مجالات الذكاء الصناعي
نتج من معامل أبحاث الذكاء الاصطناعي
تقنيات عديدة مازال بعضها في الأطوار الأولى من الدراسة والبحث ، في حين وصل البعض
الآخر إلى نضج نسبي أدى إلى تطوير أنظمة جديدة عملية تعالج مشاكل واقعية كان يعتبر
من المستحيل معالجتها بأساليب البرمجة التقليدية ، ويعتبر مجال " الذراع
الآلية الذكية ( Smart Robot ) وأنظمة الخبراء (
Expert
Systems ) أهم مجالين من هذه المجالات وفيما يلي نبذة مبسطة
لهاتين التقنيتين وإمكاناتهما:
1-الذراع الآلية الذكية :
استخدمت الذراع الآلية مؤخراً في المصانع
للقيام بالأعمال الروتينية التي تحتاج إلى قوة عضلية ولا تتطلب عمليات أو أنشطة ذهنية
معقدة مثل عمليات اللحام والدهان في مصانع السيارات. وقد اعتمد تشغيل هذه الأذرعة
على دقة وسرعة أنظمة التحكم ( Control Systems ) التي تعمل بواسطة
أجهزة الحاسب الآلي ، وكان اليابانيون أول من استعمل هذه الأذرعة بصورة موسعة في
صناعة السيارات
والذي نتج عنه غزو اليابان للأسواق العالمية بسيارات ذات جودة
عالية وأسعار منافسة. ( عبد النور ، 2005 : 54)
ولا تستخدم الأذرعة الآلية في التصنيع
فوائد عديدة فهي لا تطالب بإجازات أسبوعية أو سنوية أو عرضية ولاتكل ولا تتعب من
العمل ولا تتوقف إلا لفترات الصيانة ، كما أنها تستطيع العمل في مصانع غير مكيفة
أو مضاءة إضاءة غير قوية ، وفي هذا توفير للطاقة ، ثم إنها لا ترفع الدعاوي ، ولا
تطالب بتعويضات إذا تعرضت خطأ أو عمداً إلى غازات سامة أو مواد كيماوية ضارة ،
وأخيراً فهي لا تحتاج إلى مرافق مساندة مثل دور الحضانة وصالات الطعام والصالات
الرياضية وغيرها مما يطالب به العمال ، وليس من الصعب طبعاً ترجمة كل هذه المزايا
إلى توفير كبير في تكلفة الإنتاج وفي السيطرة على الطاقة الإنتاجية للمصانع بحيث
تتناسب مع قوى العرض والطلب للسوق ، وذلك بدون اللجوء إلى تسريح العمال لبضعة
أسابيع أو شهور أو في وضع ورديات إضافية.
ومع تطور أنظمة التحكم الآلية وازدياد
قدرة الحاسبات الآلية التي تشغلها ازدادت قدرات الذراع الآلية وأصبحت تقوم بأعمال
دقيقة ومركبة كصنع شرائح الميكرو كمبيوتر وغيرها من الأعمال التي تتطلب أنظمة تحكم
معقدة وصعبة ، إلا أن هذه الأعمال كانت محدودة بما يمكن إنجازه باستخدام أساليب
البرمجة التقليدية وقد أدى إدخال أساليب الذكاء الاصطناعي في برمجة هذه الأذرع إلى
فتح أفاق جديدة لم تكن ممكنة من قبل ، فأصبحنا اليوم نتكلم عن أذرع تستعمل الرؤية
الإلكترونيــة
( Electronic Vision ) في فرز المنتجات
وفي تحريك الذراع ( أو عدة أذرع ) في حيز ضيق بأسلوب مرن يتناسب مع متغيرات البيئة
التي يعمل بها .( السيد ، 2004 : 98)
2-أنظمة الخبراء (Expert Systems ) :
وهي برامج تحتوي على كمية هائلة من
المعلومات التي يملكها خبير إنساني في حقل معين من حقول المعرفة وبعض هذه البرامج
أثبتت فعاليتها لتوكد إمكانية في هذا المجال.
والنظام الخبير هو برنامج مصمم لينفد
مهاماً متعلقة بالخبرة البشرية، يحاول النظام الخبير القيام بعمليات تعتبر عادة من
اختصاص البشر و يتضمن الحكم و اتخاد القرارات.
( الحسيني ، 2002 : 72)
يملك الخبراء البشريون كمية هائلة من
المعرفة المتخصصة في مجالات عملهم لذا فإن النظم الخبيرة تستند عادة إلى قواعد
معرفة و تتضمن عدد هائلاً من قواعد المعطيات التي تحوي معلومات المعرفة، و النظم
الخبيرة فرع من الذكاء الاصطناعي.
ويتكون النظام الخبير من 3 أجزاء رئيسية:
ولفظ الخبير مشتق من الخبرة ، وهو الشخص
المتمرس الذي مر بتجارب عديدة صقلت فهمه لمجال من المجالات وأغنت فكرة بمعلومات
اختص بها دون غيره ، وميزته عن أنداده من المختصين في المجال وبذلك استحق لفظ
خبير. وتهدف أنظمة الخبراء ( Expert Systems ) إلى تطوير برامج
محاسبية تستطيع تحليل الأحداث والمواقف في مجال من المجالات والوصول إلى نفس
الاستنتاجات أو النتائج التي يصل لها الخبير.
ويتم ذلك عن طريق استحداث نموذج محاسبي
يوازي النموذج الذهني الذي لدى الخبير وخزن المعلومات به ، وقد دلت الأبحاث على أن
المعلومات التي يستخدمها الخبير في عمله تنقسم إلى قسمين رئيسيين : الأول خاص
بالمعلومات الشائعة في هذا المجال مثل الحقائق والقوانين ( facts ) المتعرف عليها والمقبولة لجميع المختصين
( Heuristics ) التي يتميز بها الخبير عن غيره والتي قد تكون على شكل علاقة مثلا بين لون
البشرة ونسبة الكوليسترول في الدم ، أو الشكل الانسيابي لعينة صخرية ونسبة
الترسبات المعدنية فيها.
وهذه القوانين يستخلصها الخبير من التجارب
التي مر بها وتقوم بتوجيه بحثه ودراسته للحالة المعروضة عليه ومساعدته في الوصول
إلى النتائج المطلوبة ، وقد تختلفه هذه القوانين التخصصية من خبير إلى آخر.( عبد
النور ، 2005 : 269)
كانت الورقة العلمية التي تقدم بها
البروفيسور فايجنباوم ( faygenbaum ) خبير الذكاء الاصطناعي في
جامعة ستانفورد لمؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي لعام 1977 م أكبر الأثر في توجيه
هذا العلم الجديد ، فقد طرح البروفيسور فكرة أن قوة أنظمة الخبراء تنبع من المعرفة
Knowledge التي تختزنها وليس من قدرتها على تمثيل النماذج والقيام بعمليات استنتاجية
، ومن هذه النظرية ركزت الأبحاث الجديدة على استخلاص المعرفة من الخبراء عوضاً عن
التركيز على الطرق المختلفة للتمثيل والعمليات الاستنتاجية المعقدة ، وهما موضوعان
لم يتم تكوين نظريات متكاملة عنهما بعد وبالتالي فهما يعانيان من قصور في
تطبيقاتهما العملية.
ومن أوائل أنظمة الخبراء التي تطورت حتى
الآن نظام مايسن Mycin لتحليل وعلاج وأمراض الدم المعدية ، وقد طور هذا النظام في جامعة ستانفورد
حيث أحتوت قاعدة معلوماته على نحو ( 400 ) قانون تربط العوارض المحتملة للمرض
بالاستنتاجات الممكنة ، وقد قورنت النتائج المستخرجة من نظام مايسن في كثير من
تحليلاته على مستوى الأطباء الموجودين في اللجنة! .
( الهادي ، 2005 : 82)
ويعتبر نظام بروسبكتر Prospector أيضاً من أنجح
الأنظمة التي طورت حتى الآن حيث قام باكتشاف ترسبات معدن الموليبدنم -Molybdenum في ولاية واشنطن
بالولايات المتحدة الأماكن التي قرر الخبراء عدم جدوى البحث فيها ! وقد بلغت قيمة
هذا الاكتشاف نحو مائة مليون دولار أمريكي.
ومجال أنظمة الخبراء هو حديث الساعة في
مجال الذكاء الاصطناعي ، وذلك نظراً لكونها أنجح التطبيقات العملية لهذا العلم
الجديد ، وتوجد اليوم شركات عديدة تسوق مايسمى بقشرة أو هيكل النظام Expert Shells وهي أنظمة تسهل
عملية تمثيل النماذج المحاسبية وتخزن قوانينها ومن ثم إجراء الاستنتاجات عنها
بصورة آلية ، وبذلك يتم التركيز على استخلاص المعرفة من الخبير أو الخبراء ووضعها
في قوانين ( Rules ) تناسب وأسلوب عمل هيكل النظام المختار ، وتسمى هذه العملية بهندسة
المعرفة (Knowledge Engineering ) كما يسمى الذين
يقومون بها مهندسي المعرفة ( Knowledge Engineers ) ويوجد حالياً في
الأسواق هياكل أنظمة خبراء عديدة تختلف في نقاط تفوقها وضعفها وفي أسعارها ومجالات
تطبيقها ، كما ظهرت أخيراً هياكل أنظمة تعمل على الحاسب الشخصي وبأسعار مقبولة
نسبياً مما يشير إلى قرب وصول هذه الأنظمة إلى الأسواق التجارية بأسعار منافسة. (
السيد ، 2004 : 76)
ورغم النجاح الذي حققته كثير من هذه
الأنظمة فإنه يجب أن نتوخى الحذر وعدم التسليم لكل ما يخرج من هذه الأنظمة من
نتائج أو استنتاجات ، كما يجب الابتعاد عن الخوض في توقعات خيالية عن قدراتها.
والذي يجب توضيحه هو أن هذه الأنظمة لا يمكن أن تحل محل الخبير نهائياً ، وأنه على
الرغم من أن كثيراً من النتائج التي تتوصل لها الأنظمة تتطابق أو حتى تفوق النتائج
التي قد يصل لها الخبير إلا أن هذه الأنظمة تستخلص قوتها من التركيز على موضوع
معين ومحدود لمجال من المجالات وأنه كلما أتسع نطاق هذا الموضوع ضعفت قدرتها
الاستنتاجية والعكس صحيح. ومن ذلك فإن أنظمة الخبراء ذات فائدة كبيرة ما دامت
تستخدم في من قبل شخص مختص بموضوع مجال البحث ومطلع على الأساليب والتحاليل التي
يستخدمها النظام في الوصول إلى استنتاجاته ، وهي مفيدة في يد " أنصاف الخبراء
" ذوي المعرفة الجديدة للموضوع إلا أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية ، فمثلاً
إذا وضع نظام مثل نظام Reactor الذي يحلل أخطاء المفاعلات النووية في يد شخص
لايعرف عن المفاعلات النووية شيئاً وتصور هذا الشخص أنه بذلك أصبح خبيراً وبدأ
يعبث بالمفاتيح فإن النتائج سوف تكون خطيرة بلا شك.
ولأنظمة الخبراء مجالات معينة أثبتت
قدرتها فيه أكثر من غيرها فقد اشتهرت في التخطيط Planning وفي تحليل العوارض
وتحديد الأخطاء Diagnostics وفي التصميم Design وفي القيادة
والسيطرة Command and Control وغيرها من المجالات
المتخصصة التي تم فهم العمليات المطلوبة لها ، والتي تتناسب والقدرات التمثيلية
والاستنتاجية لهياكل الأنظمة المستخدمة ، نستنتج من كل ماتقدم أن أنظمة الخبراء أو
الأحرى نظم قواعد المعرفة Knowledge Base Systems كما يفضل كثير من
الباحثين تسميتها -
هي أنظمة جديدة ذات قدرات تفوق بمراحل قدرات الأنظمة الآلية
التقليدية حيث أن لها القدرة على الحصول على الاستنتاجات بمعلومات متناقضة وغير
مكتملة Incomplete and Inconsistent knowledge وهي بذلك تحاكي الخبراء والقادة العسكريين
الذين غالباً ما يتخذون القرارات تحت هذه الظروف ، وهي تقنية عملية مفيدة مادامت
تستخدم من قبل المختصين وطبقت في المجالات التي تتناسب مع حدود معرفتنا لقدراتها.
إرسال تعليق