إنسان التربية
الإنسان الذي تتطلَّع
نظريات التربية إلى إخراجه هو الذي يقوم بالعمل الصالح كاملاً، والسؤال الذي يطرح
نفسه: كيف تعمل التربية على إخراج الإنسان الصالح الذي يقوم بالعمل المشار إليه؟
للإجابة عن هذا السؤال
لا بُدَّ من أمرين: الأول: تعريف العمل، والثاني: كيف يتولد العمل؟
أما عن الأمر الأول
فإن التربية
الإسلامية تطلق اسم "العمل" على كل حركة مقرونة بهدف: ((إنما
الأعمال بالنيات))، ولما كان الهدف خاصًّا بالإنسان فقد أطلق على أعماله اسم (العمل)،
أما الحركات غير الهادفة كحركة الشمس والقمر والرياح، فقد سماها جريانًا.
والعمل هو ثمرة عدد
معين من العمليات التربوية التي تتكامل حسب نسَق معين يمكن أن نوجزه في المعادلات
التالية:
القدرة التسخيرية: هي ثمرة تزاوج القدرات العقلية مع الخبرات
المربية؛ أي: إن القدرة التسخيرية تتولد من خلال النظر العقلي السليم في تاريخ
الأفكار والأشخاص والأشياء؛ بغية اكتشاف قوانينها، ثم الاستفادة من هذه القوانين
لتسخيرها والانتفاع بها.
الإرادة العازمة: تعرف الإرادة بأنها قوة التوجُّه نحو الهدف
المراد، وهي ثمرة تزاوج القدرات العقلية مع المثَل الأعلى؛ أي: إن الإرادة تتولد
من خلال النظر السليم في مستويات المثَل الأعلى، التي تتضمَّن نماذج الحاجات التي
تجلب للإنسان النفع أو تدفع عنه الضرر.
القدرات العقلية: في الإنسان قدرات عقلية كامنة يستطيع من خلالها
تدبير أمور معاشه، والتعرُّف على الكون المحيط بمكوناته والبيئة المحيطة بأحداثها،
وتتفاوت القدرات العقلية قوة وضعفًا طبقًا لأنظمة التربية ومتغيرات البيئة، فقد
تقوى حتى تخترق الكون الكبير، فتتعرف على مكوناته وعلى أسرار قوانينه، ثم تسخر هذه
المكونات والقوانين حسب الأهداف والحاجات التي يتوجه إليها صاحب هذه القدرات، وقد
تضعف هذه القدرات العقلية حتى يعجز الإنسان عن فهم ما يجري في بيئته البيتية
والإقليمية المحدودة، فيسخره الكون وتتقاذفه الأحداث والأهواء، وقد تنطفئ هذه
القدرات حتى لا يعود الإنسان يعرف من أمره شيئًا.
والتربية بمدلولها
الواسع وبمؤسساتها المتكاملة هي المسؤولة عن دراسة هذه القدرات العقلية الهائلة
وتنميتها، وتشير البحوث المعاصرة إلى أن كل ما أنتجه الإنسان من حضارات وعلوم إنما
هو نتاج 10% من قدرات الإنسان العقلية، وأنه إذا أتيح له أن يستعمل 50% (خمسين
بالمائة) من هذه القدرات، فسوف يستطيع المتعلم أن يتعلم (40) أربعين لغة، وأن يدرس
في فصل واحد في عشرات الكليات"[2].
المثل الأعلى: يعرف بأنه نموذج الحياة المعنوية والمادية التي
يراد للإنسان المتعلم أن يحياها، وللأمة أن تعيش طبقًا لها، في ضوء علاقات كل
منهما بالمنشأ والكون والإنسان والحياة والمصير.
والمثل الأعلى يمدُّ
الإنسان المتعلم بالأهداف التي يعيش من أجلها، ويمنح الأمة مبررات وجودها، وينقسم
المثَل الأعلى إلى ثلاثة مستويات هي:
المستوى الأعلى: وهدفه
الارتقاء بالنوع الإنساني.
والمستوى المتوسط:
وهدفه بقاء النوع الإنساني.
والمستوى الأدنى:
وهدفه تلبية حاجات الجسد البشري.
ويطلق القرآن الكريم
على المثَل الأعلى المتضمن في آياته اسم "المثَل الأعلى"، وعلى ما تفرزه
عقول غير المؤمنين اسم "المثل السوء"، ويتوعَّدهم بالفشل والعذاب.
الخبرات المربية: الخبرة هي عمل وأثر، ولا بُدَّ من تكامل الاثنين
وحصولهما، فإذا حصل العمل ولم يترك أثرًا في نفس الإنسان وحياته لا يسمى خبرة،
والأثر له مستويان: مستوى مادي، وهو ما يحدث في حياة الإنسان من تقدُّم حضاري في
أدوات الحياة مثل خبرة نيوتن، ومستوى معنوي وهو ما يتكوَّن لدى الإنسان من وعْي
بمقاصد الحياة وغاياتها، مثل خبرات الأنبياء والمصلحين"[3].
إرسال تعليق