النظرية الداروينية :
من هو داروين ؟
ولد العالم ألانجليزي شارل داروين Charles Darwin   سنة 1809 وتوفي سنة 1882 (ملحقة رقم2).

انحدر داروين من عائلة مثقفة، وقد كان جده  إرسموس داروين Erasmus Darwin عالما ذا شهرة واسعة، ترك عدة كتب في مجال العلوم الكونية.

في الحقيقة، لم يكن داروين عالم أحياء أي بيولوجيا، وإنما عمله الأساسي كان في ميدان الجيولوجية. قام برحلة حول العالم دامت 5 سنوات (من 1831 إلى 1836) على متن سفينة "بيڤل" Beagle.
خلال هذه الرحلة التي قادته إلى جزر "الكلاباغوس"  Galápagos               ( ملحقة رقم3) استطاع، بفضل بصيرته النافذة، جمع العديد من المعلومات (عينات جيولوجية، ومستحثات، الخ ...) العلمية الدقيقة التي ساعدته في نشر كتابه الشهير "نشأة الأنواع" Origine des espèces سنة 1859.  
        
المحاور الكبرى لنظرية داروين :
ثلاث مؤثرات كبرى ساعدت داروين على إرساء نظريته لتطور الأنواع بفعل الانتقاء الطبيعي Selection naturelle

1-      رحلته إلى جزر الكلاباغوس أين درس 14 نوعا من  الشرشور pinson، حيث لاحظ اختلاف مناقيرهم حسب نمطهم الغذائي (ملحقة رقم 4)
2-      تربية الحيوانات الأهلة أو الداجنة، وتحسين الأنواع.
3-      قراءته لكتاب (مالتوس) Thomas Robert Malthus (1766-1834) Essai sur le principe de population الذي يقول فيه أن عدد البشر يكون في أغلب الأحيان أكبر من الموارد الغذائية، وبالتالي في ظروف قاسية كالمجاعات الكبرى والأوبئة يكون البقاء لمن يملك أحسن الامتيازات، أي الأغنياء والأقوياء، بينما الفقراء والضعفاء فمصيرهم الهلاك. وبهذه الطريقة تلعب الأزمات دورا منظما، لوقت معين، بين عدد السكان والموارد الغذائية المتوفرة. ( ) ( ).

ومن بين الأمثلة البسيطة التي تظهر فعل الانتقاء الطبيعي على تطور الأنواع مثال الزرافة.

فبالنسبة إلى داروين لم تبق الزرافة على قيد الحياة إلا لأنها تملك عنق طويل، بحيث يساعدها هذا الامتياز للوصول إلى أوراق الأشجار البعيدة حين حدوث الجفاف. بينما مصير الأنواع الأخرى الانقراض لعدم توفرها على هذه الميزة.

قبل البدء في تحليل ونقد المحاور الكبرى التي أسس عليها داروين نظريته، أريد أن يعلم أخي القارئ، بأن العديد من العلماء سبقوا داروين في الكتابة عن تطور الأنواع، ولكن معظم أعمالهم لم تكن منظمة ودقيقة، كما كانت أعمال العالم داروين الذي نال شهرة كبيرة خاصة في الأوساط الإلحادية.

من بين أشهر العلماء (لامارك) lamarck و(ألفريد ولاس) Alfred Russel Wallace و (ش. ليل) Charles Lyell، وقد أثرت كتابات هذا الأخير في داروين تأثيرا كبيرا.

من بين الأدلة التي تقف ضد النظرية الداروينية للتطور، والتي تعتبر من الأدلة القوية والموضوعية أدلة الكاتب (موريس بوكاي) Maurice Bucaille.

يقول في كتابه من أين أتى الإنسان ؟ L'homme d'où vient-il? " من البديهي ـ في الطبيعية ـ أن الحيوانات والنباتات التي تحمل عاهات تختفي أو تندثر في مرحلة أولى وليس من الضروري إعطاء أي دليل عن ذلك فهذا من المسلمات. ولكن القول بأن الطبيعة لا تترك إلا الأقوياء، والذين يملكون الامتيازات فهذا شيء آخر"( ).

إن التصريح بأن للأقوياء الحظ الأوفر في البقاء غير صحيح، والدليل على ذلك الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وفيضانات وسقوط المذنبات، التي تقضي على الأخضر واليابس ولا تميز بين الضعيف والقوي.

لا يوجد في وقتنا الحالي  من ينكر الانقراضات Les extinctions التي حصلت على سطح الأرض وأدت إلى اندثار أنواع عدة من النباتات والحيوانات.
"La plupart des paléontologues reconnaissent qu'à plusieurs reprises dans l'histoire de la terre, des crises, biologiques sévères ont conduits à la disparition de proportions élevées des            espèces vivantes   

 ومن بين أهم الانقراضات الكبرى، الانقراض الذي حدث ما بين نهاية الحقب القديم paléozoïque وبداية الحقب المتوسط Mésozoïque      ( ما يسمى أزمة "الترياسي" Trias "البريميان Premien) و التي من المفترض أنها  قد قضت على ما يقرب من 90 بالمائة من مختلف الأنواع (أنظر جدول رقم 3).

كان العالم الفرنسي (جورج كوفي) Georges Cuvier (1769-1832) من الذين فسروا الإنقراضات بحدوث كوارث فجائية، أما داروين كان يعتبر انقراض الأنواع جزء من عملية التطور بحيث يحصل الانقراض بصفة تدريجية وبطيئة.

ولم تكن معارضة داروين لسيناريو الكوارث إلا أنه يتنافى كلية مع نظريته للتطور التدريجي بفعل الانتفاء الطبيعي.

جدول رقم3 : أهم الانقراضات خلال التاريخ
الحقب  العصر  الكائنات الحية   الانقراضات الخمس     التوقيت بمليون سنة
الجديد cénozoïque        Quaternaire       ظهور الإنسان
        
                                              
المتوسط (الثاني)
Mésozoïque      الكريتاسي crétacé  أنواع كثيرة من الديناصورات


أنواع كثيرة من الزواحف الضخمة والديناصورات

ظهور الثدييات


         الجوراسيك jurassique                      
         الترياس Trias                          
القديم (الأول)
paléozoïque      Permien   
ظهور الزواحف

أول الفقاريات الأرضي


ظهور السمك

تنوع الحياة البحرية    
         Carbonifère                        
         dévonien                    
         Silurien                       
         Ordovicien                          
         cambrien                   
ما قبل الكمبري Antécambrien  الطحالب                   -3200
         ▲: رمز الانقراضات
كما يواصل موريس بوكاي في كتابه السالف الذكر بالقول "إن تشبيه عملية تحسين أنواع الحيوانات الداجنة، التي يقوم بها المربون، بالانتقاء غير صحيح، وما يقومون به لا يتعدى التحسين النوعي. ولا برهان عن وجود أنواع جديدة منذ أن بدأ المربون القيام بهذه العملية.

أما في الطبيعة  فان حدوث التصالب بين الجنسين ـ في أغلب الأحيان ـ يكون محل الصدفة، ولا يتم دائما بين الأقوياء من الجنسين".

وبأخذه أمثلة عدة من عالم الحيوان استطاع موريس بوكاي أن يبين هشاشة صرح النظرية الداروينية.

من بين الأدلة القوية الأخرى، اكتشاف سنة 1938 لسمك كبير يدعى سمك "كلكنتا" Cœlacanthe، يبلغ طول هذا النوع من السمك 1.40م وهو نوع قديما جدا؛ يرجع وجوده إلى 300 مليون سنة. وبالرغم من ذلك لم يتطور إلى حد الآن (ملحق رقم5).

إن عدم تطور هذا النوع من السمك يبقى كالشوكة في حلق المدافعين على نظرية التطور، إذ أن وجود هذا النوع من الأدلة ينفي تماما الأسس التي بنيت عليها هذه النظرية ويرمي بها عرض الحائط.
 
وقد جاء في حديث صدر في مجلة البحث La recherche عن العالم م.ب. شوتنسنبرغر M.P. Schützenberger (وهو دكتور في الطب، أستاذ  بجامعة ماساشوستس للتكنولوجيا، له أعمال كثيرة في ميدان الرياضيات والإعلام الآلي) أن "لا أحد ينفي وجود ظاهرة الانتقاء الطبيعي، ولكن مبدأ بسيط، هو انه لا وجود للشيء إن لم تكن له قاعدة صلبة لوجوده (...) ففي منطقة يجتاحها التصحر، الأنواع الأولى التي تختفي هي التي تكون حاجتها للماء ملحة، لكن هذا لا يعني ظهور بنيات جديدة عند النباتات المتبقية  تسمح لها بمقاومة الجفاف. ففكرة أو تصور الانتقاء الطبيعي تصور غير قوي"( )

"Le concept de la sélection naturelle n'est pas un concept fort"

الخلاصة:
لقد عجزت النظرية الداروينية عن شرح الكثير من ألغاز الحياة في العالمين الحيواني والنباتي، وقد أصبح جليا ولا يخفي على أي إنسان يهتم بتطور الكائنات الحية.

فالعالم داروين عالم ذكي ودقيق الملاحظة،  ولم يخفى عليه أن نظريته للتطور بفعل الانتقاء الطبيعي غير كاملة الأدلة، وأنها ستكون محل نقد العلماء، لذا جعل في كتابه الشهير نشأة الأنواع فصلا كاملا يتحـدث فيه عـن صعوبات النظريـة
 Les difficultés de la théorie.

بالإضافة إلى ذلك لم يصرح داروين يوما ما، و بطريقة مباشرة، بأن أسلاف الإنسان هم القردة، ولكن العلماء الذين أتوا  من بعده هم الذين وظفوا هذه النظرية لأغراضهم الإلحادية.

والدليل على ذلك أن داروين دفن في أكبر الكنائس الإنجليزية.
لا يستطيع  أحد منا لوم داروين عن محاولته لفهم تنوع الكائنات, كون  أنه أتى في وقت لم تكن تعرف فيه المادة الوراثية، كما كان يجهل الكثير إن لم نقل الكل عن العمل الخلوي.

فعلى سبيل المثال لم تكتشف المادة الوراثية أي الدنا إلا في سنة 1943.
أما اللوم وكل اللوم فيرجع إلى الذين درسوا  الخلية والمادة الوراثية بأحدث الآليات، ومع ذلك لا  يزالون  يريدون إحياء النظرية الداروينية وإعطائها نفسا جديدا، لكونها تخدم مصالحهم المادية.

ولا أتردد في القول بأنه لو كان داروين على قيد الحياة لحارب بدون هوادة الذين وظفوا نظريته لأغراض إلحادية، خاصة بعد الاكتشافات العلمية بصفة عامة والبيوكيميائية بصفة خاصة، ولتساءل من أين انحدر هذا النوع الجديد من البشر؟

الداروينيون الجدد: Les Néodarwiniens
 أول من بدأ صياغة النظرية الداروينية الجديدة (أوغست وازمان) Auguste Weismann (1834-1914) حينما تأكد من استحالة توريث أو انتقال الصفات الوراثية المكتسبة.

 حيث ترى هذه المجموعة من العلماء  أن التطور تم بفعل حدوث طفرات عن طريق الصدفة، والانتقاء الطبيعي يعمل على توريث الطفرات الملائمة Selection Mutation par hazard .



ينقسم المؤمنون بهذه النظرية الجديدة إلى مدرستين :
المدرسة الأولى والتي تؤمن بحدوث الطفرات بطريقة تدريجية، وبالتالي يكون التطور تدريجيا Les gradualistes، ومدرسة ثانية تؤمن بحدوث طفرات عريضة أو كبيرة أدت إلى قفزات نوعية Les Saltationnistes.

فمهما كانت المدرسة التي ينتمي إليها هؤلاء فإنهم لم يتمكنوا من تقديم أدلة قاطعة أو تجريبية عن صحة فرضيتهم.

لقد تعرضنا إلى دراسة الطفرات في الفصل المخصص للمادة الوراثية، وقد بينا  أن DNA البكتريا معرض إلى العديد من الطفرات، ورغم ذلك لم نسمع إلى حد الآن عن تطور أو ارتقاء بكتيري.

وليعلم أخي القارئ أن تردد الطفرات Fréquence des mutations في البكتريا يناهز الـ 10-5 إلى 10-6 طفرة في الجيل الواحد وفي الموقع الجيني الواحد Locus  ( ).

أما بالنسبة للإنسان فلا نعلم الكثير عن تردد الطفرات الجينومية.

وقد قام الياباني (موطوكيمورا) Motoo Kimura، بدراسة بيوكميائية، قدم فيها مقارنة بين بعض البروتينات وجينات أفراد من نفس السلالة و من سلالات مختلفة، والتي لاحظ من خلالها أن الاختلافات الموجودة بين مختلف الأفراد ترجع إلى طفرات حيادية أي غير انتقائية Mutations non sélectives ( ).
ويقول م.ب. شوتسنبرغر : "الداروينيون الجدد على اختلاف شاربهم لهم تصورات بسيطة عن البيولوجيا (...) كيف نفسر أن المادة الحية، بالرغم من المعلومات البسيطة التي تمتلكها 50.000 جين تستطيع بطريقة رائعة صنع أعقد الأشياء وأنجعها ( )"

الخلاصة:
نظرية التطور التدريجي بفعل الطفرات التي يتزعمها حاليا (ر.دوكنس) Richard Dawkins  لا تقدم تفسيرا مقنعا للإنقراضات الفجائية، وكذلك للظهور السريع للأنواع المختلفة التي تم العثور عليها من قبل علماء المستحثات . أما بالنسبة لنظرية التطور بالقفزات فلا تفسر إلا بحدوث المعجزات  Miracles.

Post a Comment

أحدث أقدم