافة الجهود بين كافة الأطراف من السكان
المحليين والمزارعين والرعاة والمهنيين في هذا المجال وكذا الباحثين والعلماء
والقيادات السياسية والتنفيذية . إن تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في صيانة الموارد
الوراثية النباتية للأغذية والزراعة في الوطن العربي وحسن استخدامها في ظل الظروف
والمتغيرات الدولية التي تحيط بهذا المجال ليؤكد ضرورة التنسيق والتعاون بين
الأقطار العربية لمواكبة مختلف الاتفاقيات والمعاهدات وغيرها من الأطر العالمية ،
مع تحديد الرؤى القطرية وصياغة التشريعات والأطر القانونية المناسبة لحماية هذه
الموارد وما يتعلق بها من معارف وحقوق .
إن على المنظمات والمراكز الإقليمية العربية
بما فيها المنظمة العربية للتنمية الزراعية القيام بدور فعال من أجل تنسيق الجهود
ودعم البرامج وبناء القدرات، وهو ما يمكن أن يستند عليه أي عمل مشترك بين أقطار
الوطن العربي في مجال صيانة الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة وتعزيز
فرص استخدامها. ولا يتم ذلك إلا من خلال صياغة خطة قومية للموارد الوراثية
النباتية للأغذية والزراعة في الوطن العربي بهدف قيام شبكة عربية للصيانة
والاستخدام المستدام للموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة تعمل في محاور
الصيانة والبحوث وحفظ وتداول المعلومات واستخدام الموارد الوراثية والإسناد الفني
لتنسيق المواقف في المنتديات والمنابر الدولية وبناء القدرات البشرية وتأهيلها
فنياً . هذه الشبكة يصعب تصور قيامها دون قيام برامج قطرية قوية وفعالة من خلال
كيانات قطرية تتولى أمرها ، وهو ما يقتضي
من منظمات جامعة الدول العربية لعب دور في تأسيسها وإنجازها لتتمكن بعد ذلك
من صياغة خطة قومية من خلال لجنة فنية مختصة، على أن تعرض الخطط القطرية والخطة
القومية في ورشة عمل قومية للمناقشة وإجازة الخطة القومية . وبالاستناد على قواعد
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية فقد آن الأوان أن تلعب منظمات الجامعة العربية
دورها فيما يتعلق بالمسائل الخاصة بحقوق الملكية الفكرية في الزراعة لما لذلك من
صلة أيضاً بمسألة صيانة الموارد الوراثية النباتية والحقوق المتعلقة بها ، ولا يتم
ذلك إلا من خلال توفر قاعدة معرفية كافية في هذا المجال مع العمل على بلورة موقف
عربي منسق تجاهها.
ويبدو جلياً أن المناخ العالمي الذي تنشط في
ظله كافة المساعي في مجال الموارد الوراثية النباتية يتألف من منظومات وأطر
وعلاقات متشابكة تستوجب التعامل معها بحرص شديد وفعالية للاستفادة مما تتيحه من
فرص إيجابية وتجنب ما يمكن أن ينتج عنها من سلبيات . وفي هذا الإطار فإن على
منظمات جامعة الدول العربية أن تلعب دورها في حث الأقطار للانضمام للاتفاقيات ذات
الصلة مثل المعاهدة الدولية للموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة وبروتوكول
قرطاجنة المتعلق بالسلامة الحيوية لاتفاقية التنوع الحيوي .
إرسال تعليق