النظام التعليمي في عهد الاستعمار الفرنسي :
لقد كان التعليم بمؤسساته المختلفة مزدهرا نسبيا قبل دخول الاستعمار الفرنسي نتيجة لضخامة الأوقاف المخصصة له، وذلك باعتراف الفرنسيين أنفسهم، ومن أولى الخطوات التي قام بها الاستعمار الفرنسي الاستيلاء على أملاك الأوقاف التي تمول الخدمات الثقافية والدينية والاجتماعية للمسلمين، حيث أصدر كلوزال (Clauzel) الحاكم الفرنسي العسكري قرارا يوم 7ديسمبر 1830- بهذا الشأن-  مما أدى إلى أثر جد سلبي على نشاط التعليم الذي كان يعتمد على الأوقاف في مصاريفه، كما استشهد كثير من علماء الدين وتشتت شملهم وهاجر غالبيتهم ممن بقوا على قيد الحياة إلى المشرق العربي، وإلى تونس وتركيا. كما حول المستعمر الفرنسي عدد من المساجد الكبيرة إلى كنائس للمسحيين مثلما هو الحال بالنسبة لجامع كتشاوة بالعاصمة، والمدرسة والزاوية التابعة للجامع الكبير حولت إلى حمام فرنسي، وهكذا عملت فرنسا على القضاء على التعليم في الجزائر معتمدة التجهيل والتفقير بهدف الفرنسة والتنصير. لقد كانت أول مدرس فرنسية لتعليم أبناء الأهالي الجزائريين، هي المدرسة الفرنسية الإسلامية 1836 بمدينة الجزائر، ثم تلتها بعد ذلك مدارس في أهم المدن التي تخضع للسلطة الفرنسية، حتى بلغ تلاميذ هذه المدارس بعد 20 سنة من الاحتلال- 1850-  646 تلميذ جزائري فقط.
  وتبقى الكتاتيب القرآنية والمساجد والزوايا تستمر في دورها التعليمي،وتعتبر بمثابة الدرع الواقي من صدمات الاستعمار ومن محاولاته الاستعمارية، وارتبط اسمها باسم جمعية العلماء المسلمين بزعامة عبد الحميد ابن باديس، و قد عملت هذه الجمعية على بناء مدارس تابعة لها لمحاربة الجهل والأمية في مختلف أنحاء الجزائر،رغم استفزازات المستعمر الفرنسي لها، وقد آمن ابن باديس أن العمل الأول لمقاومة الاحتلال الفرنسي هو التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى ومقومة الزيف والخرافات ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت الاستعمار.
تنبهت فرنسا إلى خطر هذه الجمعية فعطلت المدارس وزجت بالمدرسين في السجون وأعطت تعليمات بمراقبة علمائها.
ففرنسا منذ أن وطأت قدمها الجزائر(1830) عملت على القضاء على منابع الثقافة الإسلامية، فأغلقت نحو ألف مدرسة ابتدائية وثانوية كانت تضم أكثر من 150ألف طالب،ووضعت قيودا لفتح المدارس واقتصرتها على حفظ القرآن لا غير مع عدم التعرض لتفسير آيات القرآن خصوصا الآيات التي تدعو إلى التحرر، وعدم دراسة تاريخ الجزائر وتحريم المواد العلمية والرياضية.حتى المدارس المفتوحة للجزائريين فقد كان مضمونها يختلف عن مضمون المدارس التي كان يدرس بها الفرنسيين، فالسنة الأولى من التعليم الابتدائي(خاصة بالأهالي) يتعلم فيها الأهالي مبادئ اللغة الفرنسية، ولا يتم تسجيلهم إلا بعد تجاوزهم سن السادسة، فضلا عن ذلك كان التعليم يتسم بالتباين من منطقة إلى أخرى، والفوارق كانت موجودة بين نسب البنين والبنات، أما أبواب مدارس الحضانة ورياض الأطفال فكانت مسدودة في وجوه الأطفال الجزائريين ولم تفتح إلا للفرنسيين.
والنظام التعليمي الفرنسي المعمول به قبل الاستقلال بلغ إلى حد منع التلميذ الجزائري التلفظ في القسم أو حتى في فناء المدرسة بعبارة غير فرنسية وإجباره على حفظ التاريخ الفرنسي_و هو تاريخ غريب عنه وعن أجداده_وذلك بقصد عزله عن محيطه الطبيعي وتشويه انتمائه التاريخي والحضاري

Post a Comment

أحدث أقدم