تعريف الحكم الوضعي  :

المطلب الأول : الحكم الوضعي عند الأصوليين :
تعريفه :  عرف بعض الأصوليين الحكم الوضعي بأنه [1] : "خطاب الشارع المتعلق بجعل الشيء سبباً لشيء آخر ، أو شرطاً له ، أو مانعاً منه  ، أو كون الفعل صحيحاً أو باطلا ً، أو أداءً أو إعادة أو قضاءً ، أو عزيمة أو رخصة .

المطلب الثاني : الحكم الوضعي عند الفقهاء :
أما عند الفقهاء : فهو كون الشيء سبباً لشيء آخر ، أو شرطاً له ، أو مانعاً منه....[2]
أمثلة :  قوله تعالى : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } (  الإسراء 78 ) هو خطابٌ بجعلِ الدلوك سبباً لوجوب الصلاة على المكلف بها .
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ } (  المائدة   6 ) هذا خطاب من الشارع بجعل الطهارة شرطاً لصحة الصلاة .
ومن ذلك قولهr  : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين "[3] ، وهو خطاب من الشارع بجعل رؤية هلال رمضان سبباً لوجوب الصيام على المكلف ، ورؤية هلال شهر شوال سبباً لوجوب الفطر[4] .
قوله r : " ليس لقاتل ميراث " [5] :  خطاب من الشارع بجعل القتل مانعاً من الميراث .
هذا عند الأصوليين ، أما عند الفقهاء فهو : سببية الدلوك لوجوب الصلاة على المكلف ، وشرطية الطهارة لصحة الصلاة ، وسببية رؤية الهلال لوجوب الصيام على المكلف ، وسببية رؤية هلال شوال لوجوب الفطر ، ومانعية القتل من الميراث .
وجه التســمية : سمي خطابَ الوضع لأن الشارع إنما قصد منه أن يكون علامة لشيء آخر ، بأن يكون سبباً أو شرطاً أو مانعاً . وهو موضوع : أي مجعول معرفاً لشيء آخر .
يقول الطوفي في بيان معنى الوضع [6] : ( خطاب الوضع : ما استفيد بواسطة نصب الشارع علماً معرّفاً لحكمه ، لتعذر معرفة حكمه في كل حال ) ، ثم بيّن مراده فقال [7] : ( إن الشرع وضع ـ أي ـ شرع أموراً سميت أسباباً وشروطاً وموانع تعرف عند وجودها أحكام الشرع من إثبات أو نفي ، الأحكام توجد بوجود الأسباب والشروط ، وتنتفي لوجود الموانع وانتفاء الأسباب والشروط ) .
فاعتبار الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً إنما هو بجعل الشارع دون غيره ، ولولا جعل الشارع إياه سبباً أو شرطاً أو مانعاً لما كان ذلك .
فالشرع أخبرنا بوجود الأحكام عند وجود تلك الأمور، وانتفائها عند انتفائها ، فكأنه قال مثلاً : إذا بلغ المال النصاب ، - وهو سبب الزكاة - ، وحال الحول – وهو شرطها - ، وانتفى المانع – وهو الدين المستغرق النصاب أو جزءاً منه ـ فقد وجبت الزكاة .
 وكذلك : إذا دخل وقت الصلاة ـ وهو سبب الصلاة ـ ، وتحقق الشرط ـ من البلوغ والعقل ـ ، ووجدت الطهارة وبقية الشروط ، وانتفى المانع من حيض أو نفاس – فقد وجبت الصلاة .
ومما تجدر الإشارة إليه ، أن الحكم الوضعي وإن أخذ صفة الاستقلال عن الحكم التكليفي إلا أن له صله وثيقة به ، ذلك أنه بجميع أقسامه بمثابة العلامات التي تدل على الحكم التكليفي ، ولولاه لفاتَ الناسَ كثيرٌ من الأحكام التكليفية دون أن يعلموا بها ، إذ إن أحكام الشرع تبقى قائمة إلى قيام الساعة ، ولا يعرف المكلفون الأحكام إلا بواسطة الرسل ، وانقطعت النبوة بعد رسول الله r ، فاقتضت حكمة الله تعالى أن نَصَبَ أشياءَ تكون علاماتٍ معرّفاتٍ للدلالة على حكمه  دفعاً لهذا الحرج والعسر عن المكلفين .
فالسبب – مثلاً – : علامة منبهة على وجود الحكم التكليفي عند تحققه : كرؤية الهلال – إذ هو علامة وجوب الصيام ، ودليل على وجود الحكم التكليفي وهو فرضية صيام رمضان .
وزوال الشمس – وهو سبب – علامة منبهة على وجوب صلاة الظهر – وهذا حكم تكليفي .
والحيض والنفاس – وهو مانع – علامة منبهة على انتفاء الحكم التكليفي الذي يشترط فيه الطهارة ، كالصلاة ، والصيام ، وقراءة القرآن ، ومس المصحف ، ودخول المسجد ، والطواف بالبيت .
والشرط – وهو حكم وضعي – : وجوده علامة منبهة على صحة المشروط حين وقوعه ، وانتفاء المشروط عند انتفاء شرطه .
فالطهارة – وهي شرط – : علامة منبهة على صحة وقوع الصلاة ، وانتفاؤها – الطهارة – علامة منبهة على عدم صحة وقوع الصلاة بلا طهارة .


[1] ) الغزالي ، المستصفى 1 / 59 ، الشاطبي ، الموافقات 1 / 187 ، الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام 1 / 96 0
[2] ) شعبان ، أصول الفقه / 220 ، د. النملة ، الواجب الموسع عند الأصوليين / 18 0
[3] ) الإمام البخاري ، الجامع الصحيح ـ كتاب الصوم ـ باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا 3 / 35 ، والإمام مسلم ، صحيح مسلم ـ  كتاب الصوم  وجوب الصوم لرؤية الهلال 2 / 762 0
[4] ) إنما قلت بوجوب الفطر لأن صوم يوم العيد منهي عنه ، وعدّه أكثر العلماء حراماً ، فكان الإفطار واجباً 0
[5] )  رواه ابن ماجة ، سنن ابن ماجة ـ باب القاتل لا يرث 8 / 88 ، والبيهقي في السنن الكبرى 6 / 220  ، والدارقطني ، سنن الدارقطني ـ باب المرأة تقتل إذا ارتدت 10 / 375 0( صحيح ) الألباني ، صحيح الجامع / 5420 0
[6] ) الطوفي ، شرح مختصر الروضة 1 / 411 0
[7] ) المرجع نفسه 1 / 411 0

Post a Comment

أحدث أقدم