أصبحت
العملية التعليمية بحاجة إلى الكثير من التخطيط والإعداد
إن التدريس داخل الحجرة الصفية عملية
معقدة تؤثر فيه عوامل ومتغيرات كثيرة, وأهم هذه العوامل هو المتعلم وكيفية حدوث
التعلم المفهومي لديه, فكثيرا ما يتعلم الطلبة المعلومات عن طريق الحفظ
والاستظهار, أي دون إدراك كافٍ لمعانيها, ومن ثم لا يتوافر لديهم الفهم السليم لها
ولا القدرة على استخدامها في عمليات تتطلب مثلاً التطبيق أو التحليل.
تشكل
المفاهيم الأساس لفهم العلم وتطوره, باعتبارها نوعا من التعميمات التي تلخص الصفات
المشتركة بين العديد من الحقائق المنفردة, أو باعتبارها نقاطا مبدئية لفهم المبادئ
والقوانين والنظريات العلمية([i]) وهي ليست
تعريفات تحفظ, وإنما هي تكوينات واستدلالات عقلية يكونها الفرد المتعلم ذهنيا([ii]), حيث
يتضمن تكوينها ثلاث عمليات هي: التمييز، التنظيم والتصنيف, والتعميم الذي يعني
توصل الفرد إلى مبدأ عام أو قاعدة عامة لها صفة الشمول.
والمفهوم
هو أكثر من مجموعة من الحقائق لأن الحقائق وحدها لا تعطي معنى, بل إن عقل الفرد هو
الذي يضفي معنى على تلك الحقائق المجتمعة, فعند تكوينه لمدرك معين فإن هذا يتطلب
منه التفكير أو التأويل أو التفسير أو الاستنتاج, في حين عندما يريد أن يتعلم
الحقائق لا يحتاج إلى ذلك المستوى من التفكير المعقد, وكل ما عليه أن يحفظ تلك
الحقائق. ولهذا, اعتبر تكوين وإنماء الفهم السليم أحد أهداف التربية العلمية([iii]) لأن
المفاهيم تزود بالعنصر المنظم, والقواعد المرشدة لجميع الدروس كالمختبر أو العمل
الحقلي([iv]).
ومساعدة الطلاب على فهم واستيعاب المفاهيم العلمية يعد رأس أهداف تدريس العلوم([v]), فبالقدر
الذي نستطيع به التوصل إلى الطرائق التي يمكن بها أن نحسن تعلم الطلبة نكون قد نجحنا
في إيجاد قوة دافعة لديهم من أجل اكتشاف المزيد من المفاهيم العلمية ذاتها.
ولم
تعد العملية التعليمية أمراً يسيراً, وبخاصة بعد الانفجار المعرفي والكم الهائل من
المعلومات, حيث تتضاعف المعرفة العلمية في عدد من السنوات لا يتجاوز العقد، فقد
أصبح من غير الممكن أن يسمح لمن له القدرة على حفظ كم من المعلومات أن يدخل الفصل
الدراسي ويلقيها على الطلبة, بل أصبحت العملية التعليمية بحاجة إلى الكثير من
التخطيط والإعداد. حيث لم يعد الهدف الأساسي من التعلم زيادة كمية المعلومات لدى
الطلبة, بل إتاحة الفرصة لهم لاكتشاف تلك المعلومات كل حسب قدراته العقلية بحيث
يستنتجوا المعلومات بأنفسهم من خلال التجريب الحسي. فتضمين الموقف التعليمي بخبرات
حسية ييسر على كل من المعلم والمتعلم إنجاز أهداف التعلم المفهومي, وذلك بتكوين
صورة عقلية للمدرك الحسي, الذي يتطور مع النمو العقلي إلى مستويات أعلى, وهذا ما
أكدته نظرية بياجيه piaget للنمو المعرفي في التعليم
التي تركز على تفاعل الفرد مع البيئة ومع معلوماته وخبراته الشخصية لحدوث تعلم
جديد.
إن من المشكلات التي شغلت وما زالت تشغل
فكر وجهد العاملين في مجال التربية العلمية وتدريس العلوم تطوير طرق تدريس أكثر
فاعلية من الطرق المتبعة حاليا في المدارس, خاصة إذا كانت هذه الطرق تجمع بين
تنمية الجوانب المعرفية والوجدانية والاجتماعية للمتعلم. ويلاحظ أن عددا كبيرا من
الدراسات في مجال التربية العلمية قد أخذ يركز على عمليات التعلم المعرفية
باعتبارها أساساً للتعلم ذي المعنى القائم على الفهم([vi]),
واستقصاء الطرائق الأكثر فاعلية في تدريس العلوم واستثارة النشاط العقلي عند
المتعلم، وقد ساهمت هذه الدراسات في تقديم تصورات مهمة عن كيفية اكتساب الطلبة
للمفاهيم العلمية وفهمها Posner, Strike, Hewson & Gertzog, 1982([vii]);Watts & Pope,1989([viii]);Yager, 1991([ix])( وتنمية القدرات والمهارات
العلمية Novak, 1988([x]);wheatley,1991, ([xi]) داخل المدرسة وخارجها فظهر المنحى البنائي في التدريس الذي
يعد أحدث ما عرف من مناح في تدريس العلوم, ويعتبر أكثر أنموذج مبدع في التربية
العلمية وتدريس العلوم خلال السنوات الخمسين الماضية([xii]),
كتطبيق للنظرية البنائية التي تقوم على قاعدتين أساسيتين هما:
الأولى:
تبين أن المعرفة لا تستقبل بجمود, ولكنها تبنى بفعالية إدراك الموضوع, وبمعنى آخر
فإن الأفكار لا توضع بين الطلبة ولكن عليهم بناء مفاهيم.
الثانية:
تبين أن المعرفة عملية تكيفية, تتم من خلال تنظيم الفرد للخبرات التي يتفاعل معها,
أي المعرفة تتكون في عقل المتعلم نتيجة تفاعل حواسه مع العالم الخارجي, إذ إن
الفرد عندما يواجه مشكلة ما فيقوم في ضوء توقعاته باقتراح فروض معينة لحلها,
ويحاول أن يختبر هذه الفروض وقد يصل إلى النتيجة (معرفة جديدة), غير أنه قد يراجع
هذه النتيجة محاولا وضع فروض أخرى جديدة, وهكذا في تفاعل مستمر مع عناصر الموقف,
وهذا ما أكده نوفاك (Novak)([xiii])،
الذي بين أن الأشخاص على اختلاف أنشطتهم العقلية يحاولون بناء معانٍ ومفاهيم
لهم عن العالم الطبيعي مبكرا منذ الولادة من خلال تفاعلهم مع البيئة, فالمتعلمون
ليسوا مرآة تعكس ما يتلقونه من معلومات بالتلقين أو بالقراءة, بل يقومون ببناء
فهمهم الخاص باحثين عن المعنى وعن ترتيب معين للإحداث الموجودة في الطبيعة حتى في
غياب كامل للمعلومات([xiv]). وعليه
فإن العملية المعرفية لا تكون في نقل المعاني من المعلم إلى المتعلم, بل في
استثارة المعاني عند المتعلم والعمل على تكوين البنية المعرفية المتعلقة بهذه
المعاني.
ويجد
الكثير من الطلبة صعوبة في تعلم المفاهيم العلمية واكتسابها, في الوقت التي تعد
فيه هذه المفاهيم حجر الزاوية في تعلم العلوم. فقد أشارت نتائج عدد من الدراسات
إلى أن عدداً كبيراً من طلبة الجامعات, سواء في ذلك قدامى الخريجين أو الذين
مازالوا ينتظرون التخرج- لا يختلفون كثيرا في فهمهم لمفاهيم علمية أساسية عن فهم
طلبة المرحلة الابتدائية لهذه المفاهيم Cohen,1981([xv]); Flegg,1981 ([xvi]); Stepans, Dyche & Beiswinger, 1988 ([xvii]). كما
أشارت نتائج عدد من الدراساتHand &
Treaguest,1991([xviii]); Saxena,1992 ([xix])(Hameed, Hackling & Garnett, 1993([xx])، التي أجريت حول الفهم الخطأ والمفاهيم
البديلة في العلوم إلى أن المناحي المستخدمة في تدريس العلوم لم تنجح كما يبدو في
إحداث تغيرات ذات دلالة في فهم الطلبة واستيعابهم, فقد تكون الحاجة ماسة إلى زيادة
الوقت المعطى في تدريس العلوم, أو تطوير الطرائق والأساليب المستخدمة في التدريس.
من
جهة أخرى أشارت رابطة الأمريكيين لتقدم العلوم
American Association for the Advancement of Science (AAAS,1989)([xxi])، إلى وجود مشكلة تتعلق بالمعرفة والفهم
تواجه المربين العلميين والقوى المحركة التي تقف وراء العديد من الدراسات والأبحاث
الحديثة. وقد كان لهذه النتائج صدى في تقرير المجلس الوطني للبحث (National Research Council,1990)([xxii]) المتعلق
بتدريس الأحياء في الولايات المتحدة الأمريكية الذي بين أن عدداً كبيرا من خريجي
المدارس الثانوية يجهلون العديد من المفاهيم الأساسية في الأحياء, ويحتفظون بفهم
خاطئ عميق يمكن أن يؤثر في حياتهم.
كذلك
قدم تقرير الدراسة الدولية الثالثة حول العلوم والرياضات الصادر عن المركز الوطني
للبحث في الولايات المتحدة الأمريكية([xxiii]) (National Research Center,1996) دلائل
على أن الطلبة في الولايات المتحدة لا يمتلكون فهما عميقا أو معمقا للعلوم, أو
القدرة على تطبيق المبادئ العلمية نتيجة للمناهج الواسعة قليلة العمق. وقد تكون
أحد الحلول المقترحة لحل هذه المشكلة تطوير طرائق تدريس العلوم الصفية وتحسينها مع
التركيز على مستويات التفكير العليا([xxiv]).
من
أجل ذلك أجريت العديد من الدراسات في محاولة لوضع العلاج المناسب لصعوبات تعلم
المفاهيم العلمية. ومن هذه الدراسات ما أكد استخدام الخرائط المفهوميّة التي
تستخدم كأسلوب تعليمي أو كأسلوب للتقويم([xxv])، ومنها
ما استخدم شكل سبعة المعرفي V-Shape
كوسيلة للتعلم, وهذه الطريقة تستخدم لربط الجانب النظري بالعملي. ومنها ما استخدم
نموذج دورة التعلم التي تتدرج تحت مظلة المدرسة البنائية في تدريس العلوم.
تعد
دورة التعلم من الطرق التدريسية المهمة في تدريس العلوم التي تم اقتراحها لوضع
علاج مناسب لصعوبات التعلم وتحسين مستوى الفهم لدى الطلبة. وجاءت صياغتها في
صورتها الأولى على يد كل من روبرت كاربلس ومايرون اتكن، ثم تناولها كاربلس وآخرون
بالتطوير والتعديل حيث أدخلت كجزء من مشروع تحسين منهاج العلوم Science Curriculum Improvement Study (SCIS) عام 1974 الذي قامت به
جامعة كاليفورنيا لتطوير تدريس العلوم. وقد اعتمد كاربلس وزملاؤه على مبادئ التطور
المعرفي لبياجيه في بناء دورة التعلم، حيث يتعلم الطلبة من انهماكهم وأدائهم الخاصين،
ويطبقون خبراتهم السابقة، ويطورون اهتماما، ويبدون فضولا علمياً وحماسة، ويحتفظون
به تجاه المواد التي تكون في متناول أيديهم([xxvi]).
إن
دورة تعلم العلوم هي طريقة لتخطيط الدروس، وللتعلم والتعليم، ولتطوير المنهاج، وقد
حققت هذه الطريقة أعلى نسبة نجاح في تدريس العلوم في الستينيات، ولعل سبب هذا
النجاح يرجع إلى أن دورة التعلم تعتبر عملية استقصائية في التعلم والتعليم، كما
تعد هذه الطريقة في ميدان تدريس العلوم منهاجا للتفكير والعمل حيث إنها تناسب
الكيفية التي يتعلم بها الطلبة، كما أنها توفر مجالا ممتازاً للتخطيط وللتدريس
الفعال لدروس العلوم Lawson, Abraham & Renner, 1989([xxvii])، Renner & Marek, 1990 ([xxviii])، (Lawson, 1995([xxix]).
هذا،
وقد دعم عدد من البحوث فاعلية دورة التعلم في تشجيع الطلبة على التفكير الإبداعي
والناقد. كما أنها سهلت فهم المفاهيم العلمية, وتحسين تحصيل الطلاب للمهارات
العلمية ([xxx]),
كما إن التدريس باستخدام دورة التعلم كان فعالا في تكوين الاتجاهات الإيجابية نحو
العلوم والاستقصاء العلمي([xxxi]). ومن
جهة أخرى وثق فلينر ومارك (Fleener &
Marek,1992)([xxxii])
كيفية استعمال كل مرحلة من مراحل دورة التعلم كأدوات مناسبة في التقييم.
تكونت دورة التعلم في البداية من ثلاث مراحل هي:
الاستكشاف، واستخلاص
المفهوم، والتطبيق،
ومع تطور أهداف تدريس العلوم أصبحت دورة التعلم تتكون من أربع مراحل، هي: مرحلة
الاستكشاف، ومرحلة التفسير، ومرحلة التوسيع، ومرحلة التقويم. كذلك تم تهذيب وصقل
دورة التعلم من قبل روجر بايبي عام 1993م Roger Bybee، حيث تم تركيز
نماذج التصاميم البنائية في خمس مراحل هي: مرحلة الانشغال Engagement،
ومرحلة الاستكشاف Exploration، ومرحلة التفسير Explanation، ومرحلة
التوسيع Elaboration، ومرحلة التقويم Evaluation.
وقد تم في هذه الدراسة تبني دورة التعلم
المعدلة (i.e. Eng, ... Eval 5E)التي يسير فيها التدريس وفقا للمراحل
الخمس الآتية([xxxiii]):
1- مرحلة الانشغال.
2-
مرحلة الاستكشاف.
3-
مرحلة التفسير.
4-
مرحلة التوسيع.
5-
مرحلة التقويم.
Post a Comment