الدارونية الحديثة خطر

يقول الأستاذ محمد قطب فى كتابه "الإنسان بين المادية والإسلام"    : ( إن عيب نظرية دارون ليس فى الوقائع العلمية التى بسطها فى كتبه، وتابعه عليها أعوانه ومريدوه، وإنما هو فى إيحاءات تلك النظرية التى خلقت طابعها الخطر، لا فى أفكار الجماهير وحدها ، بل فى اتجاه العلماء كذلك منذ عهده إلى العصر الحديث". وبدورى أتفق مع الرأى السابق لأن ما بها من وقائع علمية لا يمت إلى العلم على وجه الإطلاق ، والخطر كل الخطر هو منحى العلماء فى تبنى النظرية. وكثيرا ما تجد علماء الحياة القديمة وعلماء الأحياء يتحدثون عن التطور، وإن تعددت المفاهيم حول التطور لديهم. وكأن التطور أصبح داءا عضالا لا برء منه، وكلما تهاونت أسانيده ابتدعوا له أسانيد لا تخلو من التخمين والظن.

فإذا كانت فكرة دارون التى سيطرت عليه هى فكرة تنازع البقاء، وحتمية الصراع من أجل الحياة يؤديان إلى تغير الأنواع وتحولها إلى أنواع جديدة أصلح للبقاء ، فإن شعار الدارونية الجديدة يفترض أنه (بوسع الباحثين إعادة بناء الماضى التطورى للأنواع الحية من خلال تباعد تسلسل الجينات أو البروتينات التى تم عزلها من تلك الكائنات الحية). والفكرة الجديدة مع ما تحمله من بريق لاستنادها على أحدث علوم العصر من حياة الجزيئات والجينات، ليست سوى إحياء للدارونية القديمة بعد ارتدائها ثوبا جديدا. وما على الدارونية الجديدة إلا أن تدرس جينات أو جينومات أو بروتينات منتقاه لأنواع تمثل الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات التى تعيش على الأرض اليوم، ثم تحاول أن توجد علاقة جينية بينها، ثم تتخذ من تلك العلاقة دليلا على التطور باعتبار أن الأسماك أسبق ظهورا على الأرض من البرمائيات ، ثم تلتها الزواحف فالطيور وأخيرا الثدييات. وتظهر نظرية التطور الجينى ويصبح الجين هو الوحدة الأولى فى التصنيف بدلا من النوع. وإذا كانت الدارونية القديمة قد عجزت عن تقديم دليل مادى على التطور من واقع الأحافير أو الكائنات الحية، فالدارونية الجديدة تعجز بل هى بدأت عاجزة عن اثبات وجود حلقات التحول من جينات نوع إلى جينات  نوع آخر دون الولوج إلى فرضيات لن تقل فى سذاجاتها عن فرضيات دارون. وللأسف يرددون فكرة التسلسل الجينى بدرجة مزعجة, لأنهم أوجدوا ذلك الفرض الجديد مرادفا لذلك لمبدأ الانتهازى المدعو " البقاء للأصلح".


         لم يكتب لنظرية الزيوع والانتشار مثلما كتب لنظرية دارون عن التطور العضوى . ولا يوجد سند علمى واحدة تقوم عليه النظرية؛ لا من الأحافير التى تمثل بقايا الكائنات البائدة, ولا من بين الكائنات الحية على حد السواء. ولم يتمسك بها الكثير من المخدوعين إلا لسبب واحد, وهو أن رفض النظرية يعنى الإيمان بالله . وللأسف حينما أؤكد على أن التطور كذب ومحض أفتراء يندفع بعض المسلمين قائلين أن القرآن يشير إلى التطور ، وبعد أخذ ورد أكتشف أن مفهوم التطور يختلف الناس عليه, ويخلطون بين مفهوم التطور كما وضعه دارون ومفهوم التغير فى تاريخ حياة الفرد والنوع. فالثانى يعنى مراحل خلق الكائن كما فى الإنسان مثلا من نطفة وعلقة ومضغة  وعظام... الخ.. ودراسة تطور تلك المراحل شئ لا بأس به, بل ومرغوب فيه . أما مفهوم التطور الدارونى على أنه إرتقاء الحياه من جهاز عضوى ذى خلية واحدة إلى أعلى درجات الأحياء فى سلم الارتقاء فقول فيه نظر, لعدة أسباب أهمها: عجز الفروض الثلاثة لنظرية التطور لدارون التى يفسر بها ظهور الأنواع الجديدة. فلم ولن يؤد تبديل الكائنات الحية جيلا بعد جيل إلى ظهور أنواع جديدة عن الأنواع القديمة الا بأمر الله الخالق . ولا يوجد دليل أحفورى قوى على عملية التحول بين الأنواع عبر الزمن الجيولوجى منذ ظهرت الحياة على الأرض إلى اليوم. كما أن الكيفية التى ظهرت بها أوائل جميع  الأنواع تمثل ألغازا مختلف عليها بين العلماء, ناهيك عن عملية تبديل الأنواع إلى أنواع أرقى وأحدث.
         وهنا حاججت دعاة التطور مستندا على الأدلة المشتقة من آرائهم ذاتها، وساعدنى فى ذلك دراستى فى مرحلة الدكتوراه عن التطور وشجرة الحياة . وتبين لى يقينا مدى ما تحويه أفكار التطور من كذب وخداع . ولم يقدم سجل الحياة على قدمها دليل على صحة نظرية دارون للتطور العضوى. والظهور المفاجئ والمتنوع لكائنات طين بورجس تضرب نظرية دارون فى الصميم. ولما عجز أحد دعاة التطور, وهو ستيفن جاى جولد عن تفسير ظهور تلك الكائنات, وصفها بأنها تجربة فاشلة, وتعامى مع التسليم جدلاً برأيه عمن وراء التجربة. وكذلك الحال فى تفسير ظهور الفكوك للأسماك, من أسماك عديمة الفكوك مع إقرارهم بعدم وجود دليل مباشر على التحول من الأولى إلى الثانية، ثم إقرارهم بالألغاز المتعلقة بأصول البرمائيات والزواحف والطيور والثدييات . وقد أخذ بعض العلماء يشككون فى الحلقة الوسطى  بين الطيور والزواحف التى يمثلها الطائر العتيق – الاركيوبتركس. كما أن البعض يشك فى تصنيف ذلك الكائن. وهذا ما تأكد اليوم من اكتشاف دينصورات يكسو جسمها ريشا. وبالتالى لم يعد الطائر العتيق طائرا , ولكنه زاحف  جعلوه كذبا طائرا, ليشغل حلقة وسطى بين الزواحف


 والطيور, والحلقة لا وجود لها سوى فى عقول تنكر حقيقة الخلق. ونفس الشئ تجده مع سلسلة تطور الأحصنة المزعومة . ثم تأتى كبرى الأثافى حول ما يعرف بتطور البشر ، ويكفى أن نعلم أن علم جزئيات الحياة أثبت أن حواء أم البشر. كما أثبتت دراسة الدنا الأحفورى (Fossil DAN), أن البشر الذين يعيشون على الأرض, لا علاقة لهم بما سمى إنسان نياندرتال باعتباره أقرب مخلوق بشرى قريبا منا كما يدعون. وشجرة، بل يحسن أن نقول أشجار حياة البشر هى أقرب من الأحاجى منها إلى أى شئ آخر. وكل الأناسى المزعومة ليست سوى قردة ورئيسات عليا لا علاقة لها بنا من الناحية التصاعدية والإدراكية.
         ونماذج التطور المزعومة, لا تمثل سوى خيال واضعيها وفق أهوائهم لتعليل ظهور الخلائق المتعاقبة على الأرض. وقد فشلت جميعها, ابتداء  من نموذج التدرج المستمر لدارون, ومرورا بنموذج الفواصل لألدردج وجو, وإنتهاء بالنموذج الشبكى لارنست ماير. والأخير يرى أن من أعظم إسهامات دارون إيجاده الكائنات من خلال التطور من دون اللجوء إلى ما فوق الطبيعة.! هكذا كفر بواح. ثم إن الانتقاء أو الاصطفاء الطبيعى المزعومة ليس بذاته قوة خلاقه ولا يدفع شيئا جديدا للتطور. ودارون هذا رضى بأن يطوع العلم للهوى, وروج لمبدأ استعمارى بغيض هو البقاء للأحسن ، الذى يعجز عن تفسير وجود الأضعف بجانب الأقوى، ثم إنه قد أعلى من دور الصدفة على حساب العقل.
ومات دارون ولم تمت أفكاره, حتى بعد السقوط الذريع لنظريته. إلا أن وأخذت الدارونية الجديدة  تطل بوجه جديد خادع يرتدى زيا عصريا مفصلا من علم جزئيات الأحياء والمورثات. وهذا المبدأ الجديد يرى أنه: بوسع الباحثين إعادة بناء الماضى التطورى لأنواع الحياة ، من خلال تقييم تباعد سلسلة الجينات أو البروتينات التى تم عزلها من تلك الكائنات. ومن قبل أغرق دارون الناس فى مسألة التسلسل الشكلى الذى يحكمه الاصطفاء الطبيعى ، واليوم يسحبون الجميع الى معضلة التشابه الجينى. وأنا أحذر العلماء والباحثين قبل العامة من الناس من الانخداع بوهم مبدأ التسلسل الجينى, لأن كل زوج .. بمعنى آخر كل نوع يحمل خريطته الوراثية المستودعة فى أول زوج من كل نوع خلقه الله. وتلك الشفرة الوراثية تميز النوع عن غيره من الأنواع. 
         وهنا أشير إلى بعض الحقائق وليس كل الحقائق  المتعلقة بالخلق التى ذكرت فى القرآن الكريم: الله هو الحق وما دونه الباطل ، وهو الله الخالق كل شئ بقدر، وجعل من الماء كل شئ حى. وخلق سبحانه الكائنات على تنوعها كل نوع من زوجين. وهو سبحانه خلق ويخلق وخلاق عظيم كل يوم هو فى شأن، وتكفل برزق جميع الدواب, وهداها إلى المستقر والمستودع. وعنده سبحانه علم جميع الخلائق ، وكلها تسجد له طائعة أو مكرهة. والله خلق  الإنسان وعلمه اللغة والبيان  وميزه بالعقل  ليختار بين البدائل .




وربنا هو الذى يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى. وضرب سبحانه لكل أمة أجل. وعنده الكتاب الكامل يحفظ فيه جميع أعمال خلقه.  وتزول الخلائق كلها وتفنى. ويبقى الله وحده ذو الجلال والإكرام. وقد أحاط سبحانه بعلم كل شىء :﴿وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين﴾ (الأنعام:59).

Post a Comment

أحدث أقدم