( أهمية الصحة في دعم الإنتاج ) :
** أهمية
الرعاية الصحية في إتقان العمل وتكوين الخبرة :
تمهيد
: تعتبر الرعاية الصحية نوعاً من الاستثمار البشري في العملية الإنتاجية ، فعن
طريقها يمكن تنمية الموارد البشرية كماً وكيفاً فمن الناحية الكمية : تساعد الرعاية الصحية على تقليل
نسب الوفيات بين الأطفال والشباب ، وهذا من شأنه أن يزيد في أعداد السكان ، فتزداد
بذلك القوى البشرية القادرة على العمل والإنتاج ، ومن الناحية الكيفية ، تساعد
الرعاية الصحية على القضاء على الأمراض المستوطنة وأمراض سوء التغذية التي تضعف
حيوية الأفراد ، وتجعل الحياة عبئاً ثقيلاً عليهم ، فتتحسن صحة الأفراد وتزداد
مقدرتهم على العمل ، سواء بالنسبة
لعدد الساعات التي يشتغلونها كل يوم ، أو بالنسبة لمقدار العمل الذي يؤدونه أثناء
حياتهم وبذلك يرتفع معدل الكفاية الإنتاجية ويزداد إنتاج المجتمع (2).
** الأدلة
على اهتمام الشريعة بالصحة :
** هذه القصة الآتية تبين أن القرآن
والسُّنَّة وضعا الخطوط العريضة لرفع المستوى الصحي للإنسان .
قال
نصراني لعلي بن الحسين : ليس في كتابكم من علم الطب شيء ، والعلم نوعان : علم
أديان وعلم وأبدان . فقال له علي : جمع الله الطب في نصف آية من كتابنا . فقال ما
هي؟ قال :قوله تعالى: ((وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)) (1).
فقال النصراني ولا يؤثر عن رسولكم في الطب
. فقال علي : رسولنا جمع الطب في ألفاظ يسيرة ، قال : ما هي ؟ قال : ( المعدة بيت
الداء والحمية رأس كل دواء
، وأعط كلاَّ حسب ما عودته ) (2)، فقال
النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً .
قال
علماؤنا : يقال إن معالجة الطبيب نصفان ، نصف دواء ونصف حمية ، فإن اجتمعا فكأنك
بالمريض وقد برئ ، وإلا فالحمية به أولى ، إذ لا دواء مع ترك الحمية وقد تنفع مع ترك الدواء (3).
** وإليك
بعض الأمثلة من السُّنَّة للمحافظة على صحة الإنسان :
** حث الرسول - e - على تقوية البدن ، كما حث e على تقوية الروح .
وقد
بّين e لأمته الطرق الكفيلة
بإبعاد كثير من الأوبئة والأمراض . وهو ما يسمى " الطب الوقائي " .
ومعلومة
قصة عمر :
(
ذلك عندما قال في الرجوع عن البلد التي فيها الطاعون : نفرّ من قدر الله إلى قدر
الله ) .
ثم
قال عبد الرحمن بن عوف : إني سمعت رسول الله e يقول : (( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض
وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه )) (4).
(
إنَّ الأدلة صريحة في المنع وصريحة في عدم ذلك ، وهذا يدل على جواز الأمرين فمن
قوي توكله واعتماده ويقينه أخذ بحديث الجواز . ومَنْ ضعف وخاف أخذ بحديث المنع ،
وهذه سُنَّة ، وهذه سُنَّة ) (6).
** تحريم ما
يضر جسد الفرد :
وزيادة
في حماية صحة المسلم حرم الإسلام كل ما يضر بصحة الإنسان . فرحم أكل ما يضر بالجسد
كالسموم والتراب والخمر ، والخنزير والدم ونحوها كالميتة وجميع الخبائث .
قال
تعالى : (( قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو
دماً مسفوحاً ، أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به )(1).
وفي
مقابل ذلك أباح لهم أكل الطيبات التي تغذي الجسم غذاء صحيحاً . قال تعالى : ((
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )) (2).
** فعل
السبب والبحث عن العلاج :
قال تعالى : (( وننزل من القرآن ما هو شفاء
)) (3).
وقوله تعالى : (( يخرج من بطونها شراب
مختلف ألوانه ، فيه شفاء للناس ) (4).
وقد
أخرج مسلم عن جابر عن رسول الله e : (( لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى )) (5).
** يقول ابن الحاج في كتابه ( المدخل ) :
( وجواز الاسترقاء وشرب الدواء : هو مذهب
كافة العلماء والأئمة ) (6).
** الخلاصة :
إنَّ
الإسلام وضع الخطوط العريضة لحماية كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي من حيث
الرعاية الصحية ، حيث الفرد هو العنصر الفعّال في نهضة المجتمع .
* وما أكده دستور هيئة الصحة العالمية في
كثير من فقراته في حق المواطنين في الرعاية الصحية :
(
أن التمتع بأعلى مراتب الصحة أحد الحقوق الرئيسية لكل إنسان بغير ما تمييز بالنسبة
لجنسه أو دينه أو عقيدته السياسية أو حالته الاجتماعية ) . ومنها
( أن الحكومات مسؤولة عن صحة شعوبها ولن
يتأتي لها أن تضطلع بهذه المسؤولية إلا باتخاذ تدابير فعالة في إطار من العدالة
الاجتماعية ) (2).
إذن
لم يأت دستور هيئة الصحة العالمية بشيء جديد ، فالشريعة الإسلامية بتعاليمها قد
سبقت الأنظمة الوضعية في كل ما من شأنه سعادة الفرد والجماعة .
وبعد
الانتهاء من الحديث عن دور الرعاية الصحية في بناء الفرد وتكوين الخبرة
واستمراريتها ننتقل في الحديث عن موقف الشريعة من التخطيط ، وأدلته من الكتاب
والسنة وفعل الصحابة ، حيث التخطيط السليم من أهم مكونات الخبرة وبناء الفرد ،
وبالتالي رفع مستوى الإنتاج في الدولة الإسلامية .
** دور
التخطيط في دعم الإنتاج :
تمهيد:
ذلك
أن التخطيط من مستلزمات المحافظة على الوقت والعناية بأفراد الأمة ، حتى يتعلموا
أن يوجد التخطيط السليم والتنظيم ووضع كل شيء في موضعه ، حتى تتقدم الدولة على أسس
ثابتة وقواعد راسخة .
ومن
ثم تنعكس فوائد هذا التخطيط على كل فرد من أفراد الدولة . ذلك أن أهداف التخطيط
السليم :
1-
تجنب
الإسراف والتبذير .
2-
ومنها
العدالة في توزيع الدخول والثروات .
3-
والتوفيق
بين الادخار والاستثمار .
** المطلب الأول :
تعريف
التخطيط :
إنَّ
التخطيط كلفظ مطلق ، هو في أبسط صورة البحث عن أفضل البدائل الممكنة لتحقيق هدف
معين في مدة معينة ، في حدود الإمكانيات المتاحة تحت الظروف والملابسات القائمة .
والتخطيط
أهم وظائف العمل أياً كان نوعه . لأنه يعني تجميع الحقائق والمعلومات وتحليلها ،
ثم ترتيب خطوات العمل (1).
والتاريخ
الإسلامي يشتمل على العديد من صور التخطيط في مختلف العصور . والتخطيط في الإسلام
ينبني على ترتيب أولويات المصالح الشرعية وهي عبارة عن :
1- الضروريات :
وهي
الأمور التي تتوقف عليها حياة الناس وإذا اختل أمر منها اختلت حياتهم وعمها الفوضى
، ومرجعها إلى حفظ دينهم ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم (1).
2- الحاجيات :
وهي
الأمور التي تقتضيها سهولة الحياة ويسرها .
3- التحسينات :
وهي
الأمور التي تجمل الحياة وتكفل العيش الرضي (2).
** الفرع الأول : ( أهمية التخطيط والتنظيم
في القرآن ) :
ذكر
القرآن مجموعة من القصص تحكي أهمية التخطيط في مجال العمل . فهذه قصة داود – عليه السلام – عندما أمره الله تعالى
بصنع الدروع .
قال
تعالى : (( أن اعمل سابغات وقدر في السرد ، واعملوا صالحاً إني بما تعملون بصيرا )
(3).
وقوله
تعالى : (( إنّا كل شيء خلقناه بقدر )) (4).
ففي
الآيات إشارة واضحة إلى أن التخطيط هو أساس الحياة في كل مجال من مجالاتها . حيث
قال الله لنبيه داود : ( وقدر في السرد ) أي رتب ونظم حتى يخرج عملك متقناً .
والآية الثانية تشير إلى أن كل شيء وضع بحسب خطة سليمة إلى يوم القيامة .
وقوله
تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) (5).
إشارة
صريحة إلى طلب التخطيط والتنظيم ، حيث وجه الله رسوله -e - إلى إعداد القوة بكل مبادئها ، ومعلوم أنه لابد لذلك من تخطيط .
**ويقول الدكتور سعيد المرصفي : ( إنَّ في
القرآن الكريم قصصاً كثيرة رفيعة الشأن تدل على التخطيط . وفي قصص الرسول - e - وأعماله ما يدل على
التخطيط والتنظيم ) .
ومن هذه القصص في القرآن :
1- قصة تخطيط قام بها نبي مرسل :
وذلك
في قصة يوسف مع الملك . قال تعالى : ( يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان
يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر ، وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون
، قال تزرعون سبع سنين دأباً ، فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون .
ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون . ثم يأتي
بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) (1).
ففسرها عليه السلام بوضع الخطة الآتية :
1-
ضرورة
العمل المتاح لزيادة الإنتاج .
2-
أهمية
التخزين السليم لصيانة الثمار .
3-
حتمية
الاقتصاد في الاستهلاك .
4-
وجوب
تحقيق فائض ضروري لإعادة الاستثمار .
5-
أحكام
استثمار المدخرات .
6-
وضع
الرجل المناسب في المكان المناسب (2).
2-قصة سد قام بها رجل صالح :
قال
تعالى : (( ويسألونك عن ذي القرنين ، قل سأتلو عليكم منه ذكرا . إنّا مكنا له في
الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً . فأتبع سببا . حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب
في عين حمئة ووجد عندها قوماً . قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم
حسنا . قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكرا ) (1).
إلى
قوله تعالى : (( حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون
قولاً . قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً
على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ، قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم
وبينهم ردما . آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا ، حتى إذا
جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطرا )) (2).
ومن
هذه القصة ندرك مراحل بناء السد ومراحل التخطيط التي سار عليها ذو القرنين حيث سار
في عمله على هذه الأسس التالية :
1-
إنّ
العمل الصالح هو أساس التفاضل .
2-
الربط
بين العمل والجزاء –
وبين السبب والنتيجة –
فهو لا يؤاخذ إلا ظالماً ويكرم المؤمن الذي يعمل صالحاً .
3-
مبدأ
المشاركة في العمل والتعاون على ذلك . عندما قال : (( أعينوني بقوة )) (3).
4-
جمع
المواد الأولية وتحديد خطوة العمل (( آتوني زبر الحديد )) (4).
5-
صهر
وتنظيم وإرادة . حينما قال لهم : (( انفخوا ))(1)
، ثم إفراغ القطر عليه – وهو النحاس المذاب – ليلتصق الحديد بعضه مع
بعض – الحديد بالصهر والشعب
بالعمل .
6-
اختبار
قوة السد (( فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ))(2) .
7-
شكر الله الدائم : ( هذا رحمة من ربي ) (3).
فالاعتماد
على النفس رحمة من ربي . وتنظيم العمل رحمة من ربي . وصهر الحديد والنحاس رحمة من
ربي . واختبار العمل بعد الانتهاء رحمة من ربي . ونجاح العمل رحمة من ربي .
ففي
هذه الآيات دعوة صريحة إلى التخطيط العملي الفذ ، والعمل المتقن والإنتاج والإبداع
(4).
** الفرع الثاني : فعل الرسول e في التخطيط :
أولاً : التخطيط في الدعوة :
حيث
إبتدأ - e - دعوته سراً بين الناس ،
ثم ما قام به - e - من عرض نفسه على القبائل الواردة على مكة المكرمة لقبول الدعوة
الإسلامية . حتى قيض الله من احتضنها ، وذلك كله بسبب التخطيط السليم ، الذي قام
به -e - في بداية الدعوة .
** التخطيط
للهجرة من مكة إلى المدينة :
قصة خروج النبي - e - من مكة إلى المدينة .
** يقول ابن القيم :
لما
بايع الرسول - e - أهل العقبة أمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة ، فعلمت قريش أن
أصحابه قد كثروا وأنهم سيمنعونه ، فأعملت آراءها في استخراج الحيل لمنعه من الخروج
.
فمنهم
مَنْ رأى الحبس ، ومنهم مَنْ رأى النفي ، ثم اجتمع رأيهم على القتل فأوحى الله
إليه بذلك وسار من توه ، وأمر علياً أن ينام في مكانه ، ولازمه الصديق – أبو بكر – رضي الله عنه . ولما فارق
مكة اشتد بأبي بكر رضي الله عنه ، فجعل يذكر الذين أرصدوا الجوائز الكبيرة لمن
يأتي برأس رسول اللهe حياً أو ميتاً .
فصار
يمشي أمامه ، وتارة خلفه ، وتارة يمينه وتارة عن شماله ، إلى أن انتهيا إلى الغار
، فبدأ الصديق بدخوله ليكون وقاية له . ثم أنبت الله شجرة لم تكن قبل فأظلت
الضيفين ، ثم جاءت عنكبوت فحازت وجه الغار . وجاء الله بحمامتين فاتخذتا هناك عشاً
، وكان يقول - e - لأبي بكر " لا تحزن إنّ الله معنا " (1). وأقاما في الغار ثلاثة أيام .
واستعملا
رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً ، أي ماهراً ، مع أنه كافر ، ولكن للضرورة أحكام
. وأعطياه راحلتيهما وواعداه غار ثور ، بعد ثلاث ليال فأتاهما فارتحلا (2).
وانظر
إلى التخطيط السليم الذي اتخذه -e - في هذه الهجرة الشاقة المحفوفة بالمخاطر .
أولاً :
أنه
- e - جعل الهجرة بالنسبة له
سرية ، لم يطلع عليها سوى أقرب المقربين إليه ، وتصميمه على الهجرة يعتبر من
التخطيط السليم لإنجاح مهمته - e - .
ثانياً :
جعل
علي بن أبي طالب في مكانه حتى يهدأ القوم في طلبه ، في أول الليل ، بحيث يتمكن من قطع مسافة تؤهله
للاختفاء .
ثالثاً :
عدم
مواصلة السير ، إذ المترصدون يملؤون الأرض جيئة وذهاباً ، حيث استقر بالغار الذي جعل الله فيه من المعجزات ما
حال بينه وبينهم .
رابعاً :
اتخاذه
- e - الرفيق في الهجرة
الشاقة ، حيث هو زيادة في أخذ الحذر ، والتشاور للوصول إلى أحسن طرق السلامة .
خامساً :
ما
أروع التخطيط وفعل الأسباب مع الثقة بنصر الله وتسديد الخطأ : " لا تحزن إن
الله معنا " .
سادساً :
استئجار
الدليل القادر على قطع الطريق بأسرع وقت وبأقصر جهد له دور في إنجاح الخطة .
سابعاً :
غدو
الراعي عليهم بالليل وهما في الغار ليشربا من ألبان الغنم وانصرافه عنهما بالنهار
يعتبر من أهم وسائل تخطيط الهجرة .
ثالثاً :
** التخطيط
للجهاد في سبيل الله تعالى :
وذلك
باستخدام الطرق الآتية :
أولاً :
تعبئة الجنود بالقوة الروحية والعقائدية ، حيث تذكيرهم بالشهادة في سبيل الله ،
وما أعده الله للمجاهدين في سبيله ، وكذلك الاستعداد في القوة الجسدية والسلاح ،
قال e : ( ألا إن القوة الرمي )
(1).
ثانياً : تعيين القواد وأمر الجنود بطاعة
قائدهم وأنها من طاعة الله ورسوله ، قال e : ( مَنْ أطاع الأمير فقد أطاعني ) (2).
ثالثاً : طلب اجتماع الكلمة والتعاون على
البر والتقوى وأداء العبادات حتى في أثناء المعركة وما صلاة الخوف إلا دليل على
ذلك .
خامساً : تتبع أخبار العدو ، وبث العيون
لأخذ الاستعداد للمعركة . ومعروف عندما سأل e الرجل : ( كم يذبح القوم من الإبل في اليوم ؟ ) وذلك في معركة بدر
، فقيل له كذا وكذا ، فقال : (( هم ما بين سبعمائة إلى تسعمائة ))*.
رابعاً :
**
التخطيط
في العمل الإداري :
قصة
ابن اللتبية :
لقد
وضع e القواعد في العمل الإداري
بكل دقة وأمانة حيث كانe يضع المقادير لأنصبة الزكاة ، ومقادير الخراج ، ويحددe وعاء كل منهما . وكان e يراقب الأسواق ويقيم
الحدود بيده الشريفة وكان e يحاسب عماله وأمراءه على تقصيرهم في القيام بما أُسند إليهم .
ومعلوم
قصته e مع ابن اللتبية عندما قال
هذا أُهدي إليّ وهذا لكم ، فقام خطيباً
وقال : " ما بال أقوام نوليهم مما ولانا الله ، ثم يقول كذا وكذا ؟ " (1). وكان ينصّب الأمراء والولاة ، والقضاة
ويتأكد من مدى صلاحيتهم (2).
** الفرع الثالث :
(
التخطيط في عصور الخلفاء ) :
** ذكر في " التراتيب الإدارية "(3) باب في اعتناء قواد الصحابة برفع
التقارير الجغرافية للخلفاء الراشدين عن البلاد التي فتحوها . وذلك أن الخلفاء في
صدر الإسلام أمروا أمراء جيوشهم وعمّالهم أن يرسم كل منهم خطط البلاد التي
افتتحوها واستولوا عليها .
مثال
ذلك : أن عمرو بن العاص لما أتم فتح مصر أرسل إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كتاباً يصف له فيه مصر
وشرح له السياسة التي سيتخذها فيها ونصه : ( مصر تربة غبراء وشجرة خضراء ، طولها
شهر ، وعرضها عشر ، يكتنفها جبل أغبر ورمل أعفر ، يخط وسطها نهر ميمون العدوات ،
مبارك الروحات ، يجري بالزيادة والنقصان كجري الشمس والقمر ، له أوان تظهر به عيون
الأرض وينابيعها حتى إذا عج عجيجه –
أي عظم ماؤه –
لم يكن وصول بعض أهل القرى إلى بعض إلا في القوارب . فإذا تكامل في زيادة نكص على
عقبيه كأول ما بدأ –
فعند ذلك يخرج القوم ليحرثوا بطون أوديته وروابيه . يبذرون الحب ويرجون الثمار من
الرب حتى إذا أشرق وأشرف سقاه من فوقه الندى وغذاه من تحته الثرى فعند ذلك يدر
حلابه ويغني ذبابه ، ثم إذا هي رقعة خضراء ، فتعالى الله الفعال لما يشاء ) (1).
** التخطيط
في عهد عمر :
يقول
أبو يوسف في الخراج : ( فحدثني السرى إسماعيل عن عامر الشعبي أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – مسح السواد فبلغ 36 ألف
جريب ، وأنه وضع على جريب الزرع درهماً وقفيزاً للمكيال . وعلى الكرم عشرة دراهم .
وعلى الرطبة خمسة دراهم ) (2).
وبعث
عمر – رضي الله عنه – حذيفة بن اليمان – على ما وراء دجلة – وبعث عثمان بن حنيف على
ما دونه –
فأتياه فسألهما : كيف وضعتما على
الأرض ؟ لعلكما كلفتما أهل عملكما ما لا يطيقون ؟ فقال حذيفة : لقد تركت
فضلاً. وقال عثمان : لقد تركت الضعف لو شئت لأخذته . فقال عمر عند ذلك : ( أما
والله لئن بقيت لأرامل أهل العراق لأدعنّهم لا يفتقرون إلى أمير بعدي ) (3).
** اهتمام
المسلمين على مر التاريخ بالتخطيط في شتى المجالات :
فقد
عني الإسلام بتخطيط المدن ، لأنها من ضرورات هذه الحياة . فقد كان كل خليفة يتابع
التطور الزماني والمكاني أثناء التخطيط .
وقد
ولد التخطيط في عهد الخلافة الراشدة واتسع في عهد الأمويين ، ثم العباسيين وهكذا ،
وقد حدث هذا التخطيط في كل المدن التي فتحها المسلمون كالعراق ومصر وتونس والمغرب
وغيرها .
وكان
المسلمون يأخذون بعين الاعتبار ما يرونه مفيداً في التخطيط كشق الأنهار وحفر
الجسور وتشييد المرافق العامة .
ففي
الفسطاط مثلاً ، كانت المياه تصرف بما يشبه المجاري (1). وكانت الحمامات تملأ المدن ، والأسواق
عامرة والتجارة رائجة . وكانت تخطط الشوارع والمرافق العامة ، وكان توزيع السكان
على الأرض مناسباً فيتقاسمونها
بالقرعة (2).
(2)
التنمية الاجتماعية ، عبد الباسط حسن ، ص373 .
(1)
سورة الأعراف ، آية 31 .
(2)
ذكره صاحب المقاصد الحسنة ، السخاوي ، رقم الحديث 1035 .
(3)
ينظر لهذه القصة والمناظرة ، تفسير القرطبي ، جـ7 ، ص192 ، وكذلك كتاب المدخل لابن
الحاج ، جـ4 ، ص 125 .
(4)
رواه مسلم ، كتاب القدر ، حديث 37 ، جـ 8 ، ص56 ، وفي مسند أحمد ، جـ 2 ، ص366 .
(5)
انظر الرسالة ص 107 .
(1) ونص
الحديث : (( اتقوا الملاعن الثلاث ، البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل . رواه
أبو داود في كتاب الطهارة ، الباب 14 ، جـ1 ، ص7 . رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة
، جـ1 ، ص 119 . ويقول عنه محمد عبد الباقي بعد إيراده في سنن ابن ماجه : قال عنه
في مجمع الزوائد : إنَّ سنده ضعيف ، لكن متنه له شواهد كثيرة تدل على صحته .
(2)
رواه البخاري في كتاب الطب ، الباب 54 ، وفي فتح الباري ، جـ10 ، ص243 .
(3)
رواه البخاري في كتاب الطب ، الباب 30 ، فتح الباري شرح البخاري ، جـ10 ، ص178 .
(4)
رواه البخاري في كتاب الطب ، الباب 30 ، فتح الباري ، جـ10 ، ص 178 . ورواه مسلم
في كتاب السلام ، حديث 105 ، جـ7 ، ص29 .
(5)
رواه مسلم في صحيحه ، جـ7 ،ص 31 ، في كتاب الطب .
(6)
الطرق الحكيمة ، لابن قيم ، ص332 .
(1)
سورة الأنعام ، آية 145 .
(2)
سورة الأعراف : آية 157 .
(3)
سورة الأسراء ، آية 82 .
(6)
المدخل ، لابن الحاج ، جـ4 ، ص128 .
(2)
ينظر التنمية الاجتماعية ، عبد الباسط حسن ، ص 373 .
(1)
تمويل المشروعات في طب الإسلام ، علي سعيد مكي ، ص 194 .
(1)الموافقات
، الشاطبي ، جـ2 ، ص8 بتصرف .
(2)الموافقات
، الشاطبي ، جـ2 ، ص10/11 بتصرف .
(3)
سبأ : آية 11 .
(4)
القمر ، آية 49 .
(5)
الأنفال ، آية 60 .
(1)
سورة يوسف ، آية 46-49 .
(2)
العمل والعمال ، سعيد المرصفي ، ص 172 .
(1) سورة
الكهف ، آية 85-96 .
(2)
سورة الكهف ، آية 85-96 .
(4)
العمل والعمال بين الإسلام والنظم الوضعية المعاصرة ، د. سعد المرصفي ، ص172-174 ،
ببعض التصرف .
(1)
انظر الفوائد ، لابن القيم ، ص71 ، ط : الثانية .
(2)
انظر البخاري ، مناقب الأنصار ، الباب 45 .
(1)رواه
مسلم في كتاب الإمارة ، حديث 167 ، جـ6 ، ص52 ، ط : دار المعرفة . وفي مسند أحمد ،
جـ4 ، ص 157 .
(2)رواه
البخاري ففي كتاب الجهاد ، الباب 109 ، وفي فتح الباري ، جـ6 ، ص116 ، ط : السلفية
.
(3)انظر
فتح الباري شرح صحيح البخاري ، كتاب الجهاد ، الباب 103 ، جـ6 ،ص 112 ، ط :
السلفية .
(1)القصة
في البخاري ، كتاب ، الباب 15 . وفي مسلم ، كتاب الإمارة ، حديث 28 .
(2)وذلك
عندما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : بم تحكم ؟ قال بكتاب الله . قال فإن لم تجد ؟
قال : فبسنة رسوله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأيي ، ولا آلو . فضرب على
صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله ، ينظر أبو
داود ، كتاب الأقضية ، جـ3 ، الباب 11 ، ص 303 ، وفي مسند أحمد ، جـ5 ، ص 230 .
(3)
تخطيط المدن في الإسلام ، محمد الوكيل ، ص 135 .
(1)
تخطيط المدن في الإسلام ، محمد الوكيل ، ص 135 .
(2)
نفس المرجع ، ص 136 .
Post a Comment