الإنجاب والولادة
عند نهاية فترة الحمل، تخرج أجنّة الثدييات إلى العالم بطريقة تسمّى الإنجاب. تُنجب إناث الثدييات في كلّ مرّة بين فرد نسل واحد وحتّى عدّة أفراد نسل.
أبناء البشر يأتون إلى الدنيا بالولادة. يولد عادةً طفل واحد، لكن أحيانًا يولد توأمان، وفي حالات نادرة أكثر من توأمين- ثلاثة توائم وحتّى أربعة توائم.

بقاء الأجنّة وأفراد النسل على قيد الحياة
تتعرّض أفراد النسل في الطبيعة لأخطار كثيرة. كلّ ما يمكنه أن يصيب البيض أو أفراد النسل الحديثة السنّ يعتبر خطرًا يهدّد الجيل القادم: أضرار الطقس والنقص في الغذاء وهدم منطقة المعيشة والمفترِسات وغيرها. إذًا، كيف تنجح الأجنّة وأفراد النسل في البقاء على قيد الحياة؟
في سياق تربية أفراد النسل، نميّز بين إستراتيجيتين معيشيتين: الأولى تسمّى إستراتيجية r، وهي تميّز عددًا كبيرًا من أفراد النسل، التي أبواها لا يعتنيان بها. لدى الحيوانات التي تميّزها هذه الإستراتيجية، معظم أفراد النسل لا تنجح في البقاء، لكن يكفي أن يبقى عدد قليل (وتنجب أفراد نسل) لاستمرار وجود النوع. الإستراتيجية الثانية تسمّى إستراتيجية k، وهي تميّز عددًا قليلاً من أفراد النسل، لكن في هذه الحالة الأبوان (أو بالغون آخرون) يعتنيان بها. بفضل الجهد الكبير الذي يبذله الأبوان في حماية أفراد النسل وفي العناية بها لفترة طويلة، تنجح معظم أفراد النسل (التي هي قليلة أصلاً) في البقاء، وهي التي تؤدّي إلى استمرار وجود النوع.
الإستراتيجية التي تخلو من العناية الأبوية تميّز في الأساس الأنواع الأقلّ تطوّرًا: معظم أنواع اللافقاريات (كالحشرات والشعاب المرجانية والديدان والحلزونات وقناديل البحر)، ومعظم الأسماك ومعظم البرمائيات والزواحف، والأنواع التي تضع البيض ثمّ تتركها فورًا بدون رقابة. يُفترَس الكثير من البيض أو يجفّ، وإذا فقست أفراد نسل منها، يُفترَس بعضها أو يجفّ أو تموت من الجوع أو تتجمّد من البرد. لكن، كما أسلفنا، يكفي أن يبقى عدد قليل نسبيًا من البيض وأفراد النسل حتّى يستمرّ وجود النوع.
الإستراتيجية التي تتضمّن عناية أبوية تميّز في الأساس مخلوقات من فئة الطيور ومن فئة الثدييات. في هذه الأنواع الرقابة على الجيل القادم تبدأ منذ كون أفراد النسل أجنّة، وتستمرّ بعد خروجها إلى العالم. ترقد الطيور على البيض الذي وضعته، وبذلك تحميه من المفترِسات وكذلك توفّر للأجنّة درجة الحرارة الثابتة التي تلائم تطوّرها. بعد الفقس أيضًا يستمرّ الأبوان في العناية بأفراد نسلهما.
تقدّم الثدييات لأفراد نسلها عناية مخلصة للغاية. عندما تكون أجنّة، تتطوّر داخل جسم الأمّ المحميّ والدافئ والمغذّي. عندما تكون جراءً حديثة السنّ تحصل منها على الغذاء (ترضع الحليب من أثدائها، ومن هنا جاء اسمها)، وكذلك في المراحل اللاحقة من نموّها، تحوز أفراد النسل على رقابة وتتعلّم من الأبوين السلوكيات الضرورية لبقائها.
العناية التي تستمرّ لأطول وقت تميّز النوع البشري. تشمل العناية تزويد الاحتياجات الجسدية والنفسية وكذلك عمليات تعليم- تعلّم طويلة.
من المثير للاهتمام فحص العناية الأبوية لدى الطيور التي تعتني بالأفراخ، بالمقارنة مع الطيور التي تعتني بالصيصان.
الفرخ هو فرد نسل يفقس من البيضة أعمى وعاريًا وبلا حيلة. تتعلّق الأفراخ كلّيًا بأبويها، التي تُطعمها وتدفئها وتحافظ عليها. الصوص يفقس من البيضة مفتوح العينين، ومغطًّى بالزغب. وهو أكثر استقلالية من الفرخ: بعد وقت قصير من الفقس يخطو خلف أبويه، ويستطيع التقاط غذائه بقواه الذاتية، وفي بعض الأحيان فقط يحصل على التدفئة والحماية من أبويه.
أبوا الأفراخ يضعان البيض في أماكن يصعب الوصول إليها: على الأشجار (معظم العصافير المغرّدة واللقالق والحمام) أو على المرتفعات الصخرية (النسور وحمام الصخور). بهذه الطريقة تحمي البيض والأفراخ من المفترِسات. لهذا السبب عدد البيض الذي تضعه قليل نسبيًا. أبوا الصيصان (البطّ والإوزّ والحجل)، لا يضعان البيض في أماكن عالية (تتراكض الصيصان مباشرةً بعد فقسها من البيض، ويمكنها السقوط إلى الأسفل والتعرّض للإصابات). لهذا السبب معظمها يضع البيض على الأرض. إلاّ أنّ البيض وأفراد النسل على الأرض تتعرّض لأخطار كثيرة كالافتراس، ولذلك عدد البيض الذي يوضع يكون أكبر.
التطوّر بطريقة التحوّر عند البرمائيات والحشرات
لدى حيوانات كثيرة تكون أفراد النسل مشابهة جدًّا للأبوين. أحيانًا تكون ألوان جسمها مختلفة عن الأبوين، وأحيانًا ليس لديها قرنان مثل الأبوين، لكن يكفي النظر إلى أفراد النسل نظرة خاطفة لمعرفة أبويها. مقابل ذلك، لدى أنواع أخرى أفراد النسل لا تشبه الأبوين بتاتًا: ليس في شكلها ولا في غذائها ولا في بيئتها الحياتية. هذا التطوّر لأفراد النسل، الذي يتغيّر فيه شكل الجسم والغذاء الذي تتناوله، وأحيانًا تتغيّر أيضًا البيئة الحياتية، يسمّى التحوّر. أكثر أمثلة معروفة لحيوانات تتطوّر بطريقة التحوّر هي البرمائيات والحشرات.
تحوّر الحشرات
تتطوّر جميع الحشرات بطريقة التحوّر، جزء منها بطريقة التحوّر الكامل والجزء الآخر- بالتحوّر الجزئي. أمثلة للحشرات التي تتطوّر بطريقة التحوّر الكامل: الفراش، الذباب، الخنافس، البعوض، اليعسوب. تتضمّن دورة حياة هذه الحشرات أربع مراحل: بيضة، يرقة، شرنقة، بالغ. اليرقة التي تفقس من البيضة تقضي معظم وقتها في الأكل فيكبر جسمها، حتّى تتوقّف اليرقة عن الأكل في مرحلة معيّنة، وتتغلّف بما يشبه العلبة. هذه هي مرحلة الشرنقة. الناظر إلى الشرنقة يراها جامدة، لكن داخل "العلبة" تطرأ تغيّرات كبيرة، تخرج في نهايتها حشرة بالغة ذات أجنحة. الحشرة البالغة تختلف عن اليرقة التي فقست من البيضة في شكلها الخارجي وفي بيئتها الحياتية وفي غذائها. الحشرة البالغة فقط يمكنها التكاثر.
على سبيل المثال، تفقس اليرقات عند اليعسوب من البيض الذي تمّ وضعه في الماء، وهناك تنمو وتتحوّل إلى شرانق. الحشرات البالغة التي تخرج من الشرانق، تترك الماء وتطير في الهواء، حيث تجد قرينها، وبعد الإخصاب تضع الأنثى البيض في الماء. لذلك يرقة اليعسوب لا تشبه الحشرة البالغة: ليس في شكلها ولا في غذائها ولا في بيئتها الحياتية.
أمثلة لحشرات تتطوّر بالتحوّر الجزئي: الجراد الزاحف، الجنادب، فرس النبي. تتضمّن دورة حياة هذه الحشرات ثلاث مراحل: البيضة واليرقة والبالغ. يفقس من البيضة فرد نسل يشبه البالغ، لكنّه أصغر وعديم الأجنحة وأعضاؤه التناسلية غير ناضجة. يسمّى فرد النسل هذا حورية. مع مرور الزمن تكبر الحورية وتتحوّل إلى بالغ: ينمّي أجنحة وأعضاءً تناسلية يمكنها القيام بوظائفها.
ملاحظة: الحشرات عديمة الأجنحة لا تمرّ بتحوّر. تتطوّر بطريقة بسيطة: الصغار تتحوّل إلى كبار.    

تحوّر البرمائيات
يتبع الضفدع والعلجوم للبرمائيات، التي تتطوّر بطريقة التحوّر. مراحل التطوّر هي: البيضة، الشرغوف، البالغ. تبدأ البرمائيات حياتها في الماء كشراغيف، بينما تعيش البالغة منها على اليابسة وفي الماء أيضًا. على سبيل المثال، لدى الضفدع، تفقس من البيض شراغيف، تشبه الأسماك الصغيرة أكثر ممّا تشبه الضفادع الصغيرة: تكون عديمة الأطراف وذات ذنب وتتنفّس بواسطة الخياشيم. الشراغيف نباتية. خلال تطوّرها، تتطوّر الأطراف ويقصر الذنب حتّى يختفي، وتتطوّر رئتان مكان الخياشيم. بعد حوالي ستّة أسابيع من فقسه، يتطوّر الشرغوف النباتي الذي يسبح في الماء إلى ضفدع يفترس الحشرات التي تعيش على اليابسة. الضفادع البالغة فقط هي التي يمكنها التكاثر.
التكنولوجيات التي تُستعمل لمتابعة تطوّر الجنين البشري
في أيّامنا، بفضل التطوّر التكنولوجي الحديث، يمكن متابعة تطوّر الجنين. الأولترا ساوند، الذي يعمل بواسطة الأمواج الصوتية، يمكّن مشاهدة تفاصيل الجنين: فحص أنّ التطوّر سليم وأنّ الأطراف كاملة، وحتّى معرفة جنسه. يمكّن فحص ماء السّلى فحص مادّة الجنين الوراثية: الكروموسومات التي في خلاياه (الكروموسومات المصابة تدلّ على عيوب وعلى أمراض مختلفة يمكن منعها) وفحص الجينات التي تحمل الأمراض. يمكن أيضًا في فحص ماء السّلى معرفة الجنس بصورة مؤكّدة.
في بعض الأحيان يولد الأطفال قبل إتمام تطوّرهم داخل الرحم (أي قبل أن أتمّوا تسعة أشهر الحمل)، وعندها يسمّون خدائج. يمكن القول إنّ الخدائج هم أجنّة موجودة خارج الرحم. في مثل هذه الحالات يساعدون الخدائج على إتمام تطوّرهم داخل جهاز حضانة الخدائج، يوفّر لهم درجة حرارة ورطوبة ملائمة وحماية من التلوّثات. يحصل الخدائج أيضًا على تغذية ملائمة وإذا دعت الحاجة يساعدونهم في التنفّس.
جنين النبتة
تتطوّر أجنّة النباتات كأجنّة الحيوانات من اللاقحة في عمليتين: انقسام الخلايا وتمايزها. تنقسم خلايا الجنين وتتنظّم في مجموعات، وتغيّر شكلها "وتتخصّص" في وظائفها الخاصّة. كأجنّة الحيوانات، أجنّة النباتات أيضًا تحتاج إلى الشروط الملائمة لمعيشتها: موادّ غذائية وماء وأوكسجين للتنفّس وحماية من الأخطار المختلفة (الإصابة والافتراس والجفاف). كيف تتحقّق هذه الشروط في النبتة؟
تتطوّر أجنّة النباتات داخل جسم الأمّ- داخل مبيض الزهرة، حيث حدث الإخصاب. بعد الإخصاب، تتطوّر البويضة المخصبة إلى بذرة يوجد داخلها جنين وموادّ غذائية. يتطوّر غلاف البويضة إلى قشرة البذرة. في نفس الوقت، يتطوّر المبيض إلى ثمرة، تغلّف البذور. لهذا السبب، تتمتّع أجنّة النباتات بحماية مضاعفة: بواسطة البذرة التي تتواجد داخلها وبواسطة الثمرة التي تتواجد البذور فيها.
تطوّر الجنين في النبتة، كتطوّر الجنين في الحيوانات، يتطلّب بيئة رطبة. هذه البيئة موجودة في مبيض الزهرة. لكن ليس كما في الحيوانات، في نهاية تطوّره، "لا يولد" جنين النبتة ويعيش حياة مستقلّة، وإنّما يدخل في "سبات"؛ كمّية الماء في البذرة تنخفض إلى حدّ تتوقّف فيه العمليات الحياتية تقريبًا؛ ويتوقّف انقسام الخلايا، ووتيرة التنفّس تتباطأ بمدى كبير. الجنين "الذي في السبات" يستهلك كمّية قليلة فقط من الموادّ والطاقة، ويحصل عليها من المخزون الغذائي الذي في البذرة. هناك أنواع من النباتات التي تستطيع بذورها أن تظلّ في سبات زمنًا متواصلاً جدًّا (حتّى عشرات السنين).
البذور (والجنين الذي في كلّ واحدة منها) تنفصل عن النبتة وتنتشر في المنطقة. هذه هي مرحلة نشر البذور. نشر البذور (الذي يكون أحيانًا لمسافات بعيدة) يتمّ بواسطة الرياح والماء والحيوانات المختلفة أو بواسطة آليات للنشر الذاتي. معظم البذور لا تنجح في الإنبات في البيئة الجديدة التي وصلت إليها لأنّها تفتقر للشروط الملائمة للإنبات (وعندئذ تجفّ كمّية كبيرة منها وتموت الأجنّة التي داخلها) أو بسبب الأخطار التي تتهدّدها (الحيوانات التي تأكلها أو الحرائق). لذلك (كما هي الحال في الحيوانات التي لا تحوز على عناية أبوية)، تُنتِج النباتات كمّيات كبيرة من البذور. البذور القليلة التي تنجح في البقاء و الإنبات والنموّ والتكاثر، هي تلك التي تؤدّي إلى استمرار النوع.
ما هي الشروط الملائمة للإنبات؟
يتعلّق الإنبات بعدّة عوامل بيئية، منها: كمّية الماء المتوافرة في التربة، درجة الحرارة، مدى الإضاءة، كمّية الأوكسجين في التربة.
تحتاج جميع البذور إلى الماء وإلى الأوكسجين في عملية الإنبات. يمكن أن يحدث الإنبات في مجال درجات حرارة محدّدة، يختلف من نوع إلى آخر من النباتات. على سبيل المثال، بذور القمح يمكنها الإنبات في درجات حرارة 3-43 درجة مئوية، بينما بذور الشمّام يمكنها الإنبات في درجات حرارة 16-50 درجة مئوية. تأثير الضوء على الإنبات أيضًا يختلف من نوع إلى آخر: هناك أنواع لا تبالي بالضوء (لا تحتاج إلى شروط إضاءة خاصّة) كالقمح؛ وهناك أنواع تحتاج إلى الضوء كمعظم النباتات التي يزرعها الإنسان ويحسّنها، وهناك أنواع تحتاج بالذات إلى الظلام، والضوء يعيق نبتها كالنرجس البحري.
تبدأ عملية الإنبات عندما تستوعب البذرة الماء وتنتفخ. يتجدّد انقسام خلايا الجنين الذي في البذرة بوتيرة كاملة، وتنبت. خلال تطوّر الجنين على بادرة، يتغذّى من المخزن الغذائي الموجود داخل البذرة. لذلك وظيفة المخزن الغذائي الذي في بذرة النبتة تشبه وظيفة المخزن الغذائي الذي في البيضة (عند الحيوانات): يستغلّه الجنين حتّى يصل إلى المرحلة التي يستطيع فيها فرد النسل الصغير إنتاج غذائه بنفسه (في النباتات- حتّى يبدأ في القيام بالتركيب الضوئي) أو تناول الأكل (في الحيوانات). 

Post a Comment

Previous Post Next Post