تجديد النحو وتيسير النحو التعليمي قديما وحديثا
لقد انبنت محاولات د/شوقي التمسك بكثير من الأفكار التي ذكرها " ابن مضاء " . وإلى جانب إقراره بتلك الأفكار ، دعا د/ شوقي ضيف إلى :
1 - إعادة تنسيق أبواب النحو .
2 - إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي ، وحذف أبواب كثيرة لها علاقة بهذا الباب .
3 - الإعراب لصحة النطق .
4 - وضع ضوابط وتعريفات دقيقة .
5 - حذف زوائد كثيرة .
6 - استكمالات لنواقص ضرورية .
وما يلاحظ على أعمال د/ شوقي ضيف أنه عالج فيها مسألة تيسير النحو معالجة نحوية محضة ، ولم يعالجها معالجة تعليمية ، فيستعين فيها بالمعطيات المكتشفة في حقل تعليمية اللغات .
- وكان من تلك المحاولات ، ما أقدم عليه " الدكتور تمام حسان " في كتابه " اللغة العربية معناها ومبناها " ؛ حيث أراد أن يؤسس لنظرية جديدة تغني - في زعمه - عن نظرية العامل التي لم تنجح المحاولات السابقة في هدمها . فكان من تجديده المزعوم " نظرية تظافر القرائن " (40) اللفظية والمعنوية ، فهي مسؤولة كلها عن أمن اللبس وعن وضوح المعنى ، ولا تعطي للعلامة الإعرابية من الاهتمام ما يجعلها أفضل القرائن . وللوصول إلى تحديد المعنى الوظيفي للكملة في الجملة ، يقترح د/ تمام حسان جملة من القرائن ؛ فمثلا للكشف عن معنى الفاعلية في جملة " ضرب زيدٌ عمرًا " لا بد من تحديد سبع قرائن (41) !!
صحيح أن العلامة الإعرابية هي قرينة من القرائن اللفظية ، لكنها القرينة الأساسية ، لا سيما عندما يكون الكلام غير ملبس ولا مبهم . والسؤال الذي ينبغي طرحه هنا هو : أي المنهجين أفضل ؟ بل أي المنهجين أبسط وأسهل ؟ البحث عن تظافر القرائن المتشعبة أم البحث عن قرينة واحدة ( وهي الحركة الإعرابية ) ؟
إن الكشف عن قرينة التعليق - التي دعا إليها د/ تمام حسان - تفوق صعوبتها بكثير صعوبة الكشف عن الحركة . فالقرائن كثيرة جدا ، بحيث يبدو العامل النحوي مقارنة بها ألعوبة أطفال (42) .
- وكان منها كذلك ما أقدم عليه د/ مهدي المخزومي في كتابيه " في النحو العربي نقد وتوجيه" و" في النحو العربي قواعد وتطبيق " ، حيث يرى أن محاولات التيسير التي ظهرت في الكتب المدرسية حديثا لم تقدم شيئا جديدا ، والتيسير المنشود - في رأيه - لا يقوم على الاختصار ، ولا على حذف الشروح النحوية والتعليقات والحواشي التي تملأ بطون كتب النحو ، ولكنه ينبني على العرض الجديد لموضوعات النحو من خلال إصلاح شامل لمنهج الدرس النحوي وموضوعاته أصولا وفروعا (43) . وأهم هذه الإصلاحات ، وأولاها بالعناية - كما يزعم - تخليص النحو مما علق به من شوائب وفلسفة حملتها فكرة العامل ، تلك الفكرة التي زعم أنها حرفت النحو عن مساره ، فتحول شيئا فشيئا إلى درس ملفق غريب ، ليس فيه من سمات الدرس اللغوي إلا مظهره وشكله ، مما أصبح به النحو درسا في الجدل يعرض النحاة فيه قدراتهم على التحليل العقلي (44) .
لقد صرح د/ مهدي المخزومي بوضوح أكثر من مرة ، بأنه حاول في كتابيه أن يجدد موضوع الدرس النحوي ، وأن يعيد للنحو ما فقده بإبطال فكرة العامل ، إذ يقول : » فقد حاولت في هذه الفصول أن أخلص الدرس النحوي من سيطرة المنهج الفلسفي عليه ، وأن أسلب العامل النحوي قدرته على العمل ... وإذا بطلت فكرة العامل بطل كل ما عقّدوا من أبواب أساسها القول بالعامل كباب التنازع وباب الاشتغال (45) ، ثم بطل كل ما انتهوا إليه من أحكام « (46) .
لقد بالغ د/ مهدي المخزومي في نقده للاتجاه القديم في الدرس النحوي . فكل شيء - في زعمه - أسس على أصول غير سليمة ، وكل شيء تحدث عنه القدماء لا صلة له بالدرس اللغوي أو النحوي . فالأصول التي تأسس عليها النحو العربي - في نظره - ليست من النحو في شيء ، بل هي دخيلة غريبة عن مجال اللغة والنحو ، وليست الحركات في زعمه آثارا للعوامل ، ولكنها عوارض لغوية اقتضاها أسلوب العربية ، وليس في النحو عامل ، وكل ما بني على ذلك من أحكام ينهار ويزول (47) . وهذا غلو في تهوين ما قام به النحاة الأوائل .
وما يلاحظ على هذه الأفكار أن د/ مهدي المخزومي هو الآخر - كسابقيه - لا يفرق بين النحو العلمي ، الذي ينبغي أن يكون عميقا مجردا ، وبين النحو التربوي الخاص بالتعليم . وللإشارة ، فإن آراءه الجديدة ليست أصيلة ، فهي في مجملها صورة طبق الأصل لما جاء في كتاب " الرد على النحاة " لابن مضاء ، وكتاب " إحياء النحو " لأستاذه إبراهيم مصطفى ، مع شيء من الاحتجاج والتوسع والتمحل ؛ إذ نكاد نلحظ ذلك في جميع أبواب كتابيه تقريبا .
إرسال تعليق