الـنـّظـريـة الانـفـصـالـيّـة :
إذا كـانـت الـنـّظـريـة الـوضـعـيـة لأوغـوسـت
كـونـت مـبـنـيـّة عـلـى أسـاس تـطـوري، بـمـعـنـى أن الـفـكـر يـتـطـّور مـن
الـحـالـة الـمـاورائـيـة إلـى
الـحـالـة
الـوضـعـيـة، وإقـرار الاتـصـال بـيـن الـمـراحـل، فـإن غـاسـتـون بـاشـلار يـرى ثـلاث حـالات لـثـلاث مـراحـل.
إن الانـتـقـال مـن الـحـالـة الـلاّهـوتـيـة
إلـى الـحـالـة الـمـيـتـافـيـزيـقـيـة يـسـتـدعـي تـفـطـن الـفـكـر وتـنـبـّهـه
لـلأخـطـاء الـتـي ارتـكـبـهـا فـي تـفـسـيـره الـسـابـق، وكـذلـك بـالـنـسـبـة
لـلانـتـقـال مـن الـحـالـة الـمـاورائـيـة إلـى الـحـالـة الـوضـعـيـة، الـفـكـر
أدرك الأخـطـاء، أي وصـل إلـى وعـي حـالـتـه الـسـابـقـة، أي عـلـم وصـل إلـى
مـرحـلـة الـنـضـج، فـهـو عـلـم اسـتـهـلـك كـل الـقـطـيـعـة بـيـن حـالـتـه
الـسـابـقـة وحـالـتـه الـراهـنـة. فـتـاريـخ الـعـلـم لـيـس تـطـوراً تـاريـخـيـا
فـحـسـب إنـه تـطـور سـيـاق الأفـكـار، تـاريــخ وعـي الإنـسـانـيـة لأخـطـائـهـا
وحـتـى فـي الـحـالـة الـوضـعـيـة، يـتـطـور الـعـلـم بـالـقـطـيـعـة وهـي وعـي
الأخـطـاء الـتـي ارتـكـبـهـا الـعـلـمـاء، فـالـعـلـم لا يـتـطـور بـاكـتـشـاف
الـمـعـارف وإنـمـا بـاكـتـشـاف الأخـطـاء فـي الـمـعـارف وتـفـاديـهـا، قـطـع
الـصـلـة بـهـا.
وهـكـذا يـصـبـح تـاريـخ الـعـلـوم عـنـد
بـاشـلار تـاريـخـاً لـفـشـل الـعـقـلانـيـة، أي تـاريـخ عـوائـق
ابـسـتـمـولـوجـيـة وهـي الـعـراقـيـل الـتـي حـالـت دون الـوصـول إلـى حـقـائـق
عـلـمـيـة مـوضـوعـيـة الابـسـتـمـولـوجـي عـنـد بـاشـلار هـو الـذي يـتـفـلـسـف
فـي تـاريـخ الـعـلـوم قـصـد كـشـف الـعـوائـق وبـالـتـالـي الارتـقـاء بـوعـي
الـفـكـر.
مـنـافـشـة الـنـّظـريـة الانـفـصـالـيـّة :
إن طـريـقـة الـبـحـث الابـسـتـمـولـوجـي الـتـي
سـلـكـهـا بـاشـلار ويـقـتـرحـهـا فـي نـفـس الـوقـت، هـي طـريـقـة تـاريـخـيـة
نـقـديـة فـي مـيـدان تـطـوّر الـعـلـوم.
بـالـفـعـل الـكـثـيـر مـن الـنـّظـريـات
الـعـلـميـّة تـولّـدت نـتـيـجـة رفـض نـظـريـات أخـرى كـمـا هـو الـحـال فـي
الـنـّظـريـة الـتـمـوّجـيـة الـمـتـولـدة نـتـيـجـة رفـض نـظـريـة الإصـدار، إلاّ
أن هذا الـحـكـم لـيـس عـامـا إنـه نـسـبـي، فـي مـيـدان الـرّيـاضـيـات يـتـبـيـن
الـتـواصـل هـنـاك فـي بـنـاء الـنـّظـريـات الـرّيـاضـيـة. هـذا الـبـنـاء
يـتـمـثـل فـي الـتـّفـكـيـر وفـي الـمـوضـوعـات الـرّيـاضـيـة ذاتـهـا، فـأيـن
الـقـطـيـعـة ؟ وكـذلـك فـي مـيـدان الـمـنـطـق الـمـعـاصـر. إن فـكـرة
الـقـطـيـعـة الـتـامـة مـسـتـبـعـدة كـمـا بـيـّن مـايـرسـون Meyerson فـي
كـتـابـه " تـواصـل الـتـّفـكـيـر " وجـود احـتـفـاظ حـتـى بـيـن
الـتـّفـكـيـر الـعـلـمـي، والـتـّفـكـيـر الـتـلـقـائـي.
إرسال تعليق