حركية السياق السوسيوسياسي تفيدنا في تلمس مدى ارتقاء المسألة التربوية
إن حركية السياق السوسيوسياسي تفيدنا في تلمس مدى ارتقاء المسألة التربوية لتكون عاملا من العوامل المجسدة لهذه الحركية، وقطبا يتمحور حوله شطر من الدينامية المجتمعية في منواليها السياسي والثقافي. إن فحصا دقيقا لهذه القضية يبين اقتران المنظومة التعليمية في أهم جوانبها بملابسات الحقل العمومي المغربي، وهو أمر لا ندركه فقط في الحاجة المجتمعية المتواصلة إلى إنتاج النخب السياسية والإدارية والفكرية، بل إننا نستشفه أيضا في الدور المزدوج للمدرسة، والمتمثل في انشراط مدها التحديثي بممارسات تربوية/اجتماعية تروم إعادة إنتاج الشروط الثقافية والأخلاقية المغذية لبعض أنماط العنف الاجتماعي أو لبعض أشكال الإقصاء الثقافي والإيديولوجي وإذا كان الرهان حول المدرسة لا يقف عند حاجة الترقي الاجتماعي بمفردها، فإن المطلب الثقافي والسياسي لهذا الرهان هو الذي يمنح للنسق التربوي إمكانية تدبير القيم وفق الأوجه المختلفة والمتفاوتة التي تستوجبها عملية التدبير، ومن خلال الطاقات التربوية والمعرفية والبشرية التي يتوفر عليها هذا النسق. ومن المؤكد أن مفعول هذه الوظيفة لا يتجلى في تنمية وتفعيل الطاقات الأساسية للسياق السوسيوسياسي فقط، بل إنه يظهر كذلك في تنامي وتوسع النقاش العمومي حول المدرسة وحول مهنة التدريس بالتحديد، والذي تساهم فيه الدوائر المؤسساتية الرسمية وعناصر الحقل السياسي والأنسجة الجمعوية والمدنية وأطراف النخبة الفكرية. إننا على وعي بالعلاقة الوثيقة بين هذا النقاش وتداعيات المنظومة السياسية المغربية. فبقدر ما تجعله ممتدا ومتشعبا وخصبا في لحظات معينة، بقدر ما تؤول به في لحظات أخرى إلى انحسار وجزر ومحدودية، خاصة عندما تركن المكونات الوازنة لهذه المنظومة إلى رهانات ضيقة لا تراعي الحاجات التربوية الموضوعية للمجتمع ولا تقيم لها حسابا. ولكن الأهم في كل ذلك هو انبثاق قضايا حقيقية يستمد منها هذا النقاش مبرر وجوده واستمراريته وتطوره. فإذا كانت قضية الإصلاح والتجديد التربويين هي أم القضايا في هذا الباب، فإن الاختيارات الأساسية التي ينبغي أن يرتكز عليها الإصلاح، والإمكانيات الضرورية التي يجب أن تتوفر له والاستراتيجيات البيداغوجية والمعرفية والقيمية التي ينبغي أن يسير على منوالها، هي باقي القضايا التي تجسد مشروعية هذا النقاش، خاصة وأن بعض منطلقاته وتفاعلاته تستحضر أزمة المنظومة التربوية وتعتبر المنوال المؤسسي المتطور والبحث العلمي المتنامي والموارد البشرية المؤهلة أسسا ضرورية لتجاوزها. ولن نكون مجانبين للصواب إذا اعتبرنا النقاش العمومي حول القضايا التعليمية بوجه عام طافحا بأبعاد تجسد وعيا متقدما بالمسألة التربوية،

Post a Comment

Previous Post Next Post