عندما وصل المولى إسماعيل إلى عرش المغرب سنة 1672، لم يكن مر على تأسيس الدولة العلوية سوى سنوات قليلة. وكان على السلطان الشاب (26 عاما) أن يبذل قصارى جهده لتثبيت دعائم حكمه، وتوحيد الدولة، والتصدي للتهديدات الخارجية. ولم يكن لينجح في هذا دون جيش قوي يعتمد عليه. وقديما كان السلاطين المغاربة، سواء في حروبهم الداخلية أو لمواجهة العدو الخارجي، يعتمدون على القبائل الحليفة التي تمدهم بالرجال والسلاح. لكن المولى إسماعيل قررعدم البقاء رهينة لهذا الوضع، فوضع نصب عينيه تأسيس جيش محترف، مستقل عن خريطة البلاد القبلية، يدين بولائه لمؤسسه فقط.
أقام المولى إسماعيل دولة مركزية اعتمدت على جيش من نوع جديد هو عبيد البخاري الذي تمكن بواسطته من إخماد مختلف التمردات التي شهدتها البلاد في عهده، وبذلك تمكن من توحيد البلاد تحت السلطة العلوية ومن توقيف الأطماع الخارجية والتحكم في المبادلات التجارية مع أوربا.
جيش البخاري هو جيش نظامي مكون في معظمه من العبيد والحراطين أسسه السلطان المغربي المولى إسماعيل لتعزيز الأمن في الإيالة الشريفة. أكبر مراكزه محلة مشرع الرمل قرب مكناسة، حيث استقر معظم جنود الجيش. ضمن مهامه كانت ضمان طاعة القبائل وجمع الضرائب منها. يعتبر جيش البخاري سلف الحرس الملكي المغربي.
لاحظ السلطان كثرة الأسرى والتنافس على اقتناء الرقيق، فأصدر قراره بمنع الرعية من تملك الرقيق وممارسة الحكم في مصيره، وجعل العبيد تابعين للدولة، وأسس منهم جيش البخاري الذي اقتصرت أعماله على الخدمة العسكرية.[1] تطور موضوع اسقاط ملكية الناس على عبيدهم لتشتريهم الدولة ولتجعلهم سندا لها في حروبها، ليصل إلى حد جعل الدولة تلزم جميع السود ولو كانوا احرارا بالاندماج في الجيش. وحينئذ اضطربت الاقوال بين الفقهاء واختلفت في جواز هذا القسر أو في تحريمه.[2]

دعائم الدولة العلوية في عهد المولى إسماعيل:
- اعتمد المولى إسماعيل على جيش البخاري بالأساس:

تركب الجيش الإسماعيلي من ثلاث فروع رئيسية هي: عبيد البخاري، ويمثلون القوات الأساسية، ثم قبائل الكيش التي أصبح دورها ثانويا بالقياس لعبيد البخاري، ثم الفرق المجندة من المدن والقبائل ومن المجاهدين.

* عبيد البخاري:

شكل أهم قوة عسكرية وأطلق عليه هذا الإسم نسبة ليمين الطاعة الذي كان الجيش يؤديه على كتاب الإمام البخاري، وتكونت نواته الأولى من 2000 من الجنود الزنوج الذين تم تجنيدهم من أجل محاربة المولى الرشيد، فكوَّن المولى إسماعيل منهم أول فيالق جيش البخاري وعنهم تفرع جيش ضخم العدد ومحكم التدريب.
وعزز السلطان عبيد البخاري بتجنيده للعبيد المتفرقين في المدن والبوادي، ونظم حملات على تمبكتو لجلب العبيد من السودان، كما جمع الحراطين من مختلف القبائل والمدن وأدمجهم في جيش البخاري.
وبهذا يكون قد تكون جيش معزول عن كل فئة اجتماعية مغربية مرتبطا بشخص السلطان فقط، وكان عليه أن يضمن جباية الضرائب ومراقبة الطرق التجارية وحماية الدولة من المتمردين والأعداء وتوسيع نفوذها وتحقيق مركزيتها، دون كبير الإعتماد على تحالف أو مساعدة الشرائح الإجتماعية التقليدية كالزوايا وأعيان المدن الذين كانوا يساهمون من قبل في تزكية الحكم القائم مقابل الحصول على امتيازات، فتشكل جيش قادر على فرض مركزية الدولة الإسماعيلية بدون تقاسم السلطة مع أية هيئة اجتماعية أخرى، بل وقادر أيضا على ردع الكيانات الراغبة في اللعب على التوازنات أو المهددة للمركزية التي أخذت في تطبيقها الدولة.
* المجاهدون والفرق المجندة من المدن والبوادي:
وهم فئات من سكان البوادي والمدن كان يتم تجنيدهم لتكوين فرق عسكرية تنظم للجيش الرسمي، كما كون المجاهدون المشاركون في حركة الجهاد جيشا إضافيا سهر على تشكيله شيوخ الزوايا ووضعوه في خدمة الدولة ضد التهديد الأوربي، فكانوا يتصدون للسفن الأوربية ويساهمون في تحرير بعض الثغور المحتلة.








كان المولى إسماعيل يعول على جيش العبيد كثيرا، وكان على قناعة تامة بأهميته القصوى. وهو ما يمكن أن نقف عليه في مراسلاته المتعددة مع شيخ الجماعة في فاس محمد بن عبد القادر الفاسي. في هذه المراسلات نجد السلطان يتكلف جاهدا لإقناع شيخ الجماعة بخطورة المسألة، فيما يبدو الشيخ مترددا شيئا ما من الطريقة التي يسير بها المشروع (مسألة تمليك الحراطين). يقول المولى إسماعيل في إحداها، وهي مؤرخة في15 يوليوز 1697: «وقد علمتم حفظكم لله أن هذا الأمر لا بد من ناموس يحفظه ويكون له عونا وحصنا وهو اتخاذ الجند الذي هو عدة لله في أرضه وبه حماية بيضة هذه الأمة. به تشحن ثغورها وتأمن، ويرتدع غاويها».
لقد كان المولى إسماعيل، وهو يؤسس جيشه، يضع نصب عينيه الجيش الانكشاري العثماني الذي كان أداة رهيبة في يد الدولة، وإليه يعود الفضل فيما وصلت إليه الإمبراطورية العثمانية. وعلى شاكلته، أراد السلطان المولى إسماعيل أن يبني جيشا محترفا ومستقلا، يكون السلطان أباه الروحي، وتكون الحرب صنعته الوحيدة. لكن هذا المشروع الواعد لم يكن ليمر دون حوادث سير مميتة، بعد أن وضع المسار الذي أخذته عملية التأسيس المولى إسماعيل في مواجهة علماء عصره. ووصل الأمر إلى حد الإطاحة برأس أحد أبرزهم، هو الفقيه عبد السلام بن حمدون جسوس.



إنشاء أول جيش مغربي نظامي ومحترف، خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر والعقود الثلاث الأولى من القرن الثامن عشر، يدفع الباحث في المجال العسكري إلى ضرورة استحضار الظروف العامة التي سبقت ومهدت الطريق نحو الرغبة الأكيدة التي انتابت السلطان مولاي إسماعيل ودفعته نحو التفكير بجدية لتأسيس جيش قوي يعيد للدولة هيبتها ويضمن استقرار البلاد والوقوف أمام كل خطر يهدد سلامتها وأمنها، وبالتالي تكرار محاولات استرجاع الثغور المغربية المحتلة على الواجهة المتوسطية والأطلسية.

الظروف العامة قبل تولية السلطان مولاي إسماعيل

تمكن الشرفاء العلويون من توحيد المغرب بقيادة مولاي الرشيد (1666-1672م) بعد القضاء على مجموعة من المشاكل التي كانت تعرفها البلاد آنذاك، خصوصا الصراع ما بين الإمارات المستقلة، فقضى على معظمها وتمكن من توحيد المغرب حيث : تمهدت له البلاد بعد محاربة طويلة ومقارعة فظيعة. وبعد أن قاسى مع المغرب والثوار من الحروب ما هو أدهى وأمر. (اليفراني، نزهة الحادي، ص. 304. ابن زيدان، المنزع الطيف، ص. 183).
تشكل جيش مولاي الرشيد من جيش منطقة الريف وأحوازها (طنجة) وجيش اشراكة المكون من عدة قبائل شرقية ومن عرب أنكاد ومن مديونة وهوارة وسوس وعرب شجع وبني عامر، إضافة إلى بعض الأسرى المسيحيين الذين تم توظيفهم في المدفعية؛ فبلغ مجموع عدده حوالي 8000 من الفرسان و32.000 من المشاة. إلا أن الوفاة المفاجئة لمولاي الرشيد، دفعت خلفه السلطان مولاي إسماعيل إلى دعم الجيش المغربي التقليدي بخلق جيش نظامي، وإبقائه مستقلا عن النفوذ القبلي، وجعله متفوقا من الناحية التكوين والتسليح بل إخضاعه لتكوين نظري جمع ما بين الولاء للسلطان والالتزام بالتعاليم الإسلامية والتشبث بقيمها. فما هي مكونات الجيش الإسماعيلي؟ وما هي الخصائص التنظيمية العسكرية على عهد السلطان مولاي إسماعيل؟ وكيف تمكن هذا السلطان الكبير بتلك التشكيلة الجديدة من الجيش من توحيد البلاد واسترجاع جل الثغور المحتلة؟ وكيف تمكن بسياسته التحصينية من ضبط الأمن والاستقرار بربوع المغرب؟

تجمع مختلف المصادر التاريخية التي عاصرت السلطان مولاي إسماعيل، على كون شخصية هذا السلطان كانت شخصية عسكرية بامتياز، ويعود ذلك إلى التكوين الذي خضع له والتجربة القيادية التي كان يتمتع بها، والعقيدة العسكرية المغربية الأصيلة التي كان يؤمن بها. مما أعطى لمرحلة حكمه استثناء في تاريخ المغرب الحديث، ووضع البلاد ضمن الدول المهابة الجانب بالبحر الأبيض المتوسط في وقت عرفت فيه الدول الأوربية نهضة سياسية واقتصادية وعسكرية مهمة.
لم يكن المغرب ليتبوأ تلك المكانة وأن يسترجع تلك الهيبة التي أسس لها الأمراء والسلاطين المغاربة من ذي قبل لولا التنظيم العسكري المحكم والتكوين النظري المركز، الذي اعتمده السلطان مولاي إسماعيل، حيث تمكن من تكوين أول جيش منظم ومحترف في تاريخ المغرب، استطاع به القضاء على الثورات الداخلية وإخضاع المتمردين، خصوصا عندما كان خليفة لأخيه على مدينة فاس، وقصد إقليم سوس لتمهيده سنة 1670م، كما تمكن في العام 1671 من القضاء على ثورة أحمد ابن محرز بناحية مراكش والخضر الغيلان بناحية الهبط وإخوته بجبل ساغرو وابنه بتادلة، وعلى من تبقى من الدلائيين؛ إذ : إنه أقام في تمهيد المغرب وحروب الثوار والخوارج على الدولة أربعا وعشرين سنة لم يقم بها في داره سنة واحدة. (الزياني، الترجمان، ص. 25). وقد وصل نفوذه إلى تخوم السودان وحدود تلمسان وهو ما يشير إليه اليفرني في النزهة حيث قال : ... وانتشرت دولته [السلطان مولاي إسماعيل] في عماير السودان ... وامتدت مملكته من جهة الشرق إلى نواحي تلمسان.

الجيش المغربي على عهد السلطان مولاي إسماعيل

1- الجيش التقليدي :
استفاد السلطان مولاي إسماعيل من التجربة القيادية التي تمتع بها عندما قضى زهاء سبعة سنوات واليا لأخيه على مدينة مكناس، واحتك عن قرب بأبرز القيادات العسكرية المتمردة، التي كانت تقود القبائل ضد السلطة المركزية، مما أكسبه خبرة كبيرة اطلاعه كذلك على ما يجري في الدول المجاورة، خصوصا بأتراك الجزائر ونموذج الانكشارية، ومحاولته إيجاد بديل للجيش المغربي التقليدي المرتبط في غالب الأحيان بالقبيلة والذي شكل قوته العسكرية عند في بداية حكمه، هذا الجيش التقليدي ارتكز على أربعة عناصر وهي :
قبائل الجيش : عرف هذا النوع من العسكر في تاريخ المغرب، خصوصا خلال المرحلة السعدية والعلوية، حيث تقطع بعض الأراضي للقبائل مقابل الخدمة العسكرية أو تجييش عدد من الفرسان يكونون رهن إشارة الدولة في أي وقت، وقد اعتمد العلويون نفس السياسة التي كانت لدى الدولة السعدية، حيث تم إعفاء تلك القبائل من الكلف والضرائب ما عدا الضرائب الشرعية ( الزكاة والأعشار)، وتمتيعها ببعض الامتيازات مقابل خدمتها العسكرية، وقد عمل السلطان مولاي إسماعيل على تطوير هذه التركيبة وغير مواطنها حسب حاجيات الدولة ومتطلباتها.
جيش الأوداية : جمع ودي، وهي قبيلة تنحدر من عرب معقل، كانت تقطن جنوب المغرب استقدمها السلطان مولاي إسماعيل خلال دخوله الثاني لمدينة مراكش، وقد قسمها إلى قسمين، الأول تمركز بمدينة فاس، بقيادة أبو عبد الله بن عطية، في حين ترك الجزء الثاني بمكناس، بعد أن أسند مهمة قيادته لأبي الحسن علي المعروف بأبي الشفرة. وكان القائدان المكلفان بجيش الاوداية يتبدلان القيادة بينهما في بداية تشكيل هذا الجيش إلا أن تم التخلي عن مبدأ التناوب فاستقرت قيادة ابن عطية بمكناس في حين استقر ابن الشفرة بمدينة فاس.
وقد قسم السلطان مولاي إسماعيل جيش الاوداية إلى عدة مجموعات كان أبرزها : رحى أهل سوس، وقبائل المغافرة، وقبائل أهل الريف، وقبائل آيت يمور...

*
جيش البخاري كأول جيش محترف في تاريخ المغرب
اكتست مرحلة حكم السلطان مولاي إسماعيل أهمية كبيرة في تاريخ المغرب الحديث، فقد عمل هذا السلطان على توطيد أسس الدولة المغربية الحديثة، ونجح في التصدي لمختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعرفها البلاد آنذاك، ويعود له الفضل في استرجاع العديد من الثغور المحتلة، وضمان استقرار البلاد وفرض هيبتها، بل تمكن من مجاراة العديد من الشخصيات الأوربية واللعب على أسلوب القوة العسكرية ومتانتها، وعظمة شخصيته المتمرسة ولعبت فيها زوجته للا خناتة بنت بكار أدوارا طلائعية في الاستشارات السياسية والعسكرية التي كانت تقدمتها لهذا السلطان الذائع الصيت بين الأمم؛ بل كان محط أعجاب العديد من الرحالة والكتاب بل حتى الرسامين الذين حجوا للمغرب، واستلهموا قصصا مختلفة التوجهات، حيث تجمع جل المصادر على كون السلطان مولاي إسماعيل؛ الذي قضى أكثر من نصف قرن في الحكم؛ كان شخصية استثنائية في تاريخ المغرب، إذ نقل البلاد من الفوضى والتطاحن إلى فرض الأمن والاستقرار في ربوعها. ويتساءل الباحث عن سر الذي يكمن وراء نجاح تجربته العسكرية، وبالتالي عن التركيبة البشرية التي اعتمدها والأسلوب الجديد الذي نهجه في تكوين جيش مغربي مستقل عن القبيلة وضغوطها وعن العصبية ومطامحها!،
لقد سبقت الإشارة إلى حالة المغرب خلال القرن السابع عشر، والمتصفة إجمالا بالتطاحن والاضطرابات والثورات بين مختلف القوى والقبائل للسيطرة والوصول إلى الحكم بدون سند شرعي أو إجماع مغربي حولها. إلا أن التفاف كل المغاربة حول الأسرة العلوية الشريفة، دفع بسلاطينها إلى اعتماد سياسة الوحدة والتوحيد منهجا لتحقيق الأمن والاستقرار واسترجاع تلك الهيبة التي كان المغرب يتمتع بها منذ القدم، فانصبت جهودهم على تسخير كل الجهود والإمكانيات، السياسية والعسكرية والاقتصادية لمتابعة المشروع العلوي لتوحيد البلاد وضمان الأمن والاستقرار للعباد.
في ظل تلك الأوضاع التي خلفتها التطاحنات والصراعات بين مختلف القوى السياسية التي كانت تتحين الفرص للتمرد، وسيرا على النهج الذي اعتمده مولاي امحمد ومولاي الرشيد، عمل السلطان مولاي إسماعيل؛ بعد أن عقدت له البيعة؛ بعد وفاة أخيه في حادثة الفرس مراكش، على إيجاد حلول ناجعة مستقاة من الفكر العسكري الذي عرف لدى العثمانيين والأوربيين، لكن بطريقة وأسلوب مغربي متميز، وهو ما يحيل إلى كون السلطان مولاي إسماعيل كان مطلعا على ما يروج وما داخل الأوساط العسكرية المعروفة آنذاك والمتنافسة القوية بينها للسيطرة على مناطق أخرى بل كان مدركا عن وعي وإيمان بعقيدته العسكرية وبأن القوة العسكرية المبنية على أساس قبلي لا يمكنها أن تصمد أمام مغريات السلطة وترتيباتها، وهو ما يتضح من خلال رسالة بعث بها إلى محمد بن عبد القادر الفاسي جاء فيها : ... وقد نظرنا في الجند الذي عليه مدار أساس الخلافة وبه قوامها فما وجدنا مدينة فيها عصبية، ولا قبيلة فيها حمية تطوق أعناقها وتتقلد هذا الربق... (مجلة تطوان، عدد خاص بمولاي إسماعيل، 1962.). لذلك التجأ إلى أسلوب جديد اعتبر الأول في تاريخ المغرب، ولم يسبقه أحد له، وهو تكوين جيش منظم، محترف لا يمت لأي قبيلة بصلة، يكون الولاء فيه مطلقا لقائده الأعلى، ومتمرسا على أساليب الحرب والقتال، وخاضعا لتكوين نظري وتطبيقي مهمين ومجهزا بأحدث الأسلحة من عدة وعتاد. ليصبح بالتالي القوة الضاربة والأداة الفعالة والقوة العتيدة التي سيعتمدها السلطان مولاي إسماعيل لتوطيد الحكم ودعم اقتصاد البلاد وتحرير ثغورها.
أصول جيش عبيد البخاري
تحيل مختلف المصادر التاريخية التي عايشت المرحلة أن أصل هذه التركيبة العرقية تعود إلى أيام السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي، الذي جاء بهم من السودان خلال حملته على تلك المناطق، حيث وظفهم في شتى المجالات وبالخصوص في المجال العسكري، وتم تقييدهم في سجل خاص بهم. إلا أن ضعف السلطة المركزية بعد وفاة المنصور الذهبي وصراع أبنائه جعلهم يتفرقون بين مدن وحواضر المغرب.
وتحيل بعض المصادر على أن اقتراح مشروع توظيف هؤلاء العبيد كجيش لمولاي إسماعيل جاء من قبل عمر بن قاسم المراكشي المعروف باسم عليليش، الذي كان والده يشغل منصبا عسكريا مهما في جيش المنصور الذهبي، حيث طرح عليه المشروع قائلا له بعد أن استفسره مولاي إسماعيل في الأمر : ... نعم، كثير منهم ومن أولادهم وهم متفرقون بمراكش وأحوازها وبقبائل الدير، ولو أمرني مولانا بجمعهم لجمعتهم (الناصري، الاستقصا،مطبعة دار الكتاب، الدار البيضاء، 1956، ج. 7، ص. 56). فما كان من السلطان إلا أن كلفه بجمع ما تبقى منهم ومطالبة كل القبائل المغربية بتسليمهم وتسجيل أسماءهم في ديوان خاص بهم.
وبالرغم من كون أن مسألة توظيف هؤلاء العبيد كجيش مغربي، وبدون سند قبلي، قد لاقت معارضة من قبل بعض الفقهاء، وطرحت إشكاليات فقهية معارضة وأخرى مؤيدة، إلا أن السلطان مولاي إسماعيل تمكن بقوته من التغلب على هذا المشكل، خصوصا أن رغبته الأكيدة في توحيد البلاد وضمان أمنها واستقرارها ووضع حد للأطماع التركية الأوربية، كانت أقوى من أي عرقلة لمشروعة العسكري الجديد.


Post a Comment

Previous Post Next Post