مجال الملكية العامة ومصادرها
1- الأوقاف الخيرية:
واشترط الفقهاء أن يكون على فعل معروف أو بر، وإلا فهو باطل، والوقف الصحيح يزول عنه ملك الواقف، ويصير ملكاً جماعياً.
2- الحمى:
وهو أن يحمي الإمام جزءاً من الأرض الموات المباحة لمصلحة المسلمين دون أن تختص بفرد معين منهم، وبذلك تصبح هذه الأرض مملوكة ملكية عامة، ويمتنع أن تصبح كلها أو بعضها محلاً للملكية الخاصة.
وفي دولة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حمى -عليه الصلاة والسلام- أرض النقيع وجعلها لخيل المسلمين، وحمى عمر بن الخطاب أرضاً بالربذة، وجعل كلأها لفقراء المسلمين ترعى فيها ماشيتهم ومنع منها الأغنياء.
عندما تم فتح العراق والشام طالب المحاربون قسمة أراضي هذه البلاد عليهم تطبيقاً لحكم الغنائم، ورأى أمير المؤمنين عمر أن هذه الأراضي لا تأخذ حكم الغنائم، وبالتالي لا توزع على المحاربين، وإنما تبقى بأيدي أهلها وأيديهم عليها ليست يد ملك، ولكنها يد اختصاص أي أنهم يملكون المنفعة في نظير الخراج ولا يملكون الرقبة.
تكون الأرض للأمة -أي جماعة المسلمين-، وفي بيان الأسباب التي بنى عليها رأيه قال: "لو قسمت الأرض لم يبق لمن بعدكم شيء، فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض قد انقسمت وورثت عن الآباء وحيزت، ما هذا برأي، وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أرض الشام و العراق".
وهذا الرأي الذي وفق الله عمر إليه يتفق مع أحدث المبادئ في علم المالية العامة، وهو المبدأ القائل بأن مالية الدولة يجب أن تعتمد على مورد ثابت ومتجدد سنوياً، فمثل هذا المورد هو الذي يحقق الاستقرار الاقتصادي للدولة ويمكنها من التخطيط بنجاح لاقتصادها.
3- الحاجات الأساسية كالماء والكلأ والنار:
لأنها حاجات ضرورية وجدت دون مجهود يقدمه الفرد لاستخراجها، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((المسلمون شركاء في ثلاثة: في الماء والكلأ والنار))، وأضاف في حديث آخر: ((الملح)) [أخرجه أحمد وأبو داود].
والناظر في هذه الأشياء الأربعة يجد أنه يجمع بينها أنها من الأشياء التي كانت ضرورية لجميع الناس في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأنه لا يتوقف وجودها ولا الانتفاع بها على مجهود خاص.
وإذا كانت الضرورات في حياة الناس تختلف باختلاف الزمان وباختلاف المجتمعات، فإنه لا يوجد ما يمنع من أن يقاس على هذه الأشياء الأربعة أشياء أخرى تتوافر فيها صفاتها، وهذا ما فعله الأئمة المجتهدون في الأمة الإسلامية عندما قاسوا على هذه الأشياء أموراً أخرى من أهمها المعادن سواء أكانت صلبة أم سائلة والنفط (البترول) والقار والكبريت والياقوت وأشياء أخرى كثيرة كمشارع الماء، وطرقات المسلمين، وحدائقهم، وجميع ما خصص للمرافق العامة من مدارس، ومساجد.
4- المعادن:
ما أودع الله في هذه الأرض من مواد برية، وبحرية ظاهرة أو باطنة لينتفع بها الناس من حديد، ونحاس، وبترول، وذهب، وفضة، وملح، وغير ذلك وتكون ملكية المعادن جماعية إذا وجدت في أرض ليست مملوكة لأحد، أو كانت ظاهرة على باطن الأرض.
5- الزكاة:
إن الزكاة لتعد من المصادر الثابتة لبيت مال المسلمين؛ إذ يتجدد منها العطاء المستمر في كل عام مشاركة من الأغنياء للدولة المسلمة في تحملها أعباء الحياة من تأليف القلوب، وتثبيتها على الإسلام والولاء له، ولأهله، ومساعدتها كذلك على أداء الفريضة المحكمة الباقية إلى يوم الدين، وهي الجهاد، لإعلاء الدين وتشجيع الغارمين في سبيل الله.
6- الجزية:
وهي الأموال التي تؤخذ من البالغين من رجال أهل الذمة، والمجوس، إذ أن أمواله لا زكاة عليها، وإذا أسلم سقطت عنه وأخذت منه الزكاة.
والجزية مصدر من مصادر الملكية العامة، وهي لا تجب إلا مرة في السنة مراعىً فيها العدل، وهي غير مقدرة، بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان.
7- الخراج:
وهو المال الذي يجبى، ويؤتى به لأوقات محددة من الأرض التي ظهر عليها المسلمون من الكفار، أو تركوها في أيديهم بعد مصالحتهم عليها.
والأرض المملوكة لغير المسلمين لا يؤخذ منها زكاة، فاكتفي بالخراج بدلاً من ذلك.
8- خمس الغنائم:
ويلحق به خمس ما يعثر عليه في باطن الأرض من المعادن، والركاز، سواء أكان جزءاً من الأرض أم مدفوناً في باطنها بفعل الإنسان، وهو غير مملوك لأحد، أُخذ خمسه لبيت مال المسلمين، ويترك أربعة أخماسه لواجده.
9- الأموال التي لا مالك لها:
مثل تركة من لا وارث له، والودائع والأموال السائبة التي لا يعرف مالكوها، ويلحق بذلك الأموال التي دفعت عن طريق الرشوة؛ إذ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر ابن اللتبية برد الهدايا إلى أربابها.
10- استثمار الملكية العامة:
ما تقوم به الدولة من استثمارات متنوعة في المجال الصناعي كصناعة الحديد والصلب، والأسلحة، أو ما يشتق من البترول، والاستثمار في المجال الزراعي، أو الخطوط الجوية أو السكك الحديدية أو المشاركة في أسهم الشركات العالمية من خلال أنشطتها المختلفة، فما يستثمر منها أو يباع فنتاجه لبيت مال المسلمين.
11- العشور المأخوذة من مال الحربيين:
إذا دخل إلينا تاجر حربي بأمان أخذ منه العشر عن كل مال للتجارة وجعل في بيت مال المسلمين.
تقييد الملكية العامة:
والملكية العامة شأنها شأن الملكية الخاصة مقيدة بقيود الشريعة، ومن ثم لا تملك الحكومة الإسلامية إنفاق هذه الأموال في غير وجوهها المبينة شرعاً، فعلى سبيل المثال فإن الحكومة الإسلامية لا تملك إنفاق حصيلة الزكاة إلا في مصارفها التي حددتها الآية.
ويجوز لولي الأمر أن يخصص الملكية الجماعية، ويقيد الانتفاع بها لفئة مخصوصة إذا اقتضى ذلك الصالح العام، وقد فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين احتجز جانباً من أرض الكلأ المبـاحة للجميـع في منطقة (النقيع) وجعلها خاصة لخيل الجيش وإبله.
وخلاصة الأمر في ذلك أن الملكية العامة شأنها شأن الملكية الخاصة مقيدة وليست مطلقة.

Post a Comment

أحدث أقدم