منهجية تحليل نص تطبيقي في المنهج الاجتماعي
منهجية تحليل نص تطبيقي نقدي 2باك سوسيولوجية القصيدة العربية المنهج الاجتماعي ثانية باك تحليل نص المنهج الاجتماعي لصلاح فضل المنهج البنيوي القصة القصيرة نجيب محفوظ نموذجا تحليل قصائد وفق المنهج الاجتماعي


 
    إذا كانت الفلسفة المثالية ترى في الأدب تعبيراً فردياً ، فإن الفلسفة المادية الماركسية ترى في الأدب تعبيراً عن محصلة عوامل مختلفة يأتي في مقدمتها العامل المادّي الاقتصادي الذي يشكل رؤية الأديب وموقفه من الحياة والمجتمع . وإذا كان وعي الناس يحدد وجودهم في الفلسفة المثالية ، فإن وجود الناس الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم، في الفلسفة الماركسية . ومن هنا وجدنا النقاد الاجتماعيين يؤكدون أن الوضع الطبقي للأديب يحتم عليه أن يحمل أفكار طبقته فيعبر عن همومها ومواقفها . ([36])
     ويشير بعض دارسي المناهج النقدية إلى أن فكرة تفسير الأدب والحدث الأدبي عن طريق المجتمعات التي تنتجهما وتتلقاهما وتستهلكهما قد عرفت عصرها الذهبي في فرنسا في بداية القرن التاسع عشر ، ذلك أن الثورة الفرنسية قد طرحت العديد من الأسئلة التي لم يكن عصر التنوير قبل عام 1789 ليطرحها إلا بشكل جزئي . فلقد ولد مجتمع جديد وجمهور جديد وحاجات جديدة واحتمالات جديدة ، ولم يسبق لأي " فيلسوف " أن عاش في مجتمع مثوّر revolutionnee . (2)
     ويُعتقد أن الارهاصات الأولى للمنهج الاجتماعي في دراسة الأدب ونقده ، قد بدأت منهجياً منذ أن أصــدرت مــــدام دي ســـتايل Mme de stael كتابها الموســوم بـ " الأدب في علاقته بالأنظمة الاجتماعية" عام 1800م ، فأدخلت بذلك المبدأ القائل بأن الأدب تعبير عن المجتمع . ونعتقد أنه من الصعب ردُّ المنهج الاجتماعي لكتابة واحد أو اثنين بقدر ما نرى أنه نتاجٌ لتطوّره التاريخي والسياسي والاجتماعي والثوري ، بل هو إعادة قراءة ثورية ولدت قوى بدت جديدة وربما كانت كامنة أو مخبوءة : البورجوازية الليبرالية ، البورجوازية الصغيرة و " الطبقة المفكرة" الباحثة عن ذاتها ناحية الشعب ، الطبقات الجديدة التي أطلق عليها فيما بعد ، الطبقات الكادحة التي انتزعت من أكواخها ، بعد أن وعدتها النظرية الاجتماعية الجديدة بأن تكون مقود التاريخ . ([37]) بيد أن الذي منح النظرية الاجتماعية بعدها المنهجي وعمقها الفكري المفكر المادي كارل ماركس K.Marx ، حيث أصبحت على يديه نظرية متكاملة ، ورؤية فلسفية للأدب والتطور الاجتماعي. وهذا لا يعني بالطبع تجاهل مساهمة بعض الفلاسفة مثل هيجل G.W.Hegel، وبعض علماء الاجتماع مثل أوكست كومت ودوركهايم إلى جانب جون ستيوارت مل وبليخانوف ولوكاتش ولوسيان جولدمان وغيرهم .
     والماركسية في الأساس نظرية في الاقتصاد السياسي وضعها كارل ماركس بمشاركة هامة من فريدريك إنجلز في منتصف القرن التاسع عشر . وكان لهذين المفكرين آراء عامة في الآداب والفنون تنطلق من الأساس الفكري الذي بنيا عليه نظريتهما في التفسير المادي للتاريخ . وملخصه أن الأدب، وفق رؤيتهما ، خاضع للقوى الاقتصادية والأيديولوجية وليس لأية قيم فنية جوهرية أو مستقلة. وليست هذه الرؤية الماركسية هي التي حكمت المسار الاجتماعي في النقد ، فثمة تيارات أخرى تبدو أكثر تحرّراً من التمسك بالآيديولوجية والتعصب للتفسير الاقتصادي للثقافة ، فثمة تيارات أخرى معتدلة تعترف بأهمية احتفاظ الأدب بقيمته الفنية والجمالية متجاوزة الأيديولوجيا البرجوازية . ولعل من أبرز المنظرين في هذا السياق ليون تروتسكي الذي بدا أكثر انفتاحاً في طروحاته من الحرس القديم من الماركسيين ، وطالب بألا تفرض الماركسية قيوداً على الفن ، وأن للفنان أن يعبر عن همومه الشخصية شريطة أن يحترم حركة التاريخ ويؤمن بحتمية التقدم (1).
     وللحق فإن الواقعية واقعيات حيث بدأت تسجيلية في ( مفهوم الانعكاس ) ، ثم ما لبث أصحاب النزعة الجديدة أن ناهضوا فكرة الانعكاس التقليدية القائمة على اعتبار الأدب ترجيعاً آلياً وبريئاً لمظاهر الحياة المختلفة ، مؤكدين أن الأدب وليد رؤية صاحبه الآيديولوجية التي تصنعها الظروف الموضوعية والأوضاع المادّية والملابسات المعيشية (2). ثم تطورت إلى واقعية نقدية ثم واقعية اشتراكية . وإذا كان تروتسكي يعد مقدم التيار المنفتح فإن الهنغاري جورج لوكاش ( 1885 – 1971) ، سعى إلى تناول شمولي للإنسان،يأخذ باعتباره الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية من غير أن يتجاهل البعد الداخلي الذاتي . ([3])
المنهج الاجتماعي ومبدأ القراءة النقدية الاجتماعية :
     تنطلـــق فكرة المنهج الاجتماعي أو النقـد الاجتماعي La sociocrilique كما يحلو لـ " بييـر باربيريس Pierre Barberis أن يسـميه ، مـــن النظرية التي ترى أن الأدب ظاهرة اجتماعية، وأن الأديب لاينتج أدباً لنفسه ، وإنما ينتجه لمجتمعه منذ اللحظة التي يفكر فيها بالكتابة وإلى أن يمارسها وينتهي منها . وفي الفلسفة المادية الماركسية أن لكل مجتمع بنيتين دنيا : ويمثلها النتاج المادي المتجلى في البنية الاقتصادية للمجتمع ، وعليا : وتمثلها النظم الثقافية والفكرية والسياسية المتولدة عن البنية الأساسية الأولى ، وأن أي تغيير في قوى الإنتاج المادية وعلاقاته لابد أن يحدث تغييراً في العلاقات الاجتماعية والنظم الفكرية . وصحيح أن الخطاب الأدبي أو الفني ينتمي على وفق النظرية الماركسية إلى البنية العليا للمجتمع ، وهو منعكس عن البنية الدنيا ومتأثر بها ، إلا أنه صحيح أيضاً أن مهمة الأديب لا تقف عند حد تصوير الواقع مجرداً أي ( تسجيله ) وإنما تتعدّى التصوير إلى الاختراق والنفاذ إلى بنيته التحتية وكشف ما يكتنف نسيجه من صراعات وتقديم صياغة نوعية لقوانين حركة المجتمع وصراعه عبر رؤية تقرأ الواقع لتستشف منه المستقبل .([38])
     وهنا تبدو المسألة فلسفية ، فهل الأدب ظاهرة اجتماعية وحسب ، أم هو ظاهرة لغوية وجمالية ونفسية وثقافية ... وعنوانها المؤسسة الاجتماعية ؟ وهل يمكن الفصل الحاد بين الفلسفتين المثالية والواقعية التي يلخصها سؤال الأدب تعبير فردي أم محصلة لعوامل مختلفة في مقدمتها العامل الاقتصادي ، أم أن العلاقة بينهما جدلية ؟ وكيف يعمل (المجتمع ) ، هل يعمل بصورة منغلقة عن الأدب ، والتاريخ ، والفلسفة؟ وما هو موقع الإنسان ودوره ودور وعيه ضمن محيطه الاجتماعي والثقافي ؟ وهل قال ماركس أو مونتسكيو Montisquies كل ما يمكن أن يقال ( أو ما يجب أن يقال ) عن التاريخ؟
    إنها أسئلة يصعب على كاتب هذه السطور الإجابة عنها ، ولكنه سيحاول تلمس معالمها التاريخية من خلال مبدأ القراء النقدية الأوسع . إن كل قراءة وأنا هنا أستعير عبارة بيير باربيريس ، هي ابتكار وبحث، ولأنها ، عند مستواها الخاص ، تساهم في إغناء وتقدّم الوعي بالظاهرة الاجتماعية – التاريخية : فالتأويل ،مثل الكتابة والإبداع ، يساهم ، ولو بطريقة غير ثابتة دوماً ، في تشكيل واستعادة وعينا بالواقع بأشكاله المتعددة ، وإن اعتمد هذا التأويل على بعض المكتسبات النظرية دون الحاجة لإذن من أحد . فغالباً ما يتشكل على مستوى التأويل ، كما على مستوى الكتابة والإبداع، تركيب جديد بين البنى التحتية والبنى الفوقية ، بين الوعي واللاوعي ، بين الفردي والعالمي ، بين النص والمرجع ، بين الأشياء والأحداث والتعبير ، وبين الأشكال القديمة والمتوارثة والأشكال الحديثة والمبتكرة . وهكذا تكون القراءة النقدية الاجتماعية حركة لا تتم فقط انطلاقاً من نصوص مؤسسة وقديمة ، بل من بحث وجهد يبتدع لغة جديدة ويظهر مشكلات جديدة ويطرح أسئلة جديدة . لذلك لا يمكن للقراءة النقدية الاجتماعية أن تكون وصفة توصل إلى معنى نهائي ، وتشكل مرجعاً أخيراً وحكماً مختزلاًً . ([39])
     إن أبرز المآخذ على أصحاب هذا المنهج هو إصرارهم على رؤية الأدب على أنه انعكاس للظروف الاجتماعية والاقتصادية للأديب ( وهو ما عرف بنظرية الانعكاس ) ، في حين أن المجتمع قد يشكل حافزاً أو مثبطاً ، فكثيرة هي الأعمال الأدبية العملاقة التي تجاوزت سياقاتها الاجتماعية . إن إدراكنا لأهمية طروحات الاجتماعيين في محاربتهم لموجات الانطواء والانعزال وأدب الأبراج العاجية ودعوتهم لأن يكون للأدب وللأديب رسالة يسعى لتحقيقها ، لا يمنعنا من إدراك الجانب الجمالي في الأدب ، بل من إدراك أن الأدب لا يمكن أن يحل محل النشاط الاجتماعي والعكس صحيح .
 
     إن الأصل في العمل الأدبي ، شـعراً أم رواية ، هو أن يحقـق المتعة والإدهـاش ، وأن يبعث على اللذة ولكن ليس بطريقة مجانية ، فالقول برسالة الأدب والفن ووجود أهداف إنسانية وأخلاقية له ، لا يعني إنكار قيمة الأدب الجمالية ، وإنما لم يعد العنصر الجمالي موسوماً بالإطلاق والمثالية ، وإنما هو "تنظيم وتنسيق وصياغة لعناصره المادية بحيث يخدم الهدف . وبدونه لا يمكن للشيء أن يحقق وظيفته المنشودة " . ([40])
     لقد أنضج المنهج الاجتماعي في النقد مجموعة من المفاهيم والمصطلحات النقدية المهمة مثل (الفن للمجتمع ) و ( رسالة الأدب ) و ( رسالة الفن ) و(الأدب الملتزم ) ، و ( الأدب الثوري ) و ( الواقعية النقدية ) و ( الواقعية الاشتراكية ) ، وكلها تشير إلى رسالة الأدب والأديب وتهدف إلى الدعوة لئلا يقتصر الأدب على كونه نشاطاً خاصاً بالقضايا الفردية ، وإنما يكون له دور وإسهام في تطور المجتمع ورقيه ودور في توعية أفراده . وقد تبع ذلك دعوتهم إلى نبذ الأدب الغامض كالأدب الوجودي والسريالي الذي يصور الإنسان كائناً فرداً منعزلاً غريباً ضائعاً في عالم لا معنى له وكلُّ أولئك مما يحسب  لأصحاب هذا المنهج .
     ومن هنا فلا غرو إذن أن يتلقف العالم العربي هذا المنهج النقدي ، وهو يشهد تطورات اجتماعية وسياسية ، تمثلت بحركات التحرر القومي من الاستعمار . لقد استجاب الأدب سواء في مصر أم العراق أم بلاد الشام إلى تلك المتغيرات، فبدأ الأدب والنقد يتخذان مواقف من طروحات الماركسيين التي وجدت صداها واضحاً في الطروحات الثقافية والنقدية لدى التيارات اليسارية . وقد شهدت الخمسينيات والستينيات ، وبخاصة قبل نكسة حزيران 1967 وبعدها انتعاشة واضحة للنقد الواقعي. ولعل من أبرز الأسماء التي يمكن أن يشار إليها في هذا الصدد محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في كتابهما المشترك " في الثقافة المصـرية " 1955م ، الذي كان له دور الريـادة في النقـــد الواقعي الماركسي في العالم العربي . كما برز ناقد يساري عربي آخر في لبنان هو حسين مروّة الذي كتب مقدمة كتاب في " الثقافة المصرية " ، وأصدر كتاباً بعنوان : " دراسات في ضوء المنهج الواقعي " ، حيث رأى فيه استجابة منهجية لتخليص النقد العربي من موضة النقد الانطباعي المحض ، لكي يدخل نقدنا العربي في عصر المنهجية النظرية . ومن نقاد هذا المنهج عصام حفني ناصف ، وسلامه موسى ، وعمر فاخوري ، ويحيى العبد ، وغالي شكري ، وعبد المحسن طه بدر، وفريدة النقاش ، وعبد الرحمن ياغي ، وغيرهم .
     لقد كان المنهج الاجتماعي علامة الانتقال إلى عصر آخر ليس عصر دمج الذات الهشة بل عصر انعتاقها , وآية ذلك أن النقد الاجتماعي لا يعلمنا قراءة النصوص فقط ، بل يعيننا ويفتح أعيننا على قراءة حياتنا وعلاقاتنا بالعالم من حولنا. ومن هنا فقد علمنا المنهج الاجتماعي أشياء كثيرة وقدّم لنا فوائد جمة ، فلم يعد المعنى فقط هو الموجود أو المحصور في النصوص ، وإنما جعل مكاناً للقارىء من خلال إبراز ذاته الاجتماعية الواضحة ؛ كما حمى النص من التلاشي والتحول إلى مجرد ملخص وإضافة لسلطة معرفية أخرى ، واحتفظ ببعده النضالي من خلال الجمع بين أولئك الذين آمنوا بالتاريخ ومن قاموا بتحليله ونقده . فالقراءة النقدية الاجتماعية هي، في بعض وجوهها، ورغم كل مجازفاتها، قراءة الامكانات الكامنة للتاريخ في صيرورته . إنها قراءة لـ :
-  المسيرة والتقدم بوصفهما حاملى التغيرات الإيجابية [ الثورة الفرنسية مثلاً ما تزال مستمرة في نتائجها ] .
-  المآزق الجديدة أو " الصراعات الجديدة " و " التناقضات الجديدة " .
-  وظيفة الكتابة والفن كمواضع ووسائل كشف وتعبير عن التاريخانية– الاجتماعية باعتبارها حقل المسائل المتكررة والمتجددة للحياة والمنزلة الإنسانية . ([41])
          وللحق فإن أحداً لا يستطيع إنكار أهمية الإضافة التي قدمتها الماركسية للنظرية الأدبية العالمية ، فقد شكلت في طروحاتها وتنظيراتها حول الأدب إضافة نوعية من خلال ربط الأدب بالمجتمع، واستجلاء ملامح العلاقات الاجتماعية وقسمات البنى الطبقية والتشكلات الآيديولوجية .

Previous Post Next Post