أهداف الاقتصاد الإسلامي
من خلال تتبع النصوص الشرعية حاول المختصون في الاقتصاد الإسلامي تحديد مجموعة من الأهداف وسنتحدث بإيجاز عن أبرز هذه الأهداف:
الهدف الأول: كفالة مستوى معيشي مناسب لكل فرد من أفراد المجتمع.
رغم أن رسول الله  والخلفاء الراشدين من بعده كانوا يوزعون المخصصات من بيت المال على سائر أفراد المجتمع المسلم ذكورا وإناثا,إلا إن مسؤولية توفير مستوى معيشي مناسب للفرد يقع ابتداءً على عاتق الفرد ذاته,لأن موارد الدولة قد لا تكون كافية لإشباع كافة احتياجات أبناء المجتمع المسلم,ولذا فإن الواجب على الفرد أن يعمل وإذا احتاج لأي سبب ما إما لمرض أو شيخوخة أو لعدم توفر فرص العمل فتقع مسؤولية القيام بشؤونه على من يحيط به من قرابته ثم بيت مال الزكاة ثم بيت المال بعمومه.
والمستوى المناسب للمعيشة:هو مستوى الكفاية لا الكفاف, وهو كما قال الشاطبي:"يختلف باختلاف الساعات والأحوال"ومع ذلك لا يمكن تجاهل دور الدولة في تأمين فرص العمل وتهيئة الأفراد بالتعليم والتدريب،وكان بعض الناس على عهد رسول الله r ينزل حاجته في بيت المال (كالرجل الذي جاء إلى رسول الله r فقال:إني تزوجت من بني فلان,قال الرسول r على كم تزوجتها؟ قال:على أربعة أواق,فكأنما غضب رسول الله r قال: كأنما تنحتون الذهب من عرض هذا الجبل,ما عندنا
ما نعطيك,عسى أن نبعثك في بعث فتصيب منه) .
أما إذا كان عاملاً للدولة فإن الرسول r حدد له ثلاث حاجات أساسية
قال رسول الله r:(من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة فإن لم يكن له خادما فليكتسب خادما فإن لم يكن له مسكن فليكتسب له مسكنا وما جاوز ذلك فهو غلو)
الهدف الثاني:إعلاء شأن الأمة الإسلامية وحيازة القوة الاقتصادية:
يدعو الإسلام أتباعه إلى الأخذ بأسباب القوة سواء كانت قوة عسكرية أو إلا إن القوة الاقتصادية سبب رئيس لحيازة القوة العسكرية,وبالتالي فهما قوتان متلازمتان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،فواجب الأمة الإسلامية أن تسعى إلى حيازة القوة الاقتصادية التي تغنيها عن الآخرين ولا تجعلها تحت رحمة الأعداء أو الدول التي لا تدوم صداقتها وشتان بين موارد مالية لا تتحقق إلا بالذل والخنوع وهدر الكرامة وبين موارد مالية تحققها الأمة وهي عزيزة منيعة مرفوعة الرأس
الهدف الثالث: تخفيف التفاوت في الدخل والثروة:
إن مبدأ اختلاف الناس في دخلهم وثرواتهم لا اعتراض عليه فالناس يختلفون في قدراتهم العقلية والجسمية وما قدره الله لهم من أرزاق,ومع هذا فقد جاء الإسلام بالكثير من التشريعات التي تهدف إلى تخفيف حدة التفاوت في الدخل والثروة بين أبناء المجتمع المسلم, وقد جاءت الزكاة في مقدمة هذه التشريعات كركن من أركان الإسلام, ومن أهم مصارفها الفقراء والمساكين, وقد قال رسول الله  rلمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن:(وأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)كما قال الله تعالى في سورة الحشر: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } ورغّب الله تعالى في البذل والإنفاق التطوعي,ورتّب للمنفقين في سبيله الأجور العظيمة,وفي المقابل توعد الذين يصل بهم البخل إلى منع حق الله في المال وعدم المساهمة في رعاية وإشباع حاجات أساسية للفقراء والمساكين قال الله تعالى:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ}
تثبيت الإيمان في النفوس ونشر رسالة الإسلام:
إن أهداف النظام الاقتصادي في الإسلام لا تقتصر على الأهداف ذات الطابع المادي أو الدنيوي والتي ذكرناها آنفا؛بل تجاوز ذلك إلى السعي إلى نشر الإسلام وتثبيت الإيمان في النفوس,لقول الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ(73) وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (74) وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ(75) وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ (76)إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} القصص.
ففي هذه الآية قدم الله تعالى الإنفاق في سبيله على أوجه الإنفاق الدنيوية,وقد سجل لنا التاريخ الإسلامي كيف كان المسلمون يتنافسون في بذل أموالهم في أوجه الخير والإنفاق في سبيل الله عندما جاء عمر بن الخطاب t بنصف ماله وجد أن أبا بكر t قد بذل ماله كله.
وفي قصة سليمان  uمع بلقيس ملكة سبأ إيضاح لهذا الأمر؛ فالسياق القرآني يوحي بأنها جاءت لتعلن إسلامها خوفا لا اقتناعا فأراد سليمان تثبيت الإيمان في نفسها فأقام صرحا من الزجاج فوق الماء, قال تعالى :{ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}سبأ.
فبلقيس لم تكن تؤمن إلا بما تراه العين فهي تسجد للشمس من دون الله قبل أن تدخل الإسلام إلا إن هذا الصرح قلب لديها الموازين فلما طلب منها الدخول كشفت عن ساقيها لماذا؟لأنها رأت الماء ولم ترى الزجاج,فأُخبرت أنه صرح ممرد من قوارير عندها أدركت أن ليس كل مالا تراه العين غير موجود فبالتالي فإن عدم قدرة البشر على رؤية الله لا يعني عدم وجوده{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(44)}القصص .
كما أن الله سبحانه وتعالى جعل في الزكاة نصيبا للمؤلفة قلوبهم وهم ليسوا من المسلمين،جعل لهم نصيبا من الزكاة لتأليف قلوبهم وترغيبهم في الإسلام,إذا من أهداف الاقتصاد الإسلامي تثبيت الإيمان في النفوس ونشر رسالة الإسلام .

Post a Comment

Previous Post Next Post