حل درس لا تطرق الباب


شرح وتحليل قصيدة لا تطرق الباب 

العاطفة مركبة وهي هنا عاطفة الفراق الممزوج بحزن مشبوب على الموضع الذي ارتبط بذكريات تستعصي على عدم التذكر في أركان المقر وأي زاوية فيه لم يكن للشاعر فيه ذكرى .. يستحيل معها عدم التذكر مثلما تستحيل الرجوع حتى زحفت عليها أسراب النمل لطول عدم الحضور .. ثم شوق وحنين للموقع مغموس بدموع العين التي لا لن تكفكفها الأيام .. إضاءة الشاعر في خاتمة القصيدة اكتمل فيها بدر الحزن بحنين جميع الأشياء في المقر لصاحبه إلا أن صوتا ينادي الشاعر .. ليس من بصيص أمل بالدار ولا بأهلها .. فقد طوح الزمن بالدار وأهلها .. 

ملحمة من الحزن .. قصيدة من شعر التجربة تظهر وحدة النفس الشعري فيها كوحدة عضوية .. وينبثق من ركام الحزن والأسى حُسن شفيف لا تخطئه العين .. وإن كان من مهام الشعر التطهير فإنها بذلك الحزن قد طهرت نفوسنا من التعلق بتلك الدنيا التي لا تستحق أن تعاش بمثل ذلك الأسى والعناء .. إنها سفرية من الوجع الممض .. 

والقصيدة عقب على بحر البسيط .. رقيقة وتذوب مع ذلك الحزن الشفيف رقة ..

لا تـَطرُق ِالباب عبد الرزاق عبد الواحد

لا تـَطرُق ِالباب تَدري أنـَّهمرَحَلوا 
خُذِ المَفـاتيحَ وافتـَحْ ، أيـُّها الرَّجُلُ 
أدري سَتـَذهَبُ..تَستـَقصي نَوافِذ َهُم 
كما دأبْتَ.. وَتـَسعى حَيثـُما دَخَلـُوا 
تـُراقِبُ الزّاد .. هل نامُوا وَما أكـَلوا
وَتـُطفيءُ النّور..لو..لو مَرَّة ًفـَعَلوا !
وَفيكَ ألفُ ابتِهـال ٍ لو نـَسُـوه ُ لكي
بِـِهم عيونـُكَ قـَبلَ النـَّوم ِ تـَكتَحِلُ !
* * *
لا تـَطرُق ِالباب..كانوا حينَ تَطرُقـُها
لا يـَنزلونَ إلـيهـا .. كنتَ تـَنفـَعِلُ
وَيـَضحَكون..وقد تقسُـو فـَتـَشتمُهُم
وأنتَ في السِّـرِّ مَشبوبُ الهـَوى جَذِلُ
حتى إذا فـَتَحوها ، والتـَقـَيْتَ بِهـِم
كادَتْ دموعـُكَ فـَرْط َالحُبِّ تـَنهَمِلُ !
* * *
لا تـَطرُقِ ِالباب..مِن يَومَين تَطرُقـُها
لكنـَّهم يا غـَزيرَ الشـَّيبِ ما نـَزَلوا !
سَتـُبصِرُ الغـُرَفَ البَـكمـاءَ مُطفـَأة ً
أضواؤهـا .. وبَـقاياهـُم بها هـَمَـلُ
قـُمصانـُهُم..كتبٌ في الرَّفِّ..أشْرِطـَة ٌ 
على الأسـِرَّة ِ عـافـُوها وَما سَـألوا
كانَتْ أعـَزَّ عليهـِم من نـَواظـِرهـِم
وَهـا علـَيها سروبُ النـَّمْل ِ تـَنتَـقِلُ 
وَسَوفَ تَلقى لـُقىً..كَم شاكـَسوكَ لِكَي
تـَبقى لهم .. ثمَّ عافـُوهـُنَّ وارتـَحَلوا 
خـُذ ْها..لمـاذا إذ َنْ تـَبكي وَتـَلثمـُها؟
كانـَت أعَـزَّ مُنـاهـُم هـذه ِالقـُبَـلُ !
* * *
يا أدمـُعَ العَين .. مَن منكـُم يُشـاطِرُني
هـذا المَسـاء ، وَبـَدْرُ الحُزن ِيَكتـَمِلُ ؟
هـا بَيتيَ الواسـِعُ الفـَضفاضُ يَنظرُ لي
وَكلُّ بـابٍ بـِه ِ مِزلاجـُهـا عـَجـِلُ
كـأنَّ صـَوتاً يـُناديـني ، وأسـمَعـُه ُ
ياحارِسَ الدّار..أهلُ الدارِ لن يـَصِلوا


في عام 2012 ومع اشتداد المذابح في جمهورية العراق وجريان الدم في الشوارع، كتب الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد وهو يعبر عن حزنه على أهله من الصابئة الذين تعرضوا لمذابح دموية وخرج العديد منهم من دولة العراق مهجرين ضاربين في أقاصي الأرض. اصطحب ذلك الشاعر، الذي لُقب بشاعر أم المعارك وشاعر القادسية وشاعر القرنين والنهر الثالث وأمير الشعراء العرب والمتنبي الأخير، رواد الشعر الحر مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وشاذل طاقة عندما كانوا طلبةًا في دار المدرسين عاقبة الأربعينيات من القرن الزمن الفائت، وقد أبدع في الشعر الحر ولكنه كان يميل إلى كتابة القصيدة العمودية العربية ويفضلها على الشعر الحر، لأن العمودي هو شعر المنابر وهو انسان منبري بطبعه. كان شاعرا غزير الإصدار حيث نشر 59 ديوانا شعريا نشرت أول قصائده عام 1945 ونشر أول ديوان له عام 1950، ومن ضمن دواوينه: لعنة الشيطان، طيبة، قصائد كانت ممنوعة، أوراق على رصيف الذاكرة، خيمة على مشارف الاربعين، الخيمة الثانية، في لهيب القادسية، أنسوكلوبيديا الحب، قمر في شواطئ العمارة، في مواسم المجهود و120 قصيدة حب وغيرها من الدواوين فضلا على ذلك 10 مسرحيات شعرية من بينها «الحر الرياحي» و«الصوت» و«الملكات» إضافة إلى ما كتب إلى دار الأزياء العراقية و22 قصة شعرية للأطفال والعديد من الأناشيد الوطنية. مثلما ترجمت قصائده إلى لغات غير مشابهة منها، الإنكليزية والفنلندية والروسية والألمانية والرومانية واليوغسلافية. يعتنق الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد الديانة الصابئية المندائية وهو الذي ترجم إلى اللغة العربية الكتاب المقدس للديانة الصابئية المندائية «كنز ربا». وكتب في مجلة «صروح السورية» دراسة مطولة عن تلك الديانة وتوضيح فيها أصولها والمجوهرات اللاهوتية التي تعتبر أساسيات تلك الديانة، وتاريخها. مثلما توضيح العقائد التي يستند عليها ذلك الدين: كالعقيدة في الله، والعقيدة في الروحانيات والعقيدة في النبوة وأخيرًا العقيدة في الوفاة والحياة الأخرى والجنة والنار. وهو واحد من مؤسسي نادي التعارف للطائفة المندائية في مطلع السبعينيات. ولد الشاعر في 1 تموز 1930 في بغداد وانتقلت أسرته إلى محافظة ميسان في جنوب دولة العراق حيث عاش طفولته هناك، تطلع من دار المدرسين العالية (كلية التربية في الوقت الحاليّ) عام 1952م، وعمل معلمًا للغة العربية في المدارس الثانوية. قرينته طبيبة، وله ابنة وثلاثة أبناء. وساهم في أغلب جلسات المربد الشعري العراقي. 
شغل مناصب مرموقة في وزارة الثقافة والإعلام العراقية، وقد كان رئيس تحرير مجلة أقلام ومعاون عميد معهد الفنون الجميلة والمدير العام للمكتبة الوطنية العراقية والمدير العام لدار ثقافة الاطفال وعميد معهد الدراسات النغمية ومستشار وزير الثقافة والإعلام. ولقد كتب عنه حديثا الباحث صبيحة نجم عبدالله برقية ماجستير بمدينة عمان. من قصائده التي كتبها في أعقاب انتزاع جمهورية العراق هي قصيدة «يا نائي الدار» التي كتبها في باريس بتاريخ 14 تموز 2004.

Post a Comment

Previous Post Next Post