الريادة المنظمية
توصف منظمات الاعمال بانهاريادية في بيئتها عندما تتسم بخصائصالريادة والمتمثلة بالإبداع والمبادأة ومروراً بخوض المخاطر المرتبطة بحالات عدم التأكد ومغامرات الأعمال الجديدة ووصولاً إلى تجديد القدرات الاستراتيجية، والتي تُمكن تلك المنظمات على امتلاك القدرات الجوهرية والموارد التنظيمية باتجاه السلوك الريادي المرغوب،علماً بان هذا السلوك يؤكد على تنظيم الآلية التي تعمل بها تلك المنظمات سواء كانت اقتصادية ام اجتماعية ام تكنولوجية ام غيرها.

1.           المفهوم والاهمية:
تعد الريادة مفهوم معقد ومتعدد الأبعاد، بسبب التخصصات المختلفة المكوّنة له كالاقتصاد، والإدارة، وعلم الاجتماع وغيرها،اذ لا يمكن الجزم بوجود اتفاق موحد للباحثين والكتاب على تعريف هذا المفهوم(Lumpkin &Dess, 1996, 2). وفي الوقت ذاته، لا يختلف معظم هؤلاء الباحثين والكتاب في ارجاع مفهومالريادية الى تعبير فرنسي ظهر في العصور الوسطى(بدران،2003، 2)، وقد تطورت الدلالات الوظيفية لهذا المفهوم بدءاً من معنى الوساطة بين طرفين في القرن السادس عشر حتى وصل الى معناه المعاصر الذي يشمل انجاز الاعمال من خلال التمتع بخصائص محددة.
يجمع اغلب الباحثين في الأدب البحثي للريادة أمثال (Hashi&Krasniqi, 2010, 457)،و(Petti & Zhang, 2011, 9)،و(Rojas et al., 2011, 985) على وجود ثلاثة جوانب يجب توصيفها في أي تعريف لمفهوم الريادة، وهي على التوالي؛ صفة الريادة (Character)، وتأثيرات الريادة (Effects)، والجمع بين الصفة والتأثير (Zhang et al., 2008, 735) في اطار إنجاز الاعمال.ومن ابسط التعاريف التي تجمع بين هذه الجوانب ما جاء به كل من (Stevenson &Jarillo, 1990, 19) حول الريادة، فعرفاها على أنها طريقة للإدارة. هذا التعريف ينطوي على فرصة المتابعة والسعي والبحث وتتبع الموارد الأخرى، وبغض النظر عن الموارد التي يتم السيطرة عليها حالياً من خلال الإبداع وتحمل المخاطر والمبادأة (صفة الريادة) وتأثيرها على ابتكار الأعمال المستحدثة وتحسين القائم منها (تأثير الريادة)، فالمنظمات التي تمتلك هذه الصفات او الخصائص والقدرات والممكنات في التأثير يمكن وصفها بانها منظمات ريادية.ومن اهم المداخل التي اهتمت بهذه الجوانب أيضاً، ما اتخذه رواد الادارة الاستراتيجية امثال (Mintzberg, 1973)،و(Drucker, 1990) في فهم العلاقة بين الموقف الاستراتيجي ومفهوم الريادة الذي يركز على ريادية المنظمات في بيئتها من خلال ابتكار مفهوم الريادة الاستراتيجية الذي يقوم على التكامل بين نشاط البحث عن الفرص ونشاط البحث عن الميزة التنافسية بقصدصياغة استراتيجيات ريادية وتنفيذها (Ireland &Webb,2007, 52). ويبين الشكل (5) الريادة الاستراتيجية بوصفها الاساس في بناء ريادية منظمات الاعمال في بيئتها.

عليه، تعرف المنظمات الريادية بوصفها كيانات حاضنة لمشاريع واعمال ريادية تدعم وتساهم بقوة في التنمية الاقتصادية والاجتماعيةالمستدامة عن طريق البحث عن موارد جديدة وامتلاك قدرات جوهرية تستخدمها في توليد الفرص الريادية من خلال تنمية الأسواق وإيجاد فرص العمل وإدخال التكنولوجيا المتطورة لتحسين السلع والخدمات سواء كان ذلك ضمن نطاق محلي أو دولي، وكذلك دعم الابداع والابتكار
(
Hisrichet al., 2005, 2). ويوضح الشكل (6) المظلة المفاهيمية للريادة.


المظلة المفاهيمية للريادة
المصدر: صالح والمبيضين (2010) دور الحاضنات في تعزيز المشاريع الريادية: اساسيات نظرية ووقائع ميدانية، المؤتمر العلمي الدولي السنوي العاشر للأعمال، جامعة الزيتونة الاردنية، 26-29 نيسان 2010، الاردن، ص6.
ينظر الى المنظمات الريادية بوصفها احدى اهم الآليات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، اذ تلعب المنظمات الريادية دوراً جوهرياًمن خلال توجيه للفرص التي تتطلبهاالمشاريع والاعمال الريادية والافراد الرياديين عبر البحث في موارد جديدةوإعادة توزيع الموارد الموجودة في اطار دعم تلك المشاريع والاعمال والافراد في البيئة المحلية او الاقليمية او العالمية وبذلك تقدم القوى المحركة لنمو وازدهار الاقتصاد (Richardson,2004, 7). ومن اهم ما تحدثه المنظمات الريادية من اثار اقتصادية هو:
(
Kuratko&Hodgetts, 2001, 2)،و(Hisrich& Peters, 2002, 10)
×    زيادة متوسط دخل الفرد، والتغيير في هياكل الأعمال والمجتمع:تعمل الريادة على زيادة متوسط الدخل الفردي، والتغيير في هياكل الأعمال والمجتمع حيث تكون الريادة في مواقع متعددة، وهذا التغيير يكون مصحوب بنمو وزيادة في المخرجات، وهذا يسمح بتشكل الثروة للإفراد عن طريق زيادة عدد المشاركين في مكاسب التنمية، مما يحقق العدالة في توزيع مكاسب التنمية.
×    الزيادة في جانبي العرض والطلب:إن تأمين رأسمال جديد يوسع جانب النمو في العرض، كما أن الانتفاع من المخرجات والطاقات الجديدة في المشروع تؤدي إلى نمو في جانب الطلب حيث تعمل على زيادة كلاً من جانبي العرض والطلب.
×    التجديد والابتكار والقدرة على ردم الهوة بين المعرفة وحاجات السوق:يعتمد التطوير على الإبداع، ليس فقط بتطوير منتج أو خدمة جديدة للأسواق، ولكن أيضاً الاهتمام بالاستثمار المتزامن في تأمين مشاريع جديدة.ومن هنا فإن الرياديين والمنظمات الريادية مصدر من مصادر التجديد والابتكار والمخاطرة أكثر من المنظمات الصغيرة التي ربما لا تجازف بأعمالها؛ ولأن الأشخاص البارعين الذين يعملون على ابتكار أفكار جديدة تؤثر على أرباحهم يجدون في ذلك حوافز دفعهم بشكل مباشر للعمل، لذا فهم يقدمون الكثير من الإبداعات والتجديد في عالم الأعمال، إن المشاريع الريادية المدعومن من المنظمات الريادية هي القادرة على ردم الهوة بين المعرفة وحاجات السوق وهي النقطة المعيارية في عملية تطوير المنتج لتزويد المجتمع بمنتجات إبداعية جديدة.
×    توجيه الأنشطة للمناطق التنموية المستهدفة:تستطيع المنظمات الريادية متعددة الجنسيات أن تشجع الاتجاه نحو الريادة في أعمال معينة مثل: الأعمال التكنولوجية، أو تشجيع التوجه نحو مناطق معينة وذلك عن طريق بعض الحوافز التشجيعية للرياديين لإقامة مشاريعهم في تلك التخصصات أو تلك المناطق.
×    تنمية الصادرات والمحافظة على استمرارية المنافسة:تستطيع هذه المنظمات المساهمة في تنمية الصادرات سواء من خلال الإنتاج المباشر أو غير المباشر، ومن خلال تغذيتها للمنظمات الكبيرة المختلفة بالمواد الوسيطة التي تحتاج إليها حيث يمكن أن تعتمد عليها المنظمات الكبيرة في إنتاج جزء من إنتاجها؛ مما يؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج في المنظمات الكبيرة، وإعطائها القدرة على استمرارية المنافسة في الأسواق العالمية.
×    العمل على تطوير الاقتصاد:إن المشروعات الريادية في الغالب هي الأصل في تطور الاقتصاد التي تدعمها المنظمات الريادية وهي النواة التي ترفد الاقتصاد القومي فيما بعد بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة سواء بتطويرها أو بالأفكار التي تقدمها.
×    تعظيم العائد الاقتصادي: أن إنتاجية العامل في المنظمات الريادية أعلى منها في المنظمات غير الريادية، وقد يعود ذلك إلى اعتماد المنظمات غير الريادية على تقنيات إنتاج غير متقدمة وكثيفة الاستعمال للعمل، كما لو إننا ربطنا رأس المال المستثمر للعامل والفائض الاقتصادي سيظهر أن المنظمات الريادية هي الأكفأ من حيث تعظيم الفائض الاقتصادي لوحدة رأس المال، ورأس المال المستثمر.
كما يرافق اهمية المنظمات الريادية في دعم الاقتصاد ظهور نشاطات اقتصادية لها آثارها الاجتماعية بالإضافة إلى آثارها الاقتصادية من خلال دعم الافراد الرياديون ومشاريعهم الصغيرة والمتوسطة، ومن أهمها:(علي، 1999، 423)،و(Longeneckeret al., 2000, 9)
×    عدالة التنمية الاجتماعية وتوزيع الثروة:تهدف أغلب خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العادة إلى إعادة توزيع الثروة والعدالة في توزيع مكاسب التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المناطق المختلفة ذات الكثافة السكانية المختلفة بحيث لا تكون المكاسب مركزة في المناطق الأكثر كثافة، والتي تعتبر في العادة موطناً للمشروعات الكبيرة.ومن هنا تدعم المنظمات الريادية المشاريع والاعمال الريادية في اي منطقة من اجل تهيئة تنمية إقليمية شاملة كفؤة ومتوازنة يساعدها في ذلك استغلال الموارد والإمكانيات المتاحة، وعدم حاجتها إلى بنية تحتية كبيرة مما يجعلها تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.
×    امتصاص البطالة وتأمين فرص عمل جديدة:تدعم المنظمات الرياديةالافراد الرياديون في المنظمات الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص لما لهم من دور مهم في الاقتصاد الحديث في جميع الدول بسبب المرونة والقدرة على الإبداع التي يتمتعون بها، حيث يلعبون دوراً رئيساً في تزويد فرص العمل، وامتصاص البطالة، إذ أن تكلفة فرص العمل فيها تقل عن متوسط تكلفة العمل في المنظمات الكبيرة، ونلاحظ أن معدل كثافة رأس المال للعامل الواحد ما يقارب (1100) دينار/ عامل لدى المنظمات الريادية والصغيرة، بينما نجد أن هذا المعدل في المنظمات الكبيرة هو (11000) دينار/ عامل، أي أن تكلفة فرصة العمل في المنظمات الكبيرة هي عشرة أضعاف التكلفة في المنظمات الصغيرة، الأمر الذي يعكس الدور الإيجابي لها، ويعزز قدرتها على توظيف الأيدي العاملة، وبموارد مالية محدودة نسبياً مع تجنب الهدر في الموارد المتاحة.
×    المساهمة في تشغيل المرأة:تلعب الريادة والأعمال الصغيرة دوراً كبيراً في الاهتمام بالمرأة العاملة من خلال دورها الفاعل في إدخال العديد من الأشغال التي تتناسب مع عمل المرأة كالعمل على الحاسوب، ومشاغل الخياطة، والألبسة مما يؤثر في دور المرأة في تكوين الدخل، وكذلك تساعد الريادة على تشجيع المرأة على البدء بأعمال ريادية تقودها بنفسها لتسهم بذلك مساهمة فاعلة في بناء الاقتصاد.
×    الحد من هجرة السكان من الريف إلى المدن: يعد وجود الرياديين والمنظمات الصغيرة في الاقتصاد الوطني إحدى الدعائم الأساسية في تثبيت السكان، وعدم الهجرة من الأرياف إلى المدن، والتي تتركز فيها عادة المنظمات الكبيرة، لذا لا بد من وجود برامج تنموية تساعد على التخفيف من الفقر والبطالة، وتعمل على بناء طبقة متوسطة في الأرياف بدلاً من الهجرة إلى المدن حيث التلوث، والضغط على خدمات البنية التحتية، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الاهتمام برعاية الرياديين والمنظمات الصغيرة، والتعاون مع الهيئات والمؤسسات الدولية المختلفة.

2.           خصائص المنظمات الريادية:
بالاعتماد على مفاهيم السلوك الريادي التي جاء بها رواد الادب الريادي امثال (Miller, 1983; Davidson, 1989; Gartner,1993; Lumpkin &Dess, 1996, 1997)، فان هناك خمس خصائص عُدّت على أنها مظاهر السلوك الريادي في منظمات الاعمال، وهي: (Hittet al.,2003, 399
و(محمد والسالم، 2010، 8)
×    الإبداع(Innovation): يعد الإبداع الصفة لمميزة للريادي والمنظمات الريادية. إذ تؤكد البحوث والدراسات على الدور الإبداعي للأفراد والمنظمات لكي توصف بانها ريادية. فالإبداع يعني فعل الأشياء الجديدة من خلال إعادة ربط وتوحيد أجزاء سبق وان تم تكوينها، ومن خلال الابداع نستطيع التفرقة بين الادارة والريادة، فالريادة تستلزم الإبداع وإجراء تغييرات في أعمال اليوم للعمل بها في الغد فضلاً عن الاستفادة منها مستقبلاً. ويعرف الإبداع بوصفه الوسيلة التي من خلالها قد يستغل الرياديون التغيير من اجل خلق خدمة أو فرص أعمال جديدة. فالإبداع هو " العلامة التجارية " التي تمتلكها المنظمات الرياديةوالرياديين على وجه الخصوص. لذلك فالرغبة للإبداع هي السمة الأكثر تمييزاً والتي تشكَل جوهر اعتبار المنظمة ريادية. وبحسب اتفاق اغلبالباحثين في الادب الريادي، يعد الإبداع قلب الريادة. وتحرص المنظمات والافراد الرياديون على إيجاد الطرائق الإبداعية واستخدامها لتعزيز القوة التنافسية لأعمالهم(Zhanet al., 2003, 2)، ومن اجل تلبية كُلاً من الهدف الاستراتيجي للأعمال والمتطلبات البيئية لتلك المنظمات.
يعد الإبداع بعداً مشتركاً لكل من الريادة والاستراتيجية. فالإبداع يعد مصدراً لصياغة الاستراتيجيات الريادية وتنفيذها في اطار استغلال الفرص ومواجهة التهديدات. ويعد (Drucker,1986) من المتخصصين المعروفين الذين قاموا بتحليل ووصف علاقة الارتباط القوية بين الإبداع والريادة. فالمنظمات الريادية هي كيانات مبدعة التي تنفّذ التغيير داخل السوق من خلال إيجاد ظواهر جديدة. وان تنفيذ هذه الظاهر يمكن أن يتخذ أشكالا عديدة منها؛ إدخال جودة جديدة، تقديم طريقة إنتاجية جديدة، فتح سوق جديد، اكتساب مصدر جديد لعرض مواد جديدة،وتنظيم جديد للصناعة(Dumitru,2007, 74).وبذلك يمكن القول بأن الإبداع يسهم في المحافظة على مكانة المنظمة وموقعها في مقدمة المتنافسين، وكذلك في حصول المنظمة على الميزة التنافسية التي تثمر عن المزيد من العوائد المالية.
×    المبادأة(Proactiveness):وهي القدرة على اتخاذ المبادرة متى تطلب الموقف ذلك. لذلك، فالمبادأة ليست في الدفاع فحسب، وإنما في الهجوم كذلك. فمن الناحية الفعلية، مبادأة المنظمات الريادية هي كفاءتها في التقييم والمعالجة عبر تحليل والتنبؤ بكافة مصادر الخطر التي تهدد إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية لها والايجاد الفاعل للحلول اللازمة لهذه المخاطر قبل حدوثها(Zhanet al., 2003,6).وتساعد المبادأة في منح المنظمة القدرة على تقديم عروض جديدة للأسواق تتفوق من خلالها على المنافسين
(
Wiklund, 1999, 4). كما يمكن أن تظهر مبادرات الأفراد نتيجة لحافز معين (تلبية حاجة غريزية) أو أن يكون الحافز خارجي بتأثير الثقافة التنظيمية الريادية. ودائما ما تؤكد نظريات حوافز العاملين على المصلحة الاقتصادية الخاصة للمنظمة بوصفها تمثل الحافز الأساسي للعاملين. ويمكن أن يحصل الحافز من خلال إيجاد العلاقات الجيدة بين العاملين وشعورهم بالانتماء التنظيمي من خلال الرضا الوظيفي (Singer et al.,2009,3).ان المنظمات الريادية تحفز وتطور إمكانياتها الريادية على جميع المستويات من خلال خلق وتعزيز الشعور بالملكية لدى الأفراد، وتقوية إحساسهم بالحرية والسيطرة، ومنحهم قدراً من التسامح في حالات عدم التيقن، وتنمية النزعة نحو تحمل المسؤولية والبحث عن تفاصيل الأشياء، وبناء الالتزام لديهم بمرور الوقت، وحثهم على التعلم وتجنب الأنظمة الصارمة، وتشجيع التفكير الاستراتيجي على حساب التخطيطي الرسمي، فضلاً عن تعميق حالات التواصل بين الأفراد كأساس لبناء الثقة لديهم (Singer, 2009, 3-5).
×    المخاطرة(Risk Taking): تتحمل المنظمات الريادية المخاطرة لأنها تسعى الى استغلال الفرص،وغالبا ما يصاحب ذلك نشاطات إبداعية وخلاقة. إذ دائماً ما تتدخل تلك المنظمات في مواجهات مع بيئة الاعمال سواء كانت طوعيةام إجبارية، وهي تحديات في حالات عدم التأكد مرتفعة (عدم اليقين بالمستقبل) وفضلاً عن ظهور احتمالية للخسائر الاجتماعية والمالية المحتملة أثناء إدارة أعمالها. والرياديون هم سالكي طريق المخاطرة لان روح المخاطرة هذه هي التي تشجع الريادي على صرف اهتمامه ونشاطاته نحو اكتشاف مواطن إدراك الأرباح. وعلى أية حال، فان المنظمات الرياديةوالافراد الرياديين، في الواقع، وعلى عكس المفهوم الشائع، تختار عادة المخاطر التي تجنبها المقامرة الضخمة. فهذه المنظماتفاعلة في معايرة وتكييف مستوى المخاطرة التي تلائم العائد المحتمل، وتنسجم مع قدراتهاالجوهرية لإدارة حالات عدم التيقّن. وعلى الرياديين أن لا يكونوا متحملي المخاطر فحسب، وإنما معالجين لها كذلك، من خلال قياسها بشكل عقلاني وواقعي(Zhanet al., 2003, 2)،و(Dumitru,2007,76
و(
Chen et al., 2005,199-212).
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بان الرياديين متحملي مخاطرة، لكن الحقيقة في أن الذين يشتركون في نشاطات الأعمال لا يمكنهم فعلياً إدارة منظماتهم دون مواجهة مخاطر محتملة. ومع أن اللامركزية الإدارية ومشاركة الملكية تزداد كثيراً في الادارة والاقتصاد المعاصر، فان قدرة الرياديين على التعامل مع مخاطر الأعمال تعد إحدى المؤشرات الأساسية على نوعية الرياديين ومنظماتهم. ويفضل الرياديون تحمل مخاطر معتدلة في المواقف التي يمتلكون فيها درجة معينة من السيطرة والمهارة في إدراك ربح معين. كما وصف الريادي بأنه صانع القرار العقلاني الذي يتحمل المخاطرة (Zhanet al., 2003, 3-6).والريادي الناجح ليس القائم بالمخاطرة، وإنما من يتخذ الخطوات اللازمة للتقليل من حجم هذه المخاطرة إلى أدنى حد من خلال الفهم العميق والدقيق لأبعادها.
وهنا، يبرز مصطلح استباقية المخاطرة، ويعني القدرة على المنع أو التقليل المسبق وإلى أدنى حد ممكن من حصول الخطر. فهي السيطرة المسبقة للتنظيم على بعض نواحي عدم التأكد. وتعد نشاطات معالجة المخاطرة المسبقة التصور (تحديد الخطر، تقييم الخطر، رقابة الخطر، وتقويمه) والتي يتم اتخاذها قبل حدوث الخطر إجراءات استباقية ضد المخاطر. ومن تلك الإجراءات: الفهم المسبق للبيئة التي تكمن فيها المخاطرة، تقويم المخاطر المحتملة بجميع أنواعها ومدى احتمالية حدوثها ودرجة تأثيرها، تحديد الإجراءات المطلوبة للتعامل مع هذا الخطر والأسلوب الفاعل في استخدام تلك الإجراءات، فضلاً عن تعديل وتحسين النشاطات اللازمة للمعالجة(Zhanet al.,2003,6).
×    استغلال الفرصة(Pursuing Opportunities): في هذا الاطار، يجب التفرقة بين السلوك الذي يرتبط باكتشاف الفرصة والسلوكالذي يرتبط باستغلال الفرصة. والهدف من ذلك هو الاهتمام بطبيعة وجود واستغلال الفرص المربحة الظاهرة أو التي ستظهر في بيئة السوق الحقيقية من خلال اعتماد السلوك الريادي تجاه هذه الفرصة (Zhanet al.,2003,7). فالرياديون هم أفراداً على درجة من الوعي والحذر ذوي قدرة تتجاوز النظرة الملخصة لأبعاد الفرصة وما تحتويه من تفاصيل. ويتم تحفيز الوعي الريادي من خلال إشارات حول الربح المحتمل من خلال استغلال تلك الفرصة مع مراعاة المخاطر المحتملة ايضاً
(
Kirzner, 1997,148).ويمكن تعريف المنظمات الريادية على أنها تلك المنظمات القادرة على تحديد واستغلال لفرص لم يتم استغلالها سابقاً (Hittet al., 2003, 965). وعندما يقوم الرياديون بتطوير فكرة ما، فان عليهم بدء عملية تقويم لمعرفة ما إذا كانت هذه الفكرة هي فرصة عمل ملائمة في الواقع أم لا. ويمكن لمنظمات الريادية خلق الثروة من خلال تحديد الفرص ومن ثم تطوير المزايا التنافسية لاستغلال هذه الفرص(Dumitru,2007,73).
لقد اظهر السلوكيون بان الرياديين يبنون تصورات عقلية عن الفرص السوقية التي لم يستغلها مشاركين آخرين في السوق (المنافسين). فإنهم (أي الرياديين) يحوّلون أنظارهم نحو ما هو فريد وغير متوقع من الآخرين (Mitton,1989,12). إذ أن هناك نزعة لديهم لرؤية الفرصة بوصفها حالة نادرة بما يصعب على غيرهم امتلاكها لعدم امتلاكهم المعلومات السوقية الكافية أو التخصصية التي يمتلكها الريادي (Cooper et al., 1988, 97-108). إن قائمة العمليات المنظمة والمتصلة التي يستخدمها الرياديون لتقييم الفرص المربحة يمكن أن تشتمل على مخزون من النشاطات أو القواعد التي يصنفها علماء السلوك تحت عنوان " الاستكشافات الإدراكية". وان النتيجة الأساسية هي أن اكتشاف الفرصة مشروط بالمعرفة المسبقة الخصوصية للريادي. فالمعرفة المسبقة، سواء تم تطويرها من خلال الخبرة أو التجربة العملية، الثقافة، أو بأية وسيلة أخرى، تؤثر على قدرة الريادي في استيعاب، استقراء، تفسير، وتطبيق المعلومات الجديدة بطرائق لا يمكن لغيره تقليدها(Endres& Woods, 2006, 31).ويمكن تمييز الفرص المربحة التي تشكل مشكلة الريادي من خلال الآتي: (Kirzner, 1997,72)
ü    أن يتم خلقها من خلال الظروف السوقية الموجودة.
ü    لم يتم اكتشافها واستغلالها بشكل فوري من الآخرين.
ü    أن لا يتم تمييزها من قبل جميع الرياديين حتى لو أنهم تعاملوا مع المعلومات السوقية ذاتها.
ü    تكون أحياناً معروفة لرياديين معينين وليس لغيرهم بسبب طريقة انتشار المعلومات والمعرفة بشأنها وكذلك بسبب منطقية هذه المعلومات والمعرفة.
ü    لم يتم اكتشافها وذلك ببساطة لان الحظ لعب دوره مع توافر ميزتي اليقظة والحذر للريادي.
ü    ظهرت بشكل تدريجي أمام الريادي.
×    تجديد القدرات الاستراتيجية (Renew Strategic Capabilities): تعرف القدرات الاستراتيجية على انها مجموعة النشاطاتالتي يؤديها المنظمات من اجل تحقيق النجاح والريادة في عملها من خلال التخصيص الامثل للموارد والمهمات،مما يؤدي إلى تطور تلك المنظمات ونموها في المدى البعيد،وتستند القدرات الاستراتيجية على مجموعة من الإبعاد هي: (المعاضيدي، 2001، 30-31)
ü    المعرفة الفنية لخلق القيمة: ويعتمد هذا البعد على مدى عمق واتساع تلك المعرفة، إذ يشير بعد الاتساع إلى عدد وانواع التقنيات المستخدمة في المنظمة ومدى استخدامها بصورة منظمة، بينما يشير بعد العمق إلى مستوى تلك التقنية ومدى اعتمادها على نموذج تخصيص الموارد فيها، ويساهم العاملان بصورة اساسية في خلق القيمة للمنظمة، والتي تساهم بدورها في خلق القدرة الاستراتيجية فيها، فامتلاك المنظمة لتلك المعرفة تعتمد على مدى تفوقها في نشاط معين من انشطتها الخاصة لخلق القيمة، فالمنظمة يمكن ان تحدث تغييراً في بعد المعرفة الفنية لخلق القيمة من خلال تغيير نمط الموارد المخصصة فيها والتركيز على التجديد والتميز في عملياتها من خلال اعتماد انشطة البحث والتطوير أو الابداع والتجديد في قرارتها الاستثمارية الخاصة بتطوير تلك العمليات إضافة إلى تراكم المعرفي والموجودات المادية والموارد المالية إذ تسهم جميعها في خلق القدرة الاستراتيجية للمنظمة كونها تمكنها من تقديم منتجات أو خدمات جديدة مستجيبة للظروف البيئية المتغيرة.
ü    القدرة على توليد الموارد وامتلاكها: إذ تعتمد القدرة الاستراتيجية للمنظمة على مدى قدرتها على توليد الموارد من خلال انشطتها اليومية والحصول على الدعم الاستراتيجي من بيئتها الخارجية، فقدرة المنظمة على توليد الموارد وامتلاكها يعتمد على مركزها السوقي وطبيعة المنافسة فيها، أما قدرتها في الحصول على الدعم الاستراتيجي من بيئتها الخارجية وخصوصاً الموارد المالية، يعتمد على فئات المستثمرين وأصحاب المصالح الذين لديهم رغبة في تقديم الدعم المالي، أو الاستثمار في تلك المنظمة، إضافة إلى العلاقات مع المستهلكين والمجهزين والاتحادات والنقابات والوكالات الحكومية التي تساهم في خلق القدرة الاستراتيجية للمنظمة.
ü    التقنيات الإدارية المستخدمة: وتتضمن المعرفة والخبرة والترتيبات اللازمة لتوجيه الجهود نحو تحقيق ألا هداف، ويمثل هذا البعد ناحية من نواحي القدرات الاستراتيجية كونه يهدف لتحقيق حالة الموائمة بين المعرفة بالعلاقات التنافسية الأساسية ونمط متغيرات البيئة الخارجية المتمثلة بالعوامل الاجتماعية والقانونية والتقنية والاقتصادية إضافة إلى الترتيبات الإدارية الرسمية وغير الرسمية اللازمة لتحفيز الموارد البشرية فيها.

Post a Comment

Previous Post Next Post